العدد : ١٧١٩٢ - الجمعة ١٨ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩٢ - الجمعة ١٨ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

من يملك إيقاف المحتوى الإلكتروني الصادم؟

بقلم: مريم شومان

الخميس ١٠ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

تخيل‭ ‬أن‭ ‬تفتح‭ ‬هاتفك‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬لتجد‭ ‬سيلًا‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬والمقاطع‭ ‬الصادمة‭. ‬محتوى‭ ‬مبتذل،‭ ‬عنيف،‭ ‬تافه،‭ ‬وأحيانا‭ ‬غير‭ ‬أخلاقي،‭ ‬يتسلل‭ ‬إلى‭ ‬عقول‭ ‬الصغار‭ ‬والكبار‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استئذان،‭ ‬وفي‭ ‬مجتمعنا‭ ‬الشرقي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬حيث‭ ‬الخصوصية‭ ‬الثقافية‭ ‬والدينية‭ ‬تعدّ‭ ‬خطا‭ ‬أحمر‭ ‬يتحول‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المحتوى‭ ‬إلى‭ ‬خطر‭ ‬حقيقي‭ ‬يهدد‭ ‬القيم‭ ‬ويخترق‭ ‬المجتمعات‭ ‬بلا‭ ‬ضوابط‭.‬

‮ ‬فمن‭ ‬المسؤول؟‭ ‬ومن‭ ‬يملك‭ ‬‮«‬زر‭ ‬الإيقاف»؟‭ ‬بين‭ ‬منصات‭ ‬ترفض‭ ‬الالتزام،‭ ‬وتشريعات‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬خجولة،‭ ‬ومعركة‭ ‬بين‭ ‬الحرية‭ ‬والحماية‭ ‬يبدأ‭ ‬السباق‭ ‬نحو‭ ‬‮«‬فلترة‭ ‬رقمية‮»‬‭ ‬تعيد‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬الإلكتروني‭ ‬احترامه‭ ‬وحدوده‭.‬

‭ ‬هنا‭ ‬نلاحظ‭ ‬انه‭ ‬مازالت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية؛‭ ‬تفتقر‭ ‬الى‭ ‬تشريعات‭ ‬رقمية‭ ‬واضحة‭ ‬تتعامل‭ ‬بحزم‭ ‬مع‭ ‬المحتوى‭ ‬الصادم،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬قوانين‭ ‬صارمة‭ ‬تبقى‭ ‬المنصات‭ ‬الكبرى‭ ‬مثل‭ ‬فيسبوك،‭ ‬انستجرام،‭ ‬تيك‭ ‬توك،‭ ‬ويوتيوب‭ ‬تتحكم‭ ‬وحدها‭ ‬بخوارزميات‭ ‬‮«‬ما‭ ‬يجب‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬يجب‮»‬‭ ‬أن‭ ‬يُعرض‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬يتعارض‭ ‬تمامًا‭ ‬مع‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬المحلية‭.‬

لكن‭ ‬ثمة‭ ‬بوادر‭ ‬تغيير،‭ ‬فبعض‭ ‬الدول‭ ‬بدأت‭ ‬تتخذ‭ ‬خطوات‭ ‬ملموسة،‭ ‬مثل‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬اللتين‭ ‬حظرتا‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬تروج‭ ‬للعنف‭ ‬أو‭ ‬السلوكيات‭ ‬غير‭ ‬المقبولة،‭ ‬في‭ ‬مسعى‭ ‬لحماية‭ ‬الفضاء‭ ‬الرقمي‭ ‬المحلي،‭ ‬كذلك‭ ‬قامت‭ ‬مصر‭ ‬بعدة‭ ‬حملات‭ ‬إلكترونية‭ ‬لضبط‭ ‬المحتوى‭ ‬على‭ ‬المنصات‭ ‬شملت‭ ‬توقيف‭ ‬بعض‭ ‬المؤثرين‭ ‬الذين‭ ‬يبثّون‭ ‬محتوى‭ ‬‮«‬مخلّا‮»‬‭.‬

‮ ‬الحكومات‭ ‬ليست‭ ‬وحدها‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬التغيير،‭ ‬لكنها‭ ‬تملك‭ ‬أدوات‭ ‬قوية‭ ‬لممارسة‭ ‬الضغط‭ ‬التنظيمي‭ ‬والتشريعي‭ ‬على‭ ‬شركات‭ ‬التقنية‭ ‬العملاقة،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬توحدت‭ ‬الجهود‭ ‬العربية‭ ‬ضمن‭ ‬ميثاق‭ ‬رقمي‭ ‬مشترك،‭ ‬يمكن‭ ‬إرغام‭ ‬هذه‭ ‬المنصات‭ ‬على‭ ‬تكييف‭ ‬خوارزمياتها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تعيين‭ ‬فرق‭ ‬مراقبة‭ ‬محتوى‭ ‬محلية‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بموجب‭ ‬قانون‭ ‬الخدمات‭ ‬الرقمية‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الذي‭ ‬يجبر‭ ‬منصات‭ ‬مثل‭ ‬جوجل‭ ‬وفيسبوك‭ ‬وإكس‭ ‬وتيك‭ ‬توك،‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬أكثر‭ ‬صرامة‭ ‬ضد‭ ‬المنشورات‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬معلومات‭ ‬كاذبة‭ ‬وخطابات‭ ‬كراهية،‭ ‬تحت‭ ‬طائلة‭ ‬دفع‭ ‬غرامات‭ ‬باهظة‭.‬

لا‭ ‬يعني‭ ‬السعي‭ ‬وراء‭ ‬‮«‬فلترة‮»‬‭ ‬المحتوى‭ ‬والتحول‭ ‬إلى‭ ‬رقابة‭ ‬مطلقة‭ ‬أو‭ ‬تكميم‭ ‬للأفواه؛‭ ‬التحدي‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬حماية‭ ‬المجتمع‭ ‬وحرية‭ ‬التعبير،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيقه‭ ‬بذكاء‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬دخول‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬كأداة‭ ‬فاعلة‭ ‬لرصد‭ ‬المحتوى‭ ‬المسيء‭ ‬قبل‭ ‬انتشاره‭.‬

من‭ ‬خلال‭ ‬تدريب‭ ‬الخوارزميات‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬السياق‭ ‬المحلي‭ ‬ومعالجة‭ ‬الصور‭ ‬والنصوص‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬بيئة‭ ‬المستخدم،‭ ‬يمكن‭ ‬لمنصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬أكثر‭ ‬وعيا‭ ‬واحتراما‭ ‬لخصوصية‭ ‬المجتمعات،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬نشر‭ ‬محتوى‭ ‬يُستهجن‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بينما‭ ‬يُعدّ‭ ‬مقبولا‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬أخرى‭.‬

يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمتد‭ ‬دور‭ ‬الحكومات‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المحتوى‭ ‬الصادم‭ ‬على‭ ‬الانترنت‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬الحظر‭ ‬البسيط؛‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬استخدام‭ ‬الحظر‭ ‬كأداة‭ ‬ضغط‭ ‬على‭ ‬الشركات‭ ‬العملاقة‭ ‬مثل‭ ‬ميتا‭ ‬وتيك‭ ‬توك‭ ‬وإكس،‭ ‬لإجبارهم‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بقوانين‭ ‬أكثر‭ ‬تشددًا‭ ‬تتعلق‭ ‬بتصفية‭ ‬المحتوى،‭ ‬بما‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬القيم‭ ‬الثقافية‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭.‬

مقارنة‭ ‬بالدول‭ ‬الغربية،‭ ‬حيث‭ ‬هناك‭ ‬حرية‭ ‬مطلقة‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬المحتوى،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصوّر‭ ‬نفس‭ ‬البيئة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬تتبنى‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية‭ ‬ميثاقا‭ ‬رقميا‭ ‬يضع‭ ‬إطارا‭ ‬للتعاون‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المنصات‭ ‬لضمان‭ ‬حماية‭ ‬المجتمعات‭ ‬من‭ ‬الآثار‭ ‬السلبية‭ ‬للمحتوى‭ ‬الملوث‭ ‬أخلاقيا،‭ ‬هذا‭ ‬الميثاق‭ ‬قد‭ ‬يتضمن‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬المنصات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تفشل‭ ‬في‭ ‬التزام‭ ‬معايير‭ ‬المحتوى‭ ‬المحلي‭.‬

لا‭ ‬يوجد‭ ‬زر‭ ‬إيقاف‭ ‬واحد‭ ‬بيد‭ ‬جهة‭ ‬واحدة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬تحالف‭ ‬ضروري‭ ‬بين‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي،‭ ‬التشريع‭ ‬الرسمي‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬المسؤولة،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬أرادت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬فعلا‭ ‬تطهير‭ ‬الفضاء‭ ‬الرقمي‭ ‬فعليها‭ ‬ألا‭ ‬تنتظر‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬أن‭ ‬ينظف‭ ‬ساحتها،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬بنفسها‭: ‬قانونا،‭ ‬ضغطا،‭ ‬وتوعية،‭ ‬وعليه؛‭ ‬فإن‭ ‬فلترة‭ ‬المحتوى‭ ‬ليست‭ ‬رفاهية‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أولوية‭ ‬أمنية‭ ‬وثقافية‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭.‬

في‭ ‬زمان‭ ‬تتجاوز‭ ‬فيه‭ ‬سرعة‭ ‬انتشار‭ ‬المحتوى‭ ‬قدرة‭ ‬المجتمعات‭ ‬على‭ ‬استيعابه‭ ‬أو‭ ‬مواجهته،‭ ‬يصبح‭ ‬الصمت‭ ‬تواطؤا‭ ‬والتأخير‭ ‬خطرا،‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬نستنكر‭ ‬أو‭ ‬نغضب‭ ‬من‭ ‬مشهد‭ ‬صادم‭ ‬أو‭ ‬رسالة‭ ‬مسيئة؛‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تحرك‭ ‬محلي‭ ‬وعربي‭ ‬حقيقي‭ ‬يفرض‭ ‬احترام‭ ‬هوية‭ ‬المجتمعات‭ ‬ويضع‭ ‬قواعد‭ ‬جديدة‭ ‬للعبة‭ ‬الرقمية‭.‬

زر‭ ‬الإيقاف‭ ‬ليس‭ ‬خيالا؛‭ ‬بل‭ ‬مشروع‭ ‬قانون،‭ ‬حملات‭ ‬توعوية‭ ‬وخوارزمية‭ ‬ذكية،‭ ‬والمطلوب‭ ‬اليوم‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬يضغط‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الزر،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬يصممه‭ ‬ويجعل‭ ‬وجوده‭ ‬واقعا،‭ ‬وإرسال‭ ‬رسالة‭ ‬واضحة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬الفوضى‭ ‬وأن‭ ‬لكل‭ ‬مجتمع‭ ‬خصوصيته‭ ‬وحدوده‭.‬

{ كاتبة‭ ‬مختصة‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الإلكتروني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا