زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
اللغو سلاح للخداع
هناك مثل إنجليزي يقول: كيف تعرف أن السياسي يكذب؟ الإجابة: عندما ترى شفتيه تتحركان. في مدينة سودانية عملت بها في بداية حياتي العملية، لفت نظري شاب يملك قدرات خطابية عالية، ولا يتلجلج أمام الميكروفون، بل تتدفق الكلمات من فمه كالشلال مشحونة بالمعلومات الدسمة، ومن ثم فقد كانت خطبه السياسية تستقطب جمهورا كبيرا، ما جعله نجما مرموقا في صفوف الحزب الذي كان ينتمي اليه، لكنني لاحظت أنه يتلاعب بالحقائق والأرقام والتواريخ، ولا يتردد في القول بأن حدثا مهما وقع في اليوم الحادي والثلاثين من فبراير، بل كان -مثلا- «يوثق» كلامه بتأكيد أن الزعيم السوداني الكبير إسماعيل الازهري خاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة في تمام التاسعة صباحا بتوقيت الخرطوم في الخامس من مارس من عام 1935 طالبا الدعم لإخراج الإنجليز من السودان، وكان الناس يعجبون بذاكرته الفذة التي تختزن تفاصيل الأشياء، ولكن قلة منهم كانت تنتبه إلى أنه لم تكن هناك أمم متحدة عام 1935، وأن الأزهري لم يسافر إلى نيويورك في تلك السنة ولا بعدها بعشر سنوات، وقد قاطعته مرة منبها إياه إلى أن التواريخ التي أوردها غير صحيحة فأفحمني بسيل من الأكاذيب مثل: راجع الطبعة الثالثة من صحيفة نيويورك تايمز ليوم الخميس 6 أبريل من عام 1955 وأخرج من جيبه شريطا مسجلا زعم أن به خطبة لزعيم مات قبل اختراع التسجيل الصوتي، وصادقت الرجل لاحقا واعترف لي أن الخطابة المنبرية تتطلب جرأة في طرح الحقائق والأرقام بغض النظر عن صحتها، واعترف أيضا أن الغوغائية سلاح فعال للتعبئة السياسية، وأنه لا بأس في أن تدرك قلة انه خراط وهجاص وشلاخ وأفاق طالما غالبية مستمعيه مقتنعون بصحة ما يقول، وأضاف أن الساسة يكذبون ويحولون العجز في الميزانية الى فائض، وإذا افتتحوا سوقا جديدة للعلف زعموا انه بداية طفرة صناعية، وإذا حدث شح في المواد التموينية قالوا إنه مؤامرة إمبريالية «تهدف إلى النيل من مكتسبات الثورة». وكانت زبدة كلامه أن الجماهير العربية تحب من «يشحنها عاطفيا». ويقول لها مثلا إن التخلص من إسرائيل «مسألة وقت»، وتحكم على السياسي بالنجاح استنادا إلى قدراته الخطابية، مصداقا لمقولة المفكر السعودي الراحل عبدالله العصيمي بأن العرب «ظاهرة صوتية».
وبما أنني أسرق الكثير من أفكار ومضامين مقالاتي من رسائل الأصدقاء التي تأتيني عبر الانترنت، فلا بأس في أن أسرد عليكم حكاية طريفة – ربما سمع بها بعضكم – عن عالم الرياضيات الفذ البرت اينشتاين صاحب النظرية النسبية، فقد سئم الرجل تقديم المحاضرات بعد أن تكاثرت عليه الدعوات من الجامعات والجمعيات العلمية، وذات يوم وبينما كان في طريقه الى محاضرة، قال له سائق سيارته: أعلم يا سيدي انك مللت تقديم المحاضرات وتلقي الاسئلة، فما قولك في أن انوب عنك في محاضرة اليوم خاصة وان شعري منكوش ومنتف مثل شعرك، وشكلي مبهدل مثلك، وبيني وبينك شبه ليس بالقليل، ولأنني استمعت الى العشرات من محاضراتك فإن لدي فكرة لا بأس بها عن النظرية النسبية، وأستطيع أن أفوز بتقدير المستمعين بمصطلحات علمية بعضها صحيح وبعضها مفبرك، ولكن لو صدقوا إنني انت (آينشتاين) فإن المسألة ستعدي على خير، فأعجب اينشتاين بالفكرة وتبادلا الملابس، ووصلا إلى قاعة المحاضرة، حيث وقف السائق على المنصة وجلس العالم العبقري الذي كان يرتدي زي السائق في الصفوف الخلفية، وسارت المحاضرة على ما يرام إلى ان وقف بروفيسور متنطع وطرح سؤالا من الوزن الثقيل وهو يحس بأنه سيحرج به اينشتاين، هنا ابتسم السائق المستهبل وقال للبروفيسور: سؤالك هذا ساذج بدرجة أنني سأكلف سائقي الذي يجلس في الصفوف الخلفية بالرد عليه. وبالطبع فقد قدم «السائق» ردا جعل البروفيسور يتضاءل خجلا!!
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك