منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025، زاد «دونالد ترامب» من تجاهله لحقوق الفلسطينيين في خطاباته السياسية، حيث أيد علنًا نية إسرائيل في احتلال وضم الأراضي الفلسطينية، ولم يكتفِ بزيادة الدعم المالي الكبير لها منذ أكتوبر 2023، بل أيضًا دعم بكل الوسائل حربها على غزة. فيما تفاخر بقدرة الجيش الأمريكي على «السيطرة» على القطاع وتحويله إلى ما وصفه بـ«ريفييرا الشرق الأوسط»، بعد أن نشر فيديو مُولّد بالذكاء الاصطناعي يُظهر كيف يمكن إعادة إعمار غزة بفنادق ومنتجعات فاخرة.
ومع انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بسبب تنصّل إسرائيل من التزاماتها السابقة -التي جاءت برعاية المبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط «ستيف ويتكوف»- ردًا على رفض حماس للمطالب الجديدة التي فرضتها حكومة نتنياهو المتطرفة بشأن مستقبل غزة؛ أشار «جيسون بيرك»، و«أندرو روث» في صحيفة «الجارديان»، إلى أن «ترامب»، وجّه في 5 مارس 2025، عبر منصة التواصل الاجتماعي «تروث» الخاصة به، «إنذارًا عنيفًا» لحركة حماس، مطالبًا بالإفراج عن الرهائن المتبقين، مهددًا بأنه «إن لم تفعلوا.. انتهى أمركم»، وهو ما وصفته «فيليسيا شوارتز»، و«نيري زيلبر»، و«أندرو إنجلاند» في صحيفة «فاينانشال تايمز»، بأنها التصريحات «الأكثر عدوانية حتى الآن» من قبل الإدارة الجمهورية تجاه حماس وسكان غزة المدنيين، وهو التهديد الذي أشار «روث»، إلى أنه جاء بعد ساعات فقط من تأكيد البيت الأبيض بدء «واشنطن»، مفاوضات مباشرة مع حماس.
وتعكس تدوينات «ترامب»، تهديداته السابقة باستخدام القوة العنيفة -سواء عبر الجيش الإسرائيلي أو مباشرة من قبل الولايات المتحدة- كلما سعت بلاده إلى تعديل شروط اتفاق السلام في غزة، بما يتوافق مع مطالب حلفائها الإسرائيليين.
وعلى سبيل المثال، في 3 ديسمبر 2024، وقبل أكثر من شهر من عودته إلى المكتب البيضاوي، توعّد بأن حماس «ستدفع ثمنًا باهظًا»، إذا لم توافق على وقف إطلاق النار في غزة وفقًا لشروط إسرائيل. وبعد أربعة أشهر، جدد دعمه المطلق لإسرائيل، مشددًا على أنه «سيدعمها بكل ما تحتاجه لإنهاء المهمة» في غزة، وأنه «لن يكون أي عضو في حماس بأمان إن لم تفعلوا ما أقول». وبالفعل كانت إدارته قد صعّدت من وتيرة نقل الأسلحة إلى إسرائيل، بما في ذلك الموافقة في 28 فبراير على صفقة ذخائر بقيمة تقارب 3 مليارات دولار، متجاوزة شرط التدقيق، والموافقة من قبل الكونجرس على الصفقة.
وبحسب وكالة «أسوشيتد برس»، فإن الشحنات التي وافقت عليها «واشنطن»، تشمل أكثر من 35.000 قنبلة من طراز «إم كيه 84»، و«بي ال يو - 117» زنة 2000 رطل، بالإضافة إلى ذخائر أخرى تزيد قيمتها على 675 مليون دولار، و«مبيعات طارئة» لجرافات بقيمة تقارب 300 مليون دولار. وفي سياق متصل، أيّد وزير الخارجية الأمريكي، «ماركو روبيو»، نية حكومة نتنياهو «القضاء» على حماس، متفاخرًا بموافقة البيت الأبيض، على «ما يقرب من 12 مليار دولار» من عمليات نقل الأسلحة الضخمة إلى إسرائيل منذ توليه منصبه في 20 يناير 2025.
ومع ذلك، وكما أشار «خالد الجندي»، من جامعة «جورج تاون»، فإن تصريحاته على الإنترنت «ليست مجرد إنذار نهائي لحماس»، بل تمثل أيضًا «تهديدًا مباشرًا»، بالموت والدمار لشعب غزة «بأسره». ففي بيانه الموجه إلى «شعب غزة»، تحدث عن «مستقبل جميل ينتظرهم»، لكنه اشترط ذلك «بعدم احتجاز الرهائن»، مضيفًا «إذا فعلتم ذلك، فأنتم ميتون». وردًا على تهديده للمدنيين الفلسطينيين، ندد الصحفي البريطاني «جوناثان كوك»، مؤلف كتاب «اختفاء فلسطين.. التجربة الإسرائيلية في عمليات إخفاء البشر»، بالأسلوب الذي استخدمه زعيم أقوى ديمقراطية في العالم، إذ خاطب المدنيين مهددًا إياهم بالموت؛ بسبب «أمر لا يملكون القدرة على اتخاذ قرار بشأنه».
وفيما يتعلق بتصريحاته التي توعد فيها الفلسطينيين بـ«جحيم سيدفعونه لاحقًا»، إذا لم تُفرج حماس عن بقية الرهائن؛ أشار «جون هوفمان»، من «معهد كاتو»، إلى أن غزة «هي بالفعل جحيم، بفضل الولايات المتحدة» معربا عن إدانته لأوضاع مليوني شخص في القطاع. من جانبه، أدان «الجندي»، لغة التهديد التي استخدمها، واصفًا إياها بأنها «خطاب يتبنى الإبادة الجماعية»، متسائلًا: «ماذا يعني تهديد شعب بأكمله بالموت، إن لم يكن ذلك تجسيدًا لمفهوم الإبادة الجماعية؟». وفي السياق ذاته، ندد «كوك»، بنواياه «الواضحة للإبادة الجماعية»، من خلال إرسال كافة الأسلحة الممكنة لإسرائيل، مشددًا على أنه يجب أن يكون في قفص الاتهام في المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب «إلى جانب نتنياهو».
وفي الوقت نفسه الذي كان ترامب يتفاخر فيه بنيته قتل المدنيين الفلسطينيين، في انتهاك واضح للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وصف «بريان كاتوليس»، من «معهد الشرق الأوسط»، نهجه في السياسة الإقليمية، بأنه «غير منتظم»، مشيرًا إلى التناقض الواضح في مواقفه. ففي حين يهدد ليس فقط حماس، بل أيضًا المدنيين في غزة بالموت والدمار إذا لم يذعنوا للمطالب الجديدة بشأن اتفاق وقف إطلاق النار؛ تفاوضت إدارته بشكل مباشر مع الحركة بشأن الإفراج عن الرهائن، في خطوة وصفها «روث»، بأنها «تجاوزت إسرائيل». ووفقًا لتقرير «رويترز»، قام «آدم بوهلر»، الذي عيّنه ترامب مبعوثًا خاصًا لشؤون الرهائن، بمحادثات مباشرة مع حماس، فيما أفادت مصادر بأن «ويتكوف»، مبعوثه إلى الشرق الأوسط، أجرى لقاءات مع مسؤولين من الحركة في قطر لمناقشة القضية ذاتها.
وتُعد هذه المحادثات أول تواصل مباشر بين حركة حماس وأمريكا منذ أن صنّفتها الأخيرة «منظمة إرهابية دولية» عام 1997. وبينما دافعت المتحدثة باسم البيت الأبيض «كارولين ليفيت»، عن هذه الخطوة بوصفها «جهدًا صادقًا ينطلق من رؤية واقعية تلبي رغبة الشعب الأمريكي»؛ أشار «جريج كارلستروم»، في صحيفة «الإيكونوميست»، إلى «غياب أي رد فعل» إسرائيلي، لافتًا إلى أنه «لو كان رئيس أمريكي آخر هو من أقدم على ذلك، لكانت إسرائيل في حالة غضب شديد». وأضاف «تريتا بارسي»، من «معهد كوينسي لسياسات الحكم المسئول»، أن الرئيس السابق «جو بايدن»، «لم يكن ليفكر في اتخاذ مثل هذه الخطوة أبدًا»؛ نظرًا إلى ما قد يثيره ذلك من ردود فعل غاضبة لدى السياسيين الأمريكيين المؤيدين لإسرائيل.
وفي ظل غياب أي توقعات بين الخبراء الغربيين، بشأن تحقيق اختراق دبلوماسي لاستعادة وقف إطلاق النار في غزة؛ يرى «جوناثان بانكوف»، من «المجلس الأطلسي»، أنه «من الصعب تخيل نجاح هذه المحادثات»، بالنظر إلى أن ما تسعى إليه حماس هو «إنهاء الحرب»، و«الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية»، مقابل إطلاق سراح الرهائن المتبقين، وهو أمر لا تملك الولايات المتحدة السيطرة عليه، وفرضه على إسرائيل».
في هذا السياق، أشار «بيرك»، و«روث»، إلى أن «نتنياهو»، لا يبدو عازمًا فعليًا على الالتزام بالاتفاق، إذ إن «إنهاء النزاع قد يهدد قبضته على السلطة داخل إسرائيل»، كما أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، بدعم من ترامب، تعتقد أنها قادرة على «تحقيق شروط أفضل أو حتى استعادة مزيد من الرهائن دون تقديم تنازلات كبيرة». بناءً على ذلك، تساءل «الجندي»، عما إذا كانت إسرائيل، ترى في تهديدات ترامب «تصريحًا ضمنيًا» للقيام بكل ما تريده ضد الفلسطينيين.
من جانب آخر، أشار «كاتوليس»، إلى أن إخفاق إدارة ترامب في تحقيق اختراق بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار له «عواقب وخيمة على ملايين الفلسطينيين»، الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية الخارجية، لكنه، أضاف أن واشنطن «تبدو عازمة على التمسك بدعمها المطلق لإسرائيل»، وتأييد أفعال ائتلاف نتنياهو اليميني المتطرف.
وفيما يتعلق بالدول الأخرى، كتبت «فرانسيسكا ألبانيزي»، المقررة الخاصة للأراضي الفلسطينية المحتلة في الأمم المتحدة، أنه من «الضروري»، التزام الدول بمنع تهجير الفلسطينيين من غزة، لكنها تساءلت عن «الإجراءات الفعلية التي ستتخذها تلك الدول لوقف مثل هذا التطهير العرقي»، خاصة «في ظل مواصلة إسرائيل حربها على غزة»، وتهديدات ترامب المستمرة ضد المدنيين في القطاع.
وفي المقابل، أوضح «سولو أفطال»، منشئ الفيديو الذي نشره ترامب ويتباهى فيه بمستقبل غزة المفترض تحت الهيمنة الأمريكية؛ أن هذا الفيديو لم يكن سوى «سخرية سياسية»، تهدف إلى انتقاد «نزعة العظمة» لدى الرئيس الأمريكي، وسعيه لإعادة تشكيل الأراضي الفلسطينية وفق رؤيته الخاصة. أما فيما يتعلق بتهديداته، وسجل تصريحاته العدوانية والتحريضية التي تهدد بالموت والدمار ضد المدنيين الفلسطينيين إذا لم تطلق حماس سراح الرهائن، فقد شدد المعلقون الغربيون على أن المدنيين الفلسطينيين لا يملكون أي سلطة على هذا القرار. وأكد «الجندي»، أن تصريحاته «تنسجم تمامًا»، مع «تأييده الضمني لأعمال الإبادة الجماعية»، واستمرار إسرائيل -بدعم أمريكي- حملتها العسكرية المدمرة على غزة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك