بينما يمر الاقتصاد العالمي بحالة من عدم اليقين تؤثر على نشاطه ومعدلات الطلب على السلع الأساسية في مقدمتها الطاقة، توقع البنك الدولي أن يصل معدل النمو الاقتصادي لدول الخليج في عام 2025 إلى 3.4%، مقارنة بـ3.3% لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عمومًا، وذلك بعد أن أصبح التنوع الاقتصادي الذي حققته الاقتصادات الخليجية مصدر قوة يحد من تأثير انخفاض الطلب على النفط، حيث لعبت الاستثمارات المستمرة في قطاعات، مثل السياحة، والعقارات، والتصنيع، دورًا رئيسيا في دعم النمو الاقتصادي غير النفطي خلال عام 2024.
وعليه، أسهمت المكاسب التي حققها القطاع غير النفطي في تعويض تأثير تخفيضات إنتاج النفط من قبل أوبك بلس؛ ما أدى إلى تسجيل متوسط نمو للناتج المحلي غير النفطي بلغ 3.7%، متجاوزًا معدل النمو الاقتصادي الإجمالي. ومن المتوقع أن تحافظ دول مجلس التعاون الخليجي على مرونتها الاقتصادية في عام 2025، ما يمكنها من التعامل مع تحديات انخفاض أسعار النفط.
ومع هذه التقديرات لنمو الاقتصاد الخليجي في 2025، قدر جاسم بديوي، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، أن يصل حجم الناتج المحلي الإجمالي الخليجي إلى 6 تريليونات دولار في هذا العام، وأن يصل نصيب الفرد منه إلى 36.7 ألف دولار سنويا، فيما تمتلك دول المجلس، أصولا مالية سيادية، تبلغ قيمتها 3.2 تريليونات دولار، ما يعادل 33% من إجمالي الأصول السيادية العالمية. ومع بقاء الوقود الأحفوري، مصدرًا رئيسيا، للطاقة في العالم؛ فإن المنظومة الخليجية تتصدر العالم في احتياطي، وإنتاج النفط الخام، وتحتل المركز الأول عالميا في احتياطي الغاز الطبيعي، والمرتبة الثالثة عالميا في إنتاج الغاز، وهي القادرة على تحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة، من خلال توفير إمدادات نفط وغاز آمنة ومستقرة للسوق العالمية.
علاوة على ذلك، تتسع المنطقة الخليجية لفرص واعدة لقطاع الأعمال العالمي، خاصة مع إنجاز مشاريع التعاون الرابطة بين دول المجلس، كمشروع السكك الحديدية، والربط الكهربائي، وتزداد هذه الفرص مع توقيع دول المجلس، اتفاقية تصدير الطاقة الكهربائية للعراق، وخطط توسيع الربط الكهربائي مع دول أخرى، وإطلاق دول المجلس الشركة الخليجية للمدفوعات، التي تتيح تنفيذ الحوالات المالية بعملات دولها، وعملات أخرى بشكل سريع وفوري، بتكاليف منخفضة في بيئة آمنة.
لكن، مع الزيادة السكانية الكبيرة، والوضع الجغرافي لدول مجلس التعاون، حيث البيئة الصحراوية؛ فإن التحدي الكبير الذي يواجهها هو الشح المائي، الذي يجعلها تعتمد على المياه المحلاة حتى صارت تنتج نحو 55% من المياه المحلاة عالميًا، وفي هذا الشأن وقع البنك الدولي في فبراير 2025، مذكرة تفاهم مع مبادرة رئيس دولة الإمارات سمو الشيخ محمد بن زايد، بشأن معالجة تحديات الأمن المائي في المنطقة وخارجها، علمًا بأن جزءا كبيرا من المشكلة المائية يمثله تلوث الموارد المائية، والهدر الكبير للمياه، فضلاً عن الجفاف. وتلعب هذه المبادرة دورًا مهمًا في تعزيز الأمن المائي، عبر إعادة استخدام المياه، وتحسين إدارة الموارد المائية، واستخدام الذكاء الصناعي لتعقب تسريبات الماء، وتحسين أنظمة الري الذكية لتحقيق كفاءة أعلى.
ويكمن التحدي الثاني، فيما يمكن أن تفضي إليه الحرب التجارية من تراجع في الطلب العالمي على النفط، ومن ثمّ، هبوط أسعاره. وكانت أوبك بلس، قد أرجأت التخلي التدريجي عن تخفيضات الإنتاج من نهاية 2024 إلى عام 2025، فإذا ما تم فإنه، يعزز توقع تراجع الأسعار، وهذا التحدي يجعل ضغط الأوضاع المالية أولوية قصوى لاقتصادات دول المجلس النفطية. ومع توقع انخفاض الإيرادات تتجه ميزانيات خليجية إلى تخفيض الإنفاق. ولاستيعاب الانخفاض مع الحفاظ على الاستثمارات، تتجه دول المجلس إلى أسواق الديون الدولية، يعززها في ذلك ما تتمتع به من تصنيفات ائتمانية جيدة، وقوة أصولها السيادية، ويؤكد ذلك التزام دول المجلس بموازنة الضغوطات المالية، مع أهدافها الاقتصادية طويلة الآجل، وتظل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي منخفضة، مقارنة باقتصادات مجموعة العشرين.
أما التحدي الثالث، فيما يمكن أن تؤدي إليه السياسات الحمائية، من تفتيت جغرافي اقتصادي على مستوى العالم، ما قد يُلجئ بعض القوى الاقتصادية الكبرى إلى تقييد صادراتها، ما قد يفضي إلى إعادة تشكيل التجارة الدولية. وفي مواجهة هذا التحدي، يتبنى مجلس التعاون، نهجًا استراتيجيًا، هو تنويع التحالفات. الجدير بالذكر، أن أكثر من 70% من صادرات النفط والغاز الخليجية تتدفق إلى آسيا. وتمثل الصين وحدها أكثر من 20%، وتسعى دول المجلس، بنشاط إلى إبرام اتفاقات تجارة حرة؛ بهدف فتح أسواق جديدة، وجذب الاستثمارات، وإبراز المنطقة كنموذج للانفتاح التجاري في عالم مجزأ. وفي أكتوبر 2024، أبرمت اتفاقية تجارة حرة مع نيوزيلاندا، وهي على وشك توقيع اتفاقية تجارة حرة مع المملكة المتحدة، من شأنها زيادة التجارة الثنائية بينهما بنسبة 16%، كما سرع المجلس مفاوضات التجارة الحرة مع الصين والاتحاد الأوروبي واليابان.
ويتمثل التحدي الرابع، في ولوج عصر الذكاء الاصطناعي، وتحقيق أكبر استفادة منه، يساعدها في ذلك التقدم الكبير الذي حققته المنظومة الخليجية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وإمكاناتها المالية، ورغبة قوية في استقطاب التكنولوجيا المتقدمة، واستقدام مواهبها، بما يخدم توجه دول مجلس التعاون، نحو ترسيخ مكانتها كقائد عالمي في تبني الذكاء الاصطناعي والابتكار. ومن المتوقع أن يشهد عام 2025، تركيزًا أكبر على استثمارات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، والشراكات مع عمالقته، وإنشاء أطر قوية لأمن البيانات والخصوصية لدعم النمو المستدام للذكاء الاصطناعي.
وفي هذا الصدد، يمثل مشروع ترانسندس، الذي تم إعلانه في السعودية في أواخر عام 2024 التزامًا بقيمة 100 مليار دولار لتسريع الاستثمار في البنية التحتية، لتعزيز تطوير النظام البيئي للذكاء الاصطناعي. وفي إمارة عجمان بالإمارات، يجري حاليًا إنشاء مركز بيانات محسن للذكاء الاصطناعي بقدرة 100 ميجاوات، سيكون الأكبر من نوعه في المنطقة. وتهدف الإمارات إلى تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، مثل مراكز البيانات وتصنيع أشباه الموصلات.
علاوة على ذلك، تمثل الشراكات العالمية، ركيزة أساسية، لأجندة الذكاء الاصطناعي في دول مجلس التعاون في عام 2025، وقد تم إعلان العديد من الشراكات الرائدة، مثل الشراكة بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وألفايت، الشركة الأم لشركة جوجل لتطوير مركز متقدم للذكاء الاصطناعي، فيما دخلت تشريعات حماية البيانات الشخصية حيز التنفيذ في دول المجلس، إضافة إلى إطار الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، وموازنة الابتكار مع الخصوصية والشفافية، كما تم تعزيز أطر الأمن السيبراني في المنطقة لحماية البنية التحتية الحيوية، وشددت دول المجلس اللوائح بشأن تخزين البيانات الحساسة محليًا، خاصة بالنسبة الى القطاع الحكومي والقطاع المالي، ومن المتوقع أن يشهد عام 2025 المزيد من التطورات مع تعزيز الحكومات حماية الأطر التي تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي، وتحسين الامتثال لقوانين الملكية الفكرية.
ويأتي التحدي الخامس، متمثلاً في الإصلاحات الضريبية على دخل الشركات، بما يحقق التوافق مع ركائز منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي إصلاحات تمثل التزامًا بالشفافية الضريبية، مع دعم أجندة تنويع الإيرادات عبر إنشاء مصادر دخل مستقرة ومستدامة للحكومات، من خلال ضمان التزام الشركات متعددة الجنسية، بدفع معدل ضريبي أدنى يبلغ 15% بغض النظر عن مكان عملياتها، وتبدأ الإمارات بفرض ضريبة إضافية بنسبة 15% على الشركات الكبيرة متعددة الجنسية، استنادًا إلى ضريبة الشركات البالغة 9% التي تم تطبيقها في 2023، من جهتها، أعلنت البحرين، فرض ضريبة حد أدنى إضافية، اعتبارًا من يناير 2025، وهو نفس ما اتجهت إليه الكويت، وتزداد حصيلة هذه الضريبة مع التوسع الكبير في القطاعات غير النفطية، مع توقع أن ينمو الاقتصاد الخليجي غير النفطي بنسبة 4.2% في 2025، مدفوعًا بنمو قطاعات السياحة والتجارة والعقارات والتصنيع.
وتواجه المنطقة تحديا جعلها أكثر جاذبية للمواهب، بتطوير بنيتها الحضرية، لتحقيق طموحاتها المستقبلية. وفي 2025 يتم اكتمال إطلاق مترو الرياض الذي بلغت كلفته 22 مليار دولار، كما يشهد هذا العام أيضا توسعة مترو الدوحة. وطبقًا للمعهد الدولي للتنمية الإدارية جاءت السعودية في المرتبة 32 عالميًا، كوجهة مفضلة للمواهب العالمية في 2025، بينما كانت في العام السابق في المرتبة 36، ما يعكس نجاح استراتيجيتها في استقطاب المواهب وعلى رأسها في هذا الشأن، منح الجنسية للمواهب الاستثنائية في مجالات العلوم الطبية، والابتكار، وبرنامج الإقامة المميزة.
بالإضافة إلى ذلك، تحظى مشاريع البنية الحضرية بدعم كبير من الاستثمارات الضخمة في قطاع السياحة، ما يعزز جاذبية المنطقة للمهنيين الوافدين والسياح على حد سواء. وفي أواخر 2024 تم افتتاح منتجع جزيرة سندالة في السعودية، مستهدفًا المسافرين من أصحاب الثروات الضخمة مع توقع أن يدر سنويا 10 مليارات دولار سعودي، واستعدادًا لمعرض الرياض إكسبو 2030، واستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034، تقوم السعودية باستثمارات ضخمة في تطوير البنية الحضرية.
على العموم، اتجه الاقتصاد الخليجي في تعامله مع هذه التحديات إلى النظر إليها على أنها فرص، يدفع الاستثمارات فيها إلى تقوية هذا الاقتصاد، وتعزيز مرونته، وهو ما جعل المنطقة محط أنظار القوى الكبرى، كل منها يسعى إلى توثيق الارتباط بها، وهو ما يعود ويصب في تعزيز قوة الاقتصاد الخليجي واستفادة مواطنيه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك