في منتصف التسعينيات من القرن العشرين كان العالم يلهث وينادي بفكرة التنمية المستدامة، وأهداف التنمية المستدامة حتى توصلت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة بالإضافة إلى عدد من جمعيات المجتمع المدني إلى توافق في الآراء بشأن الوثيقة الختامية للخطة الجديدة «تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030»، وذلك في أوائل أغسطس 2015. ثم قررت الدول الأعضاء أن يُعقد مؤتمر قمة للأمم المتحدة لاعتماد خطة التنمية المستدامة الجديدة وأهدافها السبعة عشر خلال الفترة من 25 إلى 27 سبتمبر 2015، في نيويورك، بوصفه جلسة عامة رفيعة المستوى للجمعية العامة. ومنذ ذلك الحين والأمم المتحدة وبقية دول العالم تسوّق هذه الأهداف وكأنها أعظم ما توصلت إليه البشرية من إنجاز.
وإن كنا لا نريد أن نقلل من شأن تلك الأهداف التي لو طبقت في الكرة الأرضية لأصبح العالم مكانًا رائعًا للحياة، ولكن من الواضح أن هناك تفاوتا كبيرا في الإيمان بهذه الأهداف؛ فبعض الدول تحاول جاهدة أن تحقق بعض الإنجازات وبعض الأهداف، ولكن للأسف يبدو أن هناك دولا أخرى لا تؤمن بهذه الأهداف من حيث الفكرة أو المضمون لذلك تسلك كل الوسائل الممكنة لتدمير تلك الأهداف، لأنها لا تحب أن ترى الرخاء يجوب العالم.
لذلك نجد أنه من خلال هذا المقال يمكن أن نوجه خطاب إلى منظمة الأمم المتحدة أو الجهات المعنية في المنظمة المكلفة بتنفيذ وتطبيق أهداف التنمية المستدامة أن تعلن موت أهداف التنمية المستدامة، وذلك بسبب الأحداث الرهيبة التي تجري الآن وفي هذه اللحظة في غزة، والتي تقف وراءها أكبر دولة تدعي أنها دولة عظمى وأنها الدولة التي تدعو إلى الحرية والديمقراطية وفي الواجهة دولة الاحتلال؛ وحتى نكون واضحين لما نقول تعالوا لنقرأ بعض الإحصائيات والتي تتغير ساعة بعد ساعة لما يجري في غزة، منها:
* مجموع الشهداء 50669 شهيدا.
* شهداء الأطفال 17954 طفلا.
* شهيدات غزة 12365 امرأة.
* شهداء الضفة 952 شهيدا.
* شهداء الكبار السن في غزة 3535 شهيدا.
* شهداء الطواقم الطبية 1394 شهيدا.
* شهداء الصحافة 206 شهداء.
* شهداء الكوادر التعليمية 800 شهيد.
* شهداء أطفال الضفة 188 طفلا.
* شهداء وقتلى الأونروا 203 قتلى.
* شهداء الدفاع المدني 105 شهداء.
* عدد المفقودين 11200 مفقود.
* عدد المفقودين من النساء والأطفال 4700 مفقود.
* يتراوح عدد شهداء المجاعة والأمراض الناجمة من المياه الملوثة 335 ألف شهيد.
* تم هدم البنية التحتية بالكامل؛ كل المنازل والمدارس والمستشفيات، والملاعب، والمساجد والكنائس، وهدم كل مظاهر الحياة.
* تم ضرب حصار شامل على المنطقة بكاملها؛ لا طعام ولا ماء، ومنع أي مواد تسهم في مد الجسم بالحياة.
* تم منع دخول الأدوية ومستلزمات معالجة الإنسان.
* تم منع دخول الوقود والطاقة وكل ما يسهم في حركة المولدات والأجهزة.
وهذا غيض من فيض، فنحن لا نعرف حتى الآن عن نوعية الذخائر والأسلحة التي استخدمت، ونوعية المواد الكيميائية التي وضعت في مياه الشرب، وكل تلك الأمور ما زالت مغيبة.
لنعد مرة أخرى لنتدارس أهداف التنمية المستدامة، ترى ماذا تقول تلك الأهداف:
الهدف 1: القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان: والهدف الأساسي من هذا الهدف هو إنهاء الفقر في جميع أشكاله في كل مكان بحلول عام 2030، فهل تم القضاء على الفقر في غزة؟
الهدف 2: القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسّنة وتعزيز الزراعة المستدامة: والهدف الأساسي لتحقيق هذا الهدف هو إنهاء الجوع، وتحقيق الأمن الغذائي، وتحسين التغذية، وتعزيز الزراعة المستدامة، بما في ذلك توقّف النمو والهزال لدى الأطفال دون سن الخامسة، ومعالجة الاحتياجات التغذوية للمراهقات والنساء الحوامل والمرضعات وكبار السن. هل تم ذلك في غزة؟
الهدف 3: ضمان تمتع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار: والهدف الأساسي لتحقيق هذا الهدف وضع نهاية لوفيات المواليد والأطفال دون سن الخامسة، ووضع نهاية لأوبئة الإيدز والسل والملاريا والأمراض المدارية المهملة ومكافحة الالتهاب الكبدي الوبائي والأمراض المنقولة بالمياه والأمراض المعدية الأخرى، وضمان حصول الجميع على خدمات رعاية الصحة. وعجبي لما يحدث في غزة.
الهدف 4: ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع: ويتم تحقيق هذا الهدف بضمان أن يتمتّع جميع البنات والبنين والفتيات والفتيان بتعليم ابتدائي وثانوي مجاني ومنصف وجيّد، مما يؤدي إلى تحقيق نتائج تعليمية ملائمة وفعالة. وبضمان تكافؤ فرص جميع النساء والرجال في الحصول على التعليم المهني والتعليم العالي الجيّد والميسور التكلفة، بما في ذلك التعليم الجامعي.
الهدف 5: تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات: يتحقق هذا الهدف وكذلك بكفالة مشاركة المرأة، مشاركة كاملة وفعالة وتكافؤ الفرص المتاحة لها للقيادة على قدم المساواة مع الرجل على جميع مستويات؛ صنع القرار في الحياة السياسية والاقتصادية والعامة. بالإضافة إلى القضاء على جميع أشكال العنف ضد جميع النساء والفتيات في المجالين العام والخاص، بما في ذلك الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي وغير ذلك من أنواع الاستغلال.
الهدف 6: ضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع: ويتم تحقيق هذا الهدف بزيادة كفاءة استخدام المياه في جميع القطاعات زيادة كبيرة، وضمان سحب المياه العذبة وإمداداتها على نحو مستدام من أجل معالجة شح المياه، والحد بدرجة كبيرة من عدد الأشخاص الذين يعانون من ندرة المياه.
الهدف 7: ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة: ويهتم بتوسيع نطاق البُنى التحتية وتحسين مستوى التكنولوجيا من أجل تقديم خدمات الطاقة الحديثة والمستدامة للجميع في البلدان النامية، وبخاصة في أقل البلدان نموًا والدول الجزرية الصغيرة النامية، والبلدان النامية غير الساحلية، وفقًا لبرامج الدعم الخاصة بكل منها على حدة.
الهدف 8: تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل للجميع والمستدام، والعمالة الكاملة والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع: ويعني بتعزيز السياسات الموجهة نحو التنمية والتي تدعم الأنشطة الإنتاجية، وفرص العمل اللائق، ومباشرة الأعمال الحرة، والقدرة على الإبداع والابتكار، وتشجع على إضفاء الطابع الرسمي على المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم، ونموها، بما في ذلك من خلال الحصول على الخدمات المالية.
الهدف 9: إقامة بنى تحتية قادرة على الصمود، وتحفيز التصنيع الشامل للجميع والمستدام، وتشجيع الابتكار: يهتم بتحسين البنى التحتية وتحديث الصناعات بحلول عام 2030 من أجل تحقيق استدامتها، مع زيادة كفاءة استخدام الموارد وزيادة اعتماد التكنولوجيا والعمليات الصناعية النظيفة والسليمة بيئيًا، ومع قيام جميع البلدان باتخاذ إجراءات وفقًا لقدراتها. كم من البنى التحتية هدمت في غزة؟
الهدف 10: الحد من انعدام المساواة داخل البلدان وفيما بينها: ويهتم بضمان تكافؤ الفرص والحد من أوجه انعدام المساواة في النتائج، بما في ذلك من خلال إزالة القوانين والسياسات والممارسات التمييزية، وتعزيز التشريعات والسياسات والإجراءات الملائمة في هذا الصدد.
الهدف 11: جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع، وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة: ويهدف إلى الزيادة بنسبة كبيرة في عدد المدن والمستوطنات البشرية التي تعتمد وتنفذ سياسات وخططًا متكاملة من أجل شمول الجميع، وتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد، والتخفيف من تغير المناخ والتكيف معه، والقدرة على الصمود في مواجهة الكوارث. هل هذا الهدف يتم تحقيقه في غزة؟
الهدف 12: ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة: ويهدف إلى تحقيق الإدارة السليمة بيئيًا للمواد الكيميائية والنفايات طوال دورة عمرها، وفقًا للأطر الدولية المتفق عليها، والحد بدرجة كبيرة من إطلاقها في الهواء والماء والتربة من أجل التقليل إلى أدنى حد من آثارها الضارة على صحة الإنسان والبيئة.
الهدف 13: اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره: ويهتم بتعزيز آليات تحسين مستوى قدرات التخطيط والإدارة الفعالين المتعلقين بتغير المناخ في أقل البلدان نموًا، والدول الجزرية الصغيرة النامية، بما في ذلك التركيز على النساء، والشباب والمجتمعات المحلية والمهمشة.
الهدف 16: السلام والعدل والمؤسسات: ويهدف إلى التشجيع على إقامة مجتمعات مسالمة يسودها العدل ولا يُهمّش فيها أحد من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وإتاحة إمكانية وصول الجميع إلى العدالة، وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة وشاملة للجميع على جميع المستويات.
الهدف 17: تعزيز وسائل التنفيذ وتنشيط الشراكة العالمية من أجل التنمية المستدامة: ويهتم بتعزيز الدعم الدولي لتنفيذ وبناء القدرات في البلدان النامية تنفيذًا فعالاً ومحدد الأهداف من أجل دعم الخطط الوطنية الرامية إلى تنفيذ جميع أهداف التنمية المستدامة، بوسائل تشمل التعاون بين الشمال والجنوب وفيما بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي.
والآن أي فرع من فروع الأمم المتحدة ومكاتبها المنتشرة في العالم هل يمكن أن يقول إن ما يحدث في غزة يتوافق تمامًا مع أهداف التنمية المستدامة؟ هل الأمم المتحدة تستطيع بعد الآن التسويق لأهداف التنمية المستدامة أو هل ستسكت وتنتظر وتشاهد المسرحية لتحاول أن تجد لها مدخلا آخر يلهي الشعوب عن حقيقة ماذا يجري؟ ألم تكن خطة وأهداف التنمية المستدامة تحاول أن تحقق فكرة «ألا نترك أحدًا وراءنا»، فلماذا تركتم غزة خلفكم؟
كل الذي أرجو أن تعتذر الأمم المتحدة للعالم وتعلن سقوط أهداف التنمية المستدامة، وتوضح ما الجهات التي كانت سببًا في فشل تحقيق تلك الأهداف.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك