تعدّ سِمتا الإبداع والابتكار في عالمنا المتسارع من الأدوات الأساسية التي تسهم بالنهوض بالمجتمعات وتسرّع في الدفع بعجلة التنمية الشاملة، حيث تعدّ القدرات الإبداعية والابتكارية للأفراد على درجةٍ عالية من الأهمية؛ لأنها تسهم في مواجهة التحديات الحالية المعقدة واستشراف المشكلات المستقبلية، والعمل على علاجها بطرق إبداعية مختلفة، وتهيئة الظروف الملائمة لتحسين جودة الحياة، وبناء مجتمعات قادرة على التّكيف والتعامل بمرونة مع المتغيرات المستقبلية.
إن مؤسسات التعليم العالي ممثلةً في الجامعات، والكلّيّات، والمعاهد الدراسية تعد من أهم الأطر البيئية المثالية لتنمية القدرات الإبداعية والابتكارية وتوفير بيئة محفّزة للسلوك الإبداعي والابتكاري لدى طلبتها؛ ذلك لأنّ هذه المؤسسات هي المعامل والحاضنات التي تُصنع فيها القادة من الطلبة المبدعين والموهوبين الذين يتحسسون المشكلات المجتمعية ويعملون على علاجها بطرقٍ ابتكارية غير مسبوقة. وبحسب عالم النفس ستيرنبيرغ Robert J. Sternberg فإن الطلبة الموهوبين يمتازون بقدرات إبداعية تساعدهم على توليد حلول وأفكار غير مألوفة، وقدراتٍ تحليليةٍ تمكنهم من اتخاذ قرارات صائبة، وقدرات عملية تطبيقية لترجمة تلك الأفكار النظرية إلى تطبيقات عملية تسهم في تقدّم مجتمعاتهم. بالإضافة إلى أن التغيرات السريعة التي يشهدها سوق العمل تتطلب من الخريجين أن يكونوا مجهزين بمجموعة من المهارات التي تتجاوز المعرفة النظرية، ليشمل ذلك القدرة على التفكير الناقد والإبداعي، وحل المشكلات المعقّدة بطرقٍ إبداعية، والعمل بفعالية في فرق متعددة التخصصات، والتكيف مع بيئات العمل المتغيرة باستمرار. وفي هذا الصدد يؤكّد العالم الفيزيائي الشهير ألبرت آينشتاين أهمية التفكير الإبداعي في تطوّر المجتمعات، حيث يؤكد «أنّ العالم الذي أبدعناه هو نتاج تفكيرنا، وليس في مقدرونا أن نغير العالم من دون تغيير أفكارنا». لذلك، تلعب الجامعات دورًا محوريًا في إعداد كوكبة من الخريجين الذين يقودون التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم. هذا ما أوضحته اليونسكو (1998) في إعلانها بشأن التعليم العالي في القرن الحادي والعشرين، حيث أكّدت أهمية دور مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في التنمية الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والمستدامة للأفراد، والمجتمعات، والأمم.
في ضوء ما تقدّم، من الضروري تسليط الضوء على بعض الإجراءات والآليات التي تمكّن الجامعات من تعزيز الإبداع والابتكار بين طلبتها وجعلهم قادرين على مواجهة تحديات المستقبل، وهي كالآتي:
أولا: ضرورة أن يكون تمكين الطلبة من الإبداع والابتكار جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية التعليمية لمؤسسات التعليم العالي، وأن مساعدة الطلبة على اكتشاف قدراتهم الإبداعية الكامنة وصقلها يعد هدفًا جديرًا بالاهتمام.
ثانيا: تدريب أعضاء الهيئات التدريسية بالجامعات على استراتيجيات تعليمية تساعد الطلبة على تنمية مهارات التفكير الإبداعي والابتكاري، وتشجعهم على التعلم المستقل والتفكير المرن، وتمكنهم من التقويم الذاتي لأفكارهم، والابتعاد عن الأساليب التي تعتمد على التلقين وحشو عقول الطلبة بالمعلومات. لذلك يجب أن يكون الأستاذ الجامعي هو الأنموذج الذي يحتذي به طلبته عند تعاملهم مع القضايا والمشكلات بطرقٍ غير مألوفة.
ثالثا: تدريس الطلبة الجامعيين مقررات متخصصة في مهارات البحث العلمي ومقررات في تنمية مهارات التفكير مثل: التفكير الإبداعي، والتفكير الناقد، والحل المبدع للمشكلات.
رابعا: إنشاء «مختبرات للإبداع» في الجامعات تساعد الطلبة المبدعين والمبتكرين على متابعة وتطوير أفكارهم الإبداعية والابتكارية في مختلف التخصصات، مع إمكانية توفير مساحة للتمويل والتوجيه والإرشاد.
خامساً: التعاون مع مراكز الريادة والحاضنات الإبداعية في الجامعات العالمية العريقة التي لديها تجارب ناجحة في رعاية الطلبة الموهوبين والمبدعين، وذلك من خلال ابتعاث الطلبة المبدعين للاستفادة من هذه التجارب خلال العطل الصيفية.
سادساً: إقامة شراكات استراتيجية مع الشركات والمصانع المحلية من خلال توفير فرص للطلبة المبدعين للعمل على مشاريع بحثية تخدم احتياجات سوق العمل.
سابعاً: تنظيم الملتقيات والمسابقات الخاصة بالإبداع والابتكار، مما يوفر للطلبة المبدعين فرصة لعرض نتاجاتهم البحثية.
ثامناً: تنظيم الورش التدريبية المتخصصة في تنمية المهارات الإبداعية والابتكارية لدى الطلبة، مثل: التفكير الإبداعي والناقد، والتفكير التصميمي، والحل المبدع للمشكلات، والمهارات القيادية، وغيرها.
{ أستاذ الموهبة والإبداع المساعد –كلية البحرين للمعلمين– جامعة البحرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك