العدد : ١٧١٨٧ - الأحد ١٣ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٨٧ - الأحد ١٣ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ترامب يريد تعزيز تدريس «التاريخ الوطني» الأمريكي

بقلم: د. جيمس زغبي

الثلاثاء ٠٨ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

حظيت‭ ‬الأوامر‭ ‬التنفيذية‭ ‬والإجراءات‭ ‬التي‭ ‬اتخذها‭ ‬الرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬باهتمام‭ ‬كبير،‭ ‬كما‭ ‬شهدنا‭ ‬تغطية‭ ‬إعلامية‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬لقرار‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬بدعم‭ ‬أوامر‭ ‬إيلون‭ ‬ماسك‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬تقليص‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭ ‬الفيدرالية؛‭ ‬وإغلاق‭ ‬الوكالة‭ ‬الأمريكية‭ ‬للتنمية‭ ‬الدولية؛‭ ‬وخطط‭ ‬الترحيل‭ ‬الجماعي‭.‬

وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬طلب‭ ‬اللجوء؛‭ ‬وفرض‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية؛‭ ‬وحجب‭ ‬التمويل‭ ‬المخصص‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الكونجرس؛‭ ‬وحظر‭ ‬‮«‬التنوع‭ ‬والمساواة‭ ‬والإدماج»؛‭ ‬وتحدي‭ ‬أوامر‭ ‬المحكمة،‭ ‬مدعيا‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬القضائية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقيد‭ ‬الرئاسة‭.‬

ربما‭ ‬يكون‭ ‬القرار‭ ‬الأبعد‭ ‬أثرًا،‭ ‬وسط‭ ‬زخم‭ ‬أوامر‭ ‬ترامب‭ ‬التنفيذية،‭ ‬هو‭ ‬‮«‬إنهاء‭ ‬التلقين‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬من‭ ‬الروضة‭ ‬إلى‭ ‬الصف‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‮»‬‭. ‬يكشف‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬عن‭ ‬نية‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬مكاسب‭ ‬نصف‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬التي‭ ‬حققها‭ ‬المؤرخون،‭ ‬لتقديم‭ ‬صورة‭ ‬أكثر‭ ‬دقة‭ ‬للتاريخ‭ ‬الأمريكي‭ ‬والعالمي‭.‬

ويصف‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬معادية‭ ‬لأمريكا،‭ ‬وتخريبية،‭ ‬وضارة،‭ ‬وكاذبة‮»‬،‭ ‬ويطالب‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بـما‭ ‬يسميه‭ ‬‮«‬التعليم‭ ‬الوطني‮»‬‭ ‬‮«‬لغرس‭ ‬الإعجاب‭ ‬الوطني‭ ‬بأمتنا‭ ‬الرائعة‮»‬‭ - ‬أي‭ ‬لتدريس‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬تعلمناه‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثة‭ ‬أجيال‭.‬

إلى‭ ‬حدود‭ ‬أوائل‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬كانت‭ ‬المدارس‭ ‬الأمريكية‭ ‬تُدرّس‭ ‬‮«‬تاريخًا‭ ‬عالميًا‮»‬‭ ‬أوروبيًا‭. ‬بدأ‭ ‬الأمر‭ ‬بإنسان‭ ‬العصر‭ ‬الحجري‭ (‬في‭ ‬أوروبا‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬الإمبراطوريتين‭ ‬اليونانية‭ ‬والرومانية،‭ ‬والإمبراطورية‭ ‬الرومانية‭ ‬المقدسة،‭ ‬و«العصور‭ ‬المظلمة‮»‬،‭ ‬وظهور‭ ‬الدول‭ ‬القومية‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭.‬

ويركز‭ ‬الكتاب‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬اكتشاف‭ ‬العالم‭ ‬الجديد،‭ ‬والقرون‭ ‬الأولى‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ (‬أي‭ ‬‮«‬محاربة‭ ‬الهنود‮»‬‭ ‬والحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬حول‭ ‬‮«‬حقوق‭ ‬الولايات‮»‬‭)‬،‭ ‬والثورة‭ ‬الصناعية،‭ ‬والحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬اللتين‭ ‬تخللتهما‭ ‬فترة‭ ‬الكساد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الأعظم،‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬والحرب‭ ‬الباردة‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬لتلك‭ ‬الأحداث،‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بمثابة‭ ‬تجسيد‭ ‬للتاريخ،‭ ‬وناقلة‭ ‬لقيم‭ ‬مثل‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬وكما‭ ‬كانت‭ ‬وزيرة‭ ‬الخارجية‭ ‬السابقة‭ ‬مادلين‭ ‬أولبرايت‭ ‬تحب‭ ‬أن‭ ‬تقول،‭ ‬‮«‬الأمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها‮»‬‭.‬

لم‭ ‬يُذكر‭ ‬التاريخ‭ ‬الإفريقي‭ ‬أو‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭. ‬أما‭ ‬المحتوى‭ ‬الموجز‭ ‬عن‭ ‬الصين،‭ ‬فقد‭ ‬ارتبط‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬انفتاح‮»‬‭ ‬ماركو‭ ‬بولو‭ ‬على‭ ‬الغرب‭. ‬ولم‭ ‬يُذكر‭ ‬العرب‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬فقرة‭ ‬قصيرة‭ ‬عن‭ ‬تكيف‭ ‬البدو‭ ‬مع‭ ‬ظروف‭ ‬العيش‭ ‬القاسية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬سكان‭ ‬لابلاند‭ ‬في‭ ‬تندرا‭ ‬شمال‭ ‬أوروبا‭.‬

لقد‭ ‬تم‭ ‬تشويه‭ ‬التاريخ‭ ‬الأمريكي‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬قصص‭ ‬وفصول‭ ‬رومانسية‭. ‬ولم‭ ‬تتم‭ ‬إعارة‭ ‬العبودية‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬وسرقة‭ ‬الأراضي‭ ‬المرتكبة‭ ‬ضد‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬الشمالية‭ ‬اهتمامًا‭ ‬يُذكر‭.‬

ونتيجةً‭ ‬للثورة‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬التي‭ ‬حفزتها‭ ‬حركات‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية،‭ ‬ثم‭ ‬حركات‭ ‬مناهضة‭ ‬حرب‭ ‬فيتنام،‭ ‬تغيّرت‭ ‬الأمور‭. ‬وازدهرت‭ ‬حركات‭ ‬اجتماعية‭ ‬وسياسية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حركات‭ ‬تحرير‭ ‬المرأة‭ ‬والاهتمام‭ ‬بالبيئة‭.‬

أدى‭ ‬اتساع‭ ‬الوعي‭ ‬الذي‭ ‬أحدثته‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الأمريكي‭ ‬ومكانتنا‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬السود‭ ‬والأمريكيين‭ ‬الأصليين‭ ‬والنساء،‭ ‬وتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬التاريخ‭ ‬العالمي‭ ‬ليشمل‭ ‬وجهات‭ ‬نظر‭ ‬شعوبٍ‭ ‬كانت‭ ‬مهملةً‭ ‬سابقًا‭. ‬وبدلًا‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬تواريخ‭ ‬منفصلة،‭ ‬سعت‭ ‬الجهود‭ ‬إلى‭ ‬كتابة‭ ‬تاريخ‭ ‬بشري‭ ‬أكثر‭ ‬اكتمالًا‭ ‬وتكاملًا‭.‬

وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬فقد‭ ‬قوبلت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬التاريخ‭ ‬برفض‭ ‬من‭ ‬المحافظين‭ ‬الذين‭ ‬سعوا‭ ‬إلى‭ ‬إحياء‭ ‬أساطير‭ ‬الماضي‭. ‬وكانت‭ ‬أولى‭ ‬طلقات‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬التاريخ‭ ‬خلال‭ ‬ولايته‭ ‬الأولى‭ ‬إدانة‭ ‬‮«‬مشروع‭ ‬1619‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬نشرته‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭.‬

سلّط‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬المستوطنين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬الغزاة‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬وجرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬ارتكبوها‭ ‬بحق‭ ‬الشعوب‭ ‬الأصلية‭ ‬التي‭ ‬واجهوها،‭ ‬وتأسيس‭ ‬مشروع‭ ‬العبودية‭ ‬المدمر‭ ‬للغاية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الجديد‭ ‬وإرثه‭ ‬الخالد‭. ‬ردّ‭ ‬ترامب‭ ‬بـما‭ ‬سماه‭ ‬‮«‬مشروع‭ ‬1776‮»‬‭ ‬ساعيًا‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬إحياء‭ ‬أسطورة‭ ‬أمريكا‭ ‬المجرّدة‭ ‬من‭ ‬جانبها‭ ‬المظلم‭.‬

يُعدّ‭ ‬الأمر‭ ‬التنفيذي‭ ‬الجديد‭ ‬لترامب‭ ‬أحدثَ‭ ‬تكرارٍ‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬التاريخ‭. ‬إذ‭ ‬يندد‭ ‬بـما‭ ‬يسميه‭ ‬‮«‬التطرف‭ ‬المعادي‭ ‬لأمريكا‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يدّعي‭ ‬أنه‭ ‬يُعلّم‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬عنصريةٌ‭ ‬أو‭ ‬متحيزةٌ‭ ‬جنسيًا‭ ‬أو‭ ‬تمييزيةٌ‭ ‬بشكلٍ‭ ‬جوهري‮»‬،‭ ‬ويدعو‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬وصفٍ‭ ‬دقيقٍ‭ ‬وصادقٍ‭ ‬وموحّدٍ‭ ‬ونبيلٍ‭ ‬لتأسيس‭ ‬أمريكا‮»‬‭ ‬و‮«‬الاحتفاء‭ ‬بعظمة‭ ‬أمريكا‭ ‬وتاريخها‮»‬‭.‬

ثم‭ ‬دعا‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬إعادة‭ ‬تأسيس‭ ‬اللجنة‭ ‬الاستشارية‭ ‬الرئاسية‭ ‬1776‭ ‬وتعزيز‭ ‬التعليم‭ ‬الوطني‮»‬‭ ‬لتشجيع‭ ‬التعلم‭ ‬الوطني‭ ‬وتمجيد‭ ‬معارك‭ ‬أمريكا‭ ‬وأبطال‭ ‬الحرب‭ ‬الأمريكيين‭.‬

‮ ‬يُلزم‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬جميع‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬التي‭ ‬تتلقى‭ ‬تمويلًا‭ ‬فيدراليًا‭ ‬بتقديم‭ ‬برامج‭ ‬تعليمية‭ ‬وطنية‭ ‬محددة،‭ ‬وأن‭ ‬تُراقب‭ ‬‮«‬الجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬المعنية‮»‬‭ ‬الامتثال‭ ‬لهذا‭ ‬الشرط‭. (‬افعل‭ ‬ما‭ ‬نطلبه‭ ‬وإلا‭ ‬ستفقد‭ ‬تمويلك‭).‬

هذا‭ ‬ليس‭ ‬أمرا‭ ‬جيدا،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬سمات‭ ‬الحكم‭ ‬الاستبدادي‭ ‬الفاشي‭ ‬الذي‭ ‬يغرس‭ ‬معتقدات‭ ‬عامة‭ ‬الناس‭ ‬باسم‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬تمجيد‭ ‬الأمة‮»‬‭. ‬تنبأ‭ ‬الكاتب‭ ‬الأمريكي‭ ‬الشهير‭ ‬سنكلير‭ ‬لويس‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬الفاشية‭ ‬ستصل‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬ملفوفة‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬وحاملة‭ ‬للصليب‮»‬‭. ‬

لذا‭ ‬يجب‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬الأمر‭ ‬التنفيذي‭ ‬للرئيس‭ ‬ترامب،‭ ‬لأنه‭ ‬يمثل‭ ‬خطوةٌ‭ ‬مُقلقةٌ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬عواقب‭ ‬وخيمة‭.‬

 

{‭ ‬رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا