في رأينا أن الإرهاب والكراهية شأنها شأن بقية العواطف كالحب والصداقة والأخلاق الطيبة يمكن أن يتعلمها الإنسان منذ طفولته وتنمو وتترعرع معه وفي داخل جوفه حتى يصبح جزءا منه، فإن تربى الطفل على الكراهية فإنه حتمًا ستتحول تلك الكراهية في يوم ما إلى الإرهاب، والعكس إن تعلم الحب والرضا والسعادة.
فإن سلمنا بهذا المبدأ فإن الإرهاب المنتشر في العالم اليوم كانت له أسباب تربوية واجتماعية عديدة، إذ إن الإرهاب لا يولد مع الأشخاص، فلا توجد جينات خاصة بالإرهاب والكراهية، لذلك من خلال بحثنا في كثير من الدراسات تمكنا من تلخيص دوافع الإرهاب وأسبابه، والتي يمكن تلخيصها في الأمور التالية:
* الأسباب الاقتصادية.
* الأسباب السياسية.
* الأسباب الأيدولوجية.
* الأسباب الاجتماعية.
* الأسباب التربوية.
بصورة سريعة سنحاول أن نتطرق إلى تلك الأسباب، حتى نفهم ما الذي يحدث اليوم في العالم.
أولاً: الأسباب الاقتصادية؛ يقول الباحث (هايل عبد المولى طشطوش) في بحثه المعنون (الإرهاب.. حقيقته ومعناه)، وللأمانة العلمية فإن جزءا كبيرا من هذا المقال مأخوذ من هذا البحث: «يرى كثير من الباحثين والمفكرين أن من أهم أسباب ازدياد العنف والتطرف حول العالم هو الفقر والحاجة والعوز وعدم توفر فرص العمل للملايين من الناس، مما يصرفهم للتفكير بوسائل وأساليب تحقق لهم لقمة العيش حتى ولو كانت هذه الوسائل غير مشروعة، مما يغذي العنف والتطرف ويجعل من هذه البيئات مرتعًا خصبًا لنمو العنف والتطرف والإرهاب».
قال رئيس وزراء الأردن الأسبق عبدالرؤوف الروابدة أمام المؤتمر البرلماني العربي الإفريقي المنعقد في دمشق في يوليو 2007: «منذ بداية التسعينيات في القرن الماضي، حيث أخذ نسق العولمة في التسارع، تقلص الناتج الداخلي العالمي، واتسعت الهوة بين البلدان الغنية والفقيرة، وتزايد عدد الفقراء في العالم إذ فاق المليارين من البشر، و2 بليون يعانون من سوء التغذية. وقد تزايد عددهم حتى في أغنى البلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة سوء التوزيع، فقد أرتفع عدد الفقراء سنة 2001 من 32.9 مليونَ فقير إلى 34.6 أي بزيادة 1.7 مليون فقير في سنة واحدة». وبنظرة سريعة للإحصائية التي نشرتها شركة (ميريل لينش) الاستشارية و(جيميني) المالية بتاريخ 22 أبريل 1997 أن ثروة ستة ملايين من أغنياء العالم ارتفعت في عام 1996 إلى 16 ترليونَ دولار وستصل إلى 24 ترليونا عام 2000 وهذا المبلغ يعادل دخل 3.2 مليارات إنسان مضروبًا في ثلاث مرات. أما تقرير الأمم المتحدة للتنمية فقد ذكر أن 358 مليارديرا من كبار أغنياء العالم يحصلون على ربح صاف قدرة 760 مليارا سنويًا أي ما يعادل دخل 45% من سكان العالم أي أن 20% من كبار أغنياء العالم يقتسمون 80% من الإنتاج العالمي. ومن الطبيعي أن هذا يسهم في توسيع الهوة بين طبقات البشر، بالإضافة إلى التطور الهائل في مجال الصناعات وازدياد التقدم التقني والذكاء الاصطناعي الذي يقلل من عدد القوى البشرية العاملة ويعتمد على إنتاجية الآلة ويزيد من نسبة البطالة فيرفع من عدد العاطلين عن العمل بسبب إلغاء الكثير من الوظائف، ترى ماذا يمكن أن يفعل كل هؤلاء العاطلون عن العمل؟
ثانيًا: الأسباب السياسية؛ لعلنا لا نبالغ إن قلنا إن الإرهاب صنيعة السياسة ونتاجها، فالمتصفح للأوضاع السياسية التي تسود العالم اليوم يدرك صدق هذه المقولة. فالعوامل السياسية لعبت دائمًا دورًا في إظهار الإرهاب إلى حيز الوجود، وهي كثيرة ومتنوعة وذات وجوه مختلفة ومتلونة؛ فمنها الداخلية ومنها الخارجية، ومنها ما يمارسه الأفراد ومنها ما تمارسه دول وحكومات استعمارية متسلطة، إلا أننا لن نتحدث عن كل هذا وإنما سيقتصر حديثنا عن جزئيات وعن واقع نعيشه اليوم.
لقد أقرت القوانين الدولية حق الدول في استقلالها وسيادتها الداخلية والخارجية، ومنعت الدول من التدخل في شؤون بعضها البعض، ولكن الذي نراه اليوم أن ذلك ليس إلا حبرًا على ورق، فالقوى الكبرى والعظمى لا يحلو لها إلا أن تتدخل في شؤون الدول الضعيفة والصغرى تحت ذرائع ومسميات مختلفة منها؛ الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، والحفاظ على حقوق الإنسان، ونشر الديموقراطية والتعددية، والقضاء على الأنظمة الشريرة والفاسدة وما إلى ذلك. وهذا ما يحاول الكيان المحتل بالتعاون مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى عمله وفرضه على غزة وسوريا ولبنان والعالم بأسره.
إن جرائم التمييز العنصري التي يقوم به الاحتلال اليوم هي جرائم ضد الإنسانية والحريات وتهدد الأمن والسلم الدوليين، فدولة الاحتلال والولايات المتحدة تتفنن في صنع الإرهاب العنصري في غزة وفلسطين، فهي تمارس التعذيب والاعتقال والتشريد والحصار والتجويع والطرد والتخريب وهدم البيوت ونشر الذعر والخوف، والكثير من الممارسات العنصرية التي ترفضها القوانين الدولية الإنسانية. والشيء بالشيء يذكر فإن هذه الممارسات تمارس حتى اليوم ضد السود والهنود الحمر في الولايات المتحدة الأمريكية.
لعل كل هذا الشعور بالتمييز العنصري والتعالي والرغبة في الاستعمار والسيادة يلعب دورًا فعالاً في بناء غريزة الانتقام مما يولد لدى الإنسان العنف والتطرف والإرهاب.
ثالثًا: الأسباب الأيدولوجية؛ لقد عرف التاريخ ومنذ القدم الإرهاب الأيديولوجي والعقدي، فكان كثير من الجماعات الإرهابية تقاتل من أجل فكرة ما أو من أجل تحقيق غاية وهدف، وقد سُمي هذا النوع من الإرهاب (الإرهاب الفوضوي)، ومن أمثلته الإرهاب الذي مارسه الثوار في روسيا إبان الثورة البلشفية، واستمر هذا الإرهاب حتى حققت الثورة أهدافها وسحقت النظام القيصري في عام 1917، وتشهد بعض الدول في العالم بين الحين والآخر ظهور جماعات إرهابية إيديولوجية تنادي بتطبيق أفكارها ومبادئها كمنظمات (الفاشيين الجدد والنازيين الجدد)، ومن أبرز صور الإرهاب الأيديولوجي ما يعرف (الإرهاب الديني).
وتشير المراجع التاريخية إلى أن هذا النوع من الإرهاب ظهر في القرون الوسطى من خلال حركات ومنظمات كانت تحاول إجبار الناس على موالاة الكنيسة الكاثوليكية وفرض الإخلاص لها فرضًا، وظهرت محاكم التفتيش حيث تم ممارسة الاعتقال والتعذيب لكل من يعارض وجهه النظر الدينية، وكذلك استخدم الإرهاب في الصراعات الدينية المسيحية مثل الصراع ما بين البروتستانت والكاثوليك في إيرلندا الشمالية.
ونشاهده اليوم في التصريحات الكثيرة والمتكررة التي تصدر بين الحين والآخر عن مسؤولين كبار في الغرب كما فعل رئيس وزراء إيطاليا السابق (برلسكوني) عندما سخر من الحضارة الإسلامية مؤكدًا تفوق الحضارة الغربية عليها، ووصف الإسلام بأنه دين التخلف وأنه دين لا يرغب بالتطور والتقدم والليبرالية والمدنية، بل إن الأمر أسبق من هذا التاريخ بكثير حيث كان الرئيس الأمريكي (ريتشارد نيكسون) من أوائل الذين تحدثوا عن صراع الحضارات إذ ذكر في آخر كتاب له بعد سقوط الشيوعية وزوال الاتحاد السوفييتي «إنّ القرن الحادي والعشرين سيشهد صراعًا جديدًا ومن نوع جديد بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية»، وتوقع الرئيس نيكسون لهذا الصراع بين الحضارتين أن يستمر طويلاً بل وكاد أن يجزم بانتصار الحضارة الغربية.
رابعًا: الأسباب الاجتماعية؛ لا نعتقد أنه يمكن نكران أن من أبرز وأهم المشكلات التي يمكن أن تتسبب في بروز الإرهاب والكراهية في المجتمعات العوامل والأسباب الاجتماعية التي قد تهيئ الأجواء لميلاد وترعرع العنف والتطرف الإرهاب، ومن بين أبرز تلك العوامل التفكك الأسري، وإهمال مشكلات الشباب، والعزلة والفراغ الذي يعيش في ظله الشباب، واختفاء القدوة الحسنة والمثل الأعلى، وكبت الحريات، وما إلى ذلك.
لذلك تبقى الأسرة هي المعين الأول الذي يرتوي منه الإنسان حاجاته التي تحركها بواطن الفطرة بداخله، فهو من حيث لا يدري يحتاج وبطبع تكوينه إلى ملاذ آمن يلجأ إليه عندما تداهمه الخطوب، ويحتاج كذلك إلى مجيب عن أسئلته الكثيرة الملحة التي تولد معه وتنمو وتكبر كلما كبر وتقدم به السن، وكذلك فإن حرمان الطفل والشباب والإنسان بصورة عامة من هذه الحاجات ومعاملته بالقسوة منذ صغره سوف يساعده على أن ينشأ قاسيًا ناقمًا على الناس، يتخذ من الانحراف وسيلة للثورة على مجتمعه وبيئته وما يحمله من مفاهيم ومعايير متحديًا جميع الاعتبارات غير عابئ بها.
خامسًا: الأسباب التربوية؛ إن العوامل التربوية تلعب دورًا لا يمكن إنكاره أيضًا في توجيه الإنسان، إما إلى الطريق الصواب والأصلح له والأنفع لبلده ووطنه وأمته، وإما أن تكون هي الموجه له نحو الانحراف والانقياد والانجرار نحو مزالق الردى والرذيلة والانحراف والإرهاب، ولكي نفهم دور التربية في هذا المجال لا بد لنا أن نحدد بعض الأدوار التي تقوم بها التربية في حياة الإنسانية، والتي يمكن تلخيصها فما يلي: إكساب الفرد الصفات الإنسانية، توفير متطلبات النمو، نقل التراث الثقافي الإنساني من جيل إلى جيل بطريقة صحية وصحيحة، وسيلة لاكتساب الخبرات، التماسك الاجتماعي، وربما بعض العوامل الأخرى.
مبادرة مملكة البحرين
لعل المبادرة الملكية الرائدة لنشر ثقافة السلام والحوار والتفاهم الدولي الرائدة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، في نشر ثقافة السلام والحوار والتفاهم الدولي من أجل حلول سلمية شاملة ومستدامة للصراعات والنزاعات الإقليمية والدولية، ونبذ العنف والتطرف والكراهية، وصولاً إلى مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا وعدالة وازدهارًا للبشرية جمعاء، لعل هذه المبادرة يمكن أن تعد وسيلة مهمة ومبتكرة يمكن من خلالها أن يفكر العالم في السعي نحو نشر ثقافة السلام والاستدامة، بالإضافة إلى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرة مملكة البحرين الرائدة بتخصيص يوم 28 يناير من كل عام يومًا دوليًا للتعايش السلمي، وكذلك العديد من المبادرات كلها تجسد النهج السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، في نشر وتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي بين مختلف الشعوب والثقافات في العالم، وهو النهج الذي تترجمه الحكومة في كل سياساتها وبرامجها بتوجيهات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك