تقول كارولين أبراهام، مؤلفة كتاب (عبقرية التملك.. الأوديسة الغريبة لدماغ أينشتاين)، عندما توفى ألبرت آينشتاين في عام 1955، قام الدكتور توماس ستولتز هارفي، بتشريح جثته في مستشفى برينستون، وخلال هذه العملية الجراحية، سرق (مخ) أينشتاين، بطريقة غير قانونية، ثم نقله إلى جامعة بنسلفانيا، وقسمه إلى 240 قطعة وأرسل عينات منها إلى مختبرات حول العالم لدراستها.
صور (هارفي) مخ آينشتاين، من كل الزاويا الممكنة بعدما وضعه في محلول فورمالدهيد. وعندما توفى (هارفي) في عام 2007، قامت عائلته بتصفية ممتلكاته. وتم التبرع بالصور وأجزاء من مخ آينشتاين إلى المتحف الوطني للصحة والطب في سيلفر سبرينغز، بولاية ماريلاند. وقبل ذلك كان توماس هارفي قد وعد بالتعاون مع علماء آخرين لنشر ورقة عن نتائجهم حول أبحاثهم عن مخ آينشتاين، إلا أن هذه الورقة لم تظهر على الإطلاق. ووفقًا للكتاب فإنه يعتقد أن توماس هارفي أراد أن يصنع اسمًا لنفسه، لكن لسوء الحظ، بسبب سرقته لمخ آينشتاين، فإن ما فعله كان سببًا في أن يفقد وظيفته وزوجته ووضعه كطبيب محترم تلقى تعليمه في جامعة برينستون.
كانت هذه السرقة من أغرب السرقات التي ذُكرت في بعض كتب التاريخ التي تؤرخ للسرقات الغريبة التي جرت حول العالم، بالإضافة إلى ذلك، فهناك سرقة غريبة أخرى وهي تفكيك ونقل كنيسة قديمة عمرها 200 عام في روسيا، إذ تقول الرواية إنه تم بناء كنيسة كاتدرائية (سانت يونان) بالقرب من قرية كوماروفو في عام 1809 في منطقة تبعد حوالي 186 ميلاً من موسكو، وبعد أن تم تركها بالكامل مهجورة من قبل السكان والحكومة، وكانت تلك هي الفرصة المثالية للصوص لتفكيك الكنيسة حجرًا حجرًا، وسرقتها، ويعتقد أن اللصوص جنوا أرباحًا جيدة من بيع الرموز الدينية والهياكل الكنسية لعشاق التحف الفنية العتيقة.
هذه الحوادث غريبة، فالقصة الأولى سجلت كسرقة وإن لم يكن هناك مال أو شيء عيني يمكن اعتباره ثروة، أو يؤدي إلى ثروة مالية، بخلاف القصة الثانية الذي قام فيها اللصوص ببيع القطع الأثرية بهدف جني المال، ولكن السرقة تبقى سرقة مهما كانت وبأي صورة حدثت، فنحن جميعًا نعرف ماذا تعني السرقة؟ فهي تعني ببساطة أخذ ممتلكات شخص آخر دون إذن منه أو موافقته بقصد حرمانه من مُلكه، وتعتبر السرقة –كما تشير بعض المراجع القانونية– أحد المصطلحات التي تدل على الجرائم ضد الممتلكات الخاصة، مثل الاختلاس والنهب والسطو والاحتيال والاستيلاء، ويُسمى الشخص الذي يقوم بتنفيذ عملية السرقة باللص أو السارق. والسرقة فعل مُجرَّم ومُخالف في كثير من قوانين الدول، ومن الجانب القانوني تنطوي على أربعة أركان، وهي: الأخذ، والشيء المنقول، وآخذ ملك الغير، والقصد الجرمي. فسرقة قلم من المؤسسة التي تعمل فيها تُعد سرقة، والاستيلاء على وظيفة شخص أكثر استحقاقا منك أو من ابنك تُعد سرقة، وسرقة نجاح الآخرين سرقة، وتهميش وتطفيش الموظف حتى يترك وظيفته ويهرب منك تُعد سرقة، وكذلك سرقة أفكار الآخرين وجهودهم الفكرية والعلمية، وسرقة المال العام حتمًا سرقة، وحتى عندما يقوم المرء بتحويل عامل أو خادمة من حساب الكفيل الأصلي إلى نفسه من غير علم الكفيل ورضاه فإن ذلك يعد سرقة، وصور السرقة كثيرة جدًا، لذلك فإن السرقة تُعد آفة من الآفات التي تنخر في المجتمع، فكان لا بد من مكافحتها وتحريمها، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: تأثيرات آفة السرقة في المجتمع، ويمكن تلخيصها في الأمور التالية:
1. تأثير اقتصادي؛ السرقة تسبب خسائر اقتصادية كبيرة على المجتمع تؤدي سرقة الممتلكات إلى تكبد الأفراد والمؤسسات خسائر مالية، مما يؤثر في نمو الاقتصاد والاستثمارات، ويؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة.
2. ارتفاع الأسعار؛ يعتقد السارق أنّ بسرقته يحصل على المنتج مجانًا، والحقيقة هي أنّ وجود خطأ أو نقص في المنتجات يعني أنّ أحدًا ما عليه دفع ثمنها، وعندما تكون السرقات متكررة أو كبيرة سترتفع الأسعار، وسيزداد العبء الضريبي على المستهلك، هذا يعني أنّ المجتمع من سيدفع إذ إنه يعوض الخسائر المرتبطة بالسرقة.
3. الشعور بعدم الأمان؛ السرقة تخلق جوًا من عدم الأمان والقلق بين أفراد المجتمع، فعندما يصبح الناس معرضين للسرقة، يخشون على سلامتهم وممتلكاتهم، ويشعرون بعدم الأمان في بيئتهم اليومية.
4. الانعكاس على الثقة والروابط الاجتماعية؛ فالسرقة تؤدي إلى انهيار الثقة بين أفراد المجتمع، إذ يصعب على الأشخاص التعاون والتفاعل المشترك إذا كانوا يشكون في بقاء ممتلكاتهم آمنة. وبالتالي، تتأثر الروابط الاجتماعية والتعاون المجتمعي بشكل سلبي.
5. انتشار الأخلاق السيئة؛ وجد أن انتشار السرقة في المجتمع يعني انتشار العديد من الأخلاق الدنيئة؛ إذ ترتبط السرقة بالعديد من الصفات السلبية، مثل: قلة الاحترام، فعندما يأخذ السارق ما يُريد دون الحصول على موافقة المالك، هذا يعني أنّه قلّل من احترامه وقيمته، واعتبر أنّ ما سرقه أكثر أهمية من الشخص الذي أُخذ منه. الطمع، حيث تنتج السرقة في كثير من الأحيان عن الطمع؛ إذ يُشير عديد من خبراء الأمن أنّ السارق الذي لم يرَ شيئا ما أو لم يعلم بوجوده من غير المرجّح أن يسرق، وهذا يعني أنّ السرقة غير مرتبطة بالحاجة بقدر ارتباطها بالطمع في امتلاك ما لدى الغير. بالإضافة إلى إلحاق الضرر بالآخر يُعد من أبرز صفات السارق؛ قدرته على إلحاق الضرر بالآخرين؛ فالسرقة دائمًا ما تضر بالمالك؛ فتُقلّل من ربحه أو تحدّ من استخدامه للشيء أو استمتاعه به.
6. الآثار النفسية؛ يعاني الأشخاص الذين يتعرضون للسرقة من آثار نفسية سلبية. إذ يشعرون بالانتهاك الشخصي والاستغلال، مما يؤثر في صحتهم العقلية والنفسية. وقد يعانون من القلق والخوف والعزلة الاجتماعية.
7. زيادة الجريمة والعنف؛ كل الدراسات تشير إلى أن السرقة قد تؤدي إلى زيادة مستويات الجريمة والعنف في المجتمع، وفي بعض الحالات يتطور السارق إلى ارتكاب جرائم أخرى أكثر خطورة لتحقيق أهدافه، مما يؤدي إلى تفشي العنف وزيادة مستويات الجريمة بشكل عام.
8. التأثير في النظام القانوني؛ السرقة تضعف النظام القانوني وتستنزف موارده. حيث يتطلب التعامل مع جرائم السرقة تخصيص موارد كبيرة من الشرطة والقضاء والنظام القضائي، مما يؤثر في قدرتهم على التعامل مع جرائم أخرى وضمان العدالة.
ثانيًا: تأثيرات آفة السرقة على الاقتصاد
لا يقل تأثير السرقة على اقتصاد البلاد عن تأثيره في المجتمع وأفراده، فكل الأمور مرتبطة مع بعضها البعض، فمن الطبيعي أنه عندما يتأثر المجتمع يتأثر الاقتصاد وهكذا، فلا يمكن الفصل بين كل هذه الحلقات، لذلك يمكن تلخيص الآثار السلبية على الاقتصاد في بعض الأمور التالية:
1. خسائر مالية مباشرة؛ فالأفراد والمؤسسات يتكبدون خسائر مالية مباشرة نتيجة سرقة الممتلكات أو الأموال، أو حتى بعض الأمور العينية التي يعتقدها السارق أنها ممتلكات بسيطة، كقلم أو أوراق أو ما شابه ذلك.
2. زيادة التكاليف الأمنية؛ المؤسسات وكذلك الأفراد يضطرون إلى إنفاق المزيد على تدابير الأمن والحماية لمنع السرقات المستقبلية، مما يزيد من التكاليف التشغيلية، وحتى في المنازل، فالكاميرات وأجهزة الإنذار تكلف المواطن مبالغ كبيرة.
3. التأثير في الأعمال التجارية؛ المؤسسات التي تتعرض للسرقة قد تواجه صعوبات في الاستمرار في العمل، مما يؤدي إلى فقدان الوظائف وتقليل النشاط الاقتصادي.
4. التأثير في الاستثمار؛ المناطق التي تشهد معدلات عالية من السرقة قد تكون أقل جاذبية للمستثمرين وكذلك المقيمين والسكان، مما يؤثر على النمو الاقتصادي المحلي.
5. التأثير في الثقة؛ إن انخفاض الثقة بين الأفراد والمؤسسات يمكن أن يؤدي إلى تقليل التعاون الاقتصادي وتباطؤ النمو.
وهذا غيض من فيض، فللسرقة آثار كثيرة على جميع جوانب الحياة، وحتى فإنها ذات تأثير في الحياة السياسية والفكرية والثقافية، وكل ذلك لا نريد الاتيان به هنا.
ثالثًا: الحلول المستدامة لمكافحة آفة السرقة
إن مكافحة السرقة تتطلب مجموعة كبيرة من الإجراءات والتدابير التي يمكن أن تساعد في التقليل من معدلاتها، منها:
1. التربية والتوعية والتثقيف؛ لا يمكن أن يعيش البشر بصورة مرضية إلا بالتربية الصحيحة والتوعية والتثقيف، لذلك نجد أنه يجب توعية المجتمع بأخلاقيات السلوك وأهمية النزاهة والاحترام لحقوق الآخرين ويمكن تحقيق ذلك من خلال حملات توعوية وبرامج تثقيفية تستهدف مختلف فئات المجتمع، مثل المدارس والجامعات ووسائل الإعلام.
2. تحسين الظروف المعيشية والاجتماعية والاقتصادية؛ إن التربية والتثقيف مهما كانا مهمين إلا أنهما يمكن أن ينهارا أمام الواقع المعيشي للإنسان، لذلك يجب العمل على تحسين الظروف المعيشية والاجتماعية والاقتصادية للأفراد والمجتمع، مثل توفير فرص العمل الكافية والعادلة، وتوفير الخدمات الأساسية، وتقليل الفقر والتهميش الاجتماعي، هذا يمكن أن يقلل من الحاجة للسرقة كوسيلة لتلبية الاحتياجات الأساسية.
3. تعزيز الأمن وتشديد الرقابة وتطبيق القانون؛ يجب تشديد الرقابة وتطبيق القوانين بصرامة لمكافحة السرقة ومعاقبة المرتكبين، وينبغي توفير آليات فعالة للإبلاغ عن الجرائم والتعامل معها بسرعة وعدالة، وتوفير الدعم اللازم للضحايا.
4. توفير الدعم والعلاج النفسي؛ قد يكون للأفراد الذين يمارسون السرقة أسباب وراء تصرفاتهم، مثل مشاكل نفسية أو اجتماعية لذلك يجب توفير الدعم والعلاج النفسي للأفراد المعنيين للمساعدة في التغلب على المشكلات النفسية وتعزيز التأهيل وإعادة الاندماج في المجتمع.
5. استخدام التقنيات الحديثة؛ إن استخدام التقنيات الحديثة مثل الأقفال الذكية وأنظمة التعرف على الوجه يمكن أن يعزز الأمن.
ختامًا، يمكننا أن نقول إنه لا يمكن القضاء على آفة السرقة ووضع الحلول الناجعة لها إلا بالتعاون المجتمعي؛ إذ يجب تشجيع التعاون والتضامن المجتمعي في مكافحة السرقة، من خلال المشاركة المجتمعية في برامج حماية الممتلكات والمبادرات التي تعزز الوعي بأهمية مكافحة الجريمة.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك