يقول العالم الألماني فريدريك نيتشه: «أن نحيا هو أن نعاني.. وأن نبقى على قيد الحياة هو أن نجد معنى ما في المعاناة»!
بالفعل، الحياة ليست عادلة، فلتعود نفسك على ذلك، أصرخ لتعلم أنك مازلت حيا، تفاءل دوما ستجد أن الحياة جديرة بأن تعاش، وحين تبتسم لها تتمهد لك كل الطرق أمامك.
ذلك ما لخصه ببراعة الأديب جبران خليل جبران في مقولته الشهيرة: «صدقني لو فقدت ما فقدت.. لو كسر الحرمان أضلاعك.. ستجتاز هذه الحياة.. كما يجتازها كل أحد.. فاختر الرضا يهن عليك العبور»، وهو ما تحقق على أرض الواقع مع هذه المرأة المثابرة الصبورة، التي ذاقت معنى الحرمان والألم منذ نعومة أظفارها، ولكنها أبت إلا أن تنتصر على أوجاعها، وتتخذ منها معبرا نحو العطاء والتميز، لتترك لها بصمة خاصة في عالم النساء البحرينيات المتفردات.
زهرة إبراهيم الكاظم، من أوائل الاستشاريين في نظم الجودة (الأيزو)، حاصلة على دبلوم عالٍ في القيادة المدرسية بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، صاحبة مبادرة لنشر ثقافة التمكين الرقمي ورفع كفاء أربعين معلمة علوم في مدارس البحرين، جاء تكريمها من وزير التربية والتعليم لتميزها ليتوج جهودها في مجال التدريس الذي عشقته منذ الطفولة وقررت أن تتخذ منه رسالة في الحياة، فتوالت الإنجازات والنجاحات عبر المشوار الذي نتوقف عند أهم محطاته في الحوار التالي:
حدثينا عن طفولتك؟
يمكن القول بأنني عشت طفولة مؤلمة للغاية، عانيت فيها من الحرمان بكل صوره، وذلك في ظل انفصال الوالدين الذي ترك علاماته بشدة على تكويني النفسي، حيث صنع مني شخصية إيجابية قوية وناجحة تتمتع بإرادة من حديد، وكان لنشأتي مع والدتي التي أدين لها بالكثير تأثير كبير على مسيرتي بشكل عام، وكذلك إخواني الذين آثروا تربيتي وتعليمي على أن يكملوا مشوارهم الدراسي، ولن أنسى ما حييت جميلهم وتضحيتهم هذه من أجلي، وكذلك أختي الكبرى التي حصلت منها على كل الدعم والتشجيع، وقد عزمت على أن أرد إليهم جميعا صنيعهم معي عبر مشوار مليء بالعطاء والنجاح.
كيف تم رد الجميل؟
لقد عزمت على رد الجميل لوالدتي ولإخواني ولأختي ولكل من دعمني عن طريق الاجتهاد في دراستي، والإصرار على مواصلة المشوار رغم كل ما واجهته من صعاب أو تحديات، وصحيح أنني تمنيت بشدة دراسة تخصص الطب ولكن حرمتني الظروف المادية من تحقيق هذا الطموح، ولا شك أن الحياة علمتني أن أحول أي حرمان عانيت منه إلى دافع قوي نحو النجاح والتميز، وقد اخترت دراسة تخصص الكيمياء في جامعة البحرين، وتوظفت بعد التخرج بعامين تقريبا حاولت خلالهما تطوير مهاراتي عبر المشاركة في العديد من الدورات التدريبية والعمل في مجال التدريس في بعض المعاهد الخاصة، وحصلت بعدها على وظيفة في وزارة التربية كمعلمة لمادة العلوم في المرحلة الابتدائية وذلك في عام 2007.
كيف جاء اختيار تخصص نظم الجودة؟
كان حلم مواصلة الدراسات العليا مستمرا، وقد اخترت تخصصا نادرا وحديث للدراسة في إحدى الجامعات الخاصة وهو إدارة الجودة، وكان موضوع رسالة الماجستير أيضا وتخرجت بامتياز مع مرتبة الشرف، وكانت أطروحتي بعنوان «تحسين جودة مراكز التدريب البحرين.. دراسة حالة في معهد عالم الخليج في تطبيق نظم الجودة الآيزو 1501» كما حصلت على دورات متواصلة في المعهد الأمريكي للدراسات الاحترافية في الاجازة الصيفية إلى جانب عملي بوزارة التربية والتعليم وبمراكز التدريب التي قمت من خلالها بتأهيل المتدربين للحصول على شهادة الجودة، علما بأنني تزوجت أثناء الدراسة الجامعية.
أصعب محنة مرت بك؟
كانت تجربة زواجي المبكر أثناء الدراسة الجامعية إيجابية بكل المقاييس، بل دافعا قويا للتمتع بفن إدارة الوقت من أجل تحقيق الموازنة بين كافة مسؤولياتي العلمية والعملية والأسرية، وقد كان زوجي الظهر والسند والداعم الأول لي وخاصة بعد محنة فقدان طفلي الأول، الأمر الذي مكنني من عبورها بسلام رغم صعوبتها وقسوتها، وقد ساعدني على هذا التجاوز قناعتي بأنه على المرء أن يرضى بقضاء الله وقدره بكل ثبات وإيمان، وأن يكون على يقين بأنه سوف يعطي بقدر ما أخذ، ومع الوقت وجدت نفسي أتطور في مجال القيادة، وتم تعييني رئيسة قسم العلوم وقائد فريق العلوم بالمدرسة، ولن أنسى الثقة الكبيرة التي منحتها لي كل مديراتي المتعاقبات، واللاتي كن يراني دائما في منصب متميز، وبالفعل أثبت لهن أنني كنت بقدرها ولم أخيب ظنهن بي.
حدثينا عن مرحلة الصعود؟
لقد شجعتني مديراتي على التقدم لشغل منصب مدير مساعد، وبالفعل عقب ست محاولات، تم تعييني في هذا المنصب، حيث لم أفقد الأمل أبدا، ولم اتوقف عند أي آراء محبطة لعزيمتي، بل اعتدت ان اغلق اذني في وجهها، ليس غرورا وانما ثقة كبيرة في الله سبحانه وتعالى وفي قدراتي ومؤهلاتي، واذكر انني حين تم استدعائي لأداء الامتحان الذي يؤهلني لتقلد تلك المرتبة كنت في المستشفى آنذاك وحاملا بطفلي، فقررت الذهاب لتأدية الامتحان وعلى مسؤوليتي الشخصية وبالفعل اجتزته بنجاح ثم عدت إلى المستشفى وتمت الولادة في نفس اليوم، وعملت فترة في منصب القائم بأعمال المدير المساعد إلى جانب مسؤولياتي كمعلمة، ورغم تأخر خطوة تعييني في هذا المنصب الا انني كنت على يقين بأنني سأحظى به وبأن الانسان يشتري الفرص ولا تأتيه.
وماذا عن دبلوم القيادة؟
أود هنا التوجه بالشكر والامتنان إلى سعادة وزير التربية والتعليم على اهتمامه الشديد برفع كفاءة معلميه وبتطويرهم المهني المستمر، فقد كان هناك برامج تسمى “دراسات عليا قبل الدكتوراه“، وعبر انضمامي لها حصلت على دبلوم عال في القيادة المدرسية، وفي تلك الفترة كنت أعمل وأدرس من الصباح حتى المساء بشكل متواصل، ولا شك أنها كانت فترة صعبة للغاية، ولكن بدعم زوجي والإخوان الذين كنت أجد في عيونهم كل الفخر بي، عبرت كل الصعوبات وتغلبت على أي عقبات، وكم أنا فخورة بكوني من أوائل الاستشاريين في نظم الجودة التي أحببتها وتعلقت بها بصورة كبيرة اثناء دراستي رسالة الماجستير، فقرأت وبحثت عنها كثيرا لقناعتي بأنها تعطي تدفقية وسلاسة للعمليات التي تتم في أي مؤسسة.
ما سلاحك لمواجهة أعداء النجاح؟
من أصعب المراحل التي مرت بي كانت أثناء قيامي بأعمال المدير المساعد وتدريسي لمادتين إلى جانب كوني زوجة وأما، ونظرا لإيماني بالحكمة التي تقول بأنه من كان مع الله كان الله معه، فهي سلاحي وقت الأزمات إلى جانب عدم التوقف أمام أعداء النجاح وغلق اذني في وجه آرائهم التي يطلقونها للهبوط بعزيمتي وتحطيم إرادتي، وما اكثرها في مجال العمل.
درس علمته إياك الحياة؟
من الدروس المهمة التي علمتني إياها الحياة هو أن التدريس رسالة وليس مجرد وظيفة كما هو الحال بالنسبة للبعض، ومن ثم التعامل مع طالباتي كأنهن بناتي، والحرص على أن أكون قدوة لهن في السلوكيات والأخلاقيات، وهذا ما يحتاج اليه الجيل الجديد بصورة ملحة بشكل عام، ولقد حاولت أن أغرس في أبنائي العديد من القيم الجميلة أهمها تحمل المسؤولية، وكنت لهم قدوة في ذلك، وهو أيضا ما حاولت أن أثبته لإخواني، الأمر الذي أشعرهم بالفخر تجاهي والذي أراه في نظراتهم لي، وكذلك أختي الكبرى ومديراتي وخالي وسعادة وزير التربية والتعليم، فكل هؤلاء أثروا بالإيجاب على مسيرتي وقدموا لي كل الدعم والمساندة، وهم وراء ما حققته اليوم وما سوف أجنيه غدا بمشيئة الله، فلا يزال الكثير من الأحلام والطموحات في جعبتي، واتمنى أن أكون عند حسن ظنهم جميعا، وأكون جديرة بثقتهم التي منحوني إياها عبر كل المحطات.
قدوتك في الحياة؟
قدوتي كإنسانة، السيدة فاطمة الزهراء لحبها للعلم، التي استطاعت التوفيق بين مسؤوليتها كزوجة وكأم وبين رسالتها في الحياة، هذا فضلا عن الدور الذي لعبته والدتي في تشكيل شخصيتي وخاصة فيما يتعلق بتمتعي بالصبر حتى في الأوقات الصعبة، والابتسامة في وقت المحن، ولقد كان فقدها من أشد وأقسى التجارب التي مرّت بي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك