العدد : ١٧٣٣٧ - الأربعاء ١٠ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٧ - الأربعاء ١٠ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

جعلوا العنوسة أم القضايا

لحين‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الدهر،‭ ‬كانت‭ ‬معظم‭ ‬الرسائل‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬صفحات‭ ‬بريد‭ ‬القراء‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬الخليجية‭ ‬تتناول‭ ‬موضوع‭ ‬خادمات‭ ‬المنازل‭ ‬الآسيويات،‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬العويل‭ ‬والنياح،‭ ‬وكأنما‭ ‬أتين‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬بموجب‭ ‬قرار‭ ‬تعسفي‭ ‬مُلزِم‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وكان‭ ‬الموضوع‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬يستهوي‭ ‬كل‭ ‬راغب‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬اسمه‭ ‬مكتوبا‭ ‬في‭ ‬جريدة،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بقضية‭ ‬العنوسة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬صاحب‭ ‬قلم‭ ‬هاو‭ ‬او‭ ‬محترف‭ ‬يدلي‭ ‬بدلوه‭ ‬فيها،‭ ‬حتى‭ ‬لتحسب‭ ‬ان‭ ‬نساء‭ ‬الخليج‭ ‬غير‭ ‬صالحات‭ ‬للزواج،‭ ‬بدليل‭ ‬ان‭ ‬الكل‭ ‬يجمع‭ ‬على‭ ‬بوارهن،‭ ‬ثم‭ ‬تقرأ‭ ‬الإحصاءات‭ ‬فتجد‭ ‬مثلا‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬العشرينيات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬يصنفن‭ ‬على‭ ‬انهن‭ ‬عوانس،‭ ‬وهكذا‭ ‬وبجرة‭ ‬قلم‭ ‬يتم‭ ‬اصدر‭ ‬حكم‭ ‬بالإعدام‭ ‬المعنوي‭ ‬على‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬في‭ ‬ريعان‭ ‬الشباب،‭ ‬لأنهن‭ ‬تجاوزن‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يتزوجن،‭ ‬فإلصاق‭ ‬لقب‭ ‬عانس‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الثلاثينيات‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬فيه‭ ‬قسوة‭ ‬بالغة‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬تعتبر‭ ‬العنوسة‭ ‬عيبا،‭ ‬وتعتبر‭ ‬المرأة‭ ‬المطلقة‭ ‬موضع‭ ‬شبهات‭ ‬رغم‭ ‬ان‭ ‬معظم‭ ‬حالات‭ ‬الطلاق‭ ‬تكون‭ ‬بسبب‭ ‬تعنت‭ ‬البعل،‭ ‬وتعتبر‭ ‬الأرملة،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬العشرينيات‭ ‬امرأة‭ ‬سكند‭ ‬هاند،‭ ‬بل‭ ‬يعتبرها‭ ‬البعض‭ ‬‮«‬نحسا‮»‬‭.‬

وواقع‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬تجاوزن‭ ‬العشرين‭ ‬بلا‭ ‬زواج‭ ‬لأنهن‭ ‬طالبات‭ ‬علم‭. ‬ولكن‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬يحولون‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬أيضا‭ ‬الى‭ ‬قضية‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬الزواج‭ ‬بالجامعيات‮»‬،‭ ‬ويطرحون‭ ‬عبر‭ ‬الصحف‭ ‬كلاما‭ ‬سخيفا‭ ‬يصور‭ ‬البنت‭ ‬الجامعية،‭ ‬على‭ ‬انها‭ ‬كائن‭ ‬منبت‭ ‬بلا‭ ‬أصالة‭ ‬او‭ ‬جذور،‭ ‬وكأن‭ ‬رسالة‭ ‬الجامعة‭ ‬هي‭ ‬إعداد‭ ‬فتيات‭ ‬لا‭ ‬يعرفن‭ ‬شيئا‭ ‬عن‭ ‬مقتضيات‭ ‬الحياة‭ ‬الزوجية‭! ‬ويخيل‭ ‬الي‭ ‬ان‭ ‬مرد‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬ولعنا‭ ‬نحن‭ ‬رجالا‭ ‬ونساء‭ ‬بالألقاب،‭ ‬فمن‭ ‬يدخل‭ ‬منا‭ ‬الجامعة‭ ‬يحسب‭ ‬انه‭ ‬اتى‭ ‬بما‭ ‬لم‭ ‬تستطعه‭ ‬الأوائل،‭ ‬ومن‭ ‬ينال‭ ‬دكتوراه‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬الكبسة‭ ‬بالفيمتو‭ ‬لا‭ ‬يرد‭ ‬التحية‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تناديه‭ ‬بـ‮«‬يا‭ ‬دكتور‮»‬،‭ ‬وعلى‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬الراحل‭ ‬حسني‭ ‬مبارك،‭ ‬دارت‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬المصري‭ ‬رحى‭ ‬معركة‭ ‬شرسة‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬طالب‭ ‬العسكريون‭ ‬المتقاعدون‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬ان‭ ‬لا‭ ‬يناديهم‭ ‬أحد‭ ‬بأسمائهم‭ ‬حاف،‭ ‬يعني‭ ‬لازم‭ ‬‮«‬سعادة‭ ‬اللواء،‮»‬‭ ‬وكان‭ ‬منطقهم‭: ‬اشمعنى‭ ‬الحاصلون‭ ‬على‭ ‬الدكتوراه؟‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬استخدام‭ ‬المنقلة‭ ‬والمثلث‭ ‬والمسطرة،‭ ‬يسمي‭ ‬نفسه‭ ‬باش‭ ‬مهندس‭. ‬وهكذا‭ ‬أصبحت‭ ‬الفتاة‭ ‬الجامعية‭ ‬بعبعا‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الرجال‭ ‬غير‭ ‬الجامعيين‭ ‬او‭ ‬الجامعيين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬زوجات‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬مستواهم‭ ‬التعليمي‭ ‬ليمارسوا‭ ‬عليهن‭ ‬الاستعلاء‭. ‬ولعلي‭ ‬كتبت‭ ‬عشرات‭ ‬المرات‭ ‬نقلا‭ ‬عن‭ ‬إحدى‭ ‬الصحف‭ ‬السعودية‭ ‬قبل‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬عن‭ ‬صاحبنا‭ ‬الحائز‭ ‬الدكتوراه‭ ‬في‭ ‬الرياضيات‭ ‬واصيب‭ ‬بانهيار‭ ‬عصبي‭ ‬عندما‭ ‬اكتشف‭ ‬ان‭ ‬زوجته‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬نظرية‭ ‬فيثاغورس‭ ‬وطلقها‭. ‬والله‭ ‬مشكلة‭: ‬يعني‭ ‬اذا‭ ‬كانت‭ ‬الزوجة‭ ‬ذات‭ ‬تعليم‭ ‬نص‭ ‬كُم‭ ‬يتم‭ ‬تفنيشها،‭ ‬واذا‭ ‬كانت‭ ‬جامعية‭ ‬اعتبروها‭ ‬متفلسفة‭ (‬انظر‭ ‬كيف‭ ‬نسيء‭ ‬الظن‭ ‬بالفلسفة‭ ‬ونرمي‭ ‬المتحذلقين‭ ‬والمتنطعين‭ ‬بالتفلسف‭!)‬،‭..‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬إلقاء‭ ‬الكرة‭ ‬في‭ ‬ملعب‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات،‭ ‬بزعم‭ ‬انهم‭ ‬يغالون‭ ‬في‭ ‬المهور،‭ ‬ولا‭ ‬احسب‭ ‬ان‭ ‬أبا‭ ‬أو‭ ‬أما‭ ‬يضع‭ ‬تسعيرة‭ ‬معينة‭ ‬لتزويج‭ ‬ابنته‭ ‬اذا‭ ‬وجد‭ ‬لها‭ ‬الزوج‭ ‬المناسب،‭ ‬فمعظم‭ ‬أهلنا‭ ‬يطلبون‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالستر،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬الكثيرين‭ ‬مستعدون‭ ‬لتزويج‭ ‬بناتهم‭ ‬بسعر‭ ‬التكلفة،‭ ‬ولكن‭ ‬واقع‭ ‬الامر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تفشي‭ ‬الاستهلاك‭ ‬التفاخري‭ ‬يجعلنا‭ ‬رجالا‭ ‬ونساء‭ ‬نحرص‭ ‬على‭ ‬البهرجة‭ ‬في‭ ‬الأفراح‭ ‬والأتراح‭.‬

وفي‭ ‬رسالة‭ ‬بعث‭ ‬بها‭ ‬الي‭ ‬قارئ‭ ‬تعقيبا‭ ‬على‭ ‬مقال‭ ‬لي‭ ‬حول‭ ‬العنوسة‭ ‬قبل‭ ‬سنوات،‭ ‬جاء‭ ‬فيها‭ ‬ان‭ ‬طرح‭ ‬البنزين‭ ‬الخالي‭ ‬من‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬فاقم‭ ‬قضية‭ ‬العنوسة،‭ ‬لان‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬البنزين‭ ‬غالي‭ ‬الثمن‭ ‬ولأن‭ ‬إطعام‭ ‬السيارة‭ ‬يأتي‭ ‬اولا،‭ ‬ثم‭ ‬يضرب‭ ‬مثلا‭ ‬بالموظف‭ ‬متوسط‭ ‬الحال‭ ‬وكيف‭ ‬انه‭ ‬يتعين‭ ‬عليه‭ ‬تكبد‭ ‬نفقات‭ ‬المعيشة‭ ‬والهاتف‭ ‬والكهرباء‭ ‬والإضافات‭ ‬الضرورية‭ ‬لتكشيخ‭ ‬السيارة‭!! ‬هذا‭ ‬بيت‭ ‬الداء‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬صاحب‭ ‬الرسالة‭: ‬موظف‭ ‬كحيان‭ ‬ويريد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عند‭ ‬الموظف‭ ‬الشبعان،‭ ‬ثم‭ ‬يتباكى‭ ‬على‭ ‬غلاء‭ ‬المهور،‭ ‬وارتفاع‭ ‬كلفة‭ ‬شهر‭ ‬العسل‭: ‬ما‭ ‬للموظف‭ ‬الغلبان‭ ‬والعسل،‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يكتفي‭ ‬بشهر‭ ‬مربى‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تمر؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا