اختتم الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، زيارة استمرت أربعة أيام إلى منطقة الخليج، حظي خلالها باستقبال حافل في كل من السعودية، وقطر، والإمارات. ووصفها «فريدريك كيمبي»، من «المجلس الأطلسي»، بأنها «غير مسبوقة في تاريخ زيارات الرؤساء الأمريكيين إلى المنطقة»، مشيرًا إلى أن الترحيب الذي لقيه يفوق بكثير ما ناله نظراؤه الغربيون في زيارات سابقة. وفي المقابل، أشاد «ترامب»، بالزيارة وبما وصفه «العصر الذهبي للشرق الأوسط»، والذي تجسّد في توقيع صفقات اقتصادية وتجارية ضخمة تُقدَّر قيمتها بتريليونات الدولارات، شملت مجالات الأمن، والبنية التحتية، والتكنولوجيا.
وفي تقييمه للزيارة، رأى «جون كالابريس»، من «معهد دول الخليج العربية»، أن الأساس الاستراتيجي لتحرك «ترامب»، تمثل في الحاجة إلى «مواجهة النفوذ الصيني» المتنامي. وأشار «كيمبي»، إلى أنه جاء إلى المنطقة؛ بهدف «التفوق» على «بكين» في ظل اشتداد التنافس بين القوى الكبرى عالميًا. أما «دينا إسفندياري»، من موقع «بلومبرج إيكونوميكس»، فرأت أن دول الخليج حرصت خلالها على إبراز «انفتاحها على الأعمال التجارية»، ليس فقط مع الولايات المتحدة، بل مع العالم بأسره، وهو ما نجحت في تحقيقه، بدعم واضح من واشنطن لطموحاتها في تعزيز حضورها الاقتصادي والتكنولوجي.
وقبل الزيارة، اعتبر «حسين إيبش»، من «معهد الخليج العربي»، أنها ستأتي بـ«مكسب كبير»، لجميع الأطراف المعنية. فيما أشار «إميل حكيم»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، إلى أن «كلا الجانبين نال مبتغاه»، في شكل «إبراز تواجدهم، وتبادل حسن النوايا، والنفع المتبادل»، وأنه حتى لو تم تنفيذ 50% فقط من شروط الاتفاقيات الطموحة التي تم الاتفاق عليها؛ فإن هذا سيظل «فوزًا كبيرًا» للدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.
وعلى الرغم من أن زيارة الرئيس الأمريكي للخليج جاءت في ظل تحديات إقليمية معقدة؛ أبرزها «استمرار الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة»، و«الغموض الذي يكتنف مستقبل المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني»؛ فقد أكد «دينيس روس»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، أنها «لم تكن ذات طابع جيوسياسي»، و«لا هدفت إلى إعادة تشكيل المنظومة الأمنية في المنطقة»؛ بل ركزت بالأساس على «المشاريع الاقتصادية»، التي يسعى ترامب إلى تعزيزها، من خلال تأمين استثمارات خليجية ضخمة في الاقتصاد الأمريكي. ومن هذا المنطلق، رأى «كيمبي»، أن معيار نجاح الزيارة لن يُقاس بالدبلوماسية التقليدية، أو بعقد صفقات سلام أو صفقات تسليح؛ بل بحجم الاستثمارات الشرق أوسطية الجديدة الهائلة، التي ستتدفق إلى الولايات المتحدة.
وبالإضافة إلى توقيع عدد كبير من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مع دول المنطقة -بما في ذلك اتفاقيات بقيمة 600 مليار دولار على الأقل مع السعودية، و«تبادل اقتصادي»، بقيمة 1.2 تريليون دولار مع قطر -بما في ذلك اتفاقية بقيمة 96 مليار دولار لشراء الدوحة 210 طائرات بوينج أمريكية الصنع- فضلًا عن صفقات تصل قيمتها إلى حوالي 200 مليار دولار مع الإمارات؛ فيجب ملاحظة أيضًا كيفية موافقة «واشنطن»، على صفقة أسلحة مع «الرياض»، بقيمة تقدر بنحو 142 مليار دولار، إلى جانب إعلان الرئيس الأمريكي أن بلاده «ليس لديها شريك أقوى» من السعودية.
وفي تقييمه لكيفية عزم «البيت الأبيض» الواضح على «الاستفادة من الاستثمارات الخليجية»، بدلاً من «التورط في مشاكل المنطقة المستمرة»؛ أوضح «كيمبي»، أنه من الجدير بالملاحظة أيضًا إشارة الرئيس الأمريكي إلى أن سياسة بلاده الخارجية تجاه الشرق الأوسط، ستكون سياسة مناهضة للتدخل بشكل قاطع.
وفي خطاب ألقاه في «الرياض» -والذي اعتبره كيمبي محددًا لجوهر الرحلة بأكملها- تحدث «ترامب»، عن كيف أن «جيلًا جديدًا من القادة يتجاوز أمام أعيننا الصراعات القديمة، والانقسامات المضنية في الماضي»، و«يصنعون مستقبلًا يُعرّف فيه الشرق الأوسط بالتجارة، لا بالفوضى». وأشار «روس»، إلى تأكيده على طبيعة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تحت قيادته «ليس للوعظ»، ولا «للتدخل عسكريًا»، كما فعلت الإدارات الأخرى»، مع فهم أن «المنطقة نفسها تكون في أفضل حالاتها عندما تُترك لحالها».
من جانبه، سلط «ستيفن كوك»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، الضوء على الأدوار البارزة التي لعبتها دول الخليج في عدد من القضايا الدولية، مشيرًا إلى «وساطة السعودية بين روسيا وأوكرانيا»، و«دور الإمارات في تسهيل عودة المحتجزين الأمريكيين من موسكو»، إلى جانب «الجهود القطرية لدفع تسوية سلمية في غزة». وكتب «كوك»، أن إدارة ترامب تنظر إلى شركائها في الخليج، بوصفهم «محاورين موثوقين يمكن الاعتماد عليهم في ملفات إقليمية ودولية معقدة.
في ضوء هذا التحليل، تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي قد وثق بنصيحة ولي العهد السعودي سمو الأمير «محمد بن سلمان»، بشأن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، بعد ستة أشهر فقط من سقوط نظام بشار الأسد، وكيف التقى شخصيًا الرئيس السوري في سوريا «أحمد الشرع»، في لقاء وصفته «ليز دوسيت»، من شبكة «بي بي سي»، أنه «غير قابل للتصديق» قبل بضعة أشهر فقط، لا سيما أن «واشنطن»، كانت قد خصصت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن الشرع، ولم تُرفع هذه المكافأة إلا في ديسمبر الماضي.
في هذا السياق، أشارت مجلة «الإيكونوميست»، إلى أن الرئيس الأمريكي «تجاهل الصقور داخل إدارته»، والذين نصحوه بعدم عقد هذا الاجتماع، وعدم تخفيف العقوبات، مما يؤكد كيف أصبحت علاقاته الشخصية مع قادة الخليج، مؤثرة للغاية في تحديد المسار المستقبلي للمنطقة.
وفي هذا الإطار، من المهم أيضًا التوقف عند جولة ترامب في المنطقة، والتي كشفت بحسب «كسينيا سفيتلوفا»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، عن «عزلة متزايدة» لإسرائيل، ولرئيس وزرائها «بنيامين نتنياهو»، حيث يُنظر إلى «البيت الأبيض»، الآن على أنه «ابتعد عن الدعم الكامل» للحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة. ونتيجة لذلك، بات «نتنياهو» -وفقًا لسفيتلوفا- أمام خيارين: إما «اتباع مسار خفض التصعيد»، أو «المخاطرة بمزيد من العزلة الدولية، والتآكل السياسي الداخلي إذا استمر في نهجه الحالي».
من جانب آخر، فقد أشار «ترامب»، خلال زيارته للمنطقة على أن «حكومته منخرطة بالكامل في مفاوضات جادة مع إيران بشأن مستقبل برنامجها النووي»، مؤكدا أن «طهران»، «وافقت إلى حد ما» على الشروط المقترحة. واعتبرت «سنام فاكيل»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، أن هذا «التبادل الحالي»، بين الطرفين ينبغي النظر إليه كـ«إشارة إيجابية للحفاظ على الزخم، بينما يجري الاتفاق على تفاصيل الصفقة».
أما فيما يتعلق بالحسابات الأمريكية لهذه الزيارة؛ فقد رأى «كيمبي»، أن «التنافس على الاستثمارات الخليجية» الذي بدأه ترامب يرتبط برغبة «واشنطن»، في كسب اليد العليا في «المواجهة التجارية المستمرة والتنافس التكنولوجي مع الصين». ومع ذلك، أشار إلى أن البيانات الصادرة خلال زيارته إلى الإمارات لا تتضمن تنازلات إماراتية جديدة أو تطمينات لواشنطن بشأن العلاقات التكنولوجية مع بكين. وكتب «كالابريس»، أن «أبو ظبي»، واثقة من قدرتها على إدارة شراكات قوية مع كل من الولايات المتحدة والصين، ولذلك فهي تواصل ما وصفه بـ«استراتيجيتها التحوطية طويلة الأمد».
وفي السياق نفسه، ذكرت «ناتاشا توراك»، من شبكة «سي إن بي سي»، أن قادة السعودية، وقطر، والإمارات استقبلوا «ترامب»، باحتفال مبهر. وعلى الرغم من ضخامة الأرقام المُعلنة في الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، فإن المؤكد أن دول الخليج تسعى بوضوح إلى تصدر المشهد في شراكاتها مع الولايات المتحدة، سواء في المجال الاقتصادي، أو العسكري، أو التكنولوجي.
وفيما يخص الإمارات على وجه الخصوص، أقر «كالابريس»، بأن «حساباتها الاستراتيجية» في الميل نحو الولايات المتحدة ذات بعدين: الأول، الحصول على مزايا اقتصادية وتكنولوجية من التعاون مع الشركات الأمريكية. والثاني، الاعتبارات الأمنية، حيث إن العلاقة الأمنية مع واشنطن تعد «بالغة الأهمية».
ويتجلى ذلك في تراجع «البيت الأبيض»، عن قواعد تصدير الذكاء الاصطناعي التي كانت مطبقة في عهد «إدارة بايدن»، ما مكّن الإمارات من الوصول إلى أحدث رقائق أشباه الموصلات أمريكية الصنع. فيما أعلنت «وزارة التجارة الأمريكية» أيضًا عن إنشاء «إطار عمل شراكة يهدف لتسريع وتيرة استخدام الذكاء الاصطناعي»، بين الولايات المتحدة والإمارات. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، أن «واشنطن»، تدرس إرسال مئات الآلاف من رقائق الذكاء الاصطناعي إلى شركة «جي 42» الإماراتية، وهو ما يُعد دليلاً على الفوائد الكبيرة لهذا التعاون. فيما اعتبرت «فاكيل»، أن هذه الاتفاقيات «تعزز فعليًا مكانة «أبو ظبي»، كـلاعب رئيسي في مجال الذكاء الاصطناعي».
علاوة على ذلك، أوضح «كيمبي»، أن «البيت الأبيض»، أعلن في 13 مايو عن صفقات مع السعودية تتضمن التزام شركة «هيوماين»، التابعة للصندوق السيادي السعودي ببناء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي، باستخدام مئات الآلاف من شرائح «نفيديا» المتقدمة على مدى السنوات الخمس المقبلة، إلى جانب شراكة مع شركة أمازون لخدمات الإنترنت لتنفيذ استثمارات تفوق 5 مليارات دولار، لبناء «منطقة ذكاء اصطناعي»، هي الأولى من نوعها في السعودية.
وعلى الرغم من وجود تحفظات حول التأثيرات بعيدة المدى لزيارة ترامب إلى الخليج، منها الصمت الملحوظ تجاه فكرة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وكذلك قبوله بطائرة بوينغ بديلة لطائرة الرئاسة الأولى، ما أثار انتقادات داخلية بما في ذلك من بعض مؤيديه في حركة «لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا»، يمكن الاستنتاج أن كلًا من «الولايات المتحدة»، و«دول مجلس التعاون الخليجي»، قد أنهوا هذه الزيارة بنجاحات اقتصادية وجيوسياسية مهمة.
فمن الجانب الأمريكي، شدد «كيمبي»، على أن كسب جولة في مواجهة الصين «لا يزال الهدف الاستراتيجي الأهم لواشنطن». ومن جانب دول الخليج، أشار «كالابريس»، إلى أن الاتفاقيات التي أبرمتها واشنطن، وعلى رأسها توفير رقائق أشباه الموصلات المتقدمة، ستُعزز مكانة هذه الدول كمراكز عالمية للاستثمار والتكنولوجيا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك