في تجربة ممتعة وجميلة في واحدة من مؤسسات دولة صديقة، من ضمن جولاتي في الاستشارات الإدارية، وجدتْ إدارة المؤسسة من خلال التقييم السنوي أن لدينا مجموعة من الموظفين الذين يحتاجون إلى تطوير أدائهم، فقد وجدت أن أداءهم أقل من المعدل المطلوب، فكان أمام الإدارة أحد خيارين؛ إما فصل الموظفين والبحث عن آخرين أفضل أداءً وإما تحسين أوضاعهم بطريقة ما حتى يتطور أداؤهم. عرض عليّ الموضوع، فاخترت الحل الثاني، والذي يمكن تلخيصه في أنه يمكن – بأي حال من الأحوال– تطوير هؤلاء الموظفين وتنمية قدراتهم حتى تصل إلى المستوى الذي ترغب به إدارة المؤسسة، ولكن كيف؟
وأثناء إعداد برنامج لمثل هؤلاء الموظفين تذكرت أن أكاديمية (AIHR) قد وضعت ذات يوم استراتيجية لإدارة الموظفين الأقل أداء، فذهبت أبحث عنها لعلها تسهم بطريقة أو بأخرى في مساعدتي وبالتالي مساعدة المؤسسة، تتكون هذه الاستراتيجية من مجموعة من الخطوات، تلك الخطوات حولتها إلى برنامج عمل سهل التنفيذ، وبدأنا التنفيذ بالطريقة التالية:
الاجتماع بالموظفين: اجتمعنا مع الموظفين الذي يعانون من ضعف أداء، مجموعة كبيرة من الجلسات، استمعنا لهم ساعات طويلة، جلسنا معهم في مجموعات، وعلى صورة أفراد كذلك، أي كل فرد وحده، عرفنا مشاكلهم وضغوط العمل، وعملنا دراسة مسحية خاصة لمعرفة مهاراتهم، وقدراتهم ومعارفهم، وحتى بعض من مشاكلهم الشخصية تمكنا من تحسسها، إذ إن بعض المشاكل الشخصية والأسرية ترافق المرء حتى إلى مكتبه، بلغنا معهم إلى الاعتراف بالمشكلة، وأنهم بالفعل يعانون من ضعف الأداء وذلك من خلال كل تلك الجلسات والاستبانات والمناقشات، وكانت تلك الخطوة ذات أهمية بمكان، فالاعتراف بالمشكلة تعد نصف الحل، كما يقال.
وضع برنامج وخطة عمل مبدئية: بناء على هذه المعطيات وضعتُ مع فريق العمل الذي يعمل معي خطة وبرنامج عمل مبدئيا، يقبل التطوير والتعديل مع المناقشات التي يمكن أن تتم مع الإدارة وحتى مع الموظفين.
العودة إلى الإدارة: رجعنا بكل هذه المعطيات إلى الإدارة، بهدف توضيح الصورة كاملة لهم، وأسباب تدني الأداء والأسباب التي تعرقل النمو والتطور، وكذلك وضعنا خطة وبرنامج العمل المبدئي أمامهم كنوع من الحلول التي يمكن أن نستخدمها لتطوير الأداء. أجرينا مناقشات عديدة مع الإدارة من أجل اقناعهم أولاً أنه يجب إعطاء هؤلاء الموظفين فرصة أخرى، والثانية لمناقشتهم في برنامج العمل الذي يمكن أن يسهم في تطوير أدائهم المهني والشخصي، وبعد أن تمت الموافقة مع بعض التعديلات، انتقلنا إلى المرحلة التالية، وكانت موافقة الإدارة ضرورية، إذ لا يمكن العمل من غير تلك الموافقة.
وضع برنامج وخطة عمل مع الموظفين: وضعنا خطة وبرنامج العمل لتطوير أداء الموظفين بين أيديهم وسمعنا أفكارهم وأطروحاتهم، وكذلك عدم رغبة بعضهم في التغيير والتحسين، ولكن لم يكن أمامهم خيار، إما التغيير وإما الرحيل، فقرروا التغيير رغمًا عنهم، إذ كان الحل الثاني أفضل الحلول. وضعنا التوقعات بوضوح، حددنا الأهداف والمهام بشكل واضح وملموس، وضعنا خطة إجراءات مشتركة، واتفقنا على خطوات واضحة مع مواعيد نهائية.
التدريب العملي المستدام: ركزنا على تقديم برامج تدريبية عملية والتي يمكن تطبيقه مباشرة في بيئة العمل، بهدف التطوير المهني المستدام، إذ حاولنا التركيز على منهجية التفكير التصميمي في مجال التطوير والتنمية والتحسين في جميع الموارد والعمل المهني، مما يساعد على إيجاد حلول مبتكرة لمشاكل العمل والمهنة وما إلى ذلك، بالإضافة إلى تطوير المهارات القيادية، والتواصل الشبكي، وبعض الموضوعات التي تنمي قدرات الموظف، بأي صورة كانت، وبدأنا من نقطة الصفر.
المتابعة والتحسين المستمر: بدأنا في متابعة الأفراد، فردًا فردًا، والمتابعة والتقييم بصورة يومية وأسبوعية وشهرية، وعندما نجد أي ضعف في الأداء نقوم بصورة مباشرة بعمل جلسة مع الفرد نفسه، ليس من أجل العتاب أو التأنيب، وإنما بهدف التحفيز وتوضيح نقاط الضعف ومناقشة كيفية التحسين حتى نصل إلى الرضا الذي نحتاج ويحتاج، وفي الحقيقة كانت هذه المرحلة من أصعب المراحل في العملية كلها، إذ يدخل فيها الكثير من الجوانب الإنسانية والمهنية، والتي لا يمكن إهمالها.
الاحتفال بالإنجازات الصغيرة: في نهاية كل شهر –تقريبًا– كنا نلتقي كمجموعة متكاملة مع بعض المسؤولين بهدف الاحتفال ببعض الإنجازات حتى وإن كانت صغيرة، مع تقديم رسائل شكر للمتفوقين على أنفسهم، كل هذا من أجل تعزيز الثقة عبر الإشادة بالجهود، مما يؤثر في تطوير المهارات وتحسين الأداء.
التوثيق والسجلات: من الطبيعي أن نقوم بتوثيق كل الإجراءات وكل الخطوات، وأن نحتفظ لكل فرد بجميع الوثائق التي توضح كل حركاته وسكناته في العمل، وتطويره ونموه، وتردداته وإخفاقاته، وكل شيء، بمعنى سجل مفصل لكل شيء. كل هذا من أجل التقييم النهائي، كل هذا بمنتهى الشفافية، حتى لا يعتقد أحد أنه لم يتم إنصافه أو إحقاق الحق.
إعادة التوجيه والتدريب: وعندما كنا نجد أن هناك بعض الأفراد، خلال مرحلة ما، ما زال أداؤهم دون المستوى المطلوب، كنا نعاود تقييم ودراسة حالتهم بصورة فردية من أجل إعادة إدخالهم دورات تدريبية خاصة لتطويرهم وتنميتهم، وكنا نركز في هذه المرحلة على التوجيه الفردي وتقديم ملاحظات بناءة، وكنا نستخدم عبارة واضحة معه إذ كنتُ أقول له: «كيف يمكننا تحسين هذا؟»، إذ إني كنت أريد أن تنبع الإجابة من نفسه وذاته، فهو الشخص الوحيد الذي يمكن أن يطور نفسه، إن رغب في ذلك.
إعادة التوجيه إلى وظيفة أخرى: بعض الأفراد كما وجدنا –من خلال متابعته– أنه وصل إلى أقصى قدراته ومهاراته وأنه لا يمكن تقديم أفضل مما يمكن تقديمه، نقوم بتحويله إلى وظيفة أخرى تتناسب مع نقاط القوة التي يمتلكها، وذلك بعد مناقشته بشفافية، وحتى بعد ذلك لا يهمل وإنما تتم متابعته في وظيفته الجديدة، مع دراسة كل المتغيرات التي يمكن أن تحدث.
شجِّع التوازن بين العمل والحياة خارج أروقه المؤسسة: الشيء بالشي يذكر، فمن أكثر الأمور التي اكتشفناها أثناء دراسة هؤلاء الأفراد، أن عددًا منهم كانوا يعانون من مشاكل شخصية وأسرية، وكذلك ضغوط العمل، وبعض الإجهاد النفسي، لذلك قدمنا مقترحًا للإدارة لتقديم بعض المساعدات الداخلية المرتبطة بالصحة النفسية أو الحياة الشخصية، فكانت نسبة النجاح معقولة.
حسم القرار إذا لم يتحسن الأداء: كان هناك اتفاق بيننا وبين هؤلاء الأفراد، أنه بعد الفترة الزمنية التي تم الاتفاق عليها، إن لم يتحسن الأداء للأفراد، فعلى الأفراد ضعيفي أداء أن يقرروا أحد أمرين؛ إما الاستمرار في التجربة مع خفض الراتب أو المغادرة والتحويل إلى مؤسسة أخرى، وكان هذا القرار لا بد منه، بهدف التحفيز وليس من أجل الإذلال، لأنه من غير هذا القرار كان من الممكن أن يكون هناك تسويف وتلكؤ وعدم مبالاة، لذلك كان هذا الأمر إيجابيًا بصورة كبيرة.
عمومًا، بعد نهاية الفترة الزمنية المقررة، كانت النتيجة التي وصلنا إليها مقبولة، لا يمكن أن نقول إن النجاح كان حليفنا بصورة تامة، ولكن كانت النتيجة مقبولة، لأننا لم نكن نتصور أن أداء هؤلاء الموظفين سيتطور ونحن في بداية المشروع.
وكذلك لا نقول إن العملية كان سهلة ومريحة، وإنما كنا يوميًا نواجه عديداً من المشكلات التي نحاول أن نقدم لها بعض الحلول، إذ كان الجزء الأكبر من كل تلك المشاكل مرتبطاً بنفسية الموظف وحالته الاجتماعية والفكرية، فبعض الموظفين لا يرغبون في تطوير أدائهم مهما حاولت معهم، وبعضهم يرغب بشدة، ولكنه لا يستطيع إذ إن سلوكياته ومهاراته لا تسمح له بذلك، وبعضهم بين هذا وذلك، وهكذا فنحن نتعامل مع بشر، والتعامل مع البشر يحتاج إلى أمور ثلاثة، وهي:
{ الاتصال والتواصل الشفاف هو المفتاح،
{ التركيز على الحلول وليس اللوم،
{ التكيف مع كل حالة حسب ظروفها،
وعلى الرغم من كل ذلك، وبعد حوالي سنة ونصف السنة، وجدنا أن تقدمنا أصبح مقبولاً، كما أسلفنا، هذا التقدم المحرز شجع بعض المؤسسات الأخرى للتواصل معنا، بهدف تطوير أداء عدد من الموظفين الذين يعملون لديهم، وبدأنا تجربة ثانية، وربما ثالثة، وكلما نتقدم في هذا العمل، كنا نضع خطوات أكثر تفصيلاً ونستعين ببعض النظريات والحقائق الأخرى التي أثبتت نجاحاتها من هنا وهناك، وكنا نأخذ بعضا من تلك النظريات ونعيد ترتيب أوراقها ونحوّلها إلى أنماط تنفيذية سهلة التنفيذ، وكنا لا نأخذ خطوة إلا بالاتفاق مع الموظفين والإدارة العليا، بهدف أن يكون هناك توافق وانسجام بين ما هو مطلوب وما النتائج المتوقعة، وفي نهاية كل مرحلة ورحلة تكون النتائج أفضل من سابقتها.
وهذه فكرة نقدمها للراغبين في تطوير موظفيهم، ومن الطبيعي أن هناك أفكارا وأساليب كثيرة تحتاج إلى بحث وتقصي وتجربة، حينئذ تكون النتيجة رائعة.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك