العدد : ١٧١٧٦ - الأربعاء ٠٢ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٧٦ - الأربعاء ٠٢ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إدارة ترامب وحرية التعبير في الولايات المتحدة

بقلم: د. جيمس زغبي {

الثلاثاء ٠١ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

إن‭ ‬الجهود‭ ‬المشتركة‭ ‬التي‭ ‬يبذلها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬والجمهوريون‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬والجماعات‭ ‬المؤيدة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬مثل‭ ‬رابطة‭ ‬مكافحة‭ ‬التشهير،‭ ‬تستهدف‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬المثل‭ ‬الليبرالية‭ ‬لحرية‭ ‬التعبير‭ ‬والتجمع‭ ‬وفكرة‭ ‬الجامعة‭ ‬نفسها‭.‬

ويطالب‭ ‬الجمهوريون‭ ‬وحلفاؤهم‭ ‬الجامعات‭ ‬بإلغاء‭ ‬أي‭ ‬ذكر‭ ‬للتنوع‭ ‬والمساواة‭ ‬والإدماج‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬شابه‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬القبول‭ ‬أو‭ ‬البرمجة،‭ ‬كما‭ ‬وضعوا‭ ‬تعريفًا‭ ‬مشوهًا‭ ‬وموسعًا‭ ‬لمعاداة‭ ‬السامية‭. ‬وفي‭ ‬كلتا‭ ‬الحالتين،‭ ‬أبلغ‭ ‬الجمهوريون‭ ‬وحلفاؤهم‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال‭ ‬لهذه‭ ‬التوجيهات‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬التمويل‭ ‬الفيدرالي‭ ‬الذي‭ ‬يمنح‭ ‬لها‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬حذرت‭ ‬المنظمات‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬هيئة‭ ‬التدريس‭ ‬والإداريين‭ ‬من‭ ‬الامتثال‭ ‬لمتطلبات‭ ‬إلغاء‭ ‬التنوع‭ ‬والإنصاف‭ ‬والشمول‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬القبول‭ ‬أو‭ ‬البرمجة،‭ ‬فقد‭ ‬قامت‭ ‬بعض‭ ‬الجامعات‭ ‬بالفعل‭ ‬بذلك‭ ‬وأبدت‭ ‬امتثالها‭. ‬

وقد‭ ‬قامت‭ ‬عشرات‭ ‬المؤسسات‭ ‬الجامعية‭ ‬بحذف‭ ‬الكلمات‭ ‬والبرامج‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬محظورة‭ ‬من‭ ‬مواقعها‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬كما‭ ‬أُغلقت‭ ‬مكاتب‭ ‬تعزيز‭ ‬التنوع،‭ ‬وأُلغيت‭ ‬الدورات‭ ‬الدراسية‭. ‬

وكان‭ ‬الأمر‭ ‬الأكثر‭ ‬خطورة‭ ‬هو‭ ‬الضرر‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬بحرية‭ ‬التعبير‭ ‬والحرية‭ ‬الأكاديمية‭ ‬نتيجة‭ ‬لتهديدات‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الراهنة‭ ‬والكونغرس‭ ‬الذي‭ ‬يسيطر‭ ‬عليه‭ ‬الجمهوريون‭ ‬بمعاقبة‭ ‬الجامعات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتخذ‭ ‬التدابير‭ ‬اللازمة‭ ‬لكبح‭ ‬ما‭ ‬يسمونه‭ ‬‮«‬معاداة‭ ‬السامية‮»‬‭. ‬

تتمثل‭ ‬المشكلة‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬تعريف‭ ‬زائف‭ ‬ومشوه‭ ‬روجت‭ ‬له‭ ‬رابطة‭ ‬مكافحة‭ ‬التشهير‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ - ‬وهو‭ ‬تعريف‭ ‬يساوي‭ ‬بين‭ ‬انتقاد‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومعاداة‭ ‬السامية‭. ‬

تعتبر‭ ‬الأطراف‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬هذا‭ ‬التمشي‭ ‬أن‭ ‬انتقاد‭ ‬إسرائيل‭ ‬يُعدّ‭ ‬معاديا‭ ‬للسامية‭ ‬لأنها‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية‭ ‬الوحيدة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يُشكّل‭ ‬انتقادها‭ ‬تهديدًا‭ ‬لليهود‭ ‬الذين‭ ‬يتماهون‭ ‬معها‭. ‬وفي‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬المنطق‮»‬‭ ‬بعيد‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭. ‬وفي‭ ‬أسوأ‭ ‬الأحوال،‭ ‬فهو‭ ‬هو‭ ‬محاولة‭ ‬فجة‭ ‬ومبيتة‭ ‬لإسكات‭ ‬المنتقدين‭. ‬

وفي‭ ‬خضم‭ ‬سعيها‭ ‬لفرض‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬الذي‭ ‬تروج‭ ‬له‭ ‬لمعادة‭ ‬السامية،‭ ‬وجدت‭ ‬رابطة‭ ‬مكافحة‭ ‬التشهير‭ ‬شركاء‭ ‬متحمسين‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬المسيحيين‭ ‬الأصوليين‭ ‬اليمينيين،‭ ‬والجمهوريين‭ ‬في‭ ‬الكونجرس،‭ ‬والرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬ــ‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أسبابهم‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬مختلفة‭. ‬

ولكن‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬تعاون‭ ‬هذه‭ ‬الأطراف‭ ‬آنفة‭ ‬الذكر‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬زواج‭ ‬مصلحة‭ ‬أم‭ ‬ينم‭ ‬عن‭ ‬إجماع‭ ‬وتوافق‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬والتفكير،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬المساعي‭ ‬المستميتة‭ ‬قد‭ ‬ألحقت‭ ‬أضرارا‭ ‬جسيمة‭ ‬بقطاع‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭. ‬

وبما‭ ‬أن‭ ‬المظاهرات‭ ‬المؤيدة‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬كانت‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬المرموقة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فإن‭ ‬الجمهوريين‭ ‬يرون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المساعي‭ ‬أيضاً‭ ‬وسيلة‭ ‬لتصعيد‭ ‬حملتهم‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬الفكرية‭ ‬والليبراليين‭. ‬

وبما‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬منتقدي‭ ‬السياسات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬الديمقراطيين،‭ ‬فإن‭ ‬الجمهوريين‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل‭ ‬يشكل‭ ‬قضية‭ ‬خلافية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تقوية‭ ‬قاعدتهم‭ ‬بينما‭ ‬تخلف‭ ‬إشكاليات‭ ‬وتحديات‭ ‬كبيرة‭ ‬للديمقراطيين‭. ‬

ومن‭ ‬جانبه،‭ ‬يرى‭ ‬الرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬أن‭ ‬تجريم‭ ‬المتظاهرين‭ ‬وإجبار‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬الامتثال‭ ‬والانصياع‭ ‬لهذا‭ ‬التوصيف‭ ‬هو‭ ‬طريقة‭ ‬أخرى‭ ‬لمراكمة‭ ‬السلطة‭ ‬وتركيزها‭. ‬

لقد‭ ‬تحلت‭ ‬أولى‭ ‬إرهاصات‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬خلال‭ ‬جلسات‭ ‬الاستماع‭ ‬التي‭ ‬عقدها‭ ‬الكونجرس‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬فيها‭ ‬استدعاء‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬الجامعات‭ ‬الكبرى‭ ‬المرموقة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬للمثول‭ ‬أمامها،‭ ‬حيث‭ ‬تعرضوا‭ ‬للانتقادات‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونجرس‭ ‬الجمهوريين‭. ‬

كانت‭ ‬اللحظة‭ ‬الأكثر‭ ‬وضوحا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬الاستماع‭ ‬عندما‭ ‬ادعت‭ ‬إليز‭ ‬ستيفانيك،‭ ‬الممثلة‭ ‬الجمهورية‭ ‬آنذاك،‭ ‬زورًا‭ ‬أن‭ ‬التعبير‭ ‬الذي‭ ‬سمع‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المظاهرات‭ ‬‮«‬من‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬البحر،‭ ‬فلسطين‭ ‬ستكون‭ ‬حرة‮»‬‭ ‬كان‭ ‬دعوة‭ ‬معادية‭ ‬للسامية‭ ‬للإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬اليهودي‭. ‬

ثم‭ ‬غيّرت‭ ‬السيدة‭ ‬ستيفانيك،‭ ‬السفيرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬المعينة‭ ‬حاليًا‭ ‬لدى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬مسارها‭ ‬بسرعة،‭ ‬سائلةً‭ ‬رؤساء‭ ‬الجامعات‭ ‬عمّا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬عقوبات‭ ‬تسلط‭ ‬على‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يدعون،‭ ‬بحسب‭ ‬زعمها،‭ ‬إلى‭ ‬إبادة‭ ‬اليهود‭. ‬أُصيب‭ ‬رؤساء‭ ‬الجامعات‭ ‬الكبرى‭ ‬بالحيرة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النزعة‭ ‬غير‭ ‬المنطقية،‭ ‬وأعطوا‭ ‬إجاباتٍ‭ ‬مُربكة‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬الاستماع‭ ‬تلك‭.‬

ثم،‭ ‬وفي‭ ‬خضم‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬والمظاهرات‭ ‬التي‭ ‬أقيمت‭ ‬في‭ ‬حرم‭ ‬جامعة‭ ‬كولومبيا،‭ ‬قام‭ ‬مايك‭ ‬جونسون،‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الجمهوري،‭ ‬بزيارة‭ ‬الجامعة‭ ‬المذكورة‭ ‬مطالبا‭ ‬باتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬صارمة‭. ‬

وانضمت‭ ‬شخصيات‭ ‬جمهورية‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحملة،‭ ‬حيث‭ ‬إنهم‭ ‬راحوا‭ ‬يزعمون‭ ‬بأن‭ ‬الحرم‭ ‬الجامعي‭ ‬هو‭ ‬بمثابة‭ ‬معاقل‭ ‬للنخبوية‭ ‬الليبرالية‭ ‬غير‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تلقينها‭ ‬درسا‭. ‬

وفي‭ ‬خضم‭ ‬هذه‭ ‬الحملة،‭ ‬هددت‭ ‬لجنة‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬بقطع‭ ‬الأموال‭ ‬الفيدرالية‭ ‬عن‭ ‬الجامعات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬توقف‭ ‬الاحتجاجات،‭ ‬ومعاقبة‭ ‬المتظاهرين‭ ‬وتطهير‭ ‬حرمها‭ ‬الجامعي‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬والدورات‭ ‬الدراسية‭ ‬المؤيدة‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬والمعادية‭ ‬لإسرائيل‭.‬

وقد‭ ‬تم‭ ‬تشجيع‭ ‬وحث‭ ‬الجماعات‭ ‬المؤيدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬شكاوى‭ ‬إلى‭ ‬مكتب‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬تتهم‭ ‬الإدارة‭ ‬بغض‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬بين‭ ‬أعضاء‭ ‬هيئة‭ ‬التدريس‭ ‬والطلاب‭.‬

وسعيا‭ ‬للتصدي‭ ‬لهذه‭ ‬التحديات،‭ ‬بدأ‭ ‬الخوف‭ ‬والهلع‭ ‬يتصاعد‭. ‬ففي‭ ‬الصيف‭ ‬الماضي،‭ ‬استعانت‭ ‬الجامعات‭ ‬بمستشارين‭ ‬أمنيين‭ ‬لإعادة‭ ‬صياغة‭ ‬قواعد‭ ‬وأدلة‭ ‬أعضاء‭ ‬هيئة‭ ‬التدريس‭ ‬والطلاب؛‭ ‬فأُلغيت‭ ‬المقررات‭ ‬الدراسية،‭ ‬وكُممت‭ ‬أصوات‭ ‬أعضاء‭ ‬هيئة‭ ‬التدريس‭ ‬من‭ ‬الجامعيين‭.‬

وقد‭ ‬بلغ‭ ‬الأمر‭ ‬بمؤسسة‭ ‬أكاديمية‭ ‬مرموقة‭ ‬مثل‭ ‬جامعة‭ ‬كولومبيا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬إنشاء‭ ‬مكتب‭ ‬لتشجيع‭ ‬الطلاب‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬شكاوى‭ ‬ضد‭ ‬الطلاب‭ ‬وأعضاء‭ ‬هيئة‭ ‬التدريس‭ ‬المؤيدين‭ ‬للفلسطينيين‭. ‬وهكذا‭ ‬أصبحت‭ ‬مظاهر‭ ‬القمع‭ ‬والتعسف‭ ‬على‭ ‬أشدها‭.‬

وقد‭ ‬ازدادت‭ ‬الضغوط‭ ‬مع‭ ‬انتخاب‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬رئيسا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬جامعة‭ ‬كولومبيا‭ ‬العريقة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الأكاديمي‭ ‬بمثابة‭ ‬‮«‬كبش‭ ‬فداء‮»‬‭ ‬بسبب‭ ‬مكانتها‭ ‬المرموقة،‭ ‬وقد‭ ‬أظهرت‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة‭ ‬استعدادها‭ ‬الواضح‭ ‬للخضوع‭ ‬والامتثال‭.‬

ورغم‭ ‬جهود‭ ‬الجامعة،‭ ‬فقد‭ ‬صعدت‭ ‬إدارة‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬الضغوط‭ ‬عليها‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬معلنة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة‭ ‬ستخسر‭ ‬400‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬المنح‭ ‬الفيدرالية‭.‬

ثم‭ ‬جاءت‭ ‬الأخبار‭ ‬من‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬والذي‭ ‬أعلن‭ ‬بنفسه‭ ‬أن‭ ‬طالب‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬كولومبيا،‭ ‬محمود‭ ‬خليل،‭ ‬سيتم‭ ‬ترحيله‭ ‬بتهمة‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭.‬

وباستثناء‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬السيد‭ ‬خليل‭ ‬كان‭ ‬المفاوض‭ ‬الرئيسي‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬الطلاب‭ ‬المحتجين،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬قاله‭ ‬أو‭ ‬فعله‭ ‬لتبرير‭ ‬هذه‭ ‬التهمة‭.‬

ومع‭ ‬تصاعد‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬الترحيل‭ ‬التعسفي‭ ‬الوشيك،‭ ‬يبقى‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬أمر‭ ‬الترحيل‭ ‬الذي‭ ‬أصدره‭ ‬ترامب‭ ‬سينجح‭ ‬أم‭ ‬سيأتي‭ ‬بنتائج‭ ‬عكسية‭.‬

وفي‭ ‬كلتا‭ ‬الحالتين،‭ ‬فقد‭ ‬وقع‭ ‬الضرر،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لحرية‭ ‬التعبير،‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬لفكرة‭ ‬الحرية‭ ‬الأكاديمية‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬السمة‭ ‬المميزة‭ ‬للتعليم‭ ‬الأمريكي‭.‬

ظلت‭ ‬مؤسسة‭ ‬زغبي‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬بعد‭ ‬هجمات‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر،‭ ‬تجري‭ ‬استطلاعات‭ ‬رأي‭ ‬حول‭ ‬مواقف‭ ‬العرب‭ ‬تجاه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وقد‭ ‬حفزها‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭ ‬غلاف‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬تايم‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬الإجابة‭ ‬الشهيرة‭ ‬للرئيس‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش‭ ‬آنذاك‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭:‬

‮«‬لماذا‭ ‬هاجمنا‭ ‬الإرهابيون‭ ‬العرب؟‮»‬‭ ‬ونُقل‭ ‬عنه‭ ‬قوله‭ ‬إنهم‭ ‬فعلوا‭ ‬ذلك‭ ‬لأنهم‭ ‬‮«‬يكرهون‭ ‬قيمنا‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحرية‮»‬‭.‬

أظهرت‭ ‬نتائج‭ ‬الاستطلاع‭ ‬أن‭ ‬ملاحظة‭ ‬السيد‭ ‬بوش‭ ‬الساخرة‭ ‬غير‭ ‬صحيحة‭. ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬أُجري‭ ‬فيها‭ ‬الاستطلاع،‭ ‬أعربت‭ ‬أغلبية‭ ‬كبيرة‭ ‬عن‭ ‬تقديرها‭ ‬العميق‭ ‬لحرية‭ ‬أمريكا‭ ‬وديمقراطيتها‭. ‬كما‭ ‬أبدوا‭ ‬إعجابهم‭ ‬بالنظام‭ ‬التعليمي‭ ‬الأمريكي،‭ ‬والمنتجات‭ ‬الثقافية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والشعب‭ ‬الأمريكي‭.‬

ما‭ ‬لم‭ ‬يُعجب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬هو‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وخاصةً‭ ‬تلك‭ ‬الموجهة‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬والعرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وفي‭ ‬مقابلات‭ ‬لاحقة‭ ‬أُجريت‭ ‬لفهم‭ ‬النتائج‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل،‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬المشاركين‭:‬

أحب‭ ‬قيم‭ ‬أمريكا،‭ ‬لكنهم‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬تطبيقها‭ ‬على‭ ‬العرب‭. ‬قال‭ ‬آخر‭: ‬‮«‬درستُ‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬وأحب‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭. ‬لا‭ ‬أشعر‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬تحبني‮»‬‭.‬

في‭ ‬ختام‭ ‬الاستطلاع،‭ ‬طُلب‭ ‬من‭ ‬المشاركين‭ ‬تحديد‭ ‬موقفهم‭ ‬العام‭ ‬تجاه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬سواءً‭ ‬كان‭ ‬إيجابيًا‭ ‬أم‭ ‬سلبيًا‭. ‬وكانت‭ ‬النتائج‭ ‬سلبيةً‭ ‬بشكلٍ‭ ‬كبير‭.‬

عندما‭ ‬سُئلوا‭ ‬عمّا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬مواقفهم‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬أمريكا‭ ‬أم‭ ‬سياساتها،‭ ‬كانت‭ ‬السياسات‭ ‬هي‭ ‬الحاسمة‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬موقفهم‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬يُلحق‭ ‬الضرر‭ ‬بقيم‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬يُعجب‭ ‬بها‭ ‬بقية‭ ‬العالم‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

 

{ رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا