العدد : ١٧٢٠٢ - الاثنين ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠٢ - الاثنين ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

رعاية المبدعين والمبتكرين في التعليم العالي

بقلم: د. سيد صلاح علوي {

الاثنين ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

تعدّ‭ ‬سِمتا‭ ‬الإبداع‭ ‬والابتكار‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬المتسارع‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تسهم‭ ‬بالنهوض‭ ‬بالمجتمعات‭ ‬وتسرّع‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬بعجلة‭ ‬التنمية‭ ‬الشاملة،‭ ‬حيث‭ ‬تعدّ‭ ‬القدرات‭ ‬الإبداعية‭ ‬والابتكارية‭ ‬للأفراد‭ ‬على‭ ‬درجةٍ‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الأهمية؛‭ ‬لأنها‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬الحالية‭ ‬المعقدة‭ ‬واستشراف‭ ‬المشكلات‭ ‬المستقبلية،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬علاجها‭ ‬بطرق‭ ‬إبداعية‭ ‬مختلفة،‭ ‬وتهيئة‭ ‬الظروف‭ ‬الملائمة‭ ‬لتحسين‭ ‬جودة‭ ‬الحياة،‭ ‬وبناء‭ ‬مجتمعات‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التّكيف‭ ‬والتعامل‭ ‬بمرونة‭ ‬مع‭ ‬المتغيرات‭ ‬المستقبلية‭.‬

إن‭ ‬مؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬ممثلةً‭ ‬في‭ ‬الجامعات،‭ ‬والكلّيّات،‭ ‬والمعاهد‭ ‬الدراسية‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأطر‭ ‬البيئية‭ ‬المثالية‭ ‬لتنمية‭ ‬القدرات‭ ‬الإبداعية‭ ‬والابتكارية‭ ‬وتوفير‭ ‬بيئة‭ ‬محفّزة‭ ‬للسلوك‭ ‬الإبداعي‭ ‬والابتكاري‭ ‬لدى‭ ‬طلبتها؛‭ ‬ذلك‭ ‬لأنّ‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬هي‭ ‬المعامل‭ ‬والحاضنات‭ ‬التي‭ ‬تُصنع‭ ‬فيها‭ ‬القادة‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬المبدعين‭ ‬والموهوبين‭ ‬الذين‭ ‬يتحسسون‭ ‬المشكلات‭ ‬المجتمعية‭ ‬ويعملون‭ ‬على‭ ‬علاجها‭ ‬بطرقٍ‭ ‬ابتكارية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭. ‬وبحسب‭ ‬عالم‭ ‬النفس‭ ‬ستيرنبيرغ‭ ‬Robert‭ ‬J‭. ‬Sternberg‭ ‬فإن‭ ‬الطلبة‭ ‬الموهوبين‭ ‬يمتازون‭ ‬بقدرات‭ ‬إبداعية‭ ‬تساعدهم‭ ‬على‭ ‬توليد‭ ‬حلول‭ ‬وأفكار‭ ‬غير‭ ‬مألوفة،‭ ‬وقدراتٍ‭ ‬تحليليةٍ‭ ‬تمكنهم‭ ‬من‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬صائبة،‭ ‬وقدرات‭ ‬عملية‭ ‬تطبيقية‭ ‬لترجمة‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬النظرية‭ ‬إلى‭ ‬تطبيقات‭ ‬عملية‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تقدّم‭ ‬مجتمعاتهم‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التغيرات‭ ‬السريعة‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬تتطلب‭ ‬من‭ ‬الخريجين‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬مجهزين‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬المهارات‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬المعرفة‭ ‬النظرية،‭ ‬ليشمل‭ ‬ذلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬الناقد‭ ‬والإبداعي،‭ ‬وحل‭ ‬المشكلات‭ ‬المعقّدة‭ ‬بطرقٍ‭ ‬إبداعية،‭ ‬والعمل‭ ‬بفعالية‭ ‬في‭ ‬فرق‭ ‬متعددة‭ ‬التخصصات،‭ ‬والتكيف‭ ‬مع‭ ‬بيئات‭ ‬العمل‭ ‬المتغيرة‭ ‬باستمرار‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬يؤكّد‭ ‬العالم‭ ‬الفيزيائي‭ ‬الشهير‭ ‬ألبرت‭ ‬آينشتاين‭ ‬أهمية‭ ‬التفكير‭ ‬الإبداعي‭ ‬في‭ ‬تطوّر‭ ‬المجتمعات،‭ ‬حيث‭ ‬يؤكد‭ ‬‮«‬أنّ‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬أبدعناه‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬تفكيرنا،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬مقدرونا‭ ‬أن‭ ‬نغير‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تغيير‭ ‬أفكارنا‮»‬‭. ‬لذلك،‭ ‬تلعب‭ ‬الجامعات‭ ‬دورًا‭ ‬محوريًا‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬كوكبة‭ ‬من‭ ‬الخريجين‭ ‬الذين‭ ‬يقودون‭ ‬التغيير‭ ‬الإيجابي‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتهم‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬أوضحته‭ ‬اليونسكو‭ (‬1998‭) ‬في‭ ‬إعلانها‭ ‬بشأن‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬حيث‭ ‬أكّدت‭ ‬أهمية‭ ‬دور‭ ‬مؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬الثقافية،‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬والمستدامة‭ ‬للأفراد،‭ ‬والمجتمعات،‭ ‬والأمم‭.‬

في‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬تقدّم،‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الإجراءات‭ ‬والآليات‭ ‬التي‭ ‬تمكّن‭ ‬الجامعات‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬الإبداع‭ ‬والابتكار‭ ‬بين‭ ‬طلبتها‭ ‬وجعلهم‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬تحديات‭ ‬المستقبل،‭ ‬وهي‭ ‬كالآتي‭: ‬

أولا‭: ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تمكين‭ ‬الطلبة‭ ‬من‭ ‬الإبداع‭ ‬والابتكار‭ ‬جزءًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬من‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التعليمية‭ ‬لمؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي،‭ ‬وأن‭ ‬مساعدة‭ ‬الطلبة‭ ‬على‭ ‬اكتشاف‭ ‬قدراتهم‭ ‬الإبداعية‭ ‬الكامنة‭ ‬وصقلها‭ ‬يعد‭ ‬هدفًا‭ ‬جديرًا‭ ‬بالاهتمام‭.‬

ثانيا‭: ‬تدريب‭ ‬أعضاء‭ ‬الهيئات‭ ‬التدريسية‭ ‬بالجامعات‭ ‬على‭ ‬استراتيجيات‭ ‬تعليمية‭ ‬تساعد‭ ‬الطلبة‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬مهارات‭ ‬التفكير‭ ‬الإبداعي‭ ‬والابتكاري،‭ ‬وتشجعهم‭ ‬على‭ ‬التعلم‭ ‬المستقل‭ ‬والتفكير‭ ‬المرن،‭ ‬وتمكنهم‭ ‬من‭ ‬التقويم‭ ‬الذاتي‭ ‬لأفكارهم،‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الأساليب‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬التلقين‭ ‬وحشو‭ ‬عقول‭ ‬الطلبة‭ ‬بالمعلومات‭. ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الأستاذ‭ ‬الجامعي‭ ‬هو‭ ‬الأنموذج‭ ‬الذي‭ ‬يحتذي‭ ‬به‭ ‬طلبته‭ ‬عند‭ ‬تعاملهم‭ ‬مع‭ ‬القضايا‭ ‬والمشكلات‭ ‬بطرقٍ‭ ‬غير‭ ‬مألوفة‭.‬

ثالثا‭: ‬تدريس‭ ‬الطلبة‭ ‬الجامعيين‭ ‬مقررات‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬مهارات‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬ومقررات‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬مهارات‭ ‬التفكير‭ ‬مثل‭: ‬التفكير‭ ‬الإبداعي،‭ ‬والتفكير‭ ‬الناقد،‭ ‬والحل‭ ‬المبدع‭ ‬للمشكلات‭.‬

رابعا‭: ‬إنشاء‭ ‬‮«‬مختبرات‭ ‬للإبداع‮»‬‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬تساعد‭ ‬الطلبة‭ ‬المبدعين‭ ‬والمبتكرين‭ ‬على‭ ‬متابعة‭ ‬وتطوير‭ ‬أفكارهم‭ ‬الإبداعية‭ ‬والابتكارية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬التخصصات،‭ ‬مع‭ ‬إمكانية‭ ‬توفير‭ ‬مساحة‭ ‬للتمويل‭ ‬والتوجيه‭ ‬والإرشاد‭.‬

خامساً‭: ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬مراكز‭ ‬الريادة‭ ‬والحاضنات‭ ‬الإبداعية‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬العالمية‭ ‬العريقة‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬تجارب‭ ‬ناجحة‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬الطلبة‭ ‬الموهوبين‭ ‬والمبدعين،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ابتعاث‭ ‬الطلبة‭ ‬المبدعين‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬خلال‭ ‬العطل‭ ‬الصيفية‭.‬

سادساً‭: ‬إقامة‭ ‬شراكات‭ ‬استراتيجية‭ ‬مع‭ ‬الشركات‭ ‬والمصانع‭ ‬المحلية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬فرص‭ ‬للطلبة‭ ‬المبدعين‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬مشاريع‭ ‬بحثية‭ ‬تخدم‭ ‬احتياجات‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭.‬

سابعاً‭: ‬تنظيم‭ ‬الملتقيات‭ ‬والمسابقات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالإبداع‭ ‬والابتكار،‭ ‬مما‭ ‬يوفر‭ ‬للطلبة‭ ‬المبدعين‭ ‬فرصة‭ ‬لعرض‭ ‬نتاجاتهم‭ ‬البحثية‭. ‬

ثامناً‭: ‬تنظيم‭ ‬الورش‭ ‬التدريبية‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬المهارات‭ ‬الإبداعية‭ ‬والابتكارية‭ ‬لدى‭ ‬الطلبة،‭ ‬مثل‭: ‬التفكير‭ ‬الإبداعي‭ ‬والناقد،‭ ‬والتفكير‭ ‬التصميمي،‭ ‬والحل‭ ‬المبدع‭ ‬للمشكلات،‭ ‬والمهارات‭ ‬القيادية،‭ ‬وغيرها‭.‬

 

{‭ ‬أستاذ‭ ‬الموهبة‭ ‬والإبداع‭ ‬المساعد‭ ‬–كلية‭ ‬البحرين‭ ‬للمعلمين–‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا