العدد : ١٧١٩٨ - الخميس ٢٤ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩٨ - الخميس ٢٤ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أوهام نظرية الأمن الإسرائيلي!

بقلم: د. أحمد رفيق عوض

الأربعاء ٢٣ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

كثير‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬والعسكريين‭ ‬والأكاديميين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬الذين‭ ‬يدعون‭ ‬أنهم‭ ‬الأقدر‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬يسمونه‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وأنهم‭ ‬الأنجع‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬ومع‭ ‬ظواهره،‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬فسيفساء‭ ‬عرقية‭ ‬وطائفية‭ ‬منطقة‭ ‬هشّة‭ ‬دائمة‭ ‬التغير‭ ‬وكثيرة‭ ‬الصراعات،‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الشرعيات‭ ‬والثوابت،‭ ‬وتعبد‭ ‬القوة‭ ‬بكل‭ ‬صورها‭ ‬وتجلياتها،‭ ‬ويعتقدون‭ ‬أن‭ ‬شعوب‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬وطوائفها‭ ‬طارئون‭ ‬ولم‭ ‬يطوروا‭ ‬يوماً‭ ‬دولاً‭ ‬راسخة‭ ‬أو‭ ‬أنظمة‭ ‬مستقرة،‭ ‬حتى‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬هنا‭ ‬كانت‭ ‬دولاً‭ ‬إقطاعية‭ ‬عشائرية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬العصبية‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬القومية‭ ‬أو‭ ‬الوطنية‭.‬

المشكلة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تتعامل‭ ‬معنا‭ ‬بهذه‭ ‬العقلية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬والاستشراقية‭. ‬بمعنى‭ ‬أنها‭ ‬تتعامل‭ ‬معنا‭ ‬ومع‭ ‬شعوب‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أننا‭ ‬لسنا‭ ‬شعوباً‭ ‬ناضجة‭ ‬ولسنا‭ ‬دولاً‭ ‬حقيقة‭ ‬أيضاً‭.‬

فالمؤسسة‭ ‬الأمنية‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬وصاحبة‭ ‬القرار‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬تعتقد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬أمن‭ ‬دائم‭ ‬ولا‭ ‬أقول‭ ‬سلاماً‭ ‬دائماً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إجراءات‭ ‬القوة‭ ‬بكل‭ ‬أشكالها،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬الأرض‭ ‬وطرد‭ ‬أهلها‭ ‬أو‭ ‬التنكيل‭ ‬بهم‭ ‬أو‭ ‬حرمانهم‭ ‬من‭ ‬ثرواتهم‭ ‬وسلبهم‭ ‬حقوقهم،‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬حياتهم،‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬نشاطهم‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬المواجهة،‭ ‬ومنعهم‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬الحقوق‭ ‬الأساسية،‭ ‬ودفعهم‭ ‬إلى‭ ‬الإحساس‭ ‬بأنهم‭ ‬داخل‭ ‬سجن‭ ‬كبير‭ ‬غير‭ ‬مسموح‭ ‬لهم‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الامتيازات‭ ‬التي‭ ‬يمتلكها‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬يعيش‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ ‬بكامل‭ ‬حريته،‭ ‬ولهذا‭ ‬عمدت‭ ‬المؤسسة‭ ‬الأمنية‭ ‬العسكرية‭ ‬وعلى‭ ‬مدار‭ ‬56‭ ‬سنة‭ ‬إلى‭ ‬تقييد‭ ‬الحريات‭ ‬والحركة‭ ‬والعمل‭ ‬والسفر‭ ‬والبناء‭ ‬والتعليم‭ ‬والتطور‭ ‬الحضري‭ ‬والسكاني،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منظومة‭ ‬قانونية‭ ‬تمييزية‭ ‬وتمدد‭ ‬الاستيطان‭ ‬وتغيير‭ ‬شبكة‭ ‬الطرق‭ ‬ومصادرة‭ ‬الأرض‭ ‬لاعتبارات‭ ‬شتى‭ ‬وطرد‭ ‬المواطنين،‭ ‬ومنعهم‭ ‬من‭ ‬البناء‭ ‬ودفعهم‭ ‬إلى‭ ‬مربعات‭ ‬سكانية‭ ‬تضيق‭ ‬وتضيق‭ ‬كلما‭ ‬تقدم‭ ‬فيها‭ ‬الزمن‭.‬

ولكن‭ ‬المؤسسة‭ ‬الأمنية‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لم‭ ‬تكتف‭ ‬بإجراءات‭ ‬القوة‭ ‬والإخضاع‭ ‬هذه‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬باهظة‭ ‬وقاسية،‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬أهدافها‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬إفقار‭ ‬المواطنين‭ ‬وإلحاقهم‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وتفكيك‭ ‬البنى‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بمدى‭ ‬معين،‭ ‬وكذلك‭ ‬دفعهم‭ ‬إلى‭ ‬الهجرة‭ ‬أو‭ ‬ترك‭ ‬مقاعد‭ ‬الدراسة‭ ‬أو‭ ‬الانغماس‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الجريمة‭.‬

المؤسسة‭ ‬الأمنية‭ ‬العسكرية‭ ‬لم‭ ‬تكتف‭ ‬كما‭ ‬قلت‭ ‬بإجراءات‭ ‬القوة‭ ‬هذه،‭ ‬بل‭ ‬عمدت‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬أداة‭ ‬أخرى‭ ‬للسيطرة‭ ‬والإخضاع،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المقترحات‭ ‬السياسية‭ ‬ومشاريع‭ ‬التسوية‭ ‬ووضع‭ ‬البدائل‭ ‬وطرح‭ ‬الخيارات‭ ‬السياسية‭ ‬المتعددة،‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬56‭ ‬سنة،‭ ‬فقد‭ ‬عمد‭ ‬المحتل‭ ‬إلى‭ ‬تجاوز‭ ‬خيارات‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ورموزه‭ ‬وممثله‭ ‬السياسي،‭ ‬حاول‭ ‬المحتل‭ ‬طيلة‭ ‬الوقت‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬قيادات‭ ‬بديلة‭ ‬وخططاً‭ ‬أخرى‭ ‬وأجساماً‭ ‬وهمية،‭ ‬وحاول‭ ‬أن‭ ‬يخلق‭ ‬حلولاً‭ ‬لا‭ ‬رجلين‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬يدين‭ ‬وأن‭ ‬يصطنع‭ ‬قبضايات‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المناطق‭ ‬والألوان‭ ‬والأهواء‭ .‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬لأسباب‭ ‬يطول‭ ‬شرحها‭ ‬ولا‭ ‬يحتملها‭ ‬مقال‭ ‬صحفي‭ ‬مثل‭ ‬هذا،‭ ‬لهذا‭ ‬عمدت‭ ‬المؤسسة‭ ‬الأمنية‭ ‬العسكرية‭ ‬إلى‭ ‬حلول‭ ‬أخرى‭ ‬جديدة‭ ‬مثل‭ ‬التفكيك‭ ‬والتشكيك‭ ‬والتفريق‭ ‬وعمليات‭ ‬الإغراء‭ ‬والإغواء‭ ‬وخطط‭ ‬التمويل‭ ‬والإيهام‭ ‬بالتمثيل‭. ‬

عمدت‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمنية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬وفائضها‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وإلى‭ ‬استخدام‭ ‬الوسائل‭ ‬الناعمة‭ ‬وخداعها،‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أن‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬واهمة‭ ‬ومتوهمة‭ ‬وطائشة‭ ‬وعاطفية‭ ‬وتصدق‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بقليل‭ ‬من‭ ‬الإغراء‭ ‬والإغواء‭.‬

إسرائيل‭ ‬لم‭ ‬تتخل‭ ‬يوماً‭ ‬عن‭ ‬محاولة‭ ‬ترسيخ‭ ‬أمنها‭ ‬ولا‭ ‬أقول‭ ‬سلامها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬العصا‭ ‬الغليظة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التفات‭ ‬إلى‭ ‬التسويات،‭ ‬وعن‭ ‬طريق‭ ‬سياسات‭ ‬ناعمة‭ ‬تعمل‭ ‬دون‭ ‬التفات‭ ‬إلى‭ ‬العصا‭ ‬الغليظة‭. ‬تبدو‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬غير‭ ‬مفهومة‭ ‬أو‭ ‬كأنها‭ ‬مجنونة‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬بدون‭ ‬كوابح‭ ‬قانونية‭ ‬أو‭ ‬ضوابط‭ ‬إنسانية‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭. ‬ما‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬كله؟‭! ‬المشكلة‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لم‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة،‭ ‬ولم‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬السلام‭ ‬أيضاً،‭ ‬فقد‭ ‬ظلت‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬دائمة‭ ‬تكلفها‭ ‬الكثير‭ ‬مادياً‭ ‬وبشرياً‭ ‬وظلت‭ ‬في‭ ‬اضطراب‭ ‬دائم‭ ‬وجدل‭ ‬هائل،‭ ‬وبالقدر‭ ‬الذي‭ ‬تغيرنا‭ ‬فيه‭ ‬نحن،‭ ‬فإن‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬تغير‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬بوتيرة‭ ‬أكبر،‭ ‬فإسرائيل‭ ‬تفقد‭ ‬حيويتها‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬الضامنة‭ ‬وعواملها‭ ‬الذاتية‭ ‬القوية‭ ‬وتنحدر‭ ‬إلى‭ ‬هوة‭ ‬التطرف‭ ‬والعنصرية‭ ‬ونذر‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية،‭ ‬وتفقد‭ ‬الألق‭ ‬والسمعة‭ ‬والاحترام،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تزداد‭ ‬فيه‭ ‬المخاطر‭ ‬والتحديات‭ ‬القريبة‭ ‬والبعيدة‭.‬

المشكلة‭ ‬في‭ ‬نظرية‭ ‬الأمن‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المتوهم‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬أنها‭ ‬تحتل‭ ‬وتصادر‭ ‬شعباً‭ ‬آخر،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬تطالب‭ ‬المنطقة‭ ‬ليس‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بذلك‭ ‬فقط‭ ‬وإنما‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬تحمل‭ ‬تبعاته،‭ ‬هذا‭ ‬احتلال‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وهذا‭ ‬صحيح‭ ‬أيضاً‭ ‬فالإسرائيلي‭ ‬المحتل‭ ‬لا‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬يمارس‭ ‬احتلالاً‭ ‬بشعاً‭ ‬بل‭ ‬يرى‭ ‬أنه‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬الذي‭ ‬هجره‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنه‭ ‬يقوم‭ ‬بترميمه‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬وعمليات‭ ‬الترميم‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬الخسائر‭. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬مشكلة‭ ‬الأمن‭ ‬الإسرائيلي‭: ‬أوهام‭ ‬كثيرة‭ ‬وجهود‭ ‬خارقة‭ ‬لإثبات‭ ‬صحتها‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يستقيم‭ ‬أبداً‭.‬

{ رئيس‭ ‬مركز‭ ‬القدس‭ ‬للدراسات‭ ‬المستقبلية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا