العدد : ١٧١٩٢ - الجمعة ١٨ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩٢ - الجمعة ١٨ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إلى أين تتجه المفاوضات المباشرة بين إدارة ترامب وإيران؟

بقلم: د. جاسم بونوفل

الجمعة ١١ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

رغم‭ ‬لغة‭ ‬التصعيد‭ ‬والتهديدات‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬ترامب‭ ‬تجاه‭ ‬إيران‭ ‬فإن‭ ‬المؤشرات‭ ‬ترجح،‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬لن‭ ‬يشن‭ ‬حربا‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬رغم‭ ‬استخدامه‭ ‬أكثر‭ ‬الألفاظ‭ ‬حدة‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬السياسي‭ ‬الموجه‭ ‬إليها؛‭ ‬لأنها‭ ‬ببساطه‭ ‬شديدة‭ ‬في‭ ‬الحسابات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الفعلية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الأيام‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬الدول‭ ‬المعادية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بل‭ ‬العكس‭ ‬هو‭ ‬الصحيح؛‭ ‬ففي‭ ‬عهد‭ ‬الشاه‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬الحلفاء‭ ‬المقربين،‭ ‬وفي‭ ‬عهد‭ ‬نظام‭ ‬حكم‭ ‬الملالي‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أخلص‭ ‬المتعاونين؛‭ ‬فهي‭ ‬التي‭ ‬مهدت‭ ‬الطريق‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لاحتلال‭ ‬افغانستان‭ ‬والعراق‭. ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬لإيران‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تعادي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلا‭ ‬ظاهرياً؛‭ ‬فشعار‭ ‬‮«‬الشيطان‭ ‬الأكبر‮»‬‭ ‬مجرد‭ ‬ورقة‭ ‬التوت‭ ‬التي‭ ‬تغطي‭ ‬بها‭ ‬طهران‭ ‬عورات‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وهي‭ ‬ترمي‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬الى‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬صورتها‭ ‬أمام‭ ‬مريديها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يعيشون‭ ‬الوهم‭ ‬بأن‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإيرانية‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬الخميني‭ ‬عام‭ ‬1979م‭ ‬هي‭ ‬السد‭ ‬المنيع‭ ‬ضد‭ ‬المخططات‭ ‬الإمبريالية‭ ‬والكولونيالية‭ (‬الاستعمارية‭) ‬وهي‭ ‬الضلع‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬مثلث‭ (‬محور‭ ‬المقاومة‭).‬

‭ ‬نقول‭ ‬بوضوح‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬الملاسنات‭ ‬والتهديدات‭ ‬الجارية‭ ‬والمعارك‭ ‬اللفظية‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬والإيرانيين‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬ألاعيب‭ ‬سياسية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنطلي‭ ‬على‭ ‬العارفين‭ ‬ببواطن‭ ‬الأمور؛‭ ‬وتاريخ‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬‭ ‬الإيرانية‭ ‬يكشف‭ ‬لنا‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬قوية‭ ‬ومتينة‭ ‬ومستمرة‭ ‬وقائمة‭ ‬على‭ ‬تبادل‭ ‬المنافع‭ ‬بينهما‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬علاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬بينهما‭. ‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فرضت‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬بسب‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬لم‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬بدليل‭ ‬استمرارها‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي،‭ ‬والصاروخي،‭ ‬وتمويل‭ ‬مليشياتها‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬نجاحها‭ ‬في‭ ‬تصدير‭ ‬نفطها‭ ‬رغم‭ ‬العقوبات،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬استطاعت‭ ‬الالتفاف‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬العقوبات‭ ‬وبعلم‭ ‬الأمريكيين‭ ‬وتواطئهم‭ ‬وكان‭ ‬للعراق‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬ذلك‭. ‬

في‭ ‬تقديري،‭ ‬إن‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬يطرحها‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والتجارة‭ ‬والهادفة‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬ملامح‭ ‬العالم‭ ‬تتماهى‭ ‬مع‭ ‬الصورة‭ ‬المرسومة‭ ‬في‭ ‬ذهنه‭ ‬حول‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الجديد،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تدفعه‭ ‬إلى‭ ‬استبعاد‭ ‬خيار‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬وإيثار‭ ‬الخيار‭ ‬الدبلوماسي؛‭ ‬لأنه‭ ‬يدرك‭ ‬تماماً‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬لا‭ ‬تتناغم‭ ‬مع‭ ‬أفكاره‭ ‬الرامية‭ ‬الى‭ ‬علاج‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬يئن‭ ‬من‭ ‬ثقل‭ ‬الديون‭. ‬كما‭ ‬يدعي‭ ‬أنه‭ ‬جاء‭ ‬لينقذ‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬الديون‮»‬‭ ‬ووفقاً‭ ‬لهذا‭ ‬التصور‭ ‬فمن‭ ‬المنطقي‭ ‬ألا‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الحرب‭. ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬سيسمح‭ ‬لإيران‭ ‬باستكمال‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي‭ ‬الذي‭ ‬يمَكِنها‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬القنبلة‭ ‬النووية؛‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬خط‭ ‬أحمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ولربيبتها‭ (‬إسرائيل‭) ‬لكنه‭ ‬سيستخدم‭ ‬الحل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬كوسيلة‭ ‬لثني‭ ‬إيران‭ ‬عن‭ ‬مواصلة‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬دفعه‭ ‬إلى‭ ‬توجيه‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬المرشد‭ ‬الإيراني‭ ‬علي‭ ‬خامنئي،‭ ‬ضمنها‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬لقاءات‭ ‬مباشرة‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬ترامب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬يخطب‭ ‬ود‭ ‬إيران‭ ‬عبر‭ ‬الرسائل‭ ‬فقد‭ ‬سبقه‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الرؤساء‭ ‬جيمي‭ ‬كارتر‭ ‬ورونالد‭ ‬ريجان‭ ‬وبوش‭ ‬الأب،‭ ‬وفعلها‭ ‬أيضاً‭ ‬بيل‭ ‬كلنتون‭ ‬حينما‭ ‬بعث‭ ‬برسالة‭ ‬إلى‭ ‬المرشد‭ ‬الإيراني‭ ‬عبر‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬اعتذاره‭ ‬عن‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وجميع‭ ‬هؤلاء‭ ‬كانوا‭ ‬يتوددون‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬رسائلهم‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأخيرة‭ ‬واجهت‭ ‬رسائل‭ ‬الود‭ ‬بتوجيه‭ ‬صفعات‭ ‬لهم‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬الخميني‭ ‬الذي‭ ‬أمر‭ ‬بحجز‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬في‭ ‬السفارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬واعتبرهم‭ ‬رهائن‭. ‬وانتهاء‭ ‬بالهجمات‭ ‬المتواصلة‭ ‬ضد‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬علماً‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬ساعدت‭ ‬في‭ ‬خلاص‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬العدوين‭ ‬اللدودين‭ ‬لديها‭ ‬وهما‭ ‬الرئيس‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬والملا‭ ‬عمر‭.‬

وبعد‭ ‬مرور‭ ‬45‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬الاطاحة‭ ‬بنظام‭ ‬الشاه‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬الحليف‭ ‬المطيع‭ ‬لواشنطن،‭ ‬وقيام‭ ‬نظام‭ ‬الملالي‭ ‬في‭ ‬طهران،‭ ‬فإن‭ ‬سياسة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تجاه‭ ‬الحكام‭ ‬الجدد‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬لم‭ ‬تتغير؛‭ ‬فالغالب‭ ‬عليها‭ ‬التودد‭ ‬والتقرب‭ ‬إلى‭ ‬الملالي‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬اختلافهما‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الملفات‭ ‬أحياناً؛‭ ‬فكرم‭ ‬الرؤساء‭ ‬الأمريكيين‭ ‬كان‭ ‬واضحاً‭ ‬وجلياً‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أكرمهم‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬الديمقراطي‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬الذي‭ ‬سمح‭ ‬بتهريب‭ ‬الأموال‭ ‬إليهم‭ ‬عبر‭ ‬قبرص‭ ‬والإفراج‭ ‬عن‭ ‬أموال‭ ‬إيرانية‭ ‬مجمدة‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬الشاه‭.‬

من‭ ‬هنا،‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬العم‭ ‬ترامب‭ ‬لم‭ ‬يحد‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬التي‭ ‬سار‭ ‬عليها‭ ‬أسلافه،‭ ‬وأنه‭ ‬ماض‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬السكة‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬التودد‭ ‬والمداهنة‭ ‬إزاء‭ ‬ملالي‭ ‬طهران،‭ ‬فبالرغم‭ ‬من‭ ‬لهجته‭ ‬الشديدة‭ ‬الظاهرة‭ ‬في‭ ‬خطاباته‭ ‬ضدهم‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬يقول‭ ‬غير‭ ‬ذلك؛‭ ‬فهو‭ ‬بدأ‭ ‬فترته‭ ‬الرئاسية‭ ‬الأولى‭ ‬باستخدام‭ ‬الأسلوب‭ ‬نفسه‭ (‬دبلوماسية‭ ‬الرسائل‭) ‬ويظهر‭ ‬ذلك‭ ‬جلياً‭ ‬حين‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الياباني‭ ‬الراحل‭ ‬شينزو‭ ‬آبي‭ ‬القيام‭ ‬بدور‭ ‬الوسيط‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬المرشد‭ ‬خامنئي‭ ‬وحمّلَه‭ ‬رسالة‭ ‬إليه،‭ ‬وقد‭ ‬رفض‭ ‬الأخير‭ ‬تسلم‭ ‬الرسالة،‭ ‬حينها‭ ‬طالب‭ ‬ترامب‭ ‬إيران‭ ‬بالإيفاء‭ ‬باثنتي‭ ‬عشرة‭ ‬نقطة‭ ‬وإلا‭ ‬عليها‭ ‬المواجهة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬واشنطن‭ ‬وجاء‭ ‬الرد‭ ‬سلبياً‭ ‬من‭ ‬خامنئي،‭ ‬حيث‭ ‬تجاهل‭ ‬الأمر،‭ ‬وساعتها‭ ‬لم‭ ‬يحرك‭ ‬ترامب‭ ‬ساكناً‭. ‬وها‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬رئاسته‭ ‬الثانية‭ ‬يعيد‭ ‬الكرة‭ ‬ويستخدم‭ ‬نفس‭ ‬الأسلوب‭ ‬فيبعث‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬خامنئي‭ ‬عبر‭ ‬وسيط‭ ‬ثالث‭ ‬وطالب‭ ‬فيها‭ ‬المرشد‭ ‬الإيراني‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المباحثات‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬مباشرة،‭ ‬وكعادتها‭ ‬إيران‭ ‬تناور‭ ‬وتتمنع‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬بإجراء‭ ‬مفاوضات‭ ‬مباشرة،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬وافقت‭ ‬كما‭ ‬صرح‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬الصحفي‭ ‬الذي‭ ‬جمعه‭ ‬مع‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬مؤخراً‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يدعونا‭ ‬إلى‭ ‬القول‭: ‬إن‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬ازاء‭ ‬إيران‭ ‬لا‭ ‬يصنعها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬وحده،‭ ‬حيث‭ ‬أثبتت‭ ‬الأيام‭ ‬والسنين‭ ‬أنها‭ ‬ثابتة‭ ‬لا‭ ‬تتغير‭ ‬بتغير‭ ‬الرئيس‭ ‬القابع‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬معظم‭ ‬المحللين‭ ‬والمهتمين‭ ‬بالشأن‭ ‬الأمريكي،‭ ‬ويعزو‭ ‬هؤلاء‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬دولة‭ ‬مؤسسات،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬يقرر‭ ‬الحرب‭ ‬والسلام‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬ليس‭ ‬الرئيس‭ ‬وحده‭ ‬وإنما‭ ‬بمشاركة‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات،‭ ‬ونتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجاه‭ ‬إيران‭ ‬ظلت‭ ‬ثابتة‭ ‬ويغلب‭ ‬عليها‭ ‬اللين‭ ‬والمداهنة‭ ‬والتودد‭ ‬لنظام‭ ‬الملالي‭. ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬نكاد‭ ‬نجزم‭ ‬بأن‭ ‬ترامب‭ ‬لن‭ ‬يبادر‭ ‬بشن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تصريحاته‭ ‬النارية‭ ‬نحوها؛‭ ‬لأنه‭ ‬يرمي‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬تصريحاته‭ ‬الى‭ ‬جر‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬الجلوس‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬المباشرة‭ ‬بشأن‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬يُؤْثر‭ ‬الحل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬على‭ ‬الحرب،‭ ‬وعليه‭ ‬يمكننا‭ ‬القول‭: ‬إن‭ ‬دبلوماسية‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬سار‭ ‬عليها‭ ‬الرؤساء‭ ‬السابقون‭ ‬مستمرة‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬لغة‭ ‬التهديد‭ ‬التي‭ ‬يطلقها‭ ‬ترامب‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى،‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬انها‭ ‬أمام‭ ‬خيارين‭ :‬‮«‬إما‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬دبلوماسي‭ ‬بشأن‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي،‭ ‬وإما‭ ‬مواجهة‭ ‬الحل‭ ‬العسكري‮»‬‭. ‬

إن‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأن‭ ‬ملالي‭ ‬إيران‭ ‬سيستجيبون‭ ‬لطلبه‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تصريحاتهم‭ ‬الرنانة‭ ‬التي‭ ‬يطنطن‭ ‬بها‭ ‬مسؤولوهم‭ ‬السياسيون‭ ‬والعسكريون؛‭ ‬لأنهم‭ ‬يدركون‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬صالحهم،‭ ‬وأن‭ ‬أولى‭ ‬نتائجها‭ ‬ستكون‭ ‬وخيمة‭ ‬على‭ ‬نظامهم‭ ‬السياسي،‭ ‬إذ‭ ‬ستكون‭ ‬الفصل‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬حكمهم‭. ‬لهذا‭ ‬جاءت‭ ‬تأكيداته‭ ‬الأخيرة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬إيران‭ ‬ستكون‭ ‬مستعدة‭ ‬لإجراء‭ ‬محادثات‭ ‬مباشرة‭ ‬بشأن‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي‮»‬‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬بالفعل،‭ ‬حيث‭ ‬قبلت‭ ‬إيران‭ ‬بالمفاوضات‭ ‬المباشرة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬التجاذبات‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬بينهما‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬مناورات‭ ‬سياسية‭ ‬أجاد‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬ممارستها‭ ‬ببراعة‭ ‬وإتقان‭.‬

‭ ‬بيت‭ ‬القصيد‭ ‬في‭ ‬المسألة‭ ‬أنهما‭ ‬سيخرجان‭ ‬من‭ ‬المباراة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬رضا،‭ ‬وهذه‭ ‬النتيجة‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬تعاطيها‭ ‬مع‭ ‬الشأن‭ ‬الإيراني‭ ‬منذ‭ ‬تسلم‭ ‬الملالي‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا