فيما يسود التوتر، وعدم اليقين، أسواق السلع في شتى أنحاء العالم بسبب تبادل رفع الرسوم الجمركية بين دوله، خاصة القوى الاقتصادية الكبرى، وأثر ذلك في عدم انتظام سلاسل التوريد، ما يرجح سيناريو الركود التضخمي -وأثر ذلك على اتجاهات أسعار النفط والغاز الطبيعي، ما يلقي بظلاله على الاقتصاد الخليجي- فإن المؤشرات الأولية تدعم اتجاهات قطاع السياحة لأن يكون في قيادة هذا الاقتصاد، معززًا لمرونته ومقدرته على التكيف.
وتأييدا لهذا، فقد حققت نسبة الإشغال في فنادق البحرين 100% في موسم استضافة سباق «الفورمولا 1»، في أبريل، وهو الذي يتكرر سنويًا، كما أن ما حققه قطاع السياحة البحريني العام الماضي 2024، في إطار الاستراتيجية السياحية (2022 – 2026)، من نتائج نوعية على صعيد الأداء والإيرادات فاق التوقعات، فقد نمت الإيرادات السياحية بنسبة 13% عن العام السابق 2023، كما شهد عدد الزوار نموًا بنسبة 20%، ما عكس جاذبية البحرين كوجهة سياحية واحدة، وثمرة الجهود الترويجية التي قامت بها، والتي عززت تنافسية قطاعها السياحي، وجذب الاستثمارات إليه، ليكون رافدًا اقتصاديًا رئيسيًا.
وعلى هذا الأساس، توقعت مجلة «ترافيل آند وورلد تورز»، المتخصصة في السياحة أن تجتذب المملكة 14 مليون سائح في 2026، وتحقق 3.6 مليارات دولار عوائد سياحية في 2028، وقد بنت هذه التقديرات على ما تحقق في 2023، حين استقبلت 12.5 مليون زائر، وحققت الإيرادات السياحية 3.1 مليارات دولار، فيما نجحت الجهود البحرينية في زيادة الإنفاق اليومي للسائح إلى 74.8 دينارا، وتمديد متوسط الإقامة إلى 3.5 أيام، نتيجة تنوع المنتج السياحي، شاملاً السياحة الثقافية، والترفيهية، والرياضية، والعلاجية، وسياحة المعارض والمؤتمرات.
علاوة على ذلك، فقد دعم نمو السياحة في البحرين العام الماضي اختيارها «عاصمة السياحة الخليجية»، فيما شهد هذا العام أيضًا إضافة عدد من الفنادق فئتي أربعة وخمس نجوم -كما يشهد العام الحالي إضافات جديدة- وفيما تستهدف استراتيجية قطاع السياحة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بـ 11.6% العام القادم، فقد أخذت الجهود تركز على استقطاب السياح من خمس أسواق رئيسية، على رأسها دول مجلس التعاون الخليجي -ويخدمها فيه التأشيرة السياحية الخليجية الموحدة- والمملكة المتحدة، والصين، والهند، وألمانيا.
وفضلاً عن زيادة الإيرادات السياحية، وزيادة إسهام السياحة في الناتج المحلي الإجمالي، فإن الاستثمار في هذا القطاع يعد من الركائز الأساسية لنمو الاقتصاد البحريني، فيما أضاف هذا الاستثمار، جزر حوار إلى جغرافية السياحة البحرينية، واتجه هذا الاستثمار إلى تعزيز التنوع الفندقي للتعامل مع مختلف فئات الزوار، ووفرت المملكة بيئة جاذبة لهذه الاستثمار، الذي أنشأ حتى الآن 140 فندقًا، منها 33 من فئة الـ 5 نجوم بإجمالي عدد 24 ألف غرفة، وتتجه حتى نهاية العام القادم إلى استقطاب 16 فندقا جديدا من أبرز الفنادق العالمية، تضيف أكثر من 3000 غرفة، مع تعزيز مكانتها كوجهة مفضلة لسياحة الأعمال والمؤتمرات، من خلال مركز البحرين الدولي للمعارض، والتطوير الذي تم بمطار البحرين الدولي.
وللدور الذي تلعبه السياحة في قيادة النمو الاقتصادي الخليجي، خصصت قمة الاستثمار التي نظمتها «الإمارات» في 9 أبريل، جلسة حوارية حول الاستثمار في السياحة، بمشاركة واسعة من الوزراء وأصحاب المصلحة، فضلاً عن منظمات أممية ودولية معنية، حيث أكدت أهمية السياحة في تعزيز النمو، والمرونة الاقتصادية، وتوفير الوظائف، فيما غدت الإمارات، وجهة عالمية رائدة للاستثمار السياحي في ظل استراتيجيتها الوطنية للسياحة 2031، التي تستهدف رفع مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 450 مليار درهم، واستقطاب استثمارات جديدة تتجاوز الـ100 مليار درهم، واستضافة 40 مليون نزيل فندقي سنويًا بحلول العقد المقبل، وتعزيز استقبال الاستثمار السياحي من خلال تأسيس مناطق استثمارية خضراء، وإطلاق تأشيرات مرنة للإقامات الطويلة.
يأتي هذا فيما بلغت مساهمة السياحة في الاقتصاد الإماراتي 12% في 2024 بقيمة 236 مليار درهم، كما أنه بفضل ما توفره الدولة من بنية سياحية قوية ومطارات، وتنوع المنتج السياحي، يمكن أن يصل هذا الرقم إلى 275.2 مليار درهم بحلول 2034. وفيما يعد قطاع السياحة أحد الروافد الرئيسية لتعزيز تنافسية واستدامة الاقتصاد الإماراتي، ودعم التحول نحو النموذج الاقتصادي الجديد القائم على الابتكار، فقد ارتفعت إيرادات المنشآت الفندقية إلى نحو 45 مليار درهم في 2024 بنسبة نمو 3% عن 2023، وبلغ معدل الإشغال الفندقي نحو 78%، مع إضافة 16 فندقا جديدا؛ ليبلغ إجمالي عدد الفنادق 1251، وعدد الغرف الفندقية 216966 بزيادة 3% على 2023. وتعمل الإمارات على ترسيخ مكانتها كأفضل هوية سياحية حول العالم بحلول العِقد المقبل، فيما بلغ عدد الزوار 30.9 مليونا بزيادة 9.5% عن 2023 وبنسبة تنفيذ 77% من مستهدف الاستراتيجية الوطنية، فيما تم اختيار مدينة «العين» عاصمة للسياحة الخليجية في 2025.
وفي رؤيتها الاقتصادية 2040، تستهدف «سلطنة عُمان»، رفع نسبة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي من 3% إلى 10%، فيما استقبلت العام الماضي 4 ملايين سائح، وتمتلك السلطنة عددا من الفرص الواعدة لاستقطاب الاستثمارات السياحية، ما يعزز تنويع مصادر الدخل، ويجذب هذه الاستثمارات الموقع الجغرافي للسلطنة، وتنوع التضاريس، والإرث الثقافي، وما تنعم به من أمن واستقرار، وإلى جانب جذب الاستثمارات، فإن السياحة تعد مجالا خصبا لريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة.
وفي تقرير «المجلس العالمي للسياحة»، توقع زيادة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة إلى 7.6% في 2024، وكشف النقاب عن مستقبل واعد لهذا القطاع، في ظل الدعم الحكومي، والمبادرات الاستراتيجية، فيما توقع التقرير أيضًا وصول عدد المشتغلين في القطاع إلى 205 آلاف بمعدل 1 من كل 14 من عمالة السلطنة. وفي العام الماضي ضخ زائرو السلطنة الدوليون 1.1 مليار ريال، والمحليون 1.4 مليار ريال، وأصبحت السلطنة وجهة سياحية رائدة في الشرق الأوسط، وتسعى لجذب 12 مليون زائر سنويًا بحلول 2040، فيما شملت مبادرتها إنشاء مجمعات سياحية متكاملة، وافتتاح مكاتب إقليمية للترويج للسياحة في السلطنة، وتطوير أنماط سياحية جديدة كسياحة المغامرات.
وقد أثمر الاستثمار السياحي في السلطنة عن 814 منشأة فندقية، منها 29 فندقا فئة خمس نجوم، بإجمالي نحو 33 ألف غرفة في 2023، بعد أن كانت 674 منشأة بإجمالي 31 ألف غرفة في العام السابق، فيما ارتفعت الإيرادات الفندقية (3 – 5 نجوم) في 2023 بنسبة 23.4% لتبلغ 229.2 مليون ريال عُمان، وزاد عدد النزلاء بنسبة 27%، ليبلغ نحو 2 مليون زائر بنهاية 2023، فيما كان 1.6 مليون العام السابق، بأغلبية أوروبية، تليها الآسيوية.
وفي السعودية، بلغت نسبة إسهام السياحة في الناتج المحلي الإجمالي 4.4% في 2023، وتجاوز عدد السائحين 100 مليون سائح، وصل إنفاقهم إلى 250 مليار ريال، وهو العدد المستهدف في «رؤية السعودية لعام 2030» -وتم الوصول إليه قبل 7 سنوات- فيما تسعى المملكة إلى مساهمة السياحة بـ10% من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول 2030، مستهدفة عدد زوار 150 مليونا، وخلق مليون وظيفة، لتصل عدد وظائفه 1.6 مليون بحلول 2030، ويخدم ذلك تنوع المنتج السياحي والجغرافي والثقافي في المملكة ونمو الاستثمارات، فيما مثلت السياحة الداخلية أكثر من 78 مليون سائح بإجمالي إنفاق 112 مليار ريال، وشكل هذا نجاحًا في التحول من إنفاق هذا السائح في الخارج إلى الإنفاق داخل المملكة، فيما بلغ عدد السياح من الخارج أكثر من 27 مليون سائح، أنفقوا نحو 135 مليار ريال.
وتعزيزًا للاستثمار في قطاع السياحة بالمملكة أنشأت الحكومة مركزا موحدا لخدمة المستثمرين، وبرنامجا لتحفيز الاستثمار، ما نتج عنه تجاوز الاستثمارات السياحية أكثر من 35 مليار ريال في خلال 3 سنوات، وإدراكًا للدور الذي تلعبه السياحة في تعزيز النمو المستدام والمرونة الاقتصادية والتشغيل، تعتزم السعودية ضخ 500 مليار دولار في هذا القطاع على مدى 15 عاما، مستهدفة الوصول بمساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى 10%، فيما تأتي المملكة حاليًا في المرتبة 11 عالميًا في عدد سياح الخارج، وتسعى لأن تكون السابعة بحلول 2030.
وفي حين تعد السياحة الدينية هي الأبرز، فإن «الرياض»، تعمل على بناء مرافق جديدة لتدشين سياحات المغامرات، والشواطئ، والصحاري، فضلاً عن سياحات المعارض، والسياحات المائية، والتاريخية، والرياضية، فيما بلغ عدد الغرف الفندقية 280 ألفا بنهاية 2023، ويُخطط لإضافة 250 ألف غرفة أخرى بحلول 2030، وتشكل استضافتها كأس العالم لكرة القدم 2034 نقطة بارزة في السياحة الرياضية، تسعى منها لأن تكون مركزًا مفضلاً في هذه السياحة، فضلاً عن سياحة المؤتمرات التي أخذت تزداد فيها.
وتنظر «الكويت»، لقطاع السياحة، كأحد أهم محركات النمو الاقتصادي، وما يمثله أيضًا في مجال التشغيل، وجذب الاستثمارات، فيما تجاوزت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي 3%، وتمتلك الكثير من عناصر الجذب السياحي، في مقدمتها أرثها الثقافي، وتعدد المقاصد السياحية، وسياحة التسوق والترفيه، فيما يتجاوز عدد زوارها سنويًا 300 ألف زائر، وتتسارع الخطى لإحداث نقلة نوعية في هذا القطاع من خلال حزمة مشاريع طموحة ضمن استراتيجية شاملة تخدم تطلعات البلاد، وتشمل تطوير المرافق السياحية وتأسيس مشاريع نوعية جديدة، وتعزيز فرص الاستثمار، واعتماد سياسات داعمة للسفر والسياحة، فضلاً عن الحملات الترويجية، ومن أبرز المشروعات الترفيهية الناجحة مشروع «ونتر وندر لاند الترفيهي»، وتطوير شاطئ البلاجات، وحديقة جنوب الصباحية، وإطلاق مهرجانات التسوق، وزيادة تحقيق تحول السائح الكويتي إلى الداخل بدلاً من الخارج.
وفي 2023، حققت عائدات السياحة الكويتية نموا بنسبة 42% عن 2022 لتصل إلى 1.7 مليار دولار بعدد سياح بلغ 20 ألف سائح خليجي، فيما وضعت الحكومة تطوير الأماكن التراثية على رأس أولوياتها، ووقعت مع البحرين اتفاقية تعاون في المجال السياحي للأعوام 2024 – 2026، واتفاقية مماثلة مع تونس، فضلاً عن تعاونها في تنفيذ الاستراتيجية الخليجية السياحية 2023 – 2030، وتأمل الكويت في رؤيتها 2035، أن تصبح وجهة سياحية عالمية، فيما يبلغ عدد الغرف الفندقية نحو 15 ألفا، وتحت التعاقد 1369 غرفة.
وفي رؤية قطر الوطنية 2030، تحتل السياحة مكانة متقدمة لدعم مسيرة التنوع، وتعزيز المرونة الاقتصادية، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وتشير التقديرات إلى مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي بـ 11.3%، وبقيمة تزيد على 90 مليار ريال في 2024، ونهاية النصف الأول من هذا العام كان قد زارها 2.6 مليون زائر بزيادة 28%عن 2023، أغلبهم من السعودية بنسبة 29%، تليها البحرين، فيما غدت الدوحة وجهة سياحية مفضلة على المستويين الإقليمية والدولي، ولعب في ذلك استضافتها للعديد من الفعاليات الإقليمية والدولية، وكانت استضافتها كأس العام لكرة القدم 2022، والتي واكبها استثمارات نحو 300 مليار دولار أخذت تؤتي بثمارها في السنوات التالية.
على العموم، تغدو السياحة في الاقتصاد الخليجي في مكان قيادة هذا الاقتصاد، على طريق التنوع، واكتساب مرونة التكيف مع الأوضاع المتغيرة لسوق السلع، وقد أصبح التعاون الخليجي في هذا القطاع، وعلى رأس تجلياته التأشيرة السياحية الخليجية الموحدة من أبرز جوانب التعاون الاقتصادي الخليجي؛ ما يرفع مكانة مجلس التعاون الخليجي، كوجهة مفضلة للسائحين والاستثمار السياحي، ويضع دول المجلس على طريق النمو المستدام.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك