منذ عودته إلى الرئاسة الأمريكية في يناير 2025، عمل «دونالد ترامب»، على زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الأجنبية إلى بلاده -أو التهديد بفرض رسوم جمركية جديدة- لتعزيز أجندته الاقتصادية الدولية. وفي أحدث وأشد تصعيد لهذا التوجه، أعلن يوم 2 أبريل - الذي وصفه بـ«يوم التحرير»- زيادات شاملة في الرسوم الجمركية على الواردات الأجنبية، بما في ذلك نسبة «أساسية» قدرها 10% على جميع الدول، اعتبارًا من 5 أبريل، وزيادات إضافية تصل إلى 49% على دول بعينها، اعتبارًا من 9 أبريل فصاعدًا رغم أنه عاد لاحقا وأعلن تأجيل تنفيذها مدة 90 يوما باستثناء الصين.
ومن وجهة نظر، «إدوارد ألدن»، من «جامعة ويسترن واشنطن»، فإن ترامب «أعلن حربًا اقتصادية على العالم»، ورأى «المجلس الأطلسي»، أن «أيًا من حلفاء أو خصوم الولايات المتحدة تقريبًا لم يسلم من هذه الخطوة الشاملة»، وأن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، «ليست بمنأى هي الأخرى» عن هذا.
وداخل مجلس التعاون الخليجي، كان نصيب كل من السعودية، والإمارات، والبحرين، وقطر، والكويت، وسلطنة عُمان فرض تعريفات جمركية إضافية بنسبة 10%، وبالرغم من إعفاء النفط والغاز والمنتجات المكررة النفطية من فرض للتعريفات الجديدة -إلى جانب سلع وبضائع معينة مثل أشباه الموصلات والأخشاب والأدوية والنحاس - فقد رأى المراقبون الغربيون أن التأثير الدولي واسع النطاق لهذه السياسات الاقتصادية يحمل كذلك تأثيرًا على الآفاق طويلة الأجل في اقتصادات المنطقة.
وباستخدام الصلاحيات الممنوحة لرئيس الولايات المتحدة، بشأن الاستجابة لـ«حالة طوارئ وطنية» اقتصادية بموجب قانون «الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية» لعام 1977، اتهم ترامب دولًا أخرى، بما في ذلك حلفاء وشركاء قدامى لواشنطن بـ«نهبها وسلبها وتدميرها»، مدعيًا أن فرض تعريفات جمركية جديدة كان «إعلانًا لاستقلالنا الاقتصادي».
من جانبهم، أدان المعلقون الغربيون نظام التعريفات الجمركية الذي فرضه ترامب، والمنطق والحسابات الدافعة للقرار، الذي يُغير عقودًا من معايير التجارة الدولية. ووفقًا للقائمة التي عرضها الرئيس الأمريكي، تواجه «الصين»، الآن تعريفات جمركية إضافية على صادراتها إلى الولايات المتحدة بنسبة 34%؛ ودول الاتحاد الأوروبي بنسبة 20%؛ واليابان بنسبة 24%، والهند بنسبة 26%، والمملكة المتحدة بنسبة 10% أيضًا.
وفي حين دافع «ترامب»، بأن هذه الرسوم الجديدة متبادلة بالنسبة لما هو قائم بالفعل من «حواجز تجارية» على السلع الأمريكية، والتي تفرضها الدول في جميع أنحاء العالم؛ أوضح «جوناثان بانيكوف»، من «المجلس الأطلسي»، أن هذه الرسوم الجديدة «ليست تعريفات متبادلة على الإطلاق»، وأن الإدارة الأمريكية بدلاً من ذلك «قسمت العجز التجاري للدول مع الولايات المتحدة على صادرات الدول إليها»، ومن ثمّ، «تجاهلت الفروق الدقيقة في اتفاقيات التجارة الحرة القائمة»، و«كذلك الفروق» في التعريفات الجمركية الأجنبية الفعلية الحالية على السلع الأمريكية، وهو ما يساعد بالفعل في تفسير سبب كون أكبر الخاسرين من التعريفات الأمريكية الجديدة يشمل ليسوتو (50 %)، كمبوديا (49%)، لاوس (48 %)، مدغشقر (47%)؛ فيتنام (46 %)؛ سريلانكا وميانمار (44 %)، بالإضافة إلى استهداف الأقاليم الخارجية لبريطانيا، وفرنسا، ودول أوروبية أخرى، مثل جزر فوكلاند، التي تواجه الآن تعريفات جمركية أعلى بنسبة 41%، فيما لم تتجاوز صادراتها إلى أمريكا في عام 2023 مبلغ 21.2 مليون جنيه إسترليني.
علاوة على ذلك، انتقد «ألدين»، الرئيس الأمريكي ومستشاريه لاستخدامهم «حسابات غير دقيقة» في حساباتهم للتعريفات الجمركية، وحذر من أن ذلك سيؤدي إلى «تحطيم الاقتصاد العالمي». ويمكن رؤية دليل على هذه النقطة بالفعل في أداء أسواق الأسهم العالمية في الأيام التي أعقبت إعلان هذه القرارات، حيث مُنيت الأسهم الأمريكية بخسائر قيمتها 5.4 تريليونات دولار منذ 2 أبريل، وشهدت الأسواق الأوروبية أسوأ جلساتها منذ تفشي جائحة فيروس كورونا في 2020، وشهدت بعض أسواق آسيا انخفاضات قياسية تصل إلى 13%.
وفيما يتعلق بتأثير هذه القرارات على الاقتصادي العالمي، وصف «جيفري ساكس»، من «جامعة كولومبيا»، سياسات واشنطن بأنها «غريبة وطفولية»، مشيرًا إلى أنها لن تؤدي فقط إلى «انخفاض مستويات المعيشة» في جميع أنحاء العالم؛ بل ستُفضي كذلك إلى «تدمير الاقتصاد الأمريكي». وبالفعل»، رفع بنك «جولدمان ساكس»، توقعاته بشأن اقتراب ركود الاقتصاد الأمريكي خلال الاثني عشر شهرًا القادمة إلى 45%، متوقعًا «تأزمًا حادًا للأوضاع المالية»، بجانب «مقاطعة المستهلكين الأجانب».
وبالتأكيد على هذه النقطة الأخيرة، أشار «ألدين»، إلى أن «انتقام» الدول الأخرى ردًا على سياسات ترامب؛ «مؤكد». وبالفعل، أعلنت «بكين»، زيادة عقابية بنسبة 34% في الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية. ومع تخطيط «الاتحاد الأوروبي»، أيضًا لزيادة الرسوم الجمركية الخاصة به، والتي تنال ما يقرب من 28 مليار دولار من الواردات الأمريكية إلى القارة؛ أشار «جاي ميلر»، من مجموعة «زيورخ»، إلى أن الأحداث «تبدو وكأنها حرب تجارية شاملة»، بدأت «بسياسة اقتصادية مضللة»، اتبعها البيت الأبيض.
وفيما يتعلق بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، رأى «المجلس الأطلسي»، أن التعريفات الجمركية الجديدة ستجلب «تأثيرا متأخرا وديناميكيا» على دول المنطقة. ومع تسجيل أسواق الأسهم في المنطقة لأكبر انخفاضاتها منذ عام 2020، حذرت «إميليا بيرس»، من «المجلس الأطلسي»، من أن الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم في «الاقتصادات النامية»، ستكابد «عواقب وخيمة بشكل خاص» على المدى الطويل.
وفي عام 2024، صدرت «العراق»، سلعا إلى الولايات المتحدة بقيمة 7.96 مليارات دولار؛ لكنها تواجه الآن تعريفات جمركية بنسبة 39%. كما صدرت «ليبيا»، سلعا إليها بقيمة 1.49 مليار دولار، أغلبها من النفط والوقود، وتواجه تعريفات جمركية بنسبة 31%. أما «مصر»، التي كانت صادراتها من الملابس والمنسوجات تبلغ أكثر من 1.1 مليار دولار في 2023، والتي باتت تخضع الآن لزيادة في رسوم التصدير بنسبة 10%، فقد أعرب «سام حمد»، من صحيفة «العرب الجديد»، عن مخاوفه من أن التعريفات الجمركية الجديدة، قد تؤدي إلى تآكل القدرة التنافسية لهذه الصادرات، مما يترتب عليه انخفاض الطلب وفقدان العديد من الوظائف في قطاع يوظف مئات الآلاف.
وبالنسبة إلى الأردن، وعلى الرغم من امتلاكه اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة منذ عام 2001، والتي بموجبها تكون جميع سلعه تقريبا التي تدخل إلى أمريكا معفاة من الرسوم الجمركية؛ فقد تعرض لتعريفة جمركية متبادلة بنسبة 20% في 2024، ويرجع ذلك إلى تصديره إليها (بقيمة حوالي 3.4 مليارات دولار في عام 2024)، أكثر مما يستورده (2 مليار دولار في عام 2024)، ما يؤدي إلى عجز تجاري قدره حوالي 1.4 مليار دولار. وفي هذا السياق، أشار «جريج كارلستروم»، في مجلة «الإيكونوميست»، إلى أن تصريحات إدارة ترامب حول مواجهة «واشنطن»، «حواجز تجارية بنسبة 40% على البضائع القادمة منها»، إلى الأردن «لا معنى لها»؛ بسبب شروط اتفاقية التجارة الحرة المذكورة أعلاه.
وبشكل أكبر، تَظهر الحالة السلبية للسياسات الاقتصادية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط في استهداف دول ذات صادرات محدودة، أو تخضع بالفعل لعقوبات، مثل إيران، وسوريا، حيث تواجه الأخيرة الآن رسوما جمركية بنسبة 40%. حتى إسرائيل، التي تحاول التحايل على التعريفات الجمركية عبر إلغاء الرسوم على السلع الأمريكية، ولديها اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، أصبحت أيضا عرضة لزيادة بنسبة 17% في رسوم صادراتها إليها.
وبالنسبة إلى دول الخليج، ففي حين أكد «باراك رافيد»، من موقع «أكسيوس»، أن اختيار ترامب لزيارة المنطقة يشير إلى «مدى قرب العلاقة»، بين حكومته وحكومات الخليج، «خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعاون الاقتصادي والاستثمار»؛ فإن حقيقة أن جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي قد فُرضت عليهم رسوم جمركية أساسية بنسبة 10%، تُظهر أن عزمه على زيادة الحواجز التجارية، والرسوم الجمركية، لا يقتصر على الدول التي يعتبرها منافسة جيوسياسية واقتصادية لبلاده فحسب.
وعلى الرغم من أن «بانيكوف»، أكد أن دول الخليج ستشعر «بالارتياح لأن الطاقة معفاة من التعريفات الجمركية الأمريكية الجديدة»، وبالتالي «قد تتجنب الآثار الأولية للتعريفات الجمركية على قطاع الطاقة»، نظرا لارتباط عملات المنطقة بالدولار الأمريكي؛ إلا أنه أشار إلى أن الزيادة المتوقعة في التضخم التي تؤثر في هذه العملة، «ستكون لها تأثيرات ثانوية مباشرة على دول مجلس التعاون الخليجي».
وفيما يتعلق بسوق النفط، ومع انخفاض سعر «خام برنت»، بأكثر من 10 دولارات للبرميل منذ إعلان الرسوم الجمركية الأمريكية إلى 63.84 دولارا، وبالتالي انخفاض بنحو 30% عن تكلفته في نفس الفترة من العام الماضي؛ فقد حذر «جيمس سوانستون»، من مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس»، من أن دول مجلس التعاون من المرجح أن تواجه صعوبة في عام 2025، حيث «ستضطر إلى تقليص الدعم المالي» مع انخفاض عائدات النفط.
وبالإشارة إلى الاستثمارات السعودية الكبيرة المتوقعة في الاقتصاد الأمريكي، فقد أشار «بانيكوف، إلى أن دول مجلس التعاون، سوف تتمتع «بنفوذ وفرصة أكبر للتفاوض»، على خفض أو إزالة التعريفات الأمريكية الجديدة مقارنة بالدول الأخرى، على الرغم من وجود منافسة بالفعل للقيام بذلك أولاً، حيث أكد «البيت الأبيض»، أن خمسين دولة قد قدمت مبادرات لمناقشة الرسوم الجمركية، وملامح العلاقات التجارية الجديدة بينها وبين الولايات المتحدة.
وكما أشار «ساكس»، فإن الولايات المتحدة، بدلاً من معالجة «سياستها المالية غير المستقرة»، قررت «فرض رسوم جمركية على دول أخرى -فرض ضرائب على المستهلكين الأمريكيين في الأساس- تحت وهم أن هذا من شأنه أن يحل المشكلة». وبالنسبة إلى الشرق الأوسط، ندد «كارلستروم»، بـ«التعقيدات الاقتصادية التي أضيفت إلى المشهد»، من خلال فرض رسوم جمركية جديدة عالية على الشركاء الاقتصاديين والسياسيين القدامى، مثل الأردن. ونتيجة لذلك، أثار «حمد»، كيف أن «الضغوط التضخمية المتزايدة بسبب سلاسل التوريد العالمية المعطلة وارتفاع تكاليف الاستيراد الناجمة عن التعريفات الجمركية»، تعني أن المواطنين والحكومات في جميع أنحاء المنطقة، سيواجهون «تكاليف متزايدة للسلع الأساسية»، و«تقلبات العملة».
على العموم، رغم تحذيرات خبراء الاقتصاد، أشار «دوغلاس إروين»، من «كلية دارتموث»، إلى أن «ترامب»، يبدو غير متأثر بأي نصيحة لإدارته بشأن تعديل سياسات التعريفات الجمركية. وأكدت شركة «برايس ووترهاوس كوبرز»، أن هذه التدابير من المحتمل أن تظل سارية حتى يقرر هو أو خلفاؤه أن تهديدات الأمن القومي قد تم التعامل معها ومعالجتها. وفي ظل تشبيه الرئيس الأمريكي تراجع أسواق الأسهم العالمية بـ«الدواء» للعلاقات الاقتصادية الدولية؛ فإن التعافي الاقتصادي العالمي لن يحدث قريبا.
وفي تحليلات طويلة الأمد للتجارة الدولية، اعتبر «كريس كلاج»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، أن «نظام التجارة العالمي القائم على القواعد»، فقد مكانته وأهميته، وأن «القوة» وحدها هي المحدد الأهم للعلاقات التجارية. وفي مواجهة هذه التطورات، رأى «جيسون فورمان»، من «جامعة هارفارد»، أن التعريفات الجمركية التي فرضتها «واشنطن»، تشكل «نقطة تحول»، في النظام التجاري العالمي. لكنه أضاف أنها لن تكون بالضرورة «نقطة تحول»، في طريقة تفكير العالم حول التجارة الحرة نفسها، بل من المرجح أن تشهد المرحلة القادمة المزيد من إبرام اتفاقيات تجارية حرة مع الولايات المتحدة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك