العدد : ١٧١٨٩ - الثلاثاء ١٥ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٨٩ - الثلاثاء ١٥ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تأثيرات وقف المساعدات الأمريكية للشرق الأوسط

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الجمعة ١١ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

تبرز‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بوصفها‭ ‬أكبر‭ ‬اقتصاد‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وأكثره‭ ‬نفوذًا،‭ ‬وتأثيرًا‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دورها‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬المحوري‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعلها‭ ‬أكبر‭ ‬مقدِّم‭ ‬للمساعدات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والإنمائية،‭ ‬والاستثمارات‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭. ‬ووفقًا‭ ‬لتقديرات‭ ‬مركز‭ ‬التنمية‭ ‬العالمية،‭ ‬فإنها‭ ‬تقدم‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬خُمس‭ ‬إجمالي‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية‭ ‬العالمية‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عقود‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬الواسع‭ ‬للإنفاق‭ ‬على‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية،‭ ‬فلطالما‭ ‬استهدف‭ ‬المشرّعون‭ ‬الأمريكيون‭ -‬وخاصةً‭ ‬من‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري‭- ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬باعتباره‭ ‬أمراً‭ ‬يجب‭ ‬تقليصه‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وهو‭ ‬أمرٌ‭ ‬أقرّته‭ ‬الآن‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭. ‬وكما‭ ‬علقت‭ ‬أوليفيا‭ ‬أوسوليفان،‭ ‬وجيروم‭ ‬بوري،‭ ‬من‭ ‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تتبدى‭ ‬جليا‭ ‬عيوب‭ ‬النموذج‭ ‬الغربي‭ ‬الحالي‭ ‬للمساعدات‭ ‬الخارجية؛‭ ‬فإن‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬الثانية‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬تحسين‭ ‬النموذج‭ ‬بغية‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬أفضل،‭ ‬وعوضًا‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬أظهرت‭ ‬التزامها‭ ‬الكامل‭ ‬بسحب‭ ‬دورها‭ ‬المركزي‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والإنمائية‭ ‬العالمية‭.‬

وأشارت‭ ‬إيمي‭ ‬هوثورن،‭ ‬من‭ ‬المركز‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬واشنطن،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬المساعدات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬لم‭ ‬تسلم‭ ‬من‭ ‬اضطرابات،‭ ‬جراء‭ ‬هجوم‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬إنفاق‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬اعترافها‭ ‬بأن‭ ‬إنفاق‭ ‬عشرات‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لم‭ ‬تخلق‭ ‬منطقة‭ ‬آمنة،‭ ‬أو‭ ‬مزدهرة،‭ ‬أو‭ ‬ديمقراطية؛‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار،‭ ‬أن‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والإنمائية‭ ‬كانت‭ ‬قيمة،‭ ‬بل‭ ‬ومنقذة‭ ‬للحياة‭ ‬لملايين‭ ‬الأشخاص،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬فإن‭ ‬التخفيضات‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬ترامب‭ ‬ستجلب‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬الحكومات،‭ ‬وإيذاء‭ ‬الناس،‭ ‬بجميع‭ ‬أنحاء‭ ‬المنطقة،‭ ‬على‭ ‬المديين‭ ‬القصير‭ ‬والطويل‭. ‬وندد‭ ‬ليث‭ ‬العجلوني،‭ ‬من‭ ‬المعهد‭ ‬الدولي‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬بالتداعيات‭ ‬المحتملة،‭ ‬محذرًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬ستُخلّف‭ ‬آثارًا‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وإنسانية‭ ‬جسيمة،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تفاقم‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار،‭ ‬وتهديد‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

وبعد‭ ‬وقت‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬أمر‭ ‬ترامب،‭ ‬بتجميد‭ ‬جميع‭ ‬برامج‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية‭ ‬تقريبًا،‭ ‬وإخضاعها‭ ‬لمراجعة‭ ‬مدتها‭ ‬90‭ ‬يومًا،‭ ‬تُعنى‭ ‬بكفاءتها،‭ ‬وتوافقها‭ ‬مع‭ ‬أجندة‭ ‬إدارته‭ ‬الخارجية‭. ‬وبالتزامن،‭ ‬أدانت‭ ‬آبي‭ ‬ماكسمان،‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬أوكسفام‭ ‬أمريكا‭ ‬الخيرية،‭ ‬القرار،‭ ‬ووصفته‭ ‬بأنه‭ ‬يهدد‭ ‬حياة‭ ‬ومستقبل‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بأزمات،‭ ‬بكل‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم،‭ ‬كما‭ ‬أدانت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬بتخليها‭ ‬عن‭ ‬نهج‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تجاه‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية،‭ ‬والذي‭ ‬يدعم‭ ‬حاجة‭ ‬الناس،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬توجهاتهم‭ ‬السياسية‭. ‬وتحدث‭ ‬بول‭ ‬جوردان،‭ ‬من‭ ‬المعهد‭ ‬الأوروبي‭ ‬للسلام،‭ ‬عن‭ ‬تأثير‭ ‬القرار‭ ‬الفوري،‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬إنه‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬خلل‭ ‬كبير‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬أواخر‭ ‬يناير2025،‭ ‬أوضحت‭ ‬مذكرة‭ ‬داخلية‭ ‬أصدرها‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ماركو‭ ‬روبيو،‭ ‬كيف‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬منح‭ ‬أي‭ ‬أموال‭ ‬جديدة،‭ ‬أو‭ ‬تمديدات‭ ‬للأموال‭ ‬الحالية؛‭ ‬حتى‭ ‬الإقرار‭ ‬باعتبارها‭ ‬متسقة‭ ‬مع‭ ‬أجندة‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب،‭ ‬وبعد‭ ‬ما‭ ‬وصف‭ ‬جوزيف‭ ‬جيديون،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬الجارديان،‭ ‬قرار‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬بـالتطهير،‭ ‬أعلن‭ ‬روبيو،‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬مارس،‭ ‬إلغاء‭ ‬83%‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬الوكالة‭ ‬الأمريكية‭ ‬للتنمية‭ ‬الدولية،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬5200‭ ‬عقد،‭ ‬ادعى‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬المصالح‭ ‬الوطنية‭ ‬لواشنطن‭. ‬

وبالتزامن‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الإلغاءات،‭ ‬وكما‭ ‬ذكرت‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المُقرر‭ ‬تفكيك‭ ‬الوكالة‭ ‬نفسها،‭ ‬مع‭ ‬تقليص‭ ‬عدد‭ ‬موظفيها‭ ‬البالغ‭ ‬عددهم‭ ‬حوالي‭ ‬10‭.‬000‭ ‬شخص‭ ‬بجميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬15‭ ‬وظيفة‭ ‬مطلوبة‭. ‬ومن‭ ‬المقرر‭ ‬الآن‭ ‬دمج‭ ‬عمليات‭ ‬الوكالة،‭ ‬قسرًا‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية،‭ ‬والتي‭ ‬خفضت‭ ‬بدورها‭ ‬4100‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬تمويلها‭ ‬للمساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والتنمية‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني‭.‬

وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي،‭ ‬رأى‭ ‬أوسوليفان،‭ ‬وبوري،‭ ‬أن‭ ‬الإغلاق‭ ‬القسري‭ ‬للوكالة،‭ ‬وخفض‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬الحاد‭ ‬لإنفاق‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية،‭ ‬سيجلب‭ ‬عواقب‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬آثارها‭ ‬غير‭ ‬مرئية؛‭ ‬بسبب‭ ‬كون‭ ‬أن‭ ‬الجهات‭ ‬الأكثر‭ ‬تضررًا‭ ‬ليست‭ ‬قوية‭ ‬أو‭ ‬مسموعة‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬زعم‭ ‬روبيو،‭ ‬بأنه‭ ‬سيتم‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬برامج‭ ‬إنقاذ‭ ‬الحياة‭ ‬الأساسية،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬توثيق‭ ‬تحذير‭ ‬كبار‭ ‬مسؤولي‭ ‬الصحة‭ ‬من‭ ‬الوكالة،‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬التخفيضات‭ ‬المقصودة‭ ‬في‭ ‬إنفاق‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية،‭ ‬ستترك‭ ‬مليون‭ ‬طفل‭ ‬دون‭ ‬علاج‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬التغذية‭ ‬الحاد،‭ ‬والتسبب‭ ‬فيما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬166‭.‬000‭ ‬حالة‭ ‬وفاة‭ ‬بسبب‭ ‬الملاريا،‭ ‬وستترك‭ ‬200‭.‬000‭ ‬طفل‭ ‬يعانون‭ ‬شلل‭ ‬الأطفال‭.‬

وكما‭ ‬أوضحت‭ ‬هوثورن،‭ ‬فإن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬يتلقى‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1946‭. ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬مُبين‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية‭ ‬للحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تخصيص‭ ‬12‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬لحوالي‭ ‬1000‭ ‬نشاط‭ ‬وبرنامج‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬دولة‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭. ‬وكان‭ ‬الأردن‭ ‬أكبر‭ ‬الدول‭ ‬المتلقية‭ ‬للمساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬حيث‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬1‭.‬2‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬المساعدات،‭ ‬تلاه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ (‬900‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭)‬،‭ ‬واليمن‭ (‬أكثر‭ ‬من‭ ‬800‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭)‬،‭ ‬والعراق‭ (‬أكثر‭ ‬من‭ ‬220‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭). ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬حذر‭ ‬يوسي‭ ‬ميكلبيرج،‭ ‬من‭ ‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬سحب‭ ‬هذا‭ ‬التمويل‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬الأزمات‭ ‬الإنسانية‭ ‬أو‭ ‬توقف‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭. ‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬تداعيات‭ ‬هذا‭ ‬السحب‭ ‬تُسجِّل‭ ‬أشد‭ ‬وطأتها‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وسوريا،‭ ‬واليمن،‭ ‬والأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭. ‬ففي‭ ‬العراق،‭ ‬أدى‭ ‬إغلاق‭ ‬مكتب‭ ‬الوكالة،‭ ‬إلى‭ ‬حرمان‭ ‬نحو‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬نازح‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬مخيمًا‭ ‬شمال‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬الحيوية‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬واليمن،‭ ‬فتبدو‭ ‬العواقب‭ ‬أكثر‭ ‬فداحة،‭ ‬إذ‭ ‬يُقدّر‭ ‬أن‭ ‬تجميد‭ ‬ربع‭ ‬إجمالي‭ ‬التمويل‭ ‬الإنساني‭ ‬الدولي‭ ‬لسوريا،‭ ‬ووقف‭ ‬ثلث‭ ‬المساعدات‭ ‬المخصصة‭ ‬لليمن،‭ ‬سيفاقمان‭ ‬الأوضاع‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬محسوب‭ ‬العواقب‭ ‬بعد‭.‬

وفيما‭ ‬يخص‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬قدمت‭ ‬الوكالة،‭ ‬منذ‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬مساعدات‭ ‬إنسانية‭ ‬للمدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بقيمة‭ ‬2‭.‬1‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭. ‬وفي‭ ‬نوفمبر‭ ‬2024،‭ ‬تعهدت‭ ‬بتقديم‭ ‬230‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬إضافية‭ ‬لدعم‭ ‬الإنعاش‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتنمية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭. ‬ومع‭ ‬إقالة‭ ‬موظفي‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬وقطع‭ ‬قنوات‭ ‬تمويل‭ ‬المنظمات‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬المساعدات؛‭ ‬أعرب‭ ‬ديف‭ ‬هاردن،‭ ‬المدير‭ ‬السابق‭ ‬لبعثة‭ ‬الوكالة‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬عن‭ ‬أسفه‭ ‬لأن‭ ‬الوضع‭ ‬قاتم‭ ‬للغاية،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجهود‭ ‬المكثفة‭ ‬التي‭ ‬تبذلها‭ ‬وكالات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لسد‭ ‬الفجوة،‭ ‬التي‭ ‬خلفتها‭ ‬الوكالة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لن‭ ‬تستمر‭ ‬إلا‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭.‬

ونظرا‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬مكاتب‭ ‬للوكالة‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬والأردن،‭ ‬وتونس،‭ ‬والمغرب،‭ ‬ولبنان،‭ ‬مع‭ ‬إغلاق‭ ‬مكاتبها‭ ‬وتقليص‭ ‬أعداد‭ ‬موظفيها،‭ ‬توقعت‭ ‬هوثورن،‭ ‬أن‭ ‬تُنهي‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب،‭ ‬جميع‭ ‬أعمالها‭ ‬الإنسانية‭ ‬والتنموية‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تقليص‭ ‬الميزانية‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬لواشنطن‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬الآثار‭ ‬طويلة‭ ‬المدى،‭ ‬سلط‭ ‬مايكل‭ ‬روبنز،‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬الباروميتر‭ ‬العربي،‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬البرامج‭ ‬الإقليمية،‭ ‬التي‭ ‬تُركز‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وتطوير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬والزراعة،‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬تواجه‭ ‬جميعها‭ ‬الآن‭ ‬آثاراً‭ ‬سلبية‭ ‬خطيرة‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب،‭ ‬خفضت‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬فقد‭ ‬استمر‭ ‬الدعم‭ ‬الحكومي‭ ‬لإسرائيل‭ ‬دون‭ ‬تغيير،‭ ‬حيث‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬دعمها‭ ‬السنوي‭ ‬لها‭ ‬والبالغ‭ ‬3‭.‬3‭ ‬مليارات‭ ‬دولار،‭ ‬وزوّدتها‭ ‬بما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬12‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬يناير‭ ‬الماضي،‭ ‬مع‭ ‬تعهد‭ ‬ماركو‭ ‬روبيو،‭ ‬وزير‭ ‬خارجيتها‭ ‬باستمرار‭ ‬استخدام‭ ‬جميع‭ ‬الأدوات‭ ‬لتحقيق‭ ‬التزام‭ ‬أمريكا‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬بأمن‭ ‬إسرائيل‭.‬

وفي‭ ‬تحليله،‭ ‬أشار‭ ‬روبنز،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬خفض‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬حساس‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬علاقات‭ ‬أمريكا‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬شعبيتها‭ ‬شهدت‭ ‬تراجعًا‭ ‬ملحوظًا‭ ‬في‭ ‬المنطقة؛‭ ‬بسبب‭ ‬دعمها‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬على‭ ‬غزة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬أظهرت‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬الباروميتر‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬أن‭ ‬مساعداتها‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬والتعليم،‭ ‬وحقوق‭ ‬المرأة،‭ ‬كان‭ ‬يُنظر‭ ‬إليها‭ ‬بشكل‭ ‬إيجابي،‭ ‬وأن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنها‭ ‬فعّالة‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬بعض‭ ‬جوانب‭ ‬حياتهم‭. ‬وبالتالي،‭ ‬تساءل‭ ‬روبنز،‭ ‬عن‭ ‬تأثير‭ ‬تجميد‭ ‬هذه‭ ‬المساعدات،‭ ‬في‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تشهد‭ ‬فيه‭ ‬تراجعا‭ ‬في‭ ‬شعبيتها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬ترامب،‭ ‬ومستشاريه‭ ‬لا‭ ‬يهتمون‭ ‬بالعواقب‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬سمعة‭ ‬أمريكا،‭ ‬أو‭ ‬المعاناة‭ ‬الإنسانية‭ ‬المتزايدة‭ ‬التي‭ ‬ستسببها‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭. ‬وكما‭ ‬أشار‭ ‬ميكلبيرج،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬لا‭ ‬تضر‭ ‬بالمنطقة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تضر‭ ‬أيضًا‭ ‬بمصالح‭ ‬واشنطن‭ ‬الخارجية،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مهم‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬يتطلب‭ ‬تنمية‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬سيصبح‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬إذا‭ ‬استمرت‭ ‬في‭ ‬تقليص‭ ‬استثماراتها‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الطارئة،‭ ‬بل‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬طويلة‭ ‬الأجل‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬قرار‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب،‭ ‬بتقليص‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية‭ ‬القرار‭ ‬الوحيد‭ ‬فيما‭ ‬وصفه‭ ‬أوسوليفان،‭ ‬وبوري،‭ ‬بـالتراجع‭ ‬الغربي‭ ‬عن‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية،‭ ‬فقد‭ ‬أعلنت‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية،‭ ‬بقيادة‭ ‬السير‭ ‬كير‭ ‬ستارمر،‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2025،‭ ‬عن‭ ‬خطط‭ ‬لخفض‭ ‬مساعداتها‭ ‬الخارجية‭ ‬إلى‭ ‬0‭.‬3%‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬السنوي‭.‬‮ ‬‭ ‬ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬رأى‭ ‬العجلوني،‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ستسعى‭ ‬إلى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬اقتصادات‭ ‬متقدمة‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬أعضاء‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬أو‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭. ‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬أكبر‭ ‬مانح‭ ‬للمساعدات‭ ‬الخارجية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬حيث‭ ‬قدّمت‭ ‬نحو‭ ‬60‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬1%‭ ‬من‭ ‬ميزانيتها‭ ‬الحكومية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التخفيضات‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب،‭ ‬ستكون‭ ‬ذات‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المساعدات‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إصدار‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬بعض‭ ‬الإعفاءات‭ ‬لاستمرار‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية؛‭ ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬أوسوليفان،‭ ‬وبوري،‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬تسريح‭ ‬الموظفين،‭ ‬وتعطيل‭ ‬البرامج؛‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الارتباك‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الإعفاءات‭ ‬ستُنفذ‭ ‬بشكل‭ ‬فعّال‭ ‬أم‭ ‬لا‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬تظل‭ ‬المخاوف‭ ‬قائمة‭ ‬بشأن‭ ‬التأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬المحتملة‭ ‬لتخفيض‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وسوريا،‭ ‬واليمن،‭ ‬وفلسطين،‭ ‬وهي‭ ‬مناطق‭ ‬عانت‭ ‬تاريخيًا‭ ‬من‭ ‬كوارث‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭. ‬ويؤكد‭ ‬روبنز،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التخفيضات‭ ‬ستؤثر‭ ‬في‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬لواشنطن‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب،‭ ‬تولي‭ ‬له‭ ‬أي‭ ‬اعتبار،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يتصاعد‭ ‬فيه‭ ‬دعمها‭ ‬المستمر‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬مع‭ ‬احتلالها‭ ‬غزة،‭ ‬وتسريع‭ ‬ضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والقدس‭ ‬الشرقية،‭ ‬في‭ ‬انتهاك‭ ‬صارخ‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا