العدد : ١٧١٧٥ - الثلاثاء ٠١ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٧٥ - الثلاثاء ٠١ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

حقيقة المشروع الاستعماري الإسرائيلي في الشرق الأوسط

بقلم: د. رمزي بارود {

الاثنين ٣١ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬يقتصر‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الاستعمار‭ ‬الاستيطاني‭ ‬على‭ ‬النقاش‭ ‬الأكاديمي،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬واقع‭ ‬سياسي‭ ‬يتجلى‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بشكل‭ ‬يومي‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬نظام‭ ‬توسعي‭ ‬استعماري‭ ‬انتهى‭ ‬ودخل‭ ‬طيات‭ ‬التاريخ،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تمارس‭ ‬نشاطها‭ ‬الاستعماري‭ ‬الاستيطاني‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭. ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يتمحور‭ ‬جوهر‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ماضيًا‭ ‬وحاضرًا،‭ ‬حول‭ ‬التوسع‭ ‬الإقليمي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬نقع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬إلقاء‭ ‬اللوم‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬محددة‭ ‬من‭ ‬السياسيين‭ ‬اليمينيين‭ ‬المتطرفين‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬أمريكية‭ ‬معينة‭. ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬مختلفة‭ ‬تمامًا‭: ‬فالخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬الصهيوني‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وإن‭ ‬تغير‭ ‬أسلوبه،‭ ‬يبقى‭ ‬ثابتًا‭ ‬جوهريًا‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬الزمن‭ ‬وتتوارثه‭ ‬الحكومات‭ ‬وتتمسك‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭.‬

لقد‭ ‬ظل‭ ‬القادة‭ ‬السياسيون‭ ‬والمنظرون‭ ‬الصهاينة‭ ‬يربطون‭ ‬دائمًا‭ ‬بين‭ ‬إنشاء‭ ‬دولتهم‭ ‬وتوسيعها‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬والذي‭ ‬يشار‭ ‬إليه‭ ‬لاحقًا‭ ‬في‭ ‬الأدبيات‭ ‬الصهيونية‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬الترانسفير‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬كتب‭ ‬الزعيم‭ ‬الصهيوني‭ ‬التاريخي‭ ‬ثيودور‭ ‬هرتزل،‭ ‬والذي‭ ‬يعد‭ ‬مؤسس‭ ‬الصهيونية‭ ‬السياسية‭ ‬الحديثة،‭ ‬في‭ ‬مذكراته‭ ‬عن‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬للسكان‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬سنحاول‭ ‬تهريب‭ ‬السكان‭ ‬الفقراء‭ ‬والمعدمين‭ ‬عبر‭ ‬الحدود‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬العبور،‭ ‬مع‭ ‬حرمانهم‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬بلدنا‭... ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتم‭ ‬عملية‭ ‬نزع‭ ‬الملكية‭ ‬وإزالة‭ ‬الفقراء‭ ‬بحذر‭ ‬وفي‭ ‬كنف‭ ‬السرية‮»‬‭.‬

لم‭ ‬يتضح‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لخطة‭ ‬هرتزل‭ ‬الكبرى‭ ‬للتشغيل،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تهجير‭ ‬سكان‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬المنطقة‭. ‬فما‭ ‬نعرفه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬بـالسكان‭ ‬المعدمين‭ ‬قاوموا‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬بطرق‭ ‬عديدة‭. ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬تم‭ ‬تهجير‭ ‬سكان‭ ‬فلسطين‭ ‬بالقوة،‭ ‬وقد‭ ‬بلغ‭ ‬ذلك‭ ‬ذروته‭ ‬في‭ ‬نكبة‭ ‬عام‭ ‬1948‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬محو‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬هو‭ ‬الأساس‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬المسؤولين‭ ‬والحكومات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التعبير‭ ‬عنه‭ ‬بطرق‭ ‬مختلفة‭.‬

ولقد‭ ‬كان‭ ‬للسياسة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬دائما‭ ‬مكوّن‭ ‬مادي،‭ ‬يتجلى‭ ‬في‭ ‬الاستيلاء‭ ‬البطيء،‭ ‬ولكنه‭ ‬الحاسم‭ ‬على‭ ‬منازل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬ومصادرة‭ ‬المزارع،‭ ‬والبناء‭ ‬المستمر‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬المناطق‭ ‬العسكرية‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الادعاءات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التدريجية‭ ‬لا‭ ‬ترتبط‭ ‬ارتباطًا‭ ‬مباشرًا‭ ‬بطبيعة‭ ‬ودرجة‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتجلى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬منطقتي‭ ‬جنين‭ ‬ومسافر‭ ‬يطا‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭.‬

لنأخذ‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬مسألة‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬المستمر‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬والذي‭ ‬يعد‭ ‬الأسوأ‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬وفقا‭ ‬لوكالة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لإغاثة‭ ‬وتشغيل‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ (‬الأونروا‭). ‬وقد‭ ‬بررت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تهجير‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬باعتباره‭ ‬ضرورة‭ ‬عسكرية‭ ‬بسبب‭ ‬المقاومة‭ ‬الشرسة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة،‭ ‬وخاصة‭ ‬جنين،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬مناطق‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬منطقة‭ ‬مسافر‭ ‬يطا،‭ ‬أي‭ ‬مقاومة‭ ‬مسلحة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬ظلت‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬هدفًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬للتوسع‭ ‬الاستعماري‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬لا‭ ‬يرتبط‭ ‬الاستعمار‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إطلاقًا‭ ‬بالمقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وقد‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬صحيحًا‭ ‬لعقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الوجود‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭.‬

ويعد‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬مثالا‭ ‬صارخا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭. ‬ففي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تُرتكب‭ ‬فيه‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أبشع‭ ‬عمليات‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث،‭ ‬كان‭ ‬مطورو‭ ‬العقارات‭ ‬الإسرائيليون،‭ ‬وأعضاء‭ ‬الكنيست‭ (‬البرلمان‭)‬،‭ ‬وقادة‭ ‬حركة‭ ‬الاستيطان‭ ‬غير‭ ‬القانوني‭ ‬يجتمعون‭ ‬لمناقشة‭ ‬فرص‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬المُهجّرة‭ ‬من‭ ‬سكانها‭.‬

كما‭ ‬كان‭ ‬كبار‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬القُساة‭ ‬منشغلين‭ ‬بتقديم‭ ‬وعود‭ ‬بتقديم‭ ‬فيلات‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬بأسعار‭ ‬تنافسية،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬يموتون‭ ‬جوعًا،‭ ‬وسط‭ ‬تزايد‭ ‬مستمر‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭. ‬حتى‭ ‬الخيال‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بقسوة‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬المرير‭.‬

وليس‭ ‬من‭ ‬المستغرب‭ ‬أن‭ ‬ينضم‭ ‬الأمريكيون‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التحرك،‭ ‬كما‭ ‬يتضح‭ ‬من‭ ‬التعليقات‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬أدلى‭ ‬بها‭ ‬جاريد‭ ‬كوشنر،‭ ‬صهر‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬نفسه‭.‬

بينما‭ ‬تحدث‭ ‬الكثيرون‭ ‬آنذاك‭ ‬عن‭ ‬غرابة‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬لم‭ ‬يذكر‭ ‬سوى‭ ‬القليل‭ ‬أن‭ ‬كلا‭ ‬البلدين‭ ‬مثالان‭ ‬بارزان‭ ‬على‭ ‬الاستعمار‭ ‬الاستيطاني‭. ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬المجتمعات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الاستيطانية‭ ‬الأخرى،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ملتزمتين‭ ‬بالمشروع‭ ‬نفسه‭.‬

إن‭ ‬رغبة‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬خليج‭ ‬المكسيك‭ ‬وإعادة‭ ‬تسميته،‭ ‬وطموحه‭ ‬في‭ ‬احتلال‭ ‬جرينلاند‭ ‬والمطالبة‭ ‬بها‭ ‬كأرض‭ ‬أمريكية،‭ ‬وبالطبع‭ ‬تعليقاته‭ ‬حول‭ ‬امتلاك‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬كلها‭ ‬أمثلة‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬والسلوك‭ ‬الاستعماري‭ ‬الاستيطاني‭ ‬المتجذر‭.‬

الفرق‭ ‬بين‭ ‬ترامب‭ ‬والرؤساء‭ ‬السابقين‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬آخرين‭ ‬استخدموا‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬لتوسيع‭ ‬النفوذ‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬ومئات‭ ‬القواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬دون‭ ‬استخدام‭ ‬أي‭ ‬لغة‭ ‬توسعية‭ ‬صراحة‭.‬

وبدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أشاروا‭ ‬إلى‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تحدي‭ ‬الخطر‭ ‬الأحمر‭ ‬السوفييتي،‭ ‬واستعادة‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وشن‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬كمبررات‭ ‬لأفعالهم‭.‬

مع‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬ترامب‭ ‬بالحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إخفاء‭ ‬أفعاله‭ ‬بمنطق‭ ‬زائف‭ ‬وأكاذيب‭ ‬صريحة‭. ‬فالصراحة‭ ‬الصارخة‭ ‬والصادمة‭ ‬هي‭ ‬سمته‭ ‬المميزة،‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الآخرين‭.‬

ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬نادرًا‭ ‬ما‭ ‬تشعر‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالحاجة‭ ‬الملحة‭ ‬إلى‭ ‬شرح‭ ‬موقفها‭ ‬لأي‭ ‬أحد‭. ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬نموذجًا‭ ‬لمجتمع‭ ‬استعماري‭ ‬تقليدي‭ ‬شرس،‭ ‬لا‭ ‬يخشى‭ ‬المحاسبة‭ ‬ولا‭ ‬يبدي‭ ‬أي‭ ‬احترام‭ ‬لمبادئ‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وقيمه‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬دفع‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬باتجاه‭ ‬احتلال‭ ‬غزة‭ ‬وتطهيرها‭ ‬عرقياً،‭ ‬فقد‭ ‬ظلوا‭ ‬متمركزين‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان،‭ ‬وأصروا‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬خمس‭ ‬مناطق‭ ‬استراتيجية،‭ ‬منتهكين‭ ‬بذلك‭ ‬اتفاق‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬مع‭ ‬لبنان،‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬توقيعه‭ ‬في‭ ‬27‭ ‬نوفمبر2024‭.‬

وكان‭ ‬المثال‭ ‬الأبرز‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬التي‭ ‬أشرت‭ ‬إليها‭ ‬هو‭ ‬التوسع‭ ‬الفوري‭ ‬ــ‭ ‬وأعني‭ ‬الفوريــ‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬سوريا،‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬انهار‭ ‬فيها‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬2024‭.‬

وبمجرد‭ ‬أن‭ ‬فتحت‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬هوامش‭ ‬أمنية،‭ ‬دخلت‭ ‬الدبابات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ودمرت‭ ‬الطائرات‭ ‬الحربية‭ ‬الجيش‭ ‬السوري‭ ‬بأكمله‭ ‬تقريباً،‭ ‬وألغى‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬اتفاقية‭ ‬الهدنة‭ ‬الموقعة‭ ‬عام‭ ‬1974‭.‬

لقد‭ ‬استمر‭ ‬هذا‭ ‬التوسع،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬سوريا‭ ‬لم‭ ‬تُشكّل‭ ‬أي‭ ‬تهديد‭ ‬أمني‭ ‬يُزعم‭ ‬أنها‭ ‬تُمثله‭ ‬لإسرائيل‭. ‬لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تفرض‭ ‬سيطرتها‭ ‬الكاملة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬جبل‭ ‬الشيخ‭ ‬والقنيطرة‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭.‬

إن‭ ‬الشهية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنضب‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬تظل‭ ‬قوية‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬عند‭ ‬تشكيل‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الوطن‭ ‬الفلسطيني‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ثمانية‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭.‬

هذا‭ ‬الإدراك‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية،‭ ‬وعلى‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬أن‭ ‬تفهمه‭. ‬إن‭ ‬التضحية‭ ‬بالفلسطينيين‭ ‬لآلة‭ ‬الموت‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬حسابات‭ ‬خاطئة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬طموحات‭ ‬إسرائيل‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬هو‭ ‬خطأ‭ ‬فادح‭.‬

لن‭ ‬تتردد‭ ‬إسرائيل‭ ‬لحظة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬التحرك‭ ‬عسكرياً‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مساحة‭ ‬جغرافية‭ ‬عربية‭ ‬لحظة‭ ‬تشعر‭ ‬أنها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬وستجد‭ ‬دائماً‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬الكامل‭ ‬والصمت‭ ‬الأوروبي،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬أفعالها‭ ‬مدمرة‭.‬

وينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الإدراك‭ ‬مهماً‭ ‬أيضاً‭ ‬لأولئك‭ ‬الذين‭ ‬ينشغلون‭ ‬بإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬للصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬والذي‭ ‬يحدد‭ ‬المشكلة‭ ‬بشكل‭ ‬ضيق‭ ‬في‭ ‬مشكلة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬للضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭.‬

لا‭ ‬يُمكن‭ ‬حل‭ ‬الاستعمار‭ ‬الاستيطاني‭ ‬عبر‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬حلولٍ‭ ‬إبداعية‭. ‬ستزول‭ ‬دولة‭ ‬الاستعمار‭ ‬الاستيطاني،‭ ‬وسيتوقف‭ ‬المجتمع‭ ‬الاستيطاني‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬التوسع‭ ‬الإقليمي‭ ‬حالةً‭ ‬دائمة‭.‬

إن‭ ‬الحل‭ ‬الوحيد‭ ‬لهذا‭ ‬الوضع‭ ‬هو‭ ‬مواجهة‭ ‬الاستعمار‭ ‬الاستيطاني‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وكبح‭ ‬جماحه،‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬هزيمته‭ ‬ودحره‭. ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬مهمة‭ ‬صعبة،‭ ‬لكنها‭ ‬حتمية‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬منها‭.‬

 

{ أكاديمي‭ ‬وكاتب‭ ‬فلسطيني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا