العدد : ١٧٣٣١ - الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣١ - الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

ظاهرة الأكل خارج المنزل

بقلم: د. نبيل العسومي

الأربعاء ٠٩ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

منذ‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬20‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬الحالات‭ ‬انتشرت‭ ‬ظاهرة‭ ‬الأكل‭ ‬خارج‭ ‬المنزل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬الأكل‭ ‬المنزلي‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬موسميا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬محدودة‭ ‬أو‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬الاجازة‭ ‬الأسبوعية‭ ‬فقط،‭ ‬وإن‭ ‬كنا‭ ‬كمجتمع‭ ‬عربي‭ ‬مسلم‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬تمجيد‭ ‬الأسرة‭ ‬والحياة‭ ‬الأسرية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وعدم‭ ‬التبذير‭ ‬وترشيد‭ ‬الانفاق،‭ ‬كما‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالأكل‭ ‬الصحي‭ ‬والنظافة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬التي‭ ‬تربينا‭ ‬عليها،‭ ‬فإن‭ ‬الظروف‭ ‬والمتغيرات‭ ‬التي‭ ‬مست‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الماضيين‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬جعلت‭ ‬الطبخ‭ ‬البيتي‭ ‬يتراجع‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬ومخيفا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬السفرة‭ ‬البحرينية‭ ‬التقليدية‭ ‬تجمع‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬حولها‭ ‬مرتين‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬الغداء‭ ‬والعشاء‭ ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ ‬الجمعة‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬نادرة‭ ‬وتراجعت‭ ‬بشكل‭ ‬دراماتيكي‭.‬

وإذا‭ ‬كنا‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬نشتري‭ ‬بعض‭ ‬المأكولات‭ ‬البسيطة‭ ‬الشعبية‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬البيوت‭ ‬ومرتبطة‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬بمناسبات‭ ‬أو‭ ‬ظروف‭ ‬أو‭ ‬أعياد‭ ‬لكنها‭ ‬تبقى‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬تخفف‭ ‬ولا‭ ‬يعول‭ ‬عليها‭.‬

ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم؟

مرت‭ ‬عملية‭ ‬الأكل‭ ‬خارج‭ ‬البيوت‭ ‬بمرحلتين‭:‬

الأولى‭: ‬اعتبار‭ ‬الأكل‭ ‬خارج‭ ‬البيت‭ ‬فرصة‭ ‬للترفيه‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬في‭ ‬الإجازات‭ ‬الرسمية‭ ‬وفي‭ ‬المناسبات،‭ ‬حيث‭ ‬تخرج‭ ‬الأسرة‭ ‬خارج‭ ‬البيت‭ ‬وتتناول‭ ‬وجبة‭ ‬الغذاء‭ ‬أو‭ ‬العشاء‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المطاعم‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬إمكانيات‭ ‬الأسرة‭ ‬ويكون‭ ‬ذلك‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الترفيه‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬وليس‭ ‬بديلا‭ ‬عن‭ ‬الطعام‭ ‬المنزلي،‭ ‬وهذه‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬عشناها‭ ‬ومازال‭ ‬البعض‭ ‬يعيشها‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬تتفاوت‭ ‬بكونها‭ ‬أسبوعية‭ ‬أو‭ ‬شهرية‭ ‬بحسب‭ ‬ظروف‭ ‬كل‭ ‬عائلة،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬مقبولا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭  ‬كبير‭ ‬طالما‭ ‬انه‭ ‬يرتبط‭ ‬بفسحة‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬المناسبات‭ ‬والعطل‭ ‬المختلفة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تأثير‭ ‬الدعاية‭ ‬والإعلانات‭ ‬التي‭ ‬تغري‭ ‬الأطفال‭ ‬والشباب‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭.‬

الثانية‭: ‬وهي‭ ‬الأخطر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الأكل‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬مرتبطا‭ ‬بالفسحة‭ ‬خارج‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان،‭ ‬وإنما‭ ‬أصبح‭ ‬الأكل‭ ‬الخارجي‭ ‬يصلك‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬من‭ ‬المطاعم‭ ‬الخارجية‭ ‬بمجرد‭ ‬طلب‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬تطبيق‭ ‬معين،‭ ‬حيث‭ ‬يصلك‭ ‬العشاء‭ ‬والغذاء‭ ‬وربما‭ ‬الفطور‭ ‬الصباحي‭ ‬في‭ ‬علب‭ ‬اسفنجية‭ ‬جميلة،‭ ‬ونظرا‭ ‬الى‭ ‬النزعة‭ ‬الفردية‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬غير‭ ‬معقولة،‭  ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬من‭ ‬العائلة‭ ‬بات‭ ‬يطلب‭ ‬الأكل‭ ‬الذي‭ ‬يناسبه‭ ‬وربما‭ ‬يتناوله‭ ‬بمفرده‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬نومه‭ ‬وتلك‭ ‬كارثة‭ ‬حقيقية‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مستوى‭:‬

الأول‭: ‬الضرر‭ ‬الصحي‭ ‬إذ‭ ‬تتضمن‭ ‬هذه‭ ‬الوجبات‭ ‬الجاهزة‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬البيوت‭ ‬خلال‭ ‬دقائق‭ ‬مخاطر‭ ‬صحية‭ ‬مؤكدة‭ ‬مثل‭ ‬زيادة‭ ‬الوزن‭ ‬والسمنة‭ ‬وأمراض‭ ‬السكري‭ ‬المبكرة‭ ‬وربما‭ ‬ضغط‭ ‬الدم‭ ‬ومشاكل‭ ‬ترتبط‭ ‬بالجهاز‭ ‬الهضمي‭ ‬ومشاكل‭ ‬الأسنان‭ ‬والحاق‭ ‬الضرر‭ ‬بالكلى‭ ‬والجهاز‭ ‬المناعي‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أننا‭ ‬اصبحنا‭ ‬نجد‭ ‬شبابا‭ ‬في‭ ‬العشرينات‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬الثلاثينات‭ ‬مصابين‭ ‬بهذه‭ ‬الأمراض‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬جيلنا‭ ‬مرتبطة‭ ‬بمرحلة‭ ‬الشيخوخة‭ ‬والادهى‭ ‬والأمر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأسرة‭ ‬بأكملها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬متورطة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬مع‭ ‬ان‭ ‬التقارير‭ ‬الطبية‭ ‬تؤكد‭ ‬ضرورة‭ ‬الابتعاد‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬عن‭ ‬تناول‭ ‬الطعام‭ ‬خارج‭ ‬المنزل‭ ‬خاصة‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الوجبات‭ ‬السريعة‭ ‬لأن‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬الشباب‭ ‬والأطفال‭ ‬لا‭ ‬يحصى‭ ‬ولا‭ ‬يعد‭. ‬ثانيا‭: ‬التأثير‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والإنساني‭ ‬والنفسي‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬ان‭ ‬الأكل‭ ‬في‭ ‬مفهومنا‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التقليدي‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬عملية‭ ‬تغذية‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬مسألة‭ ‬اجتماعية‭ ‬نفسية‭ ‬قيمة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الطعام‭ ‬بالبيت‭ ‬يكون‭ ‬فرصة‭ ‬للاجتماع‭ ‬واللقاء‭ ‬وتبادل‭ ‬الحديث‭ ‬والترفيه‭ ‬عندما‭ ‬يلتقي‭ ‬الكبير‭ ‬والصغير،‭ ‬فالعديد‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬التربوية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬يمكن‭ ‬تمريرها‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬انعدام‭ ‬أو‭ ‬اختفاء‭ ‬هذه‭ ‬العادات‭ ‬هو‭ ‬اختفاء‭ ‬للتواصل‭ ‬الأٍسري‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والتربوي‭.‬

لقد‭ ‬حرص‭ ‬التربويون‭ ‬والأطباء‭ ‬وعلماء‭ ‬التربية‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬ومازالوا‭ ‬يحرصون‭ ‬على‭ ‬التوعية‭ ‬بمخاطر‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الأكل‭ ‬خارج‭ ‬البيت‭ ‬وخاصة‭ ‬الوجبات‭ ‬السريعة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬مصدرا‭ ‬مؤكدا‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الأمراض،‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا،‭ ‬وبكلفتها‭ ‬المادية‭ ‬المرتفعة‭ ‬على‭ ‬الأسرة‭ ‬وعلى‭ ‬المجتمع‭ ‬ككل،‭ ‬لأن‭ ‬معالجة‭ ‬الأمراض‭ ‬التي‭ ‬يسببها‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإدمان‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأكلات‭ ‬السريعة‭ ‬تتراوح‭ ‬مثلما‭ ‬أشرنا‭ ‬بين‭ ‬أمراض‭ ‬القلب‭ ‬والسكري‭ ‬وهذه‭ ‬الأمراض‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أصابت‭ ‬الشباب‭ ‬مبكرا‭ ‬فإن‭ ‬كلفة‭ ‬علاجها‭ ‬باهظة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تأثيرها‭ ‬الخطر‭ ‬على‭ ‬الأمراض‭ ‬النفسية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬معلومة‭ ‬لدى‭ ‬الجميع‭. ‬إن‭ ‬الاعتدال‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬هو‭ ‬المطلوب،‭ ‬وقد‭ ‬أشرنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬إلى‭ ‬النتائج‭ ‬المالية‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تتكبدها‭ ‬الأسرة‭ ‬نتيجة‭ ‬الإفراط‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬الطعام‭ ‬خارج‭ ‬البيت،‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬ميزانية‭ ‬الأسرة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬للقاصي‭ ‬والداني‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا