العدد : ١٧١٨٨ - الاثنين ١٤ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٨٨ - الاثنين ١٤ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

كيف يُصنع الإرهاب وتُصنع الكراهية؟

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ١٣ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬رأينا‭ ‬أن‭ ‬الإرهاب‭ ‬والكراهية‭ ‬شأنها‭ ‬شأن‭ ‬بقية‭ ‬العواطف‭ ‬كالحب‭ ‬والصداقة‭ ‬والأخلاق‭ ‬الطيبة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتعلمها‭ ‬الإنسان‭ ‬منذ‭ ‬طفولته‭ ‬وتنمو‭ ‬وتترعرع‭ ‬معه‭ ‬وفي‭ ‬داخل‭ ‬جوفه‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬جزءا‭ ‬منه،‭ ‬فإن‭ ‬تربى‭ ‬الطفل‭ ‬على‭ ‬الكراهية‭ ‬فإنه‭ ‬حتمًا‭ ‬ستتحول‭ ‬تلك‭ ‬الكراهية‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬إلى‭ ‬الإرهاب،‭ ‬والعكس‭ ‬إن‭ ‬تعلم‭ ‬الحب‭ ‬والرضا‭ ‬والسعادة‭.‬

فإن‭ ‬سلمنا‭ ‬بهذا‭ ‬المبدأ‭ ‬فإن‭ ‬الإرهاب‭ ‬المنتشر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬أسباب‭ ‬تربوية‭ ‬واجتماعية‭ ‬عديدة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الإرهاب‭ ‬لا‭ ‬يولد‭ ‬مع‭ ‬الأشخاص،‭ ‬فلا‭ ‬توجد‭ ‬جينات‭ ‬خاصة‭ ‬بالإرهاب‭ ‬والكراهية،‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بحثنا‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬تمكنا‭ ‬من‭ ‬تلخيص‭ ‬دوافع‭ ‬الإرهاب‭ ‬وأسبابه،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيصها‭ ‬في‭ ‬الأمور‭ ‬التالية‭:‬

*‭ ‬الأسباب‭ ‬الاقتصادية‭.‬

*‭ ‬الأسباب‭ ‬السياسية‭.‬

*‭ ‬الأسباب‭ ‬الأيدولوجية‭.‬

*‭ ‬الأسباب‭ ‬الاجتماعية‭.‬

*‭ ‬الأسباب‭ ‬التربوية‭.‬

بصورة‭ ‬سريعة‭ ‬سنحاول‭ ‬أن‭ ‬نتطرق‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الأسباب،‭ ‬حتى‭ ‬نفهم‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

أولاً‭: ‬الأسباب‭ ‬الاقتصادية؛‭ ‬يقول‭ ‬الباحث‭ (‬هايل‭ ‬عبد‭ ‬المولى‭ ‬طشطوش‭) ‬في‭ ‬بحثه‭ ‬المعنون‭ (‬الإرهاب‭.. ‬حقيقته‭ ‬ومعناه‭)‬،‭ ‬وللأمانة‭ ‬العلمية‭ ‬فإن‭ ‬جزءا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬مأخوذ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البحث‭: ‬‮«‬يرى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬والمفكرين‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أسباب‭ ‬ازدياد‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬هو‭ ‬الفقر‭ ‬والحاجة‭ ‬والعوز‭ ‬وعدم‭ ‬توفر‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬للملايين‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬مما‭ ‬يصرفهم‭ ‬للتفكير‭ ‬بوسائل‭ ‬وأساليب‭ ‬تحقق‭ ‬لهم‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬غير‭ ‬مشروعة،‭ ‬مما‭ ‬يغذي‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف‭ ‬ويجعل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬البيئات‭ ‬مرتعًا‭ ‬خصبًا‭ ‬لنمو‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف‭ ‬والإرهاب‮»‬‭. ‬

قال‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬الأردن‭ ‬الأسبق‭ ‬عبدالرؤوف‭ ‬الروابدة‭ ‬أمام‭ ‬المؤتمر‭ ‬البرلماني‭ ‬العربي‭ ‬الإفريقي‭ ‬المنعقد‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2007‭: ‬‮«‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬التسعينيات‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬أخذ‭ ‬نسق‭ ‬العولمة‭ ‬في‭ ‬التسارع،‭ ‬تقلص‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬العالمي،‭ ‬واتسعت‭ ‬الهوة‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬الغنية‭ ‬والفقيرة،‭ ‬وتزايد‭ ‬عدد‭ ‬الفقراء‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬إذ‭ ‬فاق‭ ‬المليارين‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬و2‭ ‬بليون‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬التغذية‭. ‬وقد‭ ‬تزايد‭ ‬عددهم‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أغنى‭ ‬البلدان‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬نتيجة‭ ‬سوء‭ ‬التوزيع،‭ ‬فقد‭ ‬أرتفع‭ ‬عدد‭ ‬الفقراء‭ ‬سنة‭ ‬2001‭ ‬من‭ ‬32‭.‬9‭ ‬مليونَ‭ ‬فقير‭ ‬إلى‭ ‬34‭.‬6‭ ‬أي‭ ‬بزيادة‭ ‬1‭.‬7‭ ‬مليون‭ ‬فقير‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬واحدة‮»‬‭. ‬وبنظرة‭ ‬سريعة‭ ‬للإحصائية‭ ‬التي‭ ‬نشرتها‭ ‬شركة‭ (‬ميريل‭ ‬لينش‭) ‬الاستشارية‭ ‬و‭(‬جيميني‭) ‬المالية‭ ‬بتاريخ‭ ‬22‭ ‬أبريل‭ ‬1997‭ ‬أن‭ ‬ثروة‭ ‬ستة‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬أغنياء‭ ‬العالم‭ ‬ارتفعت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1996‭ ‬إلى‭ ‬16‭ ‬ترليونَ‭ ‬دولار‭ ‬وستصل‭ ‬إلى‭ ‬24‭ ‬ترليونا‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬وهذا‭ ‬المبلغ‭ ‬يعادل‭ ‬دخل‭ ‬3‭.‬2‭ ‬مليارات‭ ‬إنسان‭ ‬مضروبًا‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭. ‬أما‭ ‬تقرير‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتنمية‭ ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬358‭ ‬مليارديرا‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬أغنياء‭ ‬العالم‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬ربح‭ ‬صاف‭ ‬قدرة‭ ‬760‭ ‬مليارا‭ ‬سنويًا‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬دخل‭ ‬45%‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬20% من‭ ‬كبار‭ ‬أغنياء‭ ‬العالم‭ ‬يقتسمون‭ ‬80%‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬العالمي‭. ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬الهوة‭ ‬بين‭ ‬طبقات‭ ‬البشر،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التطور‭ ‬الهائل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصناعات‭ ‬وازدياد‭ ‬التقدم‭ ‬التقني‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬الذي‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬القوى‭ ‬البشرية‭ ‬العاملة‭ ‬ويعتمد‭ ‬على‭ ‬إنتاجية‭ ‬الآلة‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬فيرفع‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬العاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬بسبب‭ ‬إلغاء‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الوظائف،‭ ‬ترى‭ ‬ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬العاطلون‭ ‬عن‭ ‬العمل؟

ثانيًا‭: ‬الأسباب‭ ‬السياسية؛‭ ‬لعلنا‭ ‬لا‭ ‬نبالغ‭ ‬إن‭ ‬قلنا‭ ‬إن‭ ‬الإرهاب‭ ‬صنيعة‭ ‬السياسة‭ ‬ونتاجها،‭ ‬فالمتصفح‭ ‬للأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تسود‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬يدرك‭ ‬صدق‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭. ‬فالعوامل‭ ‬السياسية‭ ‬لعبت‭ ‬دائمًا‭ ‬دورًا‭ ‬في‭ ‬إظهار‭ ‬الإرهاب‭ ‬إلى‭ ‬حيز‭ ‬الوجود،‭ ‬وهي‭ ‬كثيرة‭ ‬ومتنوعة‭ ‬وذات‭ ‬وجوه‭ ‬مختلفة‭ ‬ومتلونة؛‭ ‬فمنها‭ ‬الداخلية‭ ‬ومنها‭ ‬الخارجية،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يمارسه‭ ‬الأفراد‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬تمارسه‭ ‬دول‭ ‬وحكومات‭ ‬استعمارية‭ ‬متسلطة،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬لن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬وإنما‭ ‬سيقتصر‭ ‬حديثنا‭ ‬عن‭ ‬جزئيات‭ ‬وعن‭ ‬واقع‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم‭. ‬

لقد‭ ‬أقرت‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬حق‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬استقلالها‭ ‬وسيادتها‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية،‭ ‬ومنعت‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬ولكن‭ ‬الذي‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭ ‬حبرًا‭ ‬على‭ ‬ورق،‭ ‬فالقوى‭ ‬الكبرى‭ ‬والعظمى‭ ‬لا‭ ‬يحلو‭ ‬لها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تتدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الدول‭ ‬الضعيفة‭ ‬والصغرى‭ ‬تحت‭ ‬ذرائع‭ ‬ومسميات‭ ‬مختلفة‭ ‬منها؛‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬والسلم‭ ‬الدوليين،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ونشر‭ ‬الديموقراطية‭ ‬والتعددية،‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬الأنظمة‭ ‬الشريرة‭ ‬والفاسدة‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يحاول‭ ‬الكيان‭ ‬المحتل‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬عمله‭ ‬وفرضه‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬والعالم‭ ‬بأسره‭. ‬

إن‭ ‬جرائم‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الاحتلال‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬جرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭ ‬والحريات‭ ‬وتهدد‭ ‬الأمن‭ ‬والسلم‭ ‬الدوليين،‭ ‬فدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تتفنن‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬الإرهاب‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وفلسطين،‭ ‬فهي‭ ‬تمارس‭ ‬التعذيب‭ ‬والاعتقال‭ ‬والتشريد‭ ‬والحصار‭ ‬والتجويع‭ ‬والطرد‭ ‬والتخريب‭ ‬وهدم‭ ‬البيوت‭ ‬ونشر‭ ‬الذعر‭ ‬والخوف،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الممارسات‭ ‬العنصرية‭ ‬التي‭ ‬ترفضها‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬الإنسانية‭. ‬والشيء‭ ‬بالشيء‭ ‬يذكر‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬تمارس‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬ضد‭ ‬السود‭ ‬والهنود‭ ‬الحمر‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬

لعل‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬بالتمييز‭ ‬العنصري‭ ‬والتعالي‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬الاستعمار‭ ‬والسيادة‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬فعالاً‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬غريزة‭ ‬الانتقام‭ ‬مما‭ ‬يولد‭ ‬لدى‭ ‬الإنسان‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف‭ ‬والإرهاب‭.‬

ثالثًا‭: ‬الأسباب‭ ‬الأيدولوجية؛‭ ‬لقد‭ ‬عرف‭ ‬التاريخ‭ ‬ومنذ‭ ‬القدم‭ ‬الإرهاب‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬والعقدي،‭ ‬فكان‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬تقاتل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فكرة‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬غاية‭ ‬وهدف،‭ ‬وقد‭ ‬سُمي‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإرهاب‭ (‬الإرهاب‭ ‬الفوضوي‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬أمثلته‭ ‬الإرهاب‭ ‬الذي‭ ‬مارسه‭ ‬الثوار‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬إبان‭ ‬الثورة‭ ‬البلشفية،‭ ‬واستمر‭ ‬هذا‭ ‬الإرهاب‭ ‬حتى‭ ‬حققت‭ ‬الثورة‭ ‬أهدافها‭ ‬وسحقت‭ ‬النظام‭ ‬القيصري‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1917،‭ ‬وتشهد‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬ظهور‭ ‬جماعات‭ ‬إرهابية‭ ‬إيديولوجية‭ ‬تنادي‭ ‬بتطبيق‭ ‬أفكارها‭ ‬ومبادئها‭ ‬كمنظمات‭ (‬الفاشيين‭ ‬الجدد‭ ‬والنازيين‭ ‬الجدد‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬صور‭ ‬الإرهاب‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ (‬الإرهاب‭ ‬الديني‭). ‬

وتشير‭ ‬المراجع‭ ‬التاريخية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإرهاب‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حركات‭ ‬ومنظمات‭ ‬كانت‭ ‬تحاول‭ ‬إجبار‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬موالاة‭ ‬الكنيسة‭ ‬الكاثوليكية‭ ‬وفرض‭ ‬الإخلاص‭ ‬لها‭ ‬فرضًا،‭ ‬وظهرت‭ ‬محاكم‭ ‬التفتيش‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬ممارسة‭ ‬الاعتقال‭ ‬والتعذيب‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يعارض‭ ‬وجهه‭ ‬النظر‭ ‬الدينية،‭ ‬وكذلك‭ ‬استخدم‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬الدينية‭ ‬المسيحية‭ ‬مثل‭ ‬الصراع‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬البروتستانت‭ ‬والكاثوليك‭ ‬في‭ ‬إيرلندا‭ ‬الشمالية‭.‬

ونشاهده‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬التصريحات‭ ‬الكثيرة‭ ‬والمتكررة‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬عن‭ ‬مسؤولين‭ ‬كبار‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬إيطاليا‭ ‬السابق‭ (‬برلسكوني‭) ‬عندما‭ ‬سخر‭ ‬من‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬مؤكدًا‭ ‬تفوق‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬عليها،‭ ‬ووصف‭ ‬الإسلام‭  ‬بأنه‭  ‬دين‭ ‬التخلف‭ ‬وأنه‭ ‬دين‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬بالتطور‭ ‬والتقدم‭ ‬والليبرالية‭ ‬والمدنية،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬أسبق‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬بكثير‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ (‬ريتشارد‭ ‬نيكسون‭) ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الذين‭ ‬تحدثوا‭ ‬عن‭ ‬صراع‭ ‬الحضارات‭ ‬إذ‭ ‬ذكر‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬كتاب‭ ‬له‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬الشيوعية‭ ‬وزوال‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬‮«‬إنّ‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬سيشهد‭ ‬صراعًا‭ ‬جديدًا‭ ‬ومن‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬بين‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬والحضارة‭ ‬الإسلامية‮»‬،‭ ‬وتوقع‭ ‬الرئيس‭ ‬نيكسون‭ ‬لهذا‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الحضارتين‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬طويلاً‭ ‬بل‭ ‬وكاد‭ ‬أن‭ ‬يجزم‭ ‬بانتصار‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭.‬

رابعًا‭: ‬الأسباب‭ ‬الاجتماعية؛‭ ‬لا‭ ‬نعتقد‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬نكران‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬وأهم‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬بروز‭ ‬الإرهاب‭ ‬والكراهية‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العوامل‭ ‬والأسباب‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تهيئ‭ ‬الأجواء‭ ‬لميلاد‭ ‬وترعرع‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف‭ ‬الإرهاب،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬أبرز‭ ‬تلك‭ ‬العوامل‭ ‬التفكك‭ ‬الأسري،‭ ‬وإهمال‭ ‬مشكلات‭ ‬الشباب،‭ ‬والعزلة‭ ‬والفراغ‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬ظله‭ ‬الشباب،‭ ‬واختفاء‭ ‬القدوة‭ ‬الحسنة‭ ‬والمثل‭ ‬الأعلى،‭ ‬وكبت‭ ‬الحريات،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭.‬

لذلك‭ ‬تبقى‭ ‬الأسرة‭ ‬هي‭ ‬المعين‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬يرتوي‭ ‬منه‭ ‬الإنسان‭ ‬حاجاته‭ ‬التي‭ ‬تحركها‭ ‬بواطن‭ ‬الفطرة‭ ‬بداخله،‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يدري‭ ‬يحتاج‭ ‬وبطبع‭ ‬تكوينه‭ ‬إلى‭ ‬ملاذ‭ ‬آمن‭ ‬يلجأ‭ ‬إليه‭ ‬عندما‭ ‬تداهمه‭ ‬الخطوب،‭ ‬ويحتاج‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬مجيب‭ ‬عن‭ ‬أسئلته‭ ‬الكثيرة‭ ‬الملحة‭ ‬التي‭ ‬تولد‭ ‬معه‭ ‬وتنمو‭ ‬وتكبر‭ ‬كلما‭ ‬كبر‭ ‬وتقدم‭ ‬به‭ ‬السن،‭ ‬وكذلك‭ ‬فإن‭ ‬حرمان‭ ‬الطفل‭ ‬والشباب‭ ‬والإنسان‭ ‬بصورة‭ ‬عامة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحاجات‭ ‬ومعاملته‭ ‬بالقسوة‭ ‬منذ‭ ‬صغره‭ ‬سوف‭ ‬يساعده‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ينشأ‭ ‬قاسيًا‭ ‬ناقمًا‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬يتخذ‭ ‬من‭ ‬الانحراف‭ ‬وسيلة‭ ‬للثورة‭ ‬على‭ ‬مجتمعه‭ ‬وبيئته‭ ‬وما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬مفاهيم‭ ‬ومعايير‭ ‬متحديًا‭ ‬جميع‭ ‬الاعتبارات‭ ‬غير‭ ‬عابئ‭ ‬بها‭.‬

خامسًا‭: ‬الأسباب‭ ‬التربوية؛‭ ‬إن‭ ‬العوامل‭ ‬التربوية‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكاره‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬الإنسان،‭ ‬إما‭ ‬إلى‭ ‬الطريق‭ ‬الصواب‭ ‬والأصلح‭ ‬له‭ ‬والأنفع‭ ‬لبلده‭ ‬ووطنه‭ ‬وأمته،‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬الموجه‭ ‬له‭ ‬نحو‭ ‬الانحراف‭ ‬والانقياد‭ ‬والانجرار‭ ‬نحو‭ ‬مزالق‭ ‬الردى‭ ‬والرذيلة‭ ‬والانحراف‭ ‬والإرهاب،‭ ‬ولكي‭ ‬نفهم‭ ‬دور‭ ‬التربية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نحدد‭ ‬بعض‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬التربية‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيصها‭ ‬فما‭ ‬يلي‭: ‬إكساب‭ ‬الفرد‭ ‬الصفات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬توفير‭ ‬متطلبات‭ ‬النمو،‭ ‬نقل‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬الإنساني‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬إلى‭ ‬جيل‭ ‬بطريقة‭ ‬صحية‭ ‬وصحيحة،‭ ‬وسيلة‭ ‬لاكتساب‭ ‬الخبرات،‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وربما‭ ‬بعض‭ ‬العوامل‭ ‬الأخرى‭.‬

 

مبادرة‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين

لعل‭ ‬المبادرة‭ ‬الملكية‭ ‬الرائدة‭ ‬لنشر‭ ‬ثقافة‭ ‬السلام‭ ‬والحوار‭ ‬والتفاهم‭ ‬الدولي‭ ‬الرائدة‭ ‬لحضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ملك‭ ‬البلاد‭ ‬المعظم،‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬ثقافة‭ ‬السلام‭ ‬والحوار‭ ‬والتفاهم‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حلول‭ ‬سلمية‭ ‬شاملة‭ ‬ومستدامة‭ ‬للصراعات‭ ‬والنزاعات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬ونبذ‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف‭ ‬والكراهية،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬أكثر‭ ‬أمنًا‭ ‬واستقرارًا‭ ‬وعدالة‭ ‬وازدهارًا‭ ‬للبشرية‭ ‬جمعاء،‭ ‬لعل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعد‭ ‬وسيلة‭ ‬مهمة‭ ‬ومبتكرة‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬يفكر‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬السعي‭ ‬نحو‭ ‬نشر‭ ‬ثقافة‭ ‬السلام‭ ‬والاستدامة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬مبادرة‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬الرائدة‭ ‬بتخصيص‭ ‬يوم‭ ‬28‭ ‬يناير‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬يومًا‭ ‬دوليًا‭ ‬للتعايش‭ ‬السلمي،‭ ‬وكذلك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬كلها‭ ‬تجسد‭ ‬النهج‭ ‬السامي‭ ‬لحضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ملك‭ ‬البلاد‭ ‬المعظم،‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬وتعزيز‭ ‬قيم‭ ‬التسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الشعوب‭ ‬والثقافات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهو‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬تترجمه‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سياساتها‭ ‬وبرامجها‭ ‬بتوجيهات‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭.‬

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا