عاد موضوع البرنامج النووي الإيراني مجددا إلى الواجهة مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الحكم وتحول تدريجيا إلى نقطة ارتكاز ليس فقط في العلاقات الأمريكية الإيرانية وإنما إلى محور أساسي في العلاقات بين الإدارة الأمريكية الجديدة والمنطقة ككل ويتمثل ذلك في ثلاث نقاط أساسية سوف تكون محورية في قادم الأيام وربما يكون لها دور كبير في رسم ملامح الوضع الأمني في المنطقة ككل:
الأولى: تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني في حد ذاته وبرمته سواء أكان سلميا أو غير سلمي، فإدارة الرئيس ترامب تريد تفكيك هذا البرنامج نهائيا ولا تقبل حتى التمييز بين ما هو مدني وما هو عسكري فالأمور سيان في المنظور الأمريكي وذلك لسهولة احتمال تحول المدني إلى عسكري بكل بساطة ومن هنا جاءت المفاوضات غير المباشرة التي احتضنتها في المرحلة الأولى الشقيقة سلطنة عمان وتحتضنها حاليا إيطاليا بين المسؤولين والمختصين الأمريكان والإيرانيين ومما يشجع هذه النقاشات والحوارات أن الطرفين قد خففا من الحديث عن الجانب العسكري الذي كان منذ أسابيع قليلة في الواجهة ولذلك فإن مجرد هذه اللقاءات والحوارات غير المباشرة والمتوقعة أن تكون مباشرة تؤكد انتهاء فكرة استخدام القوة العسكرية أو الدخول في مواجهة عسكرية بين الطرفين والتي كانت تنذر بخطر شديد ليس على الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وإنما على المنطقة ككل.
الثانية: التوجه الإيراني الجديد في ظل الحكومة الجديدة والتي لم تعد على ما يبدو قادرة على مواصلة التعامل بعقلية التمدد العسكري في المنطقة وتهديدها على نحو خطير، حيث خسرت إيران معركتها الأساسية في دعمها لحزب الله مما أدى إلى انكسار هذا الحزب وتراجعه بشكل دراماتيكي كما خسرت في نفس الوقت الفضاء السوري الذي كان في لحظة معينة جبهة متقدمة لإيران سياسيا وعسكريا وأمنيا ثم من الواضح أيضا أنها خسرت جبهة العراق والجماعات والمليشيات العراقية التي كانت تعد فصيلا من فصائل الدولة الإيرانية كما يبدو بشكل واضح أن الجماعات الحوثية قد بدأت بدورها تخسر وبالتالي تتراجع إلى الخلف ولم تعد إيران قادرة على دعمها المباشر وغير المباشر لهذه الجماعات والدليل على ذلك أن المعلومات تشير إلى انسحاب الضباط والمستشارين الإيرانيين من اليمن.
كل هذه العوامل مجتمعة جعلت إيران تعيد حساباتها وتقيم حصيلة التجربة ومحاولة إنقاذ البلد من أي احتمال تعرضها إلى هجمات عسكرية قد تكون مدمرة وربما قد تؤدي في النهاية إلى تأثير مباشر على النظام، ولا شك أن الحكومة الإصلاحية الحالية تدرس هذه المخاطر ومدى حتميتها وإنها بذلك تسعى بكل السبل إلى تجنب المواجهة وتحقيق نوع من المعادلة بين قراءتها العسكرية والضغوط العسكرية الساحقة.
الثالثة: لا يمكن تجاهل الدور الإسرائيلي الضاغط الذي يركز منذ عدة سنوات على هدف استراتيجي يعتبره القادة الإسرائيليون أساسيا وجوهريا وهو ضرب المشروع النووي الإيراني فهذا العامل أصبح يضغط بشكل كبير ويدفع القادة الإسرائيليين إلى الإسراع في فك عقدة هذا المشروع بحيث تجرد إيران من مشروعها النووي بأقل الخسائر وهذا أمر يتم حاليا تحت وطأة التهديد الأمريكي الإسرائيلي الكاسح ولذلك لا يمكن لإيران أن تتجاهل هذه الحقيقة وتواصل إنكارها لما يشكله المشروع النووي الإيراني من مخاوف كبيرة ومن عقدة أساسية أمام تطبيع العلاقات الإيرانية الأمريكية وأمام تطبيع العلاقات مع المنطقة ككل وضمان حالة من الأمن المستدام في المنطقة التي عانت الأمرين من استمرار هذا الوضع المكلف سياسيا وأمنيا واقتصاديا بالنسبة إلى الجميع.
إن نجاح أو إمكانية نجاح هذه المفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بدعم دولي سوف يخرج المنطقة ككل وربما العالم من حالة التوتر والانتظار والترقب والخوف من احتمالات نشوب صراع إقليمي يمتد ليصبح صراعا دوليا وخاصة في ظل تغير المعادلات على الأرض بوجود معادلات أخرى مثل الاتفاق والتعاون العسكري بين إيران وروسيا الاتحادية وسعي إيران الحثيث إلى إصلاح علاقاتها مع دول المنطقة وفتح صفحة جديدة من التعاون وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والتي كانت على امتداد أربعة عقود من الزمان علاقات متوترة مع جيرانها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك