كلما مر الوقت تصبح الإجابة عن السؤال السابق أكثر صعوبة، إذ إن الأمور تزداد تعقيداً على الأرض. لم يكن أحد يتوقع أن تستمر الحرب لأشهر، فما بالك لسنة ونصف السنة من دون وجود إشارات حول نهاية محتملة للعدوان الصهيوني على غزة.
إسرائيل تواصل تدمير غزة وزلزلة أرضها واحتلالها وقتل المزيد من المدنيين، وباستثناء الخطة العربية حول اليوم التالي، فإن العالم لم يقدم تصوراً كيف تنتهي الحرب، وحتى الخطة العربية تواجه مصاعب في ظل عدم التعامل الجدي معها من قبل إسرائيل والولايات المتحدة. وخطاب وخطط التهجير التي تراجعت قليلاً عادت إلى الواجهة بقوة هذه المرة، والمفاوضات حول التهدئة التي كانت سلوى وعزاءً وأملاً في الآن ذاته اختفت ولم يعد هناك إلا خطاب الحرب والمزيد من الحرب.
والملاحظ تعالي الأصوات من داخل غزة التي تطالب بوقف الحرب، فتلك المطالب، نبعت من رحم الألم والمعاناة وعبرت عن رأي الناس ورغبتهم في وقف كرة اللهب المتدحرجة التي تشعل النار في كل شيء، ليست أكثر من موقف من يعاني ويدفع الفاتورة من دون أن يرى أي نهاية لهذه الحرب.
بالنسبة إلى نتنياهو، فقد أخذ كل الأسرى المدنيين الذين يشكل وجودهم خارج البيت مشكلة إنسانية بالنسبة له، خاصة من النساء والأطفال وكبار السن، فمجرد نجاح الفلسطينيين بأسرهم هو دليل على فشل الدولة وجيشها في حماية مواطنيها. لذلك كان نتنياهو متحمساً في البداية لأي صفقة يتم وفقها إخراج أسرى من داخل غزة، فالغاية كانت أن يتم تخفيف الضغط الشعبي عنه وبنفس القدر التحرر من العبء الإنساني والأخلاقي.
هذا لا يعني أنه غير معني بالأسرى من الجنود، ولكن ليس بنفس القدر فهم في المحصلة جنود تم أسرهم خلال المعركة. لذلك فإن لهجة إسرائيل اختلفت في الشهر الماضي، حتى باتت عودتها لمفاوضات التهدئة قضية صعبة إلا إذا تدخل الوسيط الأميركي بطريقة مختلفة، ولكن أيضاً فإن الشروط والمطالب التي على «حماس» أن تنفذها ستكون أكثر تعقيداً؛ فهي لن تتوقف عند الإفراج عن الأسرى فقط، بل ستشمل تفكيك السلاح والانسحاب من المشهد بشكل كامل.
بمعنى أن فكرة الإفراج عن خمسة جنود أو عشرة لن تكون كافية. كما أن فكرة انتهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى خارج غزة ستغدو صعبة في ظل ما تخطط له إسرائيل.
ربما كان يجب وقف الحرب مبكراً جداً. وربما بعد التوصل للتهدئة الأولى في نهايات نوفمبر، بدايات ديسمبر من العام 2023 كان يجب على «حماس» أن تواصل الصفقة بأي ثمن، لم يكن وقتها القطاع قد تدمر عن بكرة أبيه، الأشياء حين يتم فعلها في وقتها تكون صحيحة، وحين لا يتم فعلها في وقتها تصبح كارثة.
تغير خطاب الحرب أكثر من مرة ولكن هدف الحرب لم يتغير. لقد كانت غايات إسرائيل من الحرب من البداية الإجهاز على غزة بشكل كامل، ولكن لو تذكرنا جيداً، فإن من أولى الخرائط التي نشرها الجيش الإسرائيلي في اكتوبر2023 كانت تشير لشريط ساحلي ضيق في رفح حيث يتم تجميع السكان فيه من كل مناطق قطاع غزة.
وتذكروا مقولات قادة الجيش والحكومة الإسرائيلية في اليوم الأول للحرب من باب «سنعيد غزة خمسين عاماً للوراء»، و«يجب تقليص عدد سكان غزة إلى أقل من النصف»، و«غزة لا يمكن أن تشكل تهديداً لإسرائيل لثلاثين سنة قادمة».
ما أقوله: صحيح أن ترامب أعطى الضوء الأخضر للمزيد من الإبادة، ولكن الخطة كانت تل أبيب من وضعتها وتفوّه بها ترامب. هل يمكن لأحد أن يقول إنه لولا حرب غزة لم يعد ترامب للبيت الأبيض؟ طبعاً وبلا تردد كان لموقف بايدن ومرشحته كامالا هاريس المتردد والمتخاذل دور كبير في دفع المسلمين والعرب وغيرهم للتصويت لرجل حازم أمام عجز هاريس عن الخروج من عباءة بايدن، رئيسها السابق.
في اللحظة التي تنتهي فيها إسرائيل من إفراغ غزة من سكانها، فإن الخطوة القادمة ستكون الضفة الغربية، والحبل على الجرار كما يقول المثل الفلسطيني. الأمر ليس مجرد ردة فعل إسرائيلية على ما جرى في السابع من اكتوبر، إنها ما وصفه نتنياهو بتغيير شامل في الشرق الأوسط.
وبالتوازي مع تصفية غزة، ستتم مهاجمة إيران عاجلاً أم آجلاً، أو إحداث تغيير في طبيعة الحكم فيها. كل شيء يجب أن يتغير كما يتصور نتنياهو. وعلينا أن نتخيل أن قطاع غزة بمساحته، التي هي أصغر من مساحة الكثير من عواصم العالم، كان نقطة البداية لتغيرات مهولة كثيرة في الإقليم حوله، لكن علينا أن نتيقن أن موقفاً فلسطينياً جماعياً يمكن له أن ينقذ ما تبقى لنا.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك