خلال ولايته الأولى أطلق الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، حملة «الضغط الأقصى»، التي تضمنت فرض عقوبات اقتصادية مشددة على إيران، كما قرر الانسحاب من الاتفاق النووي – والمعروف بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة» – الذي أبرمته إدارة سلفه «باراك أوباما» عام 2015، والذي يهدف إلى تقييد البرنامج النووي الإيراني، ودفع هذا التوجه العديد من المراقبين الغربيين إلى توقع عودة الإدارة الأمريكية إلى النهج ذاته اعتبارًا من 20 يناير 2025.
وخلال ولايته الثانية، صعّد ترامب من ضغوطه بفرض عقوبات إضافية، شملت شركات بتروكيماويات صينية بسبب استيرادها النفط الخام الإيراني في مارس 2025. وفيما يخص البرنامج النووي الإيراني، الذي شهد تسارعًا ملحوظًا منذ انسحاب واشنطن من «خطة العمل الشاملة المشتركة» عام 2018؛ انتهج الرئيس الأمريكي مزيجًا من التصعيد والمرونة؛ إذ أطلق خلال أول شهرين من ولايته تهديدات عدوانية بشنّ هجوم عسكري، بالتوازي مع محاولة لإظهار انفتاح دبلوماسي تمثلت في رسالة نقلتها الإمارات إلى القيادة الإيرانية، تقترح إطلاق حوار رسمي جديد.
وعقب فترة من الجمود لم يلتزم خلالها المسؤولون الأمريكيون والإيرانيون بتنفيذ مقترح الحوار، أعلن «ترامب»، في السابع من أبريل 2025 من المكتب البيضاوي برفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن مفاوضات «رفيعة المستوى» و«مباشرة» مع ممثلين عن طهران بشأن اتفاق نووي جديد ستبدأ في الثاني عشر من الشهر ذاته. والتي انطلقت بالفعل مما شكّل تحولًا لافتًا في مسار العلاقة بين الطرفين بعد سنوات من التصعيد والتوتر. وعليه، بحث المراقبون والخبراء الغربيون الديناميكيات القائمة بين البلدين، وكيفية احتمال تطور هذا الحوار المُتجدد، وما هي فرص نجاحه الحقيقي.
وفي حين وجه «ترامب»، منذ عودته إلى السلطة، تهديدات متكررة بشن هجمات عسكرية من قِبل بلاده أو حلفائها الإسرائيليين، ضد إيران حال عدم موافقتها على مطالب بشأن مستقبل برنامجها النووي؛ فقد أشار «آرون ميلر»، من «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، إلى أن استراتيجية الجمهوريين تجاه هذه القضية مدفوعة بهدفين، هما منع «إيران من امتلاك سلاح نووي»، وتجنب «عملية عسكرية كبرى من قِبل الولايات المتحدة أو إسرائيل تُغرق المنطقة في الفوضى».
ومع ذلك، صرح الرئيس الأمريكي بأن «الصفقة»، «أفضل من القيام بما يقتضيه الوضع الآني» – أي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية – وقبل أن يجتمع المسؤولون الأمريكيون ونظراؤهم الإيرانيون في سلطنة عُمان، كما ورد في تقرير شبكة «سي ان ان»؛ كانت هناك العديد من التوقعات المختلفة لكلا الجانبين عما ستتضمنه هذه المحادثات.
من جانبه، أشار «باتريك وينتور»، في صحيفة «الجارديان»، إلى «خيبة الأمل»، التي سادت أوساط المسؤولين في طهران، بعد أن اتخذت المحادثات طابعًا غير مباشر، خلافًا لتصريحات ترامب التي أكدت أنها ستكون مباشرة. وأوضح «لوك برودووتر»، و«ديفيد إي. سانجر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه «بينما يسعى الإيرانيون إلى نسخة محدّثة من اتفاق أوباما النووي»، فإن الإدارة الأمريكية تبدو في المقابل مصممة على تحقيق أهداف أوسع، تشمل «تفكيك البنية التحتية الواسعة لتخصيب الوقود النووي»، إلى جانب البرنامج الصاروخي، والوصول إلى تسوية شاملة تشمل «إنهاء الدعم الإيراني طويل الأمد لوكلائها الإقليميين».
ويُثير الارتباك من جانب «البيت الأبيض»، بشأن مطالبه الفعلية مزيدا من التخبط. وقاد الوفد الأمريكي الرسمي في عُمان «ستيف ويتكوف»، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، والذي على الرغم من افتقاره خبرة دبلوماسية سابقة، فقد عُهد إليه بالفعل بإنهاء الحروب في غزة وأوكرانيا. وبينما تحدث «ويتكوف»، سابقًا عن كيفية سعي الولايات المتحدة إلى «برنامج تحقق» من إيران لإثبات عدم سعيها إلى تطوير أسلحة نووية، فقد ناقض «مايك والتز»، مستشار الأمن القومي الأمريكي هذا الهدف المعلن، وبدلاً من ذلك دعا إلى «التفكيك الكامل» لبرنامج اليورانيوم الإيراني، بما في ذلك عنصره المدني.
وتتبوأ مسائل النفوذ بين «الولايات المتحدة»، و«إيران»، أيضًا طليعة الاعتبارات. وزعم «أليكس فاتانكا»، من «معهد الشرق الأوسط»، أن ترامب «في وضع مهيمن»، خاصة وأن أعضاء الحزب الجمهوري «يخشونه» محليًا ولن يعارضوا مفاوضاته بنفس الطريقة التي عارضوا بها أوباما. ويواصل «البيت الأبيض»، التلويح بالتهديدات العسكرية، حيث يتباهى «ويتكوف»، بتدمير الدفاعات الجوية الإيرانية بفعل الهجمات الإسرائيلية، وأنها بالتالي «معرضة للهجوم»، إذا ما رأت واشنطن ذلك. كما أكد ترامب أن طهران «سيكتنفها خطر محدق»؛ حال لم تتوصل إلى اتفاق «لأنها لن يكون بمقدورها امتلاك سلاح نووي».
ومن المنظور الإيراني، نقل «جيم والش»، من «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، أن طهران «تُعرب بوضوح عن رغبتها في التفاوض»، رغم أن الخطاب الرسمي لنظام «خامنئي»، يقرّ بوجود مفاوضات، لكنه في الوقت ذاته يُظهر تخوفًا من أن تؤول هذه العملية إلى إذعان لمطالب واشنطن. وأكد «والش»، أن هذه الديناميكية القائمة، التي تجمع بين التصريحات المتشددة والانفتاح الحذر، «لن تُجدي نفعًا»، كمسار واقعي للتوصل إلى اتفاق نووي جديد. وأشار «فاتانكا»، إلى أن لدى الإيرانيين «فرصة هنا للعودة والتفاوض، والحفاظ على برنامجهم النووي المدني، مع تقديم تنازلات بشأن حجمه ومدة الاتفاق»، مع السعي إلى النأي عن المزيد من الهجمات الإسرائيلية.
وفي تأكيد على هذه النقطة، أشارت «نيكول جرايفسكي»، من «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، إلى أن تدهور وضع وكلاء إيران، وكشف نقاط ضعف أنظمة دفاعها الجوي، قد دفع طهران إلى «إعادة النظر في نهجها الكامل للأمن القومي»، بما في ذلك «الاستفادة من مكانتها كدولة على العتبة النووية».
وأكد تقرير تقييم التهديدات الصادر في مارس 2025 عن «مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية»، أن إيران لا تصنع حاليًا سلاحًا نوويًا، وأن مرشدها الأعلى لم يُعِد تفويض برنامج الأسلحة النووية الذي تم تعليقه عام 2003. ومع ذلك، أوضحت أحدث النتائج التي توصلت إليها «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، أنها تمتلك حوالي 275 كيلوجرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء 60%، وهي كمية يمكن، إذا ما تم تخصيبها إلى نسبة 90%، أن تُستخدم في صنع ست قنابل نووية.
وسلّطت «دانييل بليتكا»، من «معهد أمريكان إنتربرايز، الضوء على أن الاعتماد على الترهيب العسكري، خصوصًا في ظل تهديدات «ترامب»، بشن هجوم عسكري، قد يؤدي إلى نتائج عكسية. وأشارت إلى عدم وضوح ما إذا كان الرئيس الأمريكي «جادًا في كلامه»، أم أنه «يُلقي كلامًا ليبدو مسيطرًا».
وعن محادثات عُمان، كتب «ولي نصر»، من «جامعة جونز هوبكنز»، أن إعلان ترامب في البداية بأن المفاوضات ستكون مباشرة قد «وضع إيران في مأزق»، لأنها تُصرّ على أن تكون المحادثات غير مباشرة كي لا تظهر وكأنها رضخت لمطلب أمريكي مسبق، رغم أن مصلحتها تكمن فعليًا في أن تكون المحادثات مباشرة وتُظهر من خلالها توجهاتها.
وأثار «برودووتر»، و«سانجر»، ملاحظات بشأن النهج الأمريكي، مشيرين إلى أن ترامب، خلال حملته الانتخابية في عام 2016، انتقد مفاوضات أوباما مع الإيرانيين بقوله: إن «الاتفاق الذي تم التوصل إليه «كان من الممكن أن يكون أفضل بكثير، لو انسحبوا من المفاوضات بشأنه عدة مرات». ويشير هذا التوجه إلى أن ويتكوف – الذي أفاد «وينتور»، بأنه لم ينجح بعد في التفاوض على السلام في غزة أو أوكرانيا – قد يتبع أسلوب الانسحاب المؤقت من المحادثات كوسيلة للضغط على الإيرانيين.
وبالنظر إلى أن «ترامب»، حدد شهر مايو موعدًا نهائيًا للتوصل إلى اتفاق، اقترح «وينتور»، أن ممثلي إيران قد يختبرون صبر الرئيس الأمريكي خاصة إذا حاول المفاوضون الأمريكيون توسيع نطاق المحادثات لتشمل مستقبل برنامج الصواريخ الباليستية لإيران، ودعمها لوكلائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وبرزت ديناميكية مهمة أخرى تؤثر على هذه المحادثات، وهي دور إسرائيل. وأشار «ديفيد إغناتيوس»، من صحيفة «واشنطن بوست»، إلى أن «ترامب»، بدأ «سعيه للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران»، عبر «مؤتمر صحفي صاخب في المكتب البيضاوي»، حيث عرض خطته التفاوضية بحضور حليف إسرائيلي بدا غير راضٍ. وطرح «إغناتيوس»، تساؤلًا حول مدى نفوذ «نتنياهو»، على «ترامب»، ومدى إمكانية محاولته لإفشال أي اتفاق محتمل. واعتبر أن وجوده بجانبه خلال إعلان استئناف المفاوضات مع إيران كان وسيلة لإبقاء الحكومة الإسرائيلية المتطرفة «تحت السيطرة»، و«استباق» أي انتقادات للسياسة الأمريكية.
وفي غضون ذلك، أوضح «جريج كارلستروم»، في مجلة «الإيكونوميست»، أن حضور «نتنياهو»، في البيت الأبيض كان «مهينًا» له، رغم أنه أقر بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي ربما لديه أسباب للاعتقاد بأن المحادثات الأمريكية مع إيران ستفشل، مستندًا إلى «افتقار ترامب الى الخبرة»، في مثل هذا النوع من الدبلوماسية، وميل إيران الدائم إلى «المماطلة».
وفي ضوء هذه الديناميكيات، حكم «دينيس جيت»، من جامعة «ولاية بنسلفانيا»، بأن هذه المحادثات ستكون «قصيرة الأجل وغير مثمرة». وانتقد اعتماد ويتكوف، الذي وصفه بـ«رجل عقارات نيويوركي»، على فكرة أن الدبلوماسية لا تختلف عن مجرد إتمام صفقة، مؤكدًا أن الأمور المتعلقة بالأمن النووي ليست بهذه البساطة.
من جانبه، عارض «كريم سجادبور»، من «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، هذا الطرح، ولفت إلى أن الدبلوماسيين الذين اختارهم ترامب لا يتعاملون مع مفاوضات بسيطة حول «سعر نهائي أو صفقة كبرى»، بل يتناولون «قضايا تقنية للغاية»، مثل مستويات تخصيب اليورانيوم، ومواصفات أجهزة الطرد المركزي، وآليات التفتيش. ولذلك، أكد «سجادبور»، أن هناك خطرًا حقيقيًا يتمثل في افتقار الفريق الأمريكي إلى الخبرة، والهدف الواضح، مقابل فريق إيراني يمتلك كلا الأمرين، مما يُرجح تفوق إيران في هذه المفاوضات.
وأشار «وينتور»، إلى أن الإيرانيين ما زالوا «ينتظرون لمعرفة ما إذا كان ترامب سيكون راضيًا إذا ركزت المحادثات على نظام جديد لمراقبة برنامجهم النووي المدني»، وهو نظام لا يختلف كثيرًا عن الاتفاق الذي انسحب منه ترامب في عام 2018. وكشفت التصريحات المتضاربة بين أعضاء إدارة ترامب عن انعدام التوافق داخل الإدارة بشأن الأهداف المرجوة من هذه المحادثات، أو الاستراتيجية التي يجب اتباعها لتحقيقها.
وفي كل الأحوال، بما أن «ترامب»، كان من أشد المنتقدين للاتفاق النووي الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما مع إيران عام 2015، فقد أشار «برودووتر»، و«سانجر»، إلى أنه وضع لنفسه «مستوى عاليًا للنجاح»، وهو مستوى يرى كثير من الخبراء الغربيين أنه سيكون من الصعب عليه تحقيقه في هذه الجولة من المفاوضات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك