العدد : ١٧١٩٠ - الأربعاء ١٦ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩٠ - الأربعاء ١٦ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الاقتصاد الخليجي وجمارك ترامب.. فرص وتحديات

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الثلاثاء ١٥ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

أثارت‭ ‬قرارات‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬‮«‬دونالد‭ ‬ترامب‮»‬‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬أسماه‭ ‬‮«‬يوم‭ ‬التحرير‮»‬،‭ ‬3‭ ‬أبريل‭ ‬‭ ‬بفرض‭ ‬رسوم‭ ‬جمركية‭ ‬على‭ ‬واردات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬185‭ ‬دولة‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬‭ ‬حدها‭ ‬الأدنى‭ ‬10‭%‬،‭ ‬وترتفع‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬50‭%‬‭ ‬‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬تستهدف‭ ‬تصويب‭ ‬حالة‭ ‬الميزان‭ ‬التجاري‭ ‬الأمريكي،‭ ‬الذي‭ ‬يميل‭ ‬لمصلحة‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬بعجز‭ ‬بلغ‭ ‬نحو‭ ‬1‭.‬2‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2024،‭ ‬وإعادة‭ ‬الصناعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬مجدها‭ ‬السابق‭ ‬كي‭ ‬تكون‭ ‬صاحبة‭ ‬النصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬لم‭ ‬تستثني‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬اتفاقات‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ (‬كمملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬وسلطنة‭ ‬عُمان‭)‬،‭ ‬فيما‭ ‬شملت‭ ‬المنافسين‭ ‬وأبرزهم‭ ‬الصين،‭ ‬والحلفاء‭ ‬وأبرزهم‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭.‬

ويقع‭ ‬الأثر‭ ‬المباشر‭ ‬لهذه‭ ‬القرارات‭ ‬على‭ ‬المستهلك‭ ‬الأمريكي‭ ‬نفسه،‭ ‬الذي‭ ‬سيدفع‭ ‬الفاتورة‭ ‬الجديدة‭ ‬للسلعة‭ ‬محملة‭ ‬بالضريبة‭ ‬الجمركية‭ ‬الجديدة،‭ ‬كما‭ ‬يتأثر‭ ‬المستثمر‭ ‬الأمريكي،‭ ‬الذي‭ ‬نقل‭ ‬استثماراته‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأسواق‭ ‬الناشئة،‭ ‬بغية‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬الإنتاجية‭ ‬فيها‭ ‬وانخفاض‭ ‬التكلفة‭ ‬التشغيلية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ارتفاع‭ ‬تنافسيتها‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬السوق‭ ‬الأمريكية‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم،‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬الدول‭ ‬الداعية‭ ‬إلى‭ ‬حرية‭ ‬التجارة‭ ‬والانفتاح‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬إذ‭ ‬قادت‭ ‬العالم‭ ‬عقب‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬نحو‭ ‬تأسيس‭ ‬نظام‭ ‬تجاري‭ ‬عالمي‭ ‬أكثر‭ ‬تحررًا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬‮«‬الاتفاقية‭ ‬العامة‭ ‬للتعريفات‭ ‬والتجارة‮»‬‭ (‬الجات‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬مهّدت‭ ‬لمفاوضات‭ ‬متعددة‭ ‬الأطراف‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود،‭ ‬واختتمت‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬بجولة‭ ‬أورغواي،‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬سبع‭ ‬سنوات،‭ ‬وانتهت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1993‭ ‬بإطلاق‭ ‬‮«‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬بات‭ ‬الانضمام‭ ‬إليها‭ ‬مشروطًا‭ ‬بالتفاوض‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬السياسات‭ ‬الجمركية‭ ‬التي‭ ‬تبنّاها‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬،‭ ‬شكّلت‭ ‬تراجعًا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬النهج،‭ ‬إذ‭ ‬أعادت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬سياسات‭ ‬الحماية‭ ‬التجارية،‭ ‬مما‭ ‬أثار‭ ‬مخاوف‭ ‬من‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬تجارية‭ ‬عالمية،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سارعت‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬إلى‭ ‬الرد‭ ‬بفرض‭ ‬رسوم‭ ‬مماثلة‭. ‬وقد‭ ‬بادرت‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬خطوة‭ ‬مضادة‭ ‬بفرض‭ ‬رسوم‭ ‬جمركية‭ ‬أولاً‭ ‬بنسبة‭ ‬34‭%‬‭ ‬على‭ ‬الواردات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬عزز‭ ‬التوقعات‭ ‬بحدوث‭ ‬ركود‭ ‬تضخمي‭ ‬عالمي،‭ ‬وانخفاض‭ ‬محتمل‭ ‬في‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭.‬

وتعد‭ ‬الإمارات‭ ‬هي‭ ‬أكبر‭ ‬شريك‭ ‬تجاري‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بإجمالي‭ ‬حجم‭ ‬تجارة‭ ‬بلغ‭ ‬34‭.‬4‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2024،‭ ‬وتأتي‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬بإجمالي‭ ‬حجم‭ ‬تجارة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬بلغ‭ ‬25‭.‬9‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬فيما‭ ‬بلغ‭ ‬حجم‭ ‬تجارة‭ ‬قطر‭ ‬5‭.‬6‭ ‬مليارات‭ ‬دولار،‭ ‬والكويت‭ ‬4‭.‬1‭ ‬مليارات‭ ‬دولار،‭ ‬وسلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬3‭.‬3‭ ‬مليارات‭ ‬دولار،‭ ‬والبحرين‭ ‬2‭.‬9‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وبلغت‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬10‭%‬،‭ ‬وهذه‭ ‬الدول‭ ‬تفرض‭ ‬بالمقابل‭ ‬على‭ ‬وارداتها‭ ‬من‭ ‬السلع‭ ‬الأمريكية‭ ‬رسوما‭ ‬جمركية‭ ‬بنسبة‭ ‬10‭%‬‭ ‬أيضًا،‭ ‬وهذه‭ ‬الرسوم‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬تقل‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬سوريا‭ ‬41‭%‬،‭ ‬والعراق‭ ‬39‭%‬،‭ ‬وليبيا‭ ‬31‭%‬،‭ ‬والجزائر‭ ‬30‭%‬،‭ ‬وتونس‭ ‬28‭%‬،‭ ‬والأردن‭ ‬20‭%‬،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تفرض‭ ‬رسوما‭ ‬جمركية‭ ‬عالية‭ ‬على‭ ‬وارداتها‭ ‬من‭ ‬السلع‭ ‬الأمريكية‭.‬

وتقل‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬عن‭ ‬نظيراتها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬السلع‭ ‬الخليجية‭ ‬المصدرة‭ ‬للسوق‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬تنافسي‭ ‬أفضل،‭ ‬فيما‭ ‬تصل‭ ‬هذه‭ ‬الرسوم‭ ‬على‭ ‬فيتنام‭ ‬مثلاً‭ ‬46%،‭ ‬وتايلاند‭ ‬36‭%‬،‭ ‬والصين‭ ‬34‭%‬،‭ ‬وتايوان‭ ‬32‭%‬،‭ ‬ومثلها‭ ‬إندونيسيا،‭ ‬وسويسرا‭ ‬31‭%‬‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬30‭%‬،‭ ‬والهند‭ ‬26‭%‬،‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬25‭%‬،‭ ‬واليابان‭ ‬24‭%‬‭.‬

وفيما‭ ‬اعتبرت‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬الأمريكية‭ ‬الجديدة،‭ ‬بداية‭ ‬للتفاوض،‭ ‬فقد‭ ‬أعلنت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬دولة‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التفاوض،‭ ‬الذي‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان،‭ ‬والبحرين‭ ‬خاصة،‭ ‬لأن‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬اتفاقية‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬نافذة،‭ ‬وقد‭ ‬يسفر‭ ‬هذا‭ ‬التفاوض‭ ‬عن‭ ‬استثنائهما‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الرسوم‭ ‬الجديدة‭.‬

ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر،‭ ‬أن‭ ‬شركات‭ ‬الألمونيوم‭ ‬الخليجية‭ ‬تنتج‭ ‬نحو‭ ‬10‭%‬‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬العالمي‭ ‬البالغ‭ ‬نحو‭ ‬64‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬سنويًا،‭ ‬وتصدر‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬60‭%‬‭ ‬من‭ ‬إنتاجها‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬السوق‭ ‬الأمريكي،‭ ‬الذي‭ ‬يستأثر‭ ‬بـ10‭%‬‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬الخليجي،‭ ‬ويحتاج‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬4‭ ‬ملايين‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬الألومنيوم‭ ‬الخام‭ ‬سنويًا،‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬اكتفاء‭ ‬ذاتي،‭ ‬وتحتاج‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬4‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬تطبيق‭ ‬قرارات‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬،‭ ‬الجمركية‭ ‬حتى‭ ‬يمكنها‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الاكتفاء‭. ‬وفيما‭ ‬بلغ‭ ‬إجمالي‭ ‬هذه‭ ‬الرسوم‭ ‬على‭ ‬الألومنيوم‭ ‬الخليجي‭ ‬25‭%‬،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الرسوم‭ ‬لن‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬حصته‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الأجل‭ ‬القصير،‭ ‬وتظل‭ ‬صادراته‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬تنافسي‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الصادرات‭ ‬الكندية،‭ ‬والهندية،‭ ‬والأسترالية‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬الأمريكية‭ ‬الجديدة‭ ‬تحسن‭ ‬الموقف‭ ‬التنافسي‭ ‬للصادرات‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الأمريكية،‭ ‬لتحملها‭ ‬برسوم‭ ‬أقل‭ ‬إزاء‭ ‬المنافسين،‭ ‬فإنها‭ ‬تفتح‭ ‬الباب‭ ‬أيضًا‭ ‬لزيادة‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الصناعة‭ ‬الأمريكي،‭ ‬الذي‭ ‬غدا‭ ‬بهذه‭ ‬الرسوم‭ ‬يتمتع‭ ‬بحماية‭ ‬هائلة،‭ ‬ويريد‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬،‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الرسوم‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬الصناعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬نقلت‭ ‬مقراتها‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬الأمريكية‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬القرار‭ ‬الجمركي‭ ‬لا‭ ‬يعالج‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬هذه‭ ‬الصناعات‭ ‬إلى‭ ‬التحول،‭ ‬وجعلت‭ ‬الصين‭ ‬مصنع‭ ‬العالم،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬ارتفاع‭ ‬الإنتاجية،‭ ‬وانخفاض‭ ‬الكلفة،‭ ‬وانخفاض‭ ‬قيمة‭ ‬العملة‭ ‬الصينية‭. ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يُصدر‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬قراراته‭ ‬الجمركية‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬أبريل‭ ‬أمرًا‭ ‬تنفيذيًا‭ ‬لتسهيل‭ ‬وتسريع‭ ‬استثمارات‭ ‬الشركات،‭ ‬وأنشأ‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭ ‬داخل‭ ‬وزارة‭ ‬التجارة‭ ‬مكتب‭ ‬‮«‬مسرع‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأمريكي‮»‬؛‭ ‬لتخفيف‭ ‬الأعباء‭ ‬التنظيمية،‭ ‬وتسريع‭ ‬عملية‭ ‬إصدار‭ ‬التصاريح،‭ ‬وزيادة‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الموارد‭ ‬الوطنية،‭ ‬والتنسيق‭ ‬مع‭ ‬الوكالات‭ ‬الفيدرالية‭ ‬والولايات‭.‬

وفي‭ ‬بداية‭ ‬رئاسته‭ ‬الجديدة،‭ ‬كان‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬،‭ ‬قد‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬ضخم‭ ‬‮«‬ستار‭ ‬جيت‮»‬،‭ ‬يخلق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬وظيفة،‭ ‬كأكبر‭ ‬مشروع‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬بقيمة‭ ‬500‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وفيما‭ ‬يبلغ‭ ‬إجمالي‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نحو‭ ‬2‭.‬5‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬معظمها‭ ‬في‭ ‬أدوات‭ ‬الدين‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ففي‭ ‬مارس‭ ‬2025،‭ ‬أعلن‭ ‬‮«‬البيت‭ ‬الأبيض‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الإمارات‮»‬،‭ ‬قد‭ ‬التزمت‭ ‬بإطار‭ ‬استثماري‭ ‬مدته‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬بقيمة‭ ‬1.4‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬وتتوجه‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬إلى‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬وأشباه‭ ‬الموصلات‭ ‬والطاقة‭ ‬والتصنيع‭. ‬فيما‭ ‬غدت‭ ‬‮«‬السعودية‮»‬،‭ ‬مؤهلة‭ ‬لتصبح‭ ‬ثالث‭ ‬أكبر‭ ‬مستثمر‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعد‭ ‬اليابان،‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬ضخ‭ ‬استثمارات‭ ‬جديدة‭ ‬بقيمة‭ ‬600‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬خلال‭ ‬الأربع‭ ‬سنوات‭ ‬القادمة،‭ ‬وفق‭ ‬الاتصال‭ ‬الهاتفي‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬بين‭ ‬الأمير‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سلمان‮»‬،‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬السعودي،‭ ‬والرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬،‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬الماضي‭. ‬وهناك‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬زيادتها‭ ‬إلى‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭.‬

وفي‭ ‬مقابل‭ ‬هذه‭ ‬الفرص‭ ‬تأتي‭ ‬تحديات‭ ‬خطر‭ ‬الإغراق‭ ‬على‭ ‬السوق‭ ‬الخليجية،‭ ‬بسبب‭ ‬تحولات‭ ‬التجارة،‭ ‬ما‭ ‬يهدد‭ ‬الصناعات‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬سوقها،‭ ‬وإلى‭ ‬هذا‭ ‬دعت‭ ‬‮«‬اللجنة‭ ‬الوطنية‭ ‬لصناعة‭ ‬الحديد‮»‬،‭ ‬في‭ ‬السعودية،‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬إجراءات‭ ‬حمائية‭ ‬للصناعة‭ ‬الخليجية،‭ ‬تشمل‭ ‬رفع‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية،‭ ‬تحسبًا‭ ‬لبحث‭ ‬الشركات‭ ‬العالمية‭ ‬عن‭ ‬أسواق‭ ‬بديلة‭ ‬بعد‭ ‬قرارات‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬بفرض‭ ‬رسوم‭ ‬جمركية‭ ‬على‭ ‬واردات‭ ‬بلاده‭ ‬من‭ ‬الألومنيوم‭ ‬والحديد،‭ ‬وكانت‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬قد‭ ‬فرضت‭ ‬رسوما‭ ‬جمركية‭ ‬على‭ ‬وارداتها‭ ‬من‭ ‬الحديد‭ ‬والصلب‭ ‬استجابة‭ ‬لذات‭ ‬المخاوف‭.‬

ويأتي‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الخليجية‭ ‬بعد‭ ‬قرارات‭ ‬ترامب،‭ ‬هو‭ ‬انخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬توقعًا‭ ‬لسيناريو‭ ‬الركود‭ ‬التضخمي‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القرارات،‭ ‬انخفضت‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬بنسبة‭ ‬7‭%‬،‭ ‬ووصلت‭ ‬إلى‭ ‬أدنى‭ ‬مستوياتها‭ ‬منذ‭ ‬2021،‭ ‬ليسجل‭ ‬سعر‭ ‬برميل‭ ‬النفط‭ ‬خام‭ ‬برنت‭ ‬69‭.‬8‭ ‬دولارا‭ ‬للبرميل،‭ ‬وغرب‭ ‬تكساس‭ ‬66‭.‬6‭ ‬دولارا‭ ‬للبرميل،‭ ‬وعزز‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬قرار‭ ‬‮«‬أوبك‭ ‬بلس‮»‬،‭ ‬بشأن‭ ‬رفع‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط،‭ ‬وهو‭ ‬القرار‭ ‬يعيد‭ ‬491‭ ‬ألف‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2025‭. ‬ويأتي‭ ‬هذا‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬،‭ ‬استثنى‭ ‬واردات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬والمنتجات‭ ‬المكررة‭ ‬من‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬تواكب‭ ‬مع‭ ‬انخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬تراجع‭ ‬أسعار‭ ‬سلع‭ ‬أولية‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬وفول‭ ‬الصويا،‭ ‬وسادت‭ ‬الأسواق‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬الصيني،‭ ‬ما‭ ‬سبب‭ ‬خسائر‭ ‬بتريليونات‭ ‬الدولارات‭ ‬للأسواق‭ ‬المالية‭ ‬العالمية،‭ ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬النفط،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬وجود‭ ‬فائض‭ ‬محتمل‭ ‬في‭ ‬الأسواق،‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬سعر‭ ‬النفط،‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬مؤشرا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬الميزانيات‭ ‬الخليجية،‭ ‬ما‭ ‬يفاقم‭ ‬مشكلة‭ ‬العجز‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الميزانيات،‭ ‬ويدفع‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الاقتراض‭ ‬من‭ ‬الأسواق‭ ‬المالية،‭ ‬فيما‭ ‬قدر‭ ‬عجز‭ ‬الميزانيات‭ ‬الخليجية‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬بنحو‭ ‬42‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وتقف‭ ‬الأسعار‭ ‬العالمية‭ ‬للنفط‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬دون‭ ‬سعر‭ ‬تعادل‭ ‬برميل‭ ‬النفط‭ ‬خاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للسعودية،‭ ‬والكويت،‭ ‬والبحرين‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬تُفاقم‭ ‬حالة‭ ‬الركود‭ ‬التضخمي‭ ‬العالمي‭ ‬المتوقع‭ ‬بتأثير‭ ‬القرارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الجمركية،‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬العالمية،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬النهائية،‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬إنتاجها‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬واحد،‭ ‬وهذه‭ ‬البلدان‭ ‬المتعددة‭ ‬أخذت‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬رسوم‭ ‬ورسوم‭ ‬مضادة،‭ ‬ما‭ ‬يرفع‭ ‬أسعار‭ ‬هذه‭ ‬السلع‭ ‬لدى‭ ‬المستهلك‭ ‬النهائي،‭ ‬فالسلع‭ ‬التي‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬إنتاجها‭ ‬مثلاً‭ ‬مكون‭ ‬صيني‭ ‬وآخر‭ ‬أمريكي‭ ‬يزيد‭ ‬سعرها،‭ ‬مقارنة‭ ‬بفترة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬هذه‭ ‬الرسوم‭ ‬بنسبة‭ ‬68‭%‬،‭ ‬وأخذًا‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬ارتفاع‭ ‬حجم‭ ‬الواردات‭ ‬الخليجية،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬معدلات‭ ‬التضخم،‭ ‬نتيجة‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬المستهلك،‭ ‬وارتفاع‭ ‬نفقات‭ ‬المعيشة،‭ ‬وارتفاع‭ ‬قيمة‭ ‬المشتريات‭ ‬الحكومية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الإنفاق‭ ‬في‭ ‬الموازنات‭ ‬العامة‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬هناك‭ ‬فرصة‭ ‬كبيرة‭ ‬أمام‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬تحولات‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬تواجه‭ ‬رسومًا‭ ‬جمركية‭ ‬مرتفعة‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الأمريكية‭ ‬‭ ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬شبه‭ ‬مغلق‭ ‬أمام‭ ‬منتجاتها‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعارها،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬السلع‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬‭ ‬قد‭ ‬تتجه‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬أسواق‭ ‬بديلة‭. ‬وهنا‭ ‬تبرز‭ ‬السوق‭ ‬الخليجية‭ ‬كوجهة‭ ‬واعدة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬حصة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المنتجات،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نشاطها‭ ‬الملحوظ‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬إعادة‭ ‬التصدير‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬ثالثة‭. ‬وتُعد‭ ‬مناطق‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬الخليجية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬منطقة‭ ‬جبل‭ ‬علي‭ ‬في‭ ‬الإمارات،‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬المحركات‭ ‬لهذا‭ ‬النشاط‭ ‬الحيوي‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬هناك‭ ‬فرص‭ ‬كثيرة‭ ‬وتحديات‭ ‬تواجه‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الخليجية‭ ‬نتيجة‭ ‬جمارك‭ ‬ترامب،‭ ‬ولكن‭ ‬تظل‭ ‬الفرصة‭ ‬الأكبر‭ ‬هي‭ ‬إمكانية‭ ‬إنشاء‭ ‬سلاسل‭ ‬توريد‭ ‬إقليمية،‭ ‬تفرض‭ ‬بديلاً‭ ‬لسلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬العالمية،‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثرًا‭ ‬بهذه‭ ‬الرسوم،‭ ‬خاصة‭ ‬وأنه‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬تعمق‭ ‬التوجه‭ ‬الشرقي‭ ‬للاقتصادات‭ ‬الخليجية،‭ ‬كما‭ ‬عمقت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬علاقاتها‭ ‬بأوروبا،‭ ‬ويمكن‭ ‬للمفاوضات‭ ‬الجارية‭ ‬بشأن‭ ‬اتفاقات‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬مع‭ ‬كبريات‭ ‬الاقتصادات‭ ‬العالمية‭: ‬الصين،‭ ‬والهند،‭ ‬واليابان،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الذي‭ ‬سرعت‭ ‬إليه‭ ‬جمارك‭ ‬ترامب‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا