عندما أذن الله تعالى لشمس المعرفة أن تشرق، ولأصول العلم ومبادئه أن تظهر أنزل القرآن على قلب أعظم الخلق محمد (صلى الله عليه وسلم)، فبدأ نزول القرآن بآيات خمس جليلات، هي قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5)) سورة العلق.
ومنذ البداية رسم الحق سبحانه وتعالى أسس العلاقة بين كتاب الله تعالى المعجز(القرآن) وبين عوالم المعرفة وحدودها في قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) (العلق)، فهو الخالق سبحانه لكل شيء، المالك للأسماء والمسميات لأن قوله فعل، وفعله قول، وهما بين (الكاف والنون) يقول: للشيء كن، فيكون، يقول سبحانه: (بديع السماوات والأرض إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون) البقرة/ 117.
وهو سبحانه الذي علم آدم الأسماء كلها ليعده للخلافة في الأرض، قال تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) البقرة/31. والله تعالى في غير حاجة ليقدم الدليل أو البرهان ليثبت الحكمة من وراء خلق آدم لكنه سبحانه أراد أن يؤسس لمبدأ البرهان حين يختلف أصحابه في أي قضية.
إذًا، فالآيات الخمس الأولى من سورة العلق هي التي ربطت بين العلم والدين، وبالتالي نستطيع أن نقول ودون أن نُتهم بالمغالاة أو التعسف أن فعل «اقرأ» هو فعل حضاري يؤكد به الإسلام الصلة الوثيقة بين العلم والإيمان، أو بين العلم والدين، وجعلت هذه الآيات المباركات شمس المعرفة تشرق من القرآن الكريم، وتمد البشرية بعطاءات لا حدود لها، وأن فعل «اقرأ» الذي دشن القرآن به بداية تنزله رفع الحرج عن المسلمين في بحوثهم الكثيرة التي سبحت في محيطات القرآن، وبحاره المتلاطمة، فضلًا عن أن الحق سبحانه أمر المسلمين بأمر واجب النفاذ حين تولى بذاته العلية بتيسير كتابه المعجز (القرآن الكريم) في سورة القمر في قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) (الآية 17)ً، ولقد ذكرت هذه الآية أربع مرات، كل هذا تأكيد لأهميتها، وحين ييسر الحق سبحانه تدبر آيات القرآن الكريم، فهذا يعني أن الأمر واجب النفاذ في تدبر آيات القرآن، والبحث في آياته وسوره عن حقائق العلم وأصوله، وأن من يفعل ذلك فلا حرج عليه لأن هذا الكتاب المعجز إنما نزل لنتدبر آياته ولنستلهم منه الرشد، والاستقامة في أقوالنا، وأفعالنا، وأحوالنا، يقول سبحانه: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) سورة ص/ 29.
إن هذا الكتاب المعجز فوق أنه معجزة دالة على صدق الرسول في بلاغه عن الله تعالى، فهو أيضًا مصدر للتاريخ، وفيه إشارات موحية تؤكد صلة الوحي بالعلم، ولقد جاء على شكل قصص تحمل إلينا أنباء من سبق، يقول سبحانه: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) يوسف/3. وهو في سرده للتاريخ مهيمن على كتب الأولين والآخرين، يقول سبحانه عن فتية أهل الكهف عندما اختلف الناس في شأنهم: (نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى (13) وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلهًا لقد قلنا إذًا شططا (14)) سورة الكهف.
لقد ورث رسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم) علوم الأنبياء وشرائعهم، فهو خاتم الأنبياء ولن يكون بعده نبي أو رسول، وختمت به النبوءات، كما ختمت بشريعته الشرائع، ومعجزاته هي المعجزة الوحيدة التي ختمت بها المعجزات لهذا لم تأت معجزة حسية مادية تكون حجة على من رآها، ولو لم يذكر القرآن هذه المعجزات لما علمت بها البشرية.
ومن عطاءات القرآن الكريم أنه قدم لنا وللناس جميعًا مثالًا على نور الله تعالى، فقال سبحانه: (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم) النور/ 35.
هذا هو القرآن.. معجزة الإسلام الخاتمة والباقية، وهذا شيء من بيانه المعجز، وبعض إشراقاته المعرفية التي تشرق منه، ومن تدبر آياته وسوره.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك