العدد : ١٧١٩١ - الخميس ١٧ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩١ - الخميس ١٧ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هـل هـي حـرب بـلا نـهـايـة؟

بقلم: د. عاطف أبو سيف

الأربعاء ٠٩ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

كلما‭ ‬مر‭ ‬الوقت‭ ‬تصبح‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬السابق‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الأمور‭ ‬تزداد‭ ‬تعقيداً‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬الحرب‭ ‬لأشهر،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬لسنة‭ ‬ونصف‭ ‬السنة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬إشارات‭ ‬حول‭ ‬نهاية‭ ‬محتملة‭ ‬للعدوان‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬غزة‭.‬

إسرائيل‭ ‬تواصل‭ ‬تدمير‭ ‬غزة‭ ‬وزلزلة‭ ‬أرضها‭ ‬واحتلالها‭ ‬وقتل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المدنيين،‭ ‬وباستثناء‭ ‬الخطة‭ ‬العربية‭ ‬حول‭ ‬اليوم‭ ‬التالي،‭ ‬فإن‭ ‬العالم‭ ‬لم‭ ‬يقدم‭ ‬تصوراً‭ ‬كيف‭ ‬تنتهي‭ ‬الحرب،‭ ‬وحتى‭ ‬الخطة‭ ‬العربية‭ ‬تواجه‭ ‬مصاعب‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عدم‭ ‬التعامل‭ ‬الجدي‭ ‬معها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وخطاب‭ ‬وخطط‭ ‬التهجير‭ ‬التي‭ ‬تراجعت‭ ‬قليلاً‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬بقوة‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬والمفاوضات‭ ‬حول‭ ‬التهدئة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سلوى‭ ‬وعزاءً‭ ‬وأملاً‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬ذاته‭ ‬اختفت‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬إلا‭ ‬خطاب‭ ‬الحرب‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬الحرب‭.‬

والملاحظ‭ ‬تعالي‭ ‬الأصوات‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬تطالب‭ ‬بوقف‭ ‬الحرب،‭ ‬فتلك‭ ‬المطالب،‭ ‬نبعت‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الألم‭ ‬والمعاناة‭ ‬وعبرت‭ ‬عن‭ ‬رأي‭ ‬الناس‭ ‬ورغبتهم‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬كرة‭ ‬اللهب‭ ‬المتدحرجة‭ ‬التي‭ ‬تشعل‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ليست‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موقف‭ ‬من‭ ‬يعاني‭ ‬ويدفع‭ ‬الفاتورة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬أي‭ ‬نهاية‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭.‬

بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬نتنياهو،‭ ‬فقد‭ ‬أخذ‭ ‬كل‭ ‬الأسرى‭ ‬المدنيين‭ ‬الذين‭ ‬يشكل‭ ‬وجودهم‭ ‬خارج‭ ‬البيت‭ ‬مشكلة‭ ‬إنسانية‭ ‬بالنسبة‭ ‬له،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال‭ ‬وكبار‭ ‬السن،‭ ‬فمجرد‭ ‬نجاح‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بأسرهم‭ ‬هو‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬فشل‭ ‬الدولة‭ ‬وجيشها‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬مواطنيها‭. ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬نتنياهو‭ ‬متحمساً‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬لأي‭ ‬صفقة‭ ‬يتم‭ ‬وفقها‭ ‬إخراج‭ ‬أسرى‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬غزة،‭ ‬فالغاية‭ ‬كانت‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬الشعبي‭ ‬عنه‭ ‬وبنفس‭ ‬القدر‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬العبء‭ ‬الإنساني‭ ‬والأخلاقي‭. ‬

هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬معني‭ ‬بالأسرى‭ ‬من‭ ‬الجنود،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬بنفس‭ ‬القدر‭ ‬فهم‭ ‬في‭ ‬المحصلة‭ ‬جنود‭ ‬تم‭ ‬أسرهم‭ ‬خلال‭ ‬المعركة‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬لهجة‭ ‬إسرائيل‭ ‬اختلفت‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي،‭ ‬حتى‭ ‬باتت‭ ‬عودتها‭ ‬لمفاوضات‭ ‬التهدئة‭ ‬قضية‭ ‬صعبة‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تدخل‭ ‬الوسيط‭ ‬الأميركي‭ ‬بطريقة‭ ‬مختلفة،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬فإن‭ ‬الشروط‭ ‬والمطالب‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تنفذها‭ ‬ستكون‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيداً؛‭ ‬فهي‭ ‬لن‭ ‬تتوقف‭ ‬عند‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬الأسرى‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬ستشمل‭ ‬تفكيك‭ ‬السلاح‭ ‬والانسحاب‭ ‬من‭ ‬المشهد‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭.‬

‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬خمسة‭ ‬جنود‭ ‬أو‭ ‬عشرة‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬كافية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬وانسحاب‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬غزة‭ ‬ستغدو‭ ‬صعبة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬تخطط‭ ‬له‭ ‬إسرائيل‭. ‬

ربما‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭ ‬مبكراً‭ ‬جداً‭. ‬وربما‭ ‬بعد‭ ‬التوصل‭ ‬للتهدئة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬نهايات‭ ‬نوفمبر،‭ ‬بدايات‭ ‬ديسمبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2023‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تواصل‭ ‬الصفقة‭ ‬بأي‭ ‬ثمن،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬وقتها‭ ‬القطاع‭ ‬قد‭ ‬تدمر‭ ‬عن‭ ‬بكرة‭ ‬أبيه،‭ ‬الأشياء‭ ‬حين‭ ‬يتم‭ ‬فعلها‭ ‬في‭ ‬وقتها‭ ‬تكون‭ ‬صحيحة،‭ ‬وحين‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬فعلها‭ ‬في‭ ‬وقتها‭ ‬تصبح‭ ‬كارثة‭.‬

تغير‭ ‬خطاب‭ ‬الحرب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬ولكن‭ ‬هدف‭ ‬الحرب‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭. ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬غايات‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬الإجهاز‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬ولكن‭ ‬لو‭ ‬تذكرنا‭ ‬جيداً،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬أولى‭ ‬الخرائط‭ ‬التي‭ ‬نشرها‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬اكتوبر2023‭ ‬كانت‭ ‬تشير‭ ‬لشريط‭ ‬ساحلي‭ ‬ضيق‭ ‬في‭ ‬رفح‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تجميع‭ ‬السكان‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مناطق‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

‭ ‬وتذكروا‭ ‬مقولات‭ ‬قادة‭ ‬الجيش‭ ‬والحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬للحرب‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬‮«‬سنعيد‭ ‬غزة‭ ‬خمسين‭ ‬عاماً‭ ‬للوراء‮»‬،‭ ‬و‮«‬يجب‭ ‬تقليص‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬النصف‮»‬،‭ ‬و‮«‬غزة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬تهديداً‭ ‬لإسرائيل‭ ‬لثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬قادمة‮»‬‭. ‬

ما‭ ‬أقوله‭: ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬أعطى‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬الإبادة،‭ ‬ولكن‭ ‬الخطة‭ ‬كانت‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬من‭ ‬وضعتها‭ ‬وتفوّه‭ ‬بها‭ ‬ترامب‭. ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬لولا‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ترامب‭ ‬للبيت‭ ‬الأبيض؟‭ ‬طبعاً‭ ‬وبلا‭ ‬تردد‭ ‬كان‭ ‬لموقف‭ ‬بايدن‭ ‬ومرشحته‭ ‬كامالا‭ ‬هاريس‭ ‬المتردد‭ ‬والمتخاذل‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬المسلمين‭ ‬والعرب‭ ‬وغيرهم‭ ‬للتصويت‭ ‬لرجل‭ ‬حازم‭ ‬أمام‭ ‬عجز‭ ‬هاريس‭ ‬عن‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬عباءة‭ ‬بايدن،‭ ‬رئيسها‭ ‬السابق‭.‬

في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬تنتهي‭ ‬فيها‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬إفراغ‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬سكانها،‭ ‬فإن‭ ‬الخطوة‭ ‬القادمة‭ ‬ستكون‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬والحبل‭ ‬على‭ ‬الجرار‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭ ‬الفلسطيني‭. ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬إسرائيلية‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬اكتوبر،‭ ‬إنها‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬نتنياهو‭ ‬بتغيير‭ ‬شامل‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬

وبالتوازي‭ ‬مع‭ ‬تصفية‭ ‬غزة،‭ ‬ستتم‭ ‬مهاجمة‭ ‬إيران‭ ‬عاجلاً‭ ‬أم‭ ‬آجلاً،‭ ‬أو‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬الحكم‭ ‬فيها‭. ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتغير‭ ‬كما‭ ‬يتصور‭ ‬نتنياهو‭. ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نتخيل‭ ‬أن‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بمساحته،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬عواصم‭ ‬العالم،‭ ‬كان‭ ‬نقطة‭ ‬البداية‭ ‬لتغيرات‭ ‬مهولة‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬حوله،‭ ‬لكن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتيقن‭ ‬أن‭ ‬موقفاً‭ ‬فلسطينياً‭ ‬جماعياً‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬ينقذ‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬لنا‭.‬

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا