للمعاصي سوءات، ولسترها آيات من يبحث عنها يجدها، ومن يعرض عنها يقع في المهالك، ومن رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أنه سبحانه بَيَّنَ لهم الصراط السوي، ودلهم على مسالكه، ومن يقرأ الآيات (151 - 153) من سورة الأنعام سوف يجد معالم الطريق السوي واضحة لمن يبحث عنها، ويتلمس سبلها، ثم عليه أن يسأل الآية (69) من سورة النساء حيث تضمنت أعلام الصراط المستقيم التي قصرت سورة الفاتحة معالمهم على ما ذكرتهم السورة بإيجاز في قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم (6) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين (7)) سورة الفاتحة.
ورغم أن هذا البيان على قصره وبيانه واضح إلا أنه يحتاج إلى مزيد من البيان وبلوغ حقيقته، ونجد ذلك في الآية (69) من سورة النساء في قوله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا).
إذًا، فهذه الآية الجليلة من سورة النساء دلتنا على الذين أنعم الله عليهم، وهم كما ذكرتهم الآية على الترتيب المذكور: الأنبياء، والصِدِّيقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، الذين جمعوا بين خالص الإيمان وصالح العمل ثم تركت لنا الآية المباركة الباب مفتوحًا، والنوافذ مشرعة لمن يتأسى بهؤلاء الذين ذكرتهم هذه الآية، ولم تحرم عامة المسلمين من أن يلحقوا بهم، ولن يقطع المسلم رجاءه من أن يجد اسمه مدرجًا في هذه القائمة المباركة إذا ما سار على نهجهم، واهتدى بهديهم.
ثم نعود إلى بيان ما بدأنا به حديثنا، أن للمعاصي سوءات تظهر عند مخالفة العبد لأوامر مولاه سبحانه ونواهيه، وأن على العبد أن يسارع ودون إبطاء إلى التوبة بالإقلاع عن الذنب أولًا، ثم العزم الأكيد على عدم العودة إليه، وأن يكثر من عمل الصالحات ولهذا، فقد كانت الحكمة بالغة حين تم تدريب آدم وزوجه (عليهما السلام) في الجنة التي في الأرض، والتي وفر الله تعالى لهما فيها كل ما احتاجا إليه، قال تعالى: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) البقرة / 35.
لقد وفر لهما الله تعالى جميع ما يحتاجان إليه من نعم، ونهاهما ليس فقط عن الأكل من شجرة بعينها، بل حتى عن منها، فتعهدا بذلك ولم يكن لهما عزم ولا صبر فوقعا في المعصية، فبدت لهما سوءاتهما، يقول تعالى: (فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى) طه / 121.
إذًا، فانكشاف السوأة هو بسبب ارتكاب المعصية، ولو لم يعص آدم ربه لما ظهرت سوأته، ولكن الحق سبحانه أراد بذلك أن يبين لنا أن لكل معصية سوأة، فسوأة معصية الزنا وجود اللقطاء في المجتمع مجهولي النسب، وسوأة تعاطي المسكرات كثرة السكارى الذين غابت عقولهم، فيعبث بهم الأطفال في الشوارع والطرقات، وسوأة منع الزكاة، وهي حق الفقراء والمساكين في أموال الأغنياء سوأتها كثرة الفقراء وأصحاب الحاجة، ولو أخرج الأغنياء زكاة أموالهم لما بقي في المجتمع فقير أو محتاج.. وهكذا.
إذًا، فمن ثمرات هذه المعاصي كثرة الذنوب وانكشاف السوءات، وسترها، وعدم ظهورها ابتداءً هو في لزوم التوبة والاستغفار، والإكثار من عمل الصالحات، والإخلاص في الأقوال والأفعال والإيمان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) «قلت يا رسول الله: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال لقد ظننت، يا أبا هريرة، ألا يسألني عن هذا الحديث أحد أوَّل منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصًا من قبل نفسه» الحديث صحيح / رواه البخاري.
وإخلاصها كما وردت في حديث آخر هو العمل بمقتضاها إذ لا خير في إيمان بلا عمل، كما أنه لا خير في عمل بلا إيمان ولطالما اقترن الإيمان دائمًا بالعمل الصالح من مثل قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) البقرة / 82.
ودخول المؤمنين الجنة والخلود فيها لا يكفي فيه الإيمان، بل لابد أن يكون مع الإيمان عمل صالح خالٍ من الشرك والرياء، يقول سبحانه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالًا بعيدا) النساء / 116.
إذًا، فالخلاصة التي نرجوها من هذا الحديث ألا ييأس المؤمن من روح الله تعالى، يقول سبحانه على لسان لقمان: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) لقمان / 13.
هذا هو الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين.. لا ييأس منه العصاة، ولا يقنط منه من أسرفوا على أنفسهم، يقول سبحانه: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم) الزمر / 53.
إذًا، فالإنسان خلق حرًا، وسوف يحاسب على إرادته الحرة إن خيرًا، فخير وإن شرًا فشر، يقول تعالى: (إذا زلزلت الأرض زلزالها (1) وأخرجت الأرض أثقالها (2) وقال الإنسان ما لها (3) يومئذٍ تحدث أخبارها (4) بأن ربك أوحى لها (5) يومئذٍ يصدر الناس أشتاتًا ليروا أعمالهم (6) فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره (8)) سورة الزلزلة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك