من أشهر العبارات التي قيلت عن المسرح ورجح الباحثون أنها للفيلسوف أرسطو هي: «أعطني مسرحا .. أعطك شعبا مثقفا»!
تلك العبارة إنما تعبر بحق عن قيمة خشبة المسرح وما يمكن أن تصنعه في الشعوب، وقد ثبت صحتها بمرور الزمن وهو ما أكده الكاتب الكبير توفيق الحكيم في مقدمة إحدى مسرحياته حين قال: «إنني اليوم أقيم مسرحي داخل الذهن، وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز».
تلك هي رؤية هذه الفنانة القديرة للمسرح ولعظمته، فقد عشقته منذ نعومة أظافرها، وراحت تعتليه بخطوات واثقة احترافية لتقدم رسالتها في الحياة بكل حب وشغف، حتى تركت بصمة خاصة بها في هذا العالم الساحر.
ريم أسعد ونوس، فنانة من طراز خاص، انطلقت في عالم التمثيل في سن مبكرة للغاية، وعلى الرغم من دراستها للقانون في كلية الحقوق إلا أن عشقها للمسرح لم يفارقها لحظة، وكان أول عمل احترافي لها في هذا المجال أثناء فترة الجامعة بمركز الثقافة الإسباني في دمشق تحت عنوان «جسد في مهب الروح» ومنها كانت الانطلاقة التي كسرت كل الحواجز وحطمت كل القيود.
لقد حققت الكثير من الإنجازات والنجاحات عبر مشوار طويل من العمل والجهد قدمت خلاله صورة مشرفة ومشرقة للفنان داخل وخارج وطنه، مؤكدة أن أجمل اللحظات التي عاشتها حين وقفت على خشبة المسرح الروسي العريق وكانت مرآة لمملكتها عكست للعالم كيف أن البحرين بلد مسرحي بامتياز.
حول هذه التجربة الفنية الإنسانية الملهمة كان الحوار التالي:
متى بدأت علاقتك بالمسرح؟
- بدايتي مع المسرح كانت مبكرة للغاية حيث وقفت على خشبته لأول مرة عند عمر ست سنوات وكان ذلك بالمدرسة، علما بأنني حصلت على جوائز في الخطابة والإلقاء مرات عديدة حيث ألقيت أول قصيدة حين بلغت سن الخامسة، وأذكر أنني كنت أتمتع بهوس بالفنان المسرحي محمد صبحي، وكم تمنيت أن أمثل إلى جانبه في أي عمل، وحين وصلت إلى مرحلة الثانوي قررت الدراسة بكلية الحقوق نظرا لمقولة لوالدي غيرت من مجرى حياتي ومفادها أن التمثيل موهبة وليس مهنة، وهنا تبدل مساري.
أول عمل مسرحي احترافي؟
- أول عمل احترافي مسرحي كان خلال آخر عام دراسي في مرحلة الجامعة، وقد تم عرضه في مركز الثقافة الإسباني في دمشق باللغتين العربية والإسبانية وكان تحت اسم «جسد في مهب الروح »، وقد ذهبت إلى الأردن ومكثت هناك حوالي عام واستمتعت كثيرا بالعمل في مجال الدوبلاج التعليمي، وشاركت في مسلسل للأطفال في التليفزيون هناك، ثم قدمت إلى البحرين عام 2003 لظروف عمل زوجي، وحدث أنني تفرغت لرعاية أسرتي وأبنائي مدة عشر سنوات تقريبا، ونتيجة لابتعادي عن خشبة المسرح طوال هذه المدة أصبت باكتئاب رغم أنني كنت أصنع أعمال مسرحية لأولادي خلال هذه الفترة، وهنا تدخل زوجي وكانت له وقفة معي لن أنساها علما بأنه بشكل عام داعم كبير للمرأة في كل حالاتها وأوضاعها.
ما تلك الوقفة؟
- حين شعر بما أعانيه بسبب بعدي عن خشبة المسرح وهو شغفي الأول بالحياة قرر أن يعيدني هو إليه فهو يعلم جيدا أنني أتنفس المسرح، فراح يبحث لي عن منفذ من هذه الحالة وحفزني على العودة إلى العمل المسرحي وسعى إلى ذلك بكل حماس، وبالفعل بفضله عدت بعمل مع مسرح الصواري وقدمت أوبريتين تحت رعاية سمو الشيخ ناصر بن حمد بن عيسى آل خليفة بعنوان «من نحن» والثاني تحت اسم «وردة للوطن وطن السلام » وبالفعل تخلصت من أي مشاعر سلبية وكانت سعادتي بالغة بوقوفي على خشبة المسرح من جديد بعد غياب طويل أرهقني نفسيا، ثم عملت مع مسرح آوال في مسرحية «تعالوا ننتظر »، ومنذ عامين شاركت في فيلم قصير من بطولتي اسمه «عزلة »، وآخر روائي طويل بعنوان «ماي ورد » وكانت تجربتين ممتعتين للغاية.
أيهما أكثر متعة بالنسبة إليك المسرح أم الأفلام؟
لا شك أن هناك فرقا كبيرا بين المجالين، ولكن لكل منهما سحره وجماله، ولعل الشيء الذي يتميز به العمل المسرحي هو هذا التواصل المباشر مع الجمهور، ومن ثم إحداث تأثير مباشر ومتبادل بيني وبينه وفوريا، وهذا لا يمنع أن السينما عالم مختلف بالطبع له بريقه أيضا.
أهم الجوائز التي حصلت عليها؟
- أحدث أعمالي كانت بعنوان «حتى إشعار آخر»، وقد حصلت على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان (عشيات طقوس) في الأردن في مهرجان قرطاج الدولي للمونودراما، كم حصدت جائزة أفضل عرض متكامل وكانت أول جائزة من نوعها تنالها مملكة البحرين، كما حظيت بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان البحرين الثاني المسرحي عن مسرحية «زائد عن الحاجة» من إنتاج مسرح الصواري.
كيف ترين وضعية المسرح اليوم؟
- لا شك أن هناك عودة قوية للعمل المسرحي واهتمام لافت به بشكل عام، وأذكر أنني حين كنت أعرض في روسيا عملا باللغة العربية الفصحى، كانت هناك ترجمة فورية ولاحظت أن كثيرين تخلوا عن السماعات وفضلوا متابعة العمل دون أي ترجمة ولم أشعر بأن اللغة حاجز بيننا وبينهم مطلقا وأن التفاعل معنا كان شديدا، وبعض انتهاء العرض قيل لنا إن البحرين بلد مسرحي بامتياز وهي شهادة نعتز بها كثيرا، وهذا دليل على أن المسرح العربي يتمتع بمكانة مرموقة، فهناك دول عربية مثل تونس يتم تدريس المسرح في مدارسها وجامعاتها ويقام بها مهرجانات مهمة لهذا الفن، منها 365 يوم مسرح، ومسرح 24 ساعة وغيرها.
طموحاتك للمسرح البحريني؟
- برغم ما يتمتع به المسرح البحريني من رعاية واهتمام ومكانة إلا أنني أطمح في مزيد من الدعم له سواء ماديا أو معنويا من كل الجهات المعنية وليس جهة محددة، وأن يتم تدريسه في المناهج، فالمسرحيات التي تعرض على أعلى مستوى من الرقي، وأتمنى أن يتمتع اتحاد جمعيات المسرحيين البحرينيين بصلاحيات أكثر ويحصل على دعم أكبر من هيئة الثقافة، ويا حبذا لو تم إنشاء مسرح خاص بالهيئة ونشر ثقافة المسرح على أوسع نطاق خاصة بين جيل الشباب.
كيف يمكن نشر ثقافة المسرح لدى الجيل الجديد؟
- المطلوب من كل الجهات المعنية التركيز على عملية ترغيب الجيل الجديد في المسرح من خلال إعداد البرامج المتنوعة للشباب والأطفال التي تحقق هذا الهدف، وأعتقد أن المسارح الوطنية تقوم بهذا الدور اليوم وخاصة مسرحي أوال والصواري وذلك عبر تدريب الأطفال من خلال دورات وورش عمل وإشراكهم في أعمال مسرحية.
الفن موهبة أم دراسة؟
- من المؤكد أن الفن موهبة ودراسة معا، ولكن تبقى الموهبة هي الأهم، وشخصيا دعمت موهبتي بالالتحاق بدورات فنية وورش عمل عن الفن المسرحي، وكم أتمنى لو أن هناك مدرسة شاملة للمسرح بالبحرين وخاصة أننا نملك خبرات وكوادر مميزة، ولدينا جيل من الأبطال يجب الاستفادة منهم سواء في التأليف أو النقد أو الإخراج، فالإمكانيات البشرية متوفرة ومطلوب فقط استثمارها بالدرجة المطلوبة وبالشكل الصحيح.
مبدأ تسيرين عليه؟
- لقد اعتدت على ألا أحيد مطلقا عن الثوابت، وفي مقدمتها الانتماء للوطن وللعائلة وللمهنة، وهو شيء يجب غرسه من الصغر في نفس أي طفل منذ الصغر وهي مهمة المنزل في المقام الأول.
من وراء نجاحك؟
- وراء نجاحي نفسي أولا، ويمكن القول إن هناك عوامل أخرى ساهمت فيما حققته اليوم أهمها الالتزام والشغف، وشعوري بأن المسرح بالنسبة لي هو أبو الفنون وأنه غاية وليس سلم عبور لمجالات فنية أخرى كما هو الحال بالنسبة للبعض، كما أن ارتباطي به فكريا ووجدانيا جعلني أتفانى في عملي به وبكل صدق، وقدوتي في ذلك الفنانة سميحة أيوب التي وصفوني بها ولي الفخر، وكذلك الفنانة السورية القديرة منى واصف، فقد كانتا ومازالتا من الرموز الإنسانية الفنية المسرحية وسيظلان من أيقونات الإبداع على مر الأجيال.
حلمك القادم؟
- أتمنى مواصلة مشواري المسرحي بنفس النجاح والحماس، والوصول إلى العالمية، ومن ثم ترك بصمة مميزة لمملكة البحرين في هذا العالم الساحر، فصحيح أن مملكتنا بلد صغير مساحة لكنها ستظل كبيرة بكوادرها ومواطنيها على مختلف الأصعدة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك