أخيرا تم إقرار الميزانية العامة للدولة للعامين القادمين 2025 و2026 من دون أي زيادة تثقل كاهل المواطنين، والتي كانوا يتخوفون من حدوثها خاصة خلال المناقشات والجلسات الأولية بين ممثلي السلطتين التشريعية والتنفيذية:
التخوف الأول: كان يتمثل في إمكانية رفع القيمة المضافة من 10% إلى 15% مما كان سيرفع أسعار معظم السلع والخدمات بنسبة 5% إضافة إلى سعرها الحالي، وهذا كان من الصعب ان يتحمله المواطن من ذوي الدخل المحدود أو المتوسط.
الثاني: تحرير أسعار المحروقات وخاصة أسعار البترول مما كان سيؤدي إلى مضاعفة أسعاره مما سيكلف المواطن فاتورة كبيرة لا يمكن أن يتحملها في ظل الوضع الراهن لأوضاع الرواتب والأجور إضافة إلى الآثار المباشرة وغير المباشرة التي كانت ستنجم عن هذا القرار بالنسبة الى معظم الخدمات خاصة خدمات النقل والشحن، وتأثير كل ذلك على أسعار السلع والخدمات.
الثالث: تحرير الكهرباء والماء برفع الدعم عنهما مما سيجعل فاتورة الكهرباء تتضاعف بين 3 و5 مرات على ما هي عليه حاليا، وهذا أمر كان من الصعب أن يتحمله المواطنون في ظل الأوضاع القائمة.
لنتصور ان هذه الإجراءات الثلاثة التي كانت محل نقاش تحققت دون الإجراءات الأخرى لتنفذ مع بعضها البعض فإنها ستكون ثقيلة جدا وغير قابلة للاحتمال بأي شكل من الأِشكال. ومن هنا فإن نجاح السلطتين التشريعية والتنفيذية في إيقاف وعدم تنفيذ هذه الخطوات يعتبر مكسبا يحسب للسلطتين التشريعية والتنفيذية اللتين استمعتا بشكل واضح للمطالبات التي عبر عنها العديد من المواطنين خاصة من فئة الدخل المحدود، ولذلك وجب أن نعتبر أن ما حدث في حد ذاته مكسب خلال السنتين القادمتين على أمل أن تتحسن الظروف في المستقبل سواء على الصعيد الاقتصادي ورفع الإنتاج والإنتاجية أو على صعيد تحسن أسعار النفط في المستقبل لتوفير الغطاء الكافي لموارد الميزانية العامة للدولة.
كما لا بد ونحن نتحدث عند هذه الميزانية الجديدة ان نتوقف عن ثلاث نقاط مهمة لا بد من إثارتها بشكل موضوعي:
الأولى: ضرورة مراعاة أصحاب المعاشات باستمرار في ضوء ان احتياجاتهم الصحية والإنسانية والاجتماعية في ازدياد مستمر، ولا شك أن مبلغ 40 دينارا الذي سيضاف الى معاشات هؤلاء المتقاعدين مبلغ مهم ويعد استجابة حميدة ومشكورة من الحكومة الموقرة للطلبات المتكررة من هذه الفئة من المواطنين لتحسين ظروفهم المعيشية، فهذه نقطة مهمة لا بد من الإشادة بها وإن كانت لا تغني عن الزيادة المعتادة 3% التي تم إيقافها مؤقتا بحسب الظروف التي مرت بها الصناديق الاجتماعية، متمنين أن تعود هذه النسبة في السنوات القادمة بإذن الله.
الثانية : الحجم الكبير والمبالغ الهائلة التي تم تخصيصها في الميزانية الجديدة لقطاع الخدمات التي سيستفيد منها المواطنون وخاصة الزيادة الكبيرة والهائلة في مجال الإسكان، حيث تضمنت الميزانية الجديدة مبالغ كبيرة للمشاريع ومضاعفة ميزانية الإسكان للعامين القادمين وخاصة الزيادة الملحوظة في ميزانية الوزارات الخدمية مثل الصحة والتربية والتعليم والإسكان إضافة إلى إنشاء حساب المواطن بمبلغ 624 مليون دينار للعامين القادمين، وهذا الحساب سوف توضع فيه جميع العلاوات المخصصة لمختلف الفئات وللدعم وهذه خطوة جيدة ومهمة.
الثالثة: هذه المكتسبات في الميزانية الجديدة وعدم تحميل المواطنين تكاليف إضافية وعدم زيادة الضرائب وعدم تحرير أسعار المحروقات والكهرباء والماء قادت الى ان يكون البديل المتاح هو زيادة سقف الدين العام، وهذا ما حدث فعلا عبر تكفل الدولة بتغطية تكاليف احتياجات الميزانية من دون المساس بالوضع الاجتماعي والمالي للمواطنين، وهذا يعني ان زيادة سقف الدين العام تعني بشكل مباشر زيادة فوائد هذا الدين الذي يزيد سنويا على مليار دينار يضاف إلى كاهل الميزانية وبالتالي إلى كاهل الدولة.
إن هذه المعادلة التي تلخصها النقاط السابقة تعتبر معادلة صعبة إلى أبعد الحدود وهي تقوم على أساس العمل من اجل الإجابة عن السؤال التالي: كيف نزيد موارد الميزانية العامة للدولة من دون المساس بجيب المواطنين؟ وكيف نوفر التوازن المالي من دون اللجوء إلى التداين؟ وكيف ننظم استدامة الدعم من دون تحمل ميزانية الدولة أعباء إضافية؟
إن الخيارات المتاحة معروفة وهي ضرورة العمل من اجل زيادة الإنتاج ورفع إنتاجية المواطنين وزيادة الاستثمار وتوزيع الأعباء الضريبية بشكل متوازن بحيث يتحمل الأكثر دخلا عبئا أكبر وذوي الدخل المتوسط يتحمل نسبة متوسطة وذوي الدخل المحدود لا يتحملون أي أعباء إضافية. تلك هي بعض الخيارات ولا نعتقد انها غائبة عن أذهان المسؤولين والنواب ومن المهم استمرار نهج الحفاظ على التوازن المالي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك