العدد : ١٧١٩١ - الخميس ١٧ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩١ - الخميس ١٧ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

قراءة في إيجابيات الميزانية الجديدة

بقلم: د. نبيل العسومي

الثلاثاء ٠٨ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

أخيرا‭ ‬تم‭ ‬إقرار‭ ‬الميزانية‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭ ‬للعامين‭ ‬القادمين‭ ‬2025‭ ‬و2026‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬زيادة‭ ‬تثقل‭ ‬كاهل‭ ‬المواطنين،‭ ‬والتي‭ ‬كانوا‭ ‬يتخوفون‭ ‬من‭ ‬حدوثها‭ ‬خاصة‭ ‬خلال‭ ‬المناقشات‭ ‬والجلسات‭ ‬الأولية‭ ‬بين‭ ‬ممثلي‭ ‬السلطتين‭ ‬التشريعية‭ ‬والتنفيذية‭:‬

التخوف‭ ‬الأول‭: ‬كان‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬إمكانية‭ ‬رفع‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬من‭ ‬10%‭ ‬إلى‭ ‬15%‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬سيرفع‭ ‬أسعار‭ ‬معظم‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات‭ ‬بنسبة‭ ‬5%‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬سعرها‭ ‬الحالي،‭ ‬وهذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬ان‭ ‬يتحمله‭ ‬المواطن‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود‭ ‬أو‭ ‬المتوسط‭.‬

الثاني‭: ‬تحرير‭ ‬أسعار‭ ‬المحروقات‭ ‬وخاصة‭ ‬أسعار‭ ‬البترول‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مضاعفة‭ ‬أسعاره‭ ‬مما‭ ‬سيكلف‭ ‬المواطن‭ ‬فاتورة‭ ‬كبيرة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحملها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬لأوضاع‭ ‬الرواتب‭ ‬والأجور‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الآثار‭ ‬المباشرة‭ ‬وغير‭ ‬المباشرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ستنجم‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬بالنسبة‭ ‬الى‭ ‬معظم‭ ‬الخدمات‭ ‬خاصة‭ ‬خدمات‭ ‬النقل‭ ‬والشحن،‭ ‬وتأثير‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬أسعار‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات‭.‬

الثالث‭: ‬تحرير‭ ‬الكهرباء‭ ‬والماء‭ ‬برفع‭ ‬الدعم‭ ‬عنهما‭ ‬مما‭ ‬سيجعل‭ ‬فاتورة‭ ‬الكهرباء‭ ‬تتضاعف‭ ‬بين‭ ‬3‭ ‬و5‭ ‬مرات‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬حاليا،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬يتحمله‭ ‬المواطنون‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الأوضاع‭ ‬القائمة‭.‬

لنتصور‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬محل‭ ‬نقاش‭ ‬تحققت‭ ‬دون‭ ‬الإجراءات‭ ‬الأخرى‭ ‬لتنفذ‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬فإنها‭ ‬ستكون‭  ‬ثقيلة‭ ‬جدا‭ ‬وغير‭ ‬قابلة‭ ‬للاحتمال‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأِشكال‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬فإن‭ ‬نجاح‭ ‬السلطتين‭ ‬التشريعية‭ ‬والتنفيذية‭ ‬في‭ ‬إيقاف‭ ‬وعدم‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬يعتبر‭ ‬مكسبا‭ ‬يحسب‭ ‬للسلطتين‭ ‬التشريعية‭ ‬والتنفيذية‭ ‬اللتين‭ ‬استمعتا‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭  ‬للمطالبات‭ ‬التي‭ ‬عبر‭ ‬عنها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود،‭ ‬ولذلك‭ ‬وجب‭ ‬أن‭ ‬نعتبر‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬مكسب‭ ‬خلال‭ ‬السنتين‭ ‬القادمتين‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬تتحسن‭ ‬الظروف‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬ورفع‭ ‬الإنتاج‭ ‬والإنتاجية‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬تحسن‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬لتوفير‭ ‬الغطاء‭ ‬الكافي‭ ‬لموارد‭ ‬الميزانية‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭.‬

كما‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬ونحن‭ ‬نتحدث‭ ‬عند‭ ‬هذه‭ ‬الميزانية‭ ‬الجديدة‭ ‬ان‭ ‬نتوقف‭ ‬عن‭ ‬ثلاث‭ ‬نقاط‭ ‬مهمة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إثارتها‭ ‬بشكل‭ ‬موضوعي‭:‬

الأولى‭: ‬ضرورة‭ ‬مراعاة‭ ‬أصحاب‭ ‬المعاشات‭ ‬باستمرار‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬ان‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬الصحية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬ازدياد‭ ‬مستمر،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬مبلغ‭ ‬40‭ ‬دينارا‭ ‬الذي‭ ‬سيضاف‭ ‬الى‭ ‬معاشات‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتقاعدين‭ ‬مبلغ‭ ‬مهم‭ ‬ويعد‭ ‬استجابة‭ ‬حميدة‭ ‬ومشكورة‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الموقرة‭ ‬للطلبات‭ ‬المتكررة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬لتحسين‭ ‬ظروفهم‭ ‬المعيشية،‭ ‬فهذه‭ ‬نقطة‭ ‬مهمة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإشادة‭ ‬بها‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تغني‭ ‬عن‭ ‬الزيادة‭ ‬المعتادة‭ ‬3%‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إيقافها‭ ‬مؤقتا‭ ‬بحسب‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬الصناديق‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬متمنين‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

الثانية‭ : ‬الحجم‭ ‬الكبير‭ ‬والمبالغ‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تخصيصها‭ ‬في‭ ‬الميزانية‭ ‬الجديدة‭ ‬لقطاع‭ ‬الخدمات‭ ‬التي‭ ‬سيستفيد‭ ‬منها‭ ‬المواطنون‭ ‬وخاصة‭ ‬الزيادة‭ ‬الكبيرة‭ ‬والهائلة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإسكان،‭ ‬حيث‭ ‬تضمنت‭ ‬الميزانية‭ ‬الجديدة‭ ‬مبالغ‭ ‬كبيرة‭ ‬للمشاريع‭ ‬ومضاعفة‭ ‬ميزانية‭ ‬الإسكان‭ ‬للعامين‭ ‬القادمين‭ ‬وخاصة‭ ‬الزيادة‭ ‬الملحوظة‭ ‬في‭ ‬ميزانية‭ ‬الوزارات‭ ‬الخدمية‭ ‬مثل‭ ‬الصحة‭ ‬والتربية‭ ‬والتعليم‭ ‬والإسكان‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬حساب‭ ‬المواطن‭ ‬بمبلغ‭ ‬624‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭  ‬للعامين‭ ‬القادمين،‭ ‬وهذا‭ ‬الحساب‭ ‬سوف‭ ‬توضع‭ ‬فيه‭ ‬جميع‭ ‬العلاوات‭ ‬المخصصة‭ ‬لمختلف‭ ‬الفئات‭ ‬وللدعم‭ ‬وهذه‭ ‬خطوة‭ ‬جيدة‭ ‬ومهمة‭.‬

الثالثة‭: ‬هذه‭ ‬المكتسبات‭ ‬في‭ ‬الميزانية‭ ‬الجديدة‭ ‬وعدم‭ ‬تحميل‭ ‬المواطنين‭ ‬تكاليف‭ ‬إضافية‭ ‬وعدم‭ ‬زيادة‭ ‬الضرائب‭ ‬وعدم‭ ‬تحرير‭ ‬أسعار‭ ‬المحروقات‭ ‬والكهرباء‭ ‬والماء‭ ‬قادت‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬البديل‭ ‬المتاح‭ ‬هو‭ ‬زيادة‭ ‬سقف‭ ‬الدين‭ ‬العام،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فعلا‭ ‬عبر‭ ‬تكفل‭ ‬الدولة‭ ‬بتغطية‭ ‬تكاليف‭ ‬احتياجات‭ ‬الميزانية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بالوضع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والمالي‭ ‬للمواطنين،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬ان‭ ‬زيادة‭ ‬سقف‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬تعني‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬زيادة‭ ‬فوائد‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬الذي‭ ‬يزيد‭ ‬سنويا‭ ‬على‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬كاهل‭ ‬الميزانية‭ ‬وبالتالي‭ ‬إلى‭ ‬كاهل‭ ‬الدولة‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬التي‭ ‬تلخصها‭ ‬النقاط‭ ‬السابقة‭ ‬تعتبر‭ ‬معادلة‭ ‬صعبة‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود‭ ‬وهي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬التالي‭: ‬كيف‭ ‬نزيد‭ ‬موارد‭ ‬الميزانية‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بجيب‭ ‬المواطنين؟‭ ‬وكيف‭ ‬نوفر‭ ‬التوازن‭ ‬المالي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬التداين؟‭ ‬وكيف‭ ‬ننظم‭ ‬استدامة‭ ‬الدعم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تحمل‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة‭ ‬أعباء‭ ‬إضافية؟

إن‭ ‬الخيارات‭ ‬المتاحة‭ ‬معروفة‭ ‬وهي‭ ‬ضرورة‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاج‭ ‬ورفع‭ ‬إنتاجية‭ ‬المواطنين‭ ‬وزيادة‭ ‬الاستثمار‭ ‬وتوزيع‭ ‬الأعباء‭ ‬الضريبية‭ ‬بشكل‭ ‬متوازن‭ ‬بحيث‭ ‬يتحمل‭ ‬الأكثر‭ ‬دخلا‭ ‬عبئا‭ ‬أكبر‭ ‬وذوي‭ ‬الدخل‭ ‬المتوسط‭ ‬يتحمل‭ ‬نسبة‭ ‬متوسطة‭ ‬وذوي‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود‭ ‬لا‭ ‬يتحملون‭ ‬أي‭ ‬أعباء‭ ‬إضافية‭. ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬بعض‭ ‬الخيارات‭ ‬ولا‭ ‬نعتقد‭ ‬انها‭ ‬غائبة‭ ‬عن‭ ‬أذهان‭ ‬المسؤولين‭ ‬والنواب‭ ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬استمرار‭ ‬نهج‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬المالي‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا