عندما قرر الكنيست الإسرائيلي إقرار ميزانيته للعام المالي 2025 خلال الأيام القليلة الماضية تنفست حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الصعداء.
ولو لم تُعتمد الميزانية بحلول 31 مارس 2025، لكان الكنيست قد حُلَّ تلقائيًا إيذانا بإجراء انتخابات جديدة، فيما كانت استطلاعات الرأي تشير إلى أن بنيامين نتنياهو وائتلافه كانا سيتكبدان هزيمة انتخابية ساحقة. لقد استفاد بنيامين نتنياهو وحكومته وائتلافه من تجدد الحرب في قطاع غزة.
وكانت المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة قد أدت إلى تخلي أحد شركائه في الائتلاف الحاكم وانفصال بعض أعضاء حزبه، مما عرض حكومته لخطر السقوط.
وبمجرد إعلان وقف إطلاق النار، تفاقمت مشاكل نتنياهو، حيث أدت محاكمته بتهم الفساد واستغلال منصبه إلى الواجهة، وكذلك تصرفاته المسرحية الشبيهة بتلك التي يأتيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ردًا على استجوابات النيابة العامة.
كما كان من بين الأمور التي أزعجت نتنياهو التقارير التي تحدثت عن إخفاقات حكومته الناجمة عن التحقيق الجاري في الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر 2023.
وفي ظل استمرار نزيف ائتلافه الحكومي وضعف مكانته الشخصية، أتاح تجدد حرب الإبادة في قطاع غزة لبنيامين نتنياهو مخرجًا كان في أمس الحاجة إليه، وهو ما مكنه من استعادة ائتلافه، والحصول على إقرار ميزانيته، وتراجع التركيز على محاكمته.
كذلك وافقت حكومة بنيامين نتنياهو على قراره بإقالة رئيس جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي الذي حمّله مسؤولية هجوم السابع من أكتوبر 2023.
وجد بنيامين نتنياهو نفسه في وضع يسمح له مجددًا بمواصلة جهوده التشريعية الرامية إلى «إصلاح» ما يراه من عقبات تُشكّلها السلطة القضائية الإسرائيلية المُقلقة.
تفاقمت مشاكل نتنياهو بسبب التوقعات التي ازدادت فور بدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. فقد تابع العالم مشاهد مؤلمة لمئات الآلاف من الفلسطينيين وهم يتجهون شمالًا عائدين إلى منازلهم وتجمعاتهم السكنية المدمرة في شمال غزة.
كما شهد العالم بأسره تزايد التعاطف ومواقف التضامن مع الفلسطينيين، كما ازداد الاشمئزاز من الدمار غير المبرر الذي أحدثه القصف الإسرائيلي.
كذلك كانت هناك عوامل أخرى تضافرت لتثقل كاهل بنيامين نتنياهو وحكومته في هذه الفترة.
وكما هو متوقع، بالغت حركة حماس في إظهار قوتها بمشاهد استعراضية خلال كل عملية إطلاق سراح الرهائن، بهدف إظهار استمرار سيطرتها على قطاع غزة في ظل جسامة تفاقم معاناة الشعب الفلسطيني في القطاع المدمر.
في هذه الأثناء تظهر استطلاعات الرأي أن السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين كانوا يحملون آراءً سلبية تجاه حركة حماس منذ فترة طويلة، أصبحوا يعبرون الآن عن غضبهم تجاه كلٍّ من إسرائيل وحماس، غير أن آخر ما يريده نتنياهو هو ظهور قيادة فلسطينية بديلة في قطاع غزة، لأن ذلك سيُهدد استمراره في الصراع واستمرار حكومته.
وتضمن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 19 يناير 2025 ثلاث مراحل، حيث كانت المرحلتان الثانية والثالثة ستؤديان في نهاية المطاف إلى الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وإنهاء الحرب.
وبما أن المفاوضات نفسها قد كلفت بنيامين نتنياهو شركاءه في الائتلاف الحاكم، فقد وعد حلفاءه بأنه لن يسمح أبدًا بوصول العملية إلى المرحلة الثانية.
ونتيجةً لذلك، شرع نتنياهو، في بداية تطبيق المرحلة الأولى، في البحث عن مخرج، مدعيًا أن حركة حماس تنتهك شروط الاتفاق، والمطالبة بفرض مطالب غير مقبولة سعيا لإضافتها إلى المرحلة الأولى.
في تلك الأثناء، جاءت خطة السلام العربية لإنهاء الصراع، حيث دعت الخطة، التي ستُكمل المرحلة الثالثة من اتفاق وقف إطلاق النار، إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة، ونشر قوة حفظ سلام عربية/دولية، وتشكيل حكومة فلسطينية مرتبطة بالسلطة الفلسطينية، ووضع خطة لإعادة إعمار غزة المدمرة.
وقد حظيت هذه الخطة العربية بدعم دولي واسع النطاق، وإذا تم تبنيها فإنها كانت ستعني نهاية حكم بنيامين نتنياهو في إسرائيل وانهيار ائتلافه الحاكم.
وفي مواجهة كل هذه التحديات، شعر نتنياهو بأنه مُجبر على خرق وقف إطلاق النار. وتُعدّ هذه الحملة المُتجددة استمرارًا وحشيًا للإبادة الجماعية. فمنذ شهر، منعت إسرائيل دخول جميع المساعدات والطواقم الطبية من شمال غزة، مُنفّذةً ما عُرف سابقًا بـما يسمى «خطة الجنرالات» لتجويع الفلسطينيين في تلك المنطقة وإجبارهم على المغادرة.
كما واصل الإسرائيليون حملة القصف، مُزهقين أرواح المئات من السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، كما تمكنوا من استعادة السيطرة العسكرية على عدة مناطق في غزة، مُتوعدين بضمها إلى إسرائيل.
في هذه الأثناء يدرس الإسرائيليون أيضا خططًا لتهجير الفلسطينيين قسرًا من غزة، بهدف تقويض أي جهد يُتيح الحكم للشعب الفلسطيني، وتسهيل غزو إسرائيل وضمها لمزيد من أراضي غزة.
وفي حين يزعم بنيامين نتنياهو أن هدفه هو القضاء على حركة حماس، فإن الأدلة واضحة على أن نيته الحقيقية هي إنقاذ نفسه وحكومته – وفي هذا كان لديه شريك متطوع. لقد دعمت إدارة ترامب إسرائيل في تقويض اتفاق وقف إطلاق النار الذي كان ترامب يتفاخر به ذات يوم باعتباره انتصاره الدبلوماسي الشخصي.
وها هي الأوضاع قد وصلت إلى هذه المرحلة بعد مرور ما يزيد قليلاً على شهرين على إعلان وقف إطلاق النار، فيما يظل الفلسطينيون مرة أخرى ضحايا للمذابح والمجاعة الجماعية.
وبدلاً من أن يكون هناك اتفاق من شأنه أن يؤدي إلى إنهاء الصراع، فإن وقف إطلاق النار لم يكن أكثر من مجرد توقف مؤقت أو خدعة قاسية تمهد للتضحية بها على مذبح البقاء السياسي لنتنياهو وحكومته.
لا يوجد في هذه القصة أخيار، بل يوجد ضحايا فلسطينيون فقط. وبينما يتظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين ضد نتنياهو لأنه يُخاطر بحياة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة، فقد حان الوقت ليتحد العرب دفاعًا عن الشعب الفلسطيني وخطة السلام الخاصة بهم لإنهاء الإبادة الجماعية.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك