بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع الرسوم الجمركية الأمريكية على صادرات العديد من دول العالم إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث شملت أكثر من 50 دولة من بينها دول حليفة وصديقة لأمريكا دخل العالم مرحلة من الفوضى والقلق، رغم إعلان ترامب لاحقا تعليق تنفيذها لمدة ٩٠ يوما باستثناء الصين، وذلك لعدة أسباب نتوقف عند 3 منها على الأقل:
الأول: أن هذه الرسوم الجمركية الجديدة تعتبر رسوما مرتفعة تبدأ من 10% وتتجاوز 40% في العديد من الدول، وهذا سيكون له تداعيات كبيرة وملموسة على هذه الدول وعلى الاقتصاد العالمي ككل.
الثاني: إن هذه الرسوم مست دولا بعضها صديقة وحليفة للولايات المتحدة الأمريكية مثل دول الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا وبريطانيا العظمى ودول الخليج العربية وعدد من الدول العربية وغيرها، ما يعني أنها ليست ذات طابع عقابي إذ لا يعقل أن تعاقب الإدارة الأمريكية حلفاءها وأصدقاءها في مختلف دول العالم، لكنها تعكس تحولا جديدا في السياسة الاقتصادية الأمريكية التي سوف تعيد العالم على الأرجح إلى مرحلة الأحادية بعد أن عاش هذا العالم عقودا من الاقتصاد الحر والتبادل الحر، وذلك لأن سياسة الرئيس ترامب وفريقه الاقتصادي تتمثل في تعديل الوضع التجاري والمالي لبلاده من خلال ما أسماه تصحيح الخلل في الميزان التجاري والذي سوف يؤدي لا شك إلى زيادة مداخيل الميزانية الأمريكية على الصعيد الفوري المباشر، ولكن ستكون له آثار سيئة على الصعيدين المتوسط والبعيد ليس على الاقتصاد العالمي بل على الاقتصاد الأمريكي أيضا.
ثالثا: إن هذه الرسوم الجديدة قد اتخذت طابع الإجراء العقابي الاقتصادي والسياسي بالنسبة إلى عدد من الدول الأخرى في مقدمتها جمهورية الصين الشعبية التي يعتبرها ترامب العدو الاستراتيجي الاقتصادي الأول والأخطر على الصعيد الاقتصادي، حيث رفع الرئيس ترامب نسبة هذه الرسوم إلى أكثر من 34% تقريبا وقرر مضاعفتها على جميع الصادرات الصينية إلى الأسواق الأمريكية، وهذا بلا شك سوف يؤدي إلى تداعيات خطيرة على الصعيد الاقتصادي وعلى صعيد الأسعار التي سوف تلتهب بالنظر إلى الآثار العميقة المتوقعة على التجارة العالمية.
أما إذا نظرنا إلى الآثار المباشرة على معظم الدول العربية، وخاصة دول الخليج فإنها من حيث الظاهر تبدو بسيطة أو محدودة الأثر، كما قد يعتبرها بعض الناس المتابعين بالنظر إلى أن هذه النسبة لا تتجاوز 10% في أغلب الأحيان. والحقيقة أن الأمر أبعد من ذلك بكثير فدول الخليج تحديدا تصدر النفط ومشتقاته الى السوق الأمريكية وأن هذه الصادرات شبه معفاة من الرسوم ولكن سيكون لهذه الرسوم الجمركية تأثير على العديد من السلع الاستراتيجية الأخرى، مما يقلل الطلب عليها داخل السوق الأمريكي وبالتالي قد يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط بشكل كبير بالنظر إلى التباطؤ المتوقع للاقتصادي والتجارة العالميين، وهذا سيؤدي بدوره إلى تأثيرات سلبية على المحافظ السيادية الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
وعليه فإن الأثر المتوقع لهذه الرسوم الجمركية وإن بدا محدودا على الاقتصاد الثنائي على المدى القريب إلا أن التأثير الأبرز سوف يتحمله المستهلكون في دولنا، حيث من المتوقع أن يزداد ارتفاع الأسعار بشكل ملموس بالنظر إلى توقع سياسة المعاملة بالمثل، حيث سترتفع الأسعار في دولنا.
وهذه السياسة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية الجديدة سوف تلحق الضرر على المدى المتوسط والبعيد على الاقتصاد الأمريكي نفسه لأن هذه الرسوم التي فرضها الرئيس ترامب على معظم دول العالم بنسب متفاوتة سوف يكون لها تأثيرها السلبي على المستهلك نفسه وعلى الصناعات الأمريكية التي ستواجه رسوما ضريبية مماثلة في الدول المستهلكة للسلع والصناعات ذات المنشأ الأمريكي. وقد بدا واضحا خلال الأيام القليلة الماضية بعض النتائج الكارثية التي مست البورصة الأمريكية والعديد من الشركات الأمريكية التي خسرت بالمليارات خلال الأيام الماضية بالرغم من أن الرئيس ترامب علق على ذلك بأنه كان متوقعا، فإن حجم الخسائر فاق كل التوقعات.
فمن المؤكد أن هذه السياسة الهوجاء من شأنها أن تؤدي إلى بطء في النمو الاقتصادي العالمي وإلى انخفاض في أرباح الشركات العالمية، مما سيؤدي لا شك إلى عدم رغبة هذه الشركات في زيادة الإنتاج وهذا سيؤدي إلى نقص الاقبال على شراء النفط ليصبح المعروض أكبر من المطلوب فتخفض أسعار النفط بشكل كبير، وهذا بدوره سيؤدي إلى مشاكل للعديد من الدول النفطية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك