العدد : ١٧١٧٥ - الثلاثاء ٠١ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٧٥ - الثلاثاء ٠١ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مخاوف الحلفاء من السياسة الأمريكية في عهد ترامب

بقلم: د. عصام عبدالفتاح {

الاثنين ٣١ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

عندما‭ ‬وقعت‭ ‬هجمات‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬توالت‭ ‬دراسات‭ ‬متعددة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬متخصصين‭ ‬في‭ ‬الاجتماع‭ ‬والاقتصاد‭ ‬حول‭ ‬‮«‬ظاهرة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬‭ ‬وهل‭ ‬هي‭ ‬‮«‬قوة‭ ‬عظمى‭ ‬استثنائية‮»‬‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬الأفول،‭ ‬وخاصةً‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬ليتصور‭ ‬أن‭ ‬يطالها‭ ‬الإرهاب‭ ‬ليدمر‭ ‬مركز‭ ‬التجارة‭ ‬العالمي،‭ ‬وهو‭ ‬رمز‭ ‬قوتها‭ ‬الاقتصادية‭.‬

تركز‭ ‬الاهتمام‭ ‬على‭ ‬عوامل‭ ‬الصمود‭ ‬والاستمرار‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬طودًا‭ ‬شامخًا‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الانهيار‭ ‬إليه‭ ‬سبيلًا‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬كتابات‭ ‬أخرى‭ ‬نحت‭ ‬إلى‭ ‬اتجاه‭ ‬مضاد،‭ ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬الدراسة‭ ‬الجيوستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬نشرها‭ ‬عام‭ ‬2002‭ ‬إيمانويل‭ ‬تود‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬Après‭ ‬l’empire‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الإمبراطورية،‭ ‬وهي‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬‮«‬انهيار‭ ‬النظام‭ ‬الأمريكي‭ ‬وإمكانية‭ ‬بقائه‭ ‬مسيطرًا‭ ‬على‭ ‬العالم‭.‬

لئن‭ ‬استدعى‭ ‬حادث‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬فرضية‭ ‬‮«‬انهيار‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الأمريكية‮»‬‭ ‬بفعل‭ ‬الإرهاب‭ ‬الذي‭ ‬أسهمت‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬انتشاره،‭ ‬فإن‭ ‬فكرة‭ ‬سقوطها‭ ‬عاودت‭ ‬الظهور‭ ‬مجددًا‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬التغيرات‭ ‬الجذرية‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬إدارته‭ ‬لبلاده‭. ‬

المعروف‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬انخرطت‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬لا‭ ‬يحدها‭ ‬حصر‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬منها‭ ‬دائمًا‭ ‬منتصرة،‭ ‬مثل‭ ‬حروبها‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬وأفغانستان‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬نصبت‭ ‬نفسها‭ ‬شرطي‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يملك‭ ‬وحده‭ ‬تصنيف‭ ‬دول‭ ‬معينة‭ ‬مثل‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬أو‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬إيران‭ ‬ضمن‭ ‬الدول‭ ‬المارقة،‭ ‬بحجة‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تستوفي‭ ‬المعايير‭ ‬التي‭ ‬ترتئيها‭ ‬واشنطن،‭ ‬كما‭ ‬احتكرت‭ ‬سلطة‭ ‬تصنيف‭ ‬أي‭ ‬كيان‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬الإرهاب‭ ‬أو‭ ‬رفعه‭ ‬منها‭ ‬بعد‭ ‬منحه‭ ‬صك‭ ‬الغفران‭ ‬بحسب‭ ‬الظروف‭. ‬لم‭ ‬تتردد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬قصف‭ ‬السفارة‭ ‬الصينية‭ ‬بالقنابل‭ ‬في‭ ‬بلجراد‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬كوسوفو،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬استفزازاتها‭ ‬لروسيا‭ ‬عبر‭ ‬زرع‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬دائمة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى،‭ ‬وأشعلت‭ ‬أنواعًا‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬‮«‬الثورات‭ ‬الملونة‮»‬‭.‬

إنها،‭ ‬كما‭ ‬يصفها‭ ‬‮«‬تود‮»‬‭ ‬في‭ ‬كتابه،‭ ‬دولة‭ ‬الأقوياء‭ ‬الذين‭ ‬يقومون‭ ‬بعمليات‭ ‬القصف‭ ‬الجوي‭ ‬ضد‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬دفاعات‭ ‬جدية‭ ‬عندما‭ ‬يدور‭ ‬القتال‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬ويمارسون‭ ‬بلا‭ ‬قيد‭ ‬‮«‬استراتيجية‭ ‬الرجل‭ ‬المجنون‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تجعلهم‭ ‬يبدون‭ ‬غير‭ ‬مسؤولين‭ ‬عما‭ ‬يفعلونه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تخويف‭ ‬الأعداء‭ ‬المحتملين‭ ‬بشكل‭ ‬أوقع،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬حلفاءهم‭ ‬الأكثر‭ ‬ولاءً‭ ‬لهم،‭ ‬مثل‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬وألمانيا‭ ‬واليابان،‭ ‬بدأوا‭ ‬يتوجسون‭ ‬خيفة‭ ‬منهم‭.‬

ومن‭ ‬ثم،‭ ‬كان‭ ‬السؤال‭ ‬الشاغل‭ ‬دائمًا‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬التي‭ ‬اعتُبرت‭ ‬دائمًا‭ ‬قوة‭ ‬وصاية‭ ‬وقائية،‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬مفترسة‭ ‬بل‭ ‬خطيرة‭ ‬على‭ ‬السلام‭ ‬والاستقرار‭ ‬العالميين؟

هذا‭ ‬السؤال‭ ‬يعاد‭ ‬طرحه‭ ‬اليوم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اختط‭ ‬ترامب‭ ‬لبلاده‭ ‬سياسةً‭ ‬واستراتيجيةً‭ ‬عدائيتين‭ ‬لن‭ ‬يقتصر‭ ‬ضررهما‭ ‬على‭ ‬حلفائها‭ ‬التاريخيين،‭ ‬وإنما‭ ‬سيلحق‭ ‬بلا‭ ‬ريب‭ ‬أضرارًا‭ ‬فادحة‭ ‬بالشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬نفسه‭ ‬وبلده‭.‬

والواقع‭ ‬أن‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بدأت‭ ‬تتغير‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬منذ‭ ‬سقوط‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬ترك‭ ‬الساحة‭ ‬خالية‭ ‬‮«‬للأحادية‭ ‬القطبية‭ ‬الأمريكية‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬التسمية‭ ‬التي‭ ‬شاعت‭ ‬في‭ ‬أدبيات‭ ‬التحليل‭ ‬السياسي‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬آنئذٍ‭ ‬اعتبار‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إمبراطورية،‭ ‬وإنما‭ ‬قوةً‭ ‬عالميةً‭ ‬عظمى‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تراجع،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لديها،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬القدرة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭ ‬لإخضاع‭ ‬السكان‭ ‬الآخرين‭. ‬وتزامن‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬مع‭ ‬ضعف‭ ‬آخر‭ ‬نخر‭ ‬في‭ ‬نزعتها‭ ‬العالمية‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالرغبة‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬ونشر‭ ‬القيم‭ ‬الليبرالية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬غيابها‭.‬

بيد‭ ‬أن‭ ‬التحولات‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬أدخلها‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬فحسب‭ ‬على‭ ‬المجالين‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬وإنما‭ ‬توغلت‭ ‬بعمق‭ ‬لتشمل‭ ‬المجالين‭ ‬التعليمي‭ ‬والثقافي‭. ‬

فبخلاف‭ ‬قراراته‭ ‬القاضية‭ ‬بفرض‭ ‬رسوم‭ ‬جمركية‭ ‬على‭ ‬صادرات‭ ‬أوروبا‭ ‬وكندا،‭ ‬وتخليه‭ ‬عن‭ ‬مساندة‭ ‬شركائه‭ ‬الأوروبيين‭ ‬وتحالفه‭ ‬مع‭ ‬بوتين‭ ‬عدوه‭ ‬القديم،‭ ‬فرضت‭ ‬إدارته‭ ‬رقابةً‭ ‬وحظرًا‭ ‬باسم‭ ‬العنصرية‭ ‬على‭ ‬آلاف‭ ‬الكتب،‭ ‬وبخاصة‭ ‬الكتب‭ ‬المدرسية‭ ‬التي‭ ‬ألّفها‭ ‬روائيون‭ ‬عالميون‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬أصول‭ ‬غير‭ ‬بيضاء،‭ ‬وقام‭ ‬بتجميد‭ ‬عمل‭ ‬الصحفيين‭ ‬والعاملين‭ ‬في‭ ‬إذاعات‭ ‬أمريكية‭ ‬موجهة‭ ‬للخارج،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬الإذاعة‭ ‬الأشهر‭ ‬‮«‬صوت‭ ‬أمريكا‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التي‭ ‬تتصدى‭ ‬للإعلام‭ ‬الروسي‭ ‬والصيني‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬ترامب،‭ ‬وفي‭ ‬خطوة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬جمّد‭ ‬في‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة‭ ‬بنود‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬والأكاديمية‭.‬

تشي‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات،‭ ‬وفي‭ ‬ردة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬بأن‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬الأمريكية،‭ ‬في‭ ‬عدائها‭ ‬الشديد‭ ‬للتنوع،‭ ‬تعيد‭ ‬السيادة‭ ‬للعقل‭ ‬الأصولي‭ ‬الذي‭ ‬انهارت‭ ‬بسببه‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬الحضارات‭ ‬الإنسانية‭.‬

 

{ أستاذ‭ ‬فلسفة‭ ‬اللغة‭ ‬والأدب‭ ‬الفرنسي

‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب‭ - ‬جامعة‭ ‬حلوان

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا