تقول ديبورا توم في كتابها ابحث عن التوازن: «لكي تحقق التوازن في العمل والحياة عليك بثلاثة أشياء هي إدراك الذات.. وإحداث التغيير.. والحفاظ على التوازن»!!
لا شك أن الطريق نحو تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية ليس ممهدا أو يسيرا بل مليئا بالمطبات والعثرات، الأمر الذي يتطلب التمتع بمهارات خاصة للنظر إلى الكيفية التي ترى بها الأشياء ومن ثم إحداث فارق للوصول إلى الرضا والسعادة.
وذلك كان هدفها الأساسي الذي طالما سعت إلى تحقيقه عبر مشوارها الثري بالإنجازات والكفاحات، والذي قدمت خلاله الكثير من التضحيات لتصل إلى تلك المكانة المرموقة في عالم النساء البحرينيات وتترك بصمة خاصة بها في مجالها.
هدى محمد علي المدحوب، رئيسة قسم العمارة والتصميم الداخلي بجامعة البحرين أول بحرينية تفوز بجائزة حمدان بن محمد للإدارة المبتكرة للمشاريع الفئة الأكاديمية، حاصلة على تكريم جلالة الملك للعطاء الذهبي وعلى المركز الثاني في هاكاثون المرأة مع فريقها وعلى أول رسالة دكتوراه من نوعها من بريطانيا، كانت العربية الوحيدة التي أسهمت في إصدار كتابين عالميين، حددت أهدافها بوضوح وسعت بكل قوة وإصرار نحو تحقيق التميز فحطمت كل القيود والحواجز وواجهت الكثير من التحديات وكان لها ما أرادت.
«أخبار الخليج» توقفت عند هذه التجربة الثرية في الحوار التالي:
حدثينا عن نشأتك؟
لقد نشأت في عائلة متوسطة الحال، وكنت طفلة مجتهدة ومتميزة ومتعددة المواهب والأنشطة منذ نعومة أظافري، وكان لوالدتي دور كبير في زرع روح المسؤولية والالتزام بداخلي، وقد فزت بجوائز عديدة في رياضة كرة السلة، وكنت أهوى فن الرسم بشدة، وكان حلمي أن ادرس الهندسة في المستقبل ولي في ذلك قدوة وهي أختي المبدعة في هذا المجال، وبالفعل هذا ما أقدمت عليه رغم حصولي على بعثة لدراسة تخصص آخر في الخارج، الأمر الذي أحدث نقلة في مسيرتي.
وما هي تلك النقلة؟
حين حرمت لظروف خاصة من الدراسة في الخارج بعد حصولي على بعثة أصبت بنوع من الحزن بعض الشيء، ولكن عوضني الله سبحانه وتعالى خيرا، حيث أقبلت على دراسة التخصص الذي يمثل لي شغفا كبيرا وذلك بجامعة البحرين، وقد حصلت على بعثتين لدراسة رسالتي الماجستير والدكتوراه ونلتهما مع مرتبة الشرف، علما بأنه بعد منحي درجة الماجستير عملت لدى كلية لندن الجامعية ثم عقب عامين تم ابتعاثي مرة أخرى لدراسة الدكتوراه في نفس الجامعة ولمدة أربع سنوات كأول رسالة من نوعها، وكانت الغربة تجربة صعبة وممتعة ومختلفة.
وجه الصعوبة والاختلاف؟
الصعوبة كانت في الغربة عن الوطن والتعايش مع ظروفها بصحبة طفلين صغيرين وخاصة أثناء دراسة رسالة الدكتوراه ولكني مع الوقت تأقلمت على وضعي الجديد وتم ذلك بتعاون ودعم زوجي، وقد اجتهدت كي أثبت انني على قدر هذه المسؤولية، أما اختلاف التجربة فكان يتعلق بأسلوب التدريس الذي يعتمد على الاستقلالية التامة للطالب وكذلك التعامل مع شخصيات وثقافات مختلفة ومتنوعة، وكنت أول بحرينية تحصل على الدكتوراه في هذا المجال، وأعددت مشروعي بالتعاون مع وزارة المواصلات في لندن.
ما موضوع الرسالة؟
موضوع الرسالة كان عبارة عن إعداد مشروع لتوسعة إحدى محطات المترو هناك وقد تطرقت فيها إلى العلاقة بين الأشخاص المختلفة المنفذين له في كافة مراحله وخاصة في مرحلة التصميم، وتأثير ذلك على مخرجاته، وبعد حصولي على رسالة الدكتوراه عدت إلى البحرين وعملت في منصب أستاذ مساعد بجامعة البحرين ثم منسقة برنامج العمارة، بعدها ترأست قسم العمارة والتصميم الداخلي وكنت أصغر شخص يحتل هذا المنصب.
فاتورة النجاح؟
أنا أرى أن أي امرأة عاملة وناجحة لا بد أن تقدم بعض التضحيات، فهناك أشياء تأتي على حساب أشياء أخرى، ويظل النجاح هنا مرهونا بمدى الجهد الذي تبذله في سبيل تحقيق نوع من التوازن بين عملها وأسرتها بقدر الإمكان، وهي معادلة صعبة بالطبع، وشخصيا حاولت الوصول إلى ذلك وسأظل لبلوغ أكبر قدر من هذه الموازنة، وخاصة فيما يتعلق بحقوق أطفالي، وهذا أمر طبيعي يواجه أي زوجة تتمتع بطموح علمي وعملي، ويمثل بالنسبة لها تحديا كبيرا عبر مسيرتها.
إنجازات تفخرين بها؟
لا شك أن حصولي على رسالة الدكتوراه كان من أهم التحديات والإنجازات التي حققتها وكانت وراء نيلي جائزة الشيخ حمدان بن محمد في إدارة المشاريع، وذلك لحداثة مضمونها وتطرقها إلى النظرة غير التقليدية للعلاقة بين الأشخاص في كل مراحل المشروع، وهو أمر لم يكن مطروحا من قبل، وما أسعدني وأشعرني بالفخر كثيرا أنه تم الاستفادة من رسالتي على أرض الواقع هناك كما أن هناك إنجازا آخر أعتز به.
وما هو؟
من الإنجازات المهمة التي حققتها المشاركة في هاكاثون المرأة البحرينية عام 2019 ضمن فريق مكون من خمس سيدات في تخصصات مختلفة وكان من خلال مشروع يتعلق بتدوير النفايات، وتقديم حلول ذكية لهذه المشكلة، وذلك من بين 12 مشروعا، وقد تم تكريمي من قبل الأستاذة هالة الانصاري في يوم المرأة البحرينية الذي نظمه المجلس الأعلى للمرأة بالتعاون مع جامعة بوليتكنك ومسرعة الأعمال «برينك – بتلكو» تحت عنوان «تنافس وابتكار» ، وحصدنا المركز الثاني للحل المبتكر الذي قدمناه وخاصة فيما يتعلق بالربط بين عدة دوائر حكومية من ثم ابراز أهمية الشراكة المجتمعية تجاه أي مشكلة للتصدي لها وهو من الحلول التي يمكن تطبيقها على أرض الواقع.
أهم المحطات؟
كان حصولي على تكريم من جلالة الملك المعظم من أهم المحطات في مشواري، حيث تم إدراجي ضمن المنجزين في قائمة ميثاق من ذهب، وذلك عن رسالة الدكتوراه التي استحققت عنها جائزة حمدان بين محمد، فضلا عن المشاركة في إصدار كتابين عالميين بالشراكة مع عدد من المؤلفين الأجانب الأول عن استخدام أدوات التحليل الشبكي والثاني عن تنظيم مشاريع البناء بالتعاون مع الجامعة في لندن الأمر الذي مثل نقلة في طريقة إدارة مشاريع البناء، وقد تم طبعهما ونشرهما، وكنت العربية الوحيدة من بين جميع المؤلفين.
من وراء نجاحك؟
والدتي هي قدوتي وأكبر داعم لي في كل خطواتي، كذلك لا يمكن نكران دور زوجي في تحقيق ما وصلت اليه اليوم وتشجيعه الدائم لي ومؤازرتي بصفة مستمرة عبر مسيرتي، ومن المؤكد أن السعي والاجتهاد بإمكانهما أن يصلا بأي شخص لتحقيق طموحه وبلوغ أهدافه، وذلك انطلاقا من المبدأ الذي أؤمن به بشدة ويقول «من جد وجد» وهذا ما أحرص دوما على غرسه في نفوس ابنائي، فضلا عن أهمية تقدير قيمة الأشياء التي يمتلكونها، وهو شيء يفتقده الكثير من أبناء الجيل الجديد للأسف الشديد، إلى جانب التأكيد على المبادئ والقيم الجميلة التي تربينا عليها جميعا كاحترام الأبوين والمعلم والانضباط والالتزام بالقوانين على سبيل المثال لا الحصر.
نصيحتك لأي امرأة؟
مبدئي في الحياة هو التوكل على الله سبحانه وتعالى وإيماني بأن الإنسان يأخذ بقدر ما يعطي، وعموما أرى أن المرأة العربية بشكل عام تواجه ثقافة مجتمعية سلبية في بعض الأوقات قد تعطلها أو تمثل ضغوطا عليها، لذلك أنصحها بعدم التوقف امام أي عثرات، وأن تحقق استقلاليتها المادية، وتبحث عن شغفها، وان تكتفي بدورها المطلوب منها وتتجنب عملية تبادل الأدوار مع الرجل التي بتنا نعاني منها اليوم، وعدم رفع شعار المساواة المطلقة لأنها بذلك تتخلى عن فطرتها التي خلقها الله سبحانه وتعالى عليها، اللهم إلا في الحقوق فقط.
حلمك القادم؟
أولا وعلى الصعيد الأسري اتمنى تعويض أبنائي عن انشغالي عنهم لسنوات طوال في سبيل تحقيق الكثير من الأهداف والطموحات، وثانيا بذل أقصي ما عندي من طاقة وجهد لإحراز المزيد من التطور والتقدم المهني والعلمي، بمعنى آخر أطمح إلى مواصلة مشوار العطاء على كافة الأصعدة مهما واجهت من عثرات وتحديات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك