العدد : ١٧٢٠٢ - الاثنين ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠٢ - الاثنين ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

شمس المعرفة.. تشرق من القرآن الكريم!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ١٣ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

عندما‭ ‬أذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لشمس‭ ‬المعرفة‭ ‬أن‭ ‬تشرق،‭ ‬ولأصول‭ ‬العلم‭ ‬ومبادئه‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬أنزل‭ ‬القرآن‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬أعظم‭ ‬الخلق‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬فبدأ‭ ‬نزول‭ ‬القرآن‭ ‬بآيات‭ ‬خمس‭ ‬جليلات،‭ ‬هي‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬اقرأ‭ ‬باسم‭ ‬ربك‭ ‬الذي‭ ‬خلق‭ (‬1‭) ‬خلق‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬علق‭ (‬2‭) ‬اقرأ‭ ‬وربك‭ ‬الأكرم‭ (‬3‭) ‬الذي‭ ‬علم‭ ‬بالقلم‭ (‬4‭) ‬علم‭ ‬الإنسان‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يعلم‭ (‬5‭)) ‬سورة‭ ‬العلق‭.‬

ومنذ‭ ‬البداية‭ ‬رسم‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬أسس‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬المعجز‭(‬القرآن‭) ‬وبين‭ ‬عوالم‭ ‬المعرفة‭ ‬وحدودها‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬اقرأ‭ ‬باسم‭ ‬ربك‭ ‬الذي‭ ‬خلق‭) (‬العلق‭)‬،‭ ‬فهو‭ ‬الخالق‭ ‬سبحانه‭ ‬لكل‭ ‬شيء،‭ ‬المالك‭ ‬للأسماء‭ ‬والمسميات‭ ‬لأن‭ ‬قوله‭ ‬فعل،‭ ‬وفعله‭ ‬قول،‭ ‬وهما‭ ‬بين‭ (‬الكاف‭ ‬والنون‭) ‬يقول‭: ‬للشيء‭ ‬كن،‭ ‬فيكون،‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭: (‬بديع‭ ‬السماوات‭ ‬والأرض‭ ‬إذا‭ ‬قضى‭ ‬أمرًا‭ ‬فإنما‭ ‬يقول‭ ‬له‭ ‬كن‭ ‬فيكون‭) ‬البقرة‭/ ‬117‭.‬

وهو‭ ‬سبحانه‭ ‬الذي‭ ‬علم‭ ‬آدم‭ ‬الأسماء‭ ‬كلها‭ ‬ليعده‭ ‬للخلافة‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬وعلم‭ ‬آدم‭ ‬الأسماء‭ ‬كلها‭ ‬ثم‭ ‬عرضهم‭ ‬على‭ ‬الملائكة‭ ‬فقال‭ ‬أنبئوني‭ ‬بأسماء‭ ‬هؤلاء‭ ‬إن‭ ‬كنتم‭ ‬صادقين‭) ‬البقرة‭/‬31‭. ‬والله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬حاجة‭ ‬ليقدم‭ ‬الدليل‭ ‬أو‭ ‬البرهان‭ ‬ليثبت‭ ‬الحكمة‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬خلق‭ ‬آدم‭ ‬لكنه‭ ‬سبحانه‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يؤسس‭ ‬لمبدأ‭ ‬البرهان‭ ‬حين‭ ‬يختلف‭ ‬أصحابه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬قضية‭.‬

إذًا،‭ ‬فالآيات‭ ‬الخمس‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬العلق‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬بين‭ ‬العلم‭ ‬والدين،‭ ‬وبالتالي‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬نُتهم‭ ‬بالمغالاة‭ ‬أو‭ ‬التعسف‭ ‬أن‭ ‬فعل‭ ‬‮«‬اقرأ‮»‬‭ ‬هو‭ ‬فعل‭ ‬حضاري‭ ‬يؤكد‭ ‬به‭ ‬الإسلام‭ ‬الصلة‭ ‬الوثيقة‭ ‬بين‭ ‬العلم‭ ‬والإيمان،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬العلم‭ ‬والدين،‭ ‬وجعلت‭ ‬هذه‭ ‬الآيات‭ ‬المباركات‭ ‬شمس‭ ‬المعرفة‭ ‬تشرق‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وتمد‭ ‬البشرية‭ ‬بعطاءات‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لها،‭ ‬وأن‭ ‬فعل‭ ‬‮«‬اقرأ‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬دشن‭ ‬القرآن‭ ‬به‭ ‬بداية‭ ‬تنزله‭ ‬رفع‭ ‬الحرج‭ ‬عن‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬بحوثهم‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬سبحت‭ ‬في‭ ‬محيطات‭ ‬القرآن،‭ ‬وبحاره‭ ‬المتلاطمة،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬أمر‭ ‬المسلمين‭ ‬بأمر‭ ‬واجب‭ ‬النفاذ‭ ‬حين‭ ‬تولى‭ ‬بذاته‭ ‬العلية‭ ‬بتيسير‭ ‬كتابه‭ ‬المعجز‭ (‬القرآن‭ ‬الكريم‭) ‬في‭ ‬سورة‭ ‬القمر‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬ولقد‭ ‬يسرنا‭ ‬القرآن‭ ‬للذكر‭ ‬فهل‭ ‬من‭ ‬مدكر‭) (‬الآية‭ ‬17‭)‬ً،‭ ‬ولقد‭ ‬ذكرت‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬أربع‭ ‬مرات،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬تأكيد‭ ‬لأهميتها،‭ ‬وحين‭ ‬ييسر‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬تدبر‭ ‬آيات‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬واجب‭ ‬النفاذ‭ ‬في‭ ‬تدبر‭ ‬آيات‭ ‬القرآن،‭ ‬والبحث‭ ‬في‭ ‬آياته‭ ‬وسوره‭ ‬عن‭ ‬حقائق‭ ‬العلم‭ ‬وأصوله،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬فلا‭ ‬حرج‭ ‬عليه‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬المعجز‭ ‬إنما‭ ‬نزل‭ ‬لنتدبر‭ ‬آياته‭ ‬ولنستلهم‭ ‬منه‭ ‬الرشد،‭ ‬والاستقامة‭ ‬في‭ ‬أقوالنا،‭ ‬وأفعالنا،‭ ‬وأحوالنا،‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭: (‬كتاب‭ ‬أنزلناه‭ ‬إليك‭ ‬مبارك‭ ‬ليدبروا‭ ‬آياته‭ ‬وليتذكر‭ ‬أولو‭ ‬الألباب‭) ‬سورة‭ ‬ص‭/ ‬29‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬المعجز‭ ‬فوق‭ ‬أنه‭ ‬معجزة‭ ‬دالة‭ ‬على‭ ‬صدق‭ ‬الرسول‭ ‬في‭ ‬بلاغه‭ ‬عن‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬فهو‭ ‬أيضًا‭ ‬مصدر‭ ‬للتاريخ،‭ ‬وفيه‭ ‬إشارات‭ ‬موحية‭ ‬تؤكد‭ ‬صلة‭ ‬الوحي‭ ‬بالعلم،‭ ‬ولقد‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬قصص‭ ‬تحمل‭ ‬إلينا‭ ‬أنباء‭ ‬من‭ ‬سبق،‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭: (‬نحن‭ ‬نقص‭ ‬عليك‭ ‬أحسن‭ ‬القصص‭ ‬بما‭ ‬أوحينا‭ ‬إليك‭ ‬هذا‭ ‬القرآن‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬قبله‭ ‬لمن‭ ‬الغافلين‭) ‬يوسف‭/‬3‭. ‬وهو‭ ‬في‭ ‬سرده‭ ‬للتاريخ‭ ‬مهيمن‭ ‬على‭ ‬كتب‭ ‬الأولين‭ ‬والآخرين،‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭ ‬عن‭ ‬فتية‭ ‬أهل‭ ‬الكهف‭ ‬عندما‭ ‬اختلف‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬شأنهم‭: (‬نحن‭ ‬نقص‭ ‬عليك‭ ‬نبأهم‭ ‬بالحق‭ ‬إنهم‭ ‬فتية‭ ‬آمنوا‭ ‬بربهم‭ ‬وزدناهم‭ ‬هدى‭ (‬13‭) ‬وربطنا‭ ‬على‭ ‬قلوبهم‭ ‬إذ‭ ‬قاموا‭ ‬فقالوا‭ ‬ربنا‭ ‬رب‭ ‬السموات‭ ‬والأرض‭ ‬لن‭ ‬ندعو‭ ‬من‭ ‬دونه‭ ‬إلهًا‭ ‬لقد‭ ‬قلنا‭ ‬إذًا‭ ‬شططا‭ (‬14‭)) ‬سورة‭ ‬الكهف‭.‬

لقد‭ ‬ورث‭ ‬رسول‭ ‬الإسلام‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬علوم‭ ‬الأنبياء‭ ‬وشرائعهم،‭ ‬فهو‭ ‬خاتم‭ ‬الأنبياء‭ ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬بعده‭ ‬نبي‭ ‬أو‭ ‬رسول،‭ ‬وختمت‭ ‬به‭ ‬النبوءات،‭ ‬كما‭ ‬ختمت‭ ‬بشريعته‭ ‬الشرائع،‭ ‬ومعجزاته‭ ‬هي‭ ‬المعجزة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬ختمت‭ ‬بها‭ ‬المعجزات‭ ‬لهذا‭ ‬لم‭ ‬تأت‭ ‬معجزة‭ ‬حسية‭ ‬مادية‭ ‬تكون‭ ‬حجة‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬رآها،‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يذكر‭ ‬القرآن‭ ‬هذه‭ ‬المعجزات‭ ‬لما‭ ‬علمت‭ ‬بها‭ ‬البشرية‭.‬

ومن‭ ‬عطاءات‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬أنه‭ ‬قدم‭ ‬لنا‭ ‬وللناس‭ ‬جميعًا‭ ‬مثالًا‭ ‬على‭ ‬نور‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬فقال‭ ‬سبحانه‭: (‬الله‭ ‬نور‭ ‬السماوات‭ ‬والأرض‭ ‬مثل‭ ‬نوره‭ ‬كمشكاة‭ ‬فيها‭ ‬مصباح‭ ‬المصباح‭ ‬في‭ ‬زجاجة‭ ‬الزجاجة‭ ‬كأنها‭ ‬كوكب‭ ‬دري‭ ‬يوقد‭ ‬من‭ ‬شجرة‭ ‬مباركة‭ ‬زيتونة‭ ‬لا‭ ‬شرقية‭ ‬ولا‭ ‬غربية‭ ‬يكاد‭ ‬زيتها‭ ‬يضيء‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬تمسسه‭ ‬نار‭ ‬نور‭ ‬على‭ ‬نور‭ ‬يهدي‭ ‬الله‭ ‬لنوره‭ ‬من‭ ‬يشاء‭ ‬ويضرب‭ ‬الله‭ ‬الأمثال‭ ‬للناس‭ ‬والله‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬عليم‭) ‬النور‭/ ‬35‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬القرآن‭.. ‬معجزة‭ ‬الإسلام‭ ‬الخاتمة‭ ‬والباقية،‭ ‬وهذا‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬بيانه‭ ‬المعجز،‭ ‬وبعض‭ ‬إشراقاته‭ ‬المعرفية‭ ‬التي‭ ‬تشرق‭ ‬منه،‭ ‬ومن‭ ‬تدبر‭ ‬آياته‭ ‬وسوره‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا