منذ سنوات قليلة لا تزيد على 20 سنة في أفضل الحالات انتشرت ظاهرة الأكل خارج المنزل إلى درجة أن الأكل المنزلي أصبح في بعض الأحيان موسميا أو في مناسبات محدودة أو مرة في الاجازة الأسبوعية فقط، وإن كنا كمجتمع عربي مسلم يقوم على تمجيد الأسرة والحياة الأسرية من ناحية وعدم التبذير وترشيد الانفاق، كما يقوم على الاهتمام بالأكل الصحي والنظافة وغيرها من القيم والمبادئ التي تربينا عليها، فإن الظروف والمتغيرات التي مست مجتمعاتنا خلال العقدين الماضيين على الأقل جعلت الطبخ البيتي يتراجع بشكل كبير ومخيفا بعد أن كانت السفرة البحرينية التقليدية تجمع أفراد العائلة حولها مرتين في اليوم على الأقل في الغداء والعشاء أصبحت هذه الجمعة في المقابل نادرة وتراجعت بشكل دراماتيكي.
وإذا كنا فيما مضى نشتري بعض المأكولات البسيطة الشعبية من خارج البيوت ومرتبطة في الغالب بمناسبات أو ظروف أو أعياد لكنها تبقى دائما في خانة الأشياء التي تخفف ولا يعول عليها.
ولكن ماذا يحدث اليوم؟
مرت عملية الأكل خارج البيوت بمرحلتين:
الأولى: اعتبار الأكل خارج البيت فرصة للترفيه عن النفس في الإجازات الرسمية وفي المناسبات، حيث تخرج الأسرة خارج البيت وتتناول وجبة الغذاء أو العشاء في أحد المطاعم بما يتناسب مع إمكانيات الأسرة ويكون ذلك نوعا من الترفيه عن النفس وليس بديلا عن الطعام المنزلي، وهذه المرحلة التي عشناها ومازال البعض يعيشها إلى اليوم تتفاوت بكونها أسبوعية أو شهرية بحسب ظروف كل عائلة، وكان هذا الأمر مقبولا إلى حد كبير طالما انه يرتبط بفسحة تتوافق مع المناسبات والعطل المختلفة خاصة في ظل تأثير الدعاية والإعلانات التي تغري الأطفال والشباب بوجه خاص.
الثانية: وهي الأخطر لم يعد الأكل في الغالب مرتبطا بالفسحة خارج البيت في أغلب الأحيان، وإنما أصبح الأكل الخارجي يصلك إلى البيت من المطاعم الخارجية بمجرد طلب عبر الهاتف أو عبر تطبيق معين، حيث يصلك العشاء والغذاء وربما الفطور الصباحي في علب اسفنجية جميلة، ونظرا الى النزعة الفردية في الأسرة التي انتشرت إلى مستويات غير معقولة، فإن كل فرد من العائلة بات يطلب الأكل الذي يناسبه وربما يتناوله بمفرده في غرفة نومه وتلك كارثة حقيقية على أكثر من مستوى:
الأول: الضرر الصحي إذ تتضمن هذه الوجبات الجاهزة التي تصل إلى البيوت خلال دقائق مخاطر صحية مؤكدة مثل زيادة الوزن والسمنة وأمراض السكري المبكرة وربما ضغط الدم ومشاكل ترتبط بالجهاز الهضمي ومشاكل الأسنان والحاق الضرر بالكلى والجهاز المناعي إلى درجة أننا اصبحنا نجد شبابا في العشرينات وربما في الثلاثينات مصابين بهذه الأمراض التي كانت في جيلنا مرتبطة بمرحلة الشيخوخة والادهى والأمر من ذلك أن الأسرة بأكملها قد تكون متورطة في نفس هذه المشكلة مع ان التقارير الطبية تؤكد ضرورة الابتعاد قدر الإمكان عن تناول الطعام خارج المنزل خاصة الابتعاد عن الوجبات السريعة لأن تأثيرها على الشباب والأطفال لا يحصى ولا يعد. ثانيا: التأثير الاجتماعي والإنساني والنفسي لا يخفى ان الأكل في مفهومنا الاجتماعي التقليدي ليس مجرد عملية تغذية وإنما هو مسألة اجتماعية نفسية قيمة تتمثل في أن الطعام بالبيت يكون فرصة للاجتماع واللقاء وتبادل الحديث والترفيه عندما يلتقي الكبير والصغير، فالعديد من الرسائل التربوية والأخلاقية يمكن تمريرها خلال هذه المناسبة، ولذلك فإن انعدام أو اختفاء هذه العادات هو اختفاء للتواصل الأٍسري والاجتماعي والتربوي.
لقد حرص التربويون والأطباء وعلماء التربية خلال السنوات الماضية ومازالوا يحرصون على التوعية بمخاطر المبالغة في الاعتماد على الأكل خارج البيت وخاصة الوجبات السريعة التي أصبحت مصدرا مؤكدا للعديد من الأمراض، كما أسلفنا، وبكلفتها المادية المرتفعة على الأسرة وعلى المجتمع ككل، لأن معالجة الأمراض التي يسببها هذا النوع من الإدمان على هذه الأكلات السريعة تتراوح مثلما أشرنا بين أمراض القلب والسكري وهذه الأمراض إذا ما أصابت الشباب مبكرا فإن كلفة علاجها باهظة، فضلا عن تأثيرها الخطر على الأمراض النفسية وغيرها من الأمراض التي باتت معلومة لدى الجميع. إن الاعتدال في جميع الأحوال هو المطلوب، وقد أشرنا في هذا المقال إلى النتائج المالية الكبيرة التي تتكبدها الأسرة نتيجة الإفراط في تناول الطعام خارج البيت، مما يؤثر على ميزانية الأسرة بشكل كبير وكما هو معلوم للقاصي والداني.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك