بالرغم من الجهود الأمريكية الحثيثة والمتواصلة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية وبالرغم من الضغوط الأمريكية المتكررة والمتنوعة التي يمارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على جميع الأطراف لوضع حد لهذه الحرب بدءا بوقف إطلاق النار ومرورا بمفاوضات حقيقية ووصولا إلى اتفاق نهائي لغلق ملف هذه الحرب وعودة السلام إلى المنطقة بالرغم من كل ذلك فإن معظم دول الاتحاد الأوروبي تصر بشكل غريب وهستيري على مواصلة هذه الحرب ورفض أي شكل من أشكال التفاوض مع روسيا الاتحادية ويتزعم هذه المجموعة كل من فرنسا وبريطانيا العظمى بشكل خاص وهما الدولتان النوويتان الوحيدتان في الاتحاد الأوروبي.
السؤال لماذا هذا الإصرار على مواصلة الحرب وما الهدف المراد تحقيقه من وراء ذلك وما النتائج الفورية المتوقعة لهذا التوجه العسكري الجديد؟.
في البداية يجب أن نربط هذا التوجه بالصدمة التي تلقتها أوروبا من الموقف الأمريكي الصادر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومشروعه لإنهاء هذه الحرب في الوقت الذي بنت أوروبا وأغلب دول الناتو استراتيجيتها على مواصلة الحرب بأي ثمن ومواصلة دعم أوكرانيا بكل الوسائل لتكون أداة ووسيلة لإلحاق الهزيمة بروسيا الاتحادية فجاء الموقف الأمريكي وخلط الأوراق إما أن تقبل دول الاتحاد الأوروبي السير وراء النهج الأمريكي وبالتالي التسليم بالهزيمة أمام روسيا وإما الاتجاه إلى التفرد بمواصلة الحرب بغض النظر عن الموقف الأمريكي الجديد.
السبب الثاني: أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت صراحة ووضوح بأنها لن توفر الغطاء الأمني لأوكرانيا ولن تواصل تقديم الدعم العسكري والمالي في ضوء المبالغ الهائلة التي تكبدتها الخزينة الأمريكية من أموال دافعي الضرائب حوالي 350 مليار دولار بل إن الإدارة الأمريكية الجديدة بدأت تلوح بإمكانية وضع حد لمساهمتها الكبيرة في ميزانية حلف الناتو والتي تتجاوز 60% من إجمالي الميزانية في حين تتقاسم بقية الدول 40% فقط وهذا أمر لم تعد الإدارة الأمريكية الجديدة مستعدة لتحمله ولا شك أن هذا العامل الثاني جعل أوروبا تعيد دراسة حساباتها حتى لا تجد نفسها في يوم ليس ببعيد من دون غطاء أمنى وعسكري كاف لحمايتها مما تدعيه عن الخطر الروسي.
السبب الثالث: الطموح الفرنسي البريطاني في تحقيق نوع من الزعامة الجديدة البديلة عن الولايات المتحدة الأمريكية هذه الزعامة المأمولة مبنية على مفاهيم قديمة متجددة تستند إلى إمكانية إعادة بناء الجيشين الفرنسي والبريطاني ليشكلا في المستقبل القريب قوة ضاربة توفر الحماية لأوروبا قاطبة وهو أمر غير واقعي لأن الإمكانيات الأوروبية الحالية في أدنى مستوياتها على جميع المستويات الاقتصادية والعسكرية والتصنيعية فدول الاتحاد مجتمعة غير قادرة على توفير الإنتاج الحربي اللازم والدليل على ذلك أنها تستورد أكثر من نصف أسلحتها من الولايات المتحدة الأمريكية وإنها خلال 35 سنة الماضية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي أصبحت ميزانيتها العسكرية في حدها الأدنى وغير قادرة على بناء جيوش قوية وفعالة والدليل أيضا أن هاتين الدولتين تراجع حضورهما العسكري عبر العالم وأن فرنسا قد تم طردها من إفريقيا ولم يعد لها وجود إلا وجودا محدودا جدا.
ما الذي يترتب على هذا التوجه نحو العسكرة؟.
إن هذه العسكرة كطموح تحتاج إلى مليارات من الدولارات وهي غير متوفرة حاليا ولن تتوفر في المستقبل القريب والدليل على ذلك أن فرنسا تتجه اليوم إلى استخدام مدخرات المواطنين لصالح صناعة السلاح وهو أمر غريب وغير مسبوق ويعارضه أغلب الشعب الفرنسي ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى بريطانيا بوجه خاص فالأوضاع الاقتصادية في هذا البلد متراجعة إلى أبعد الحدود فكيف ستتمكن من العودة إلى التسلح الضخم؟.
إن التوجه إلى هذه العسكرة في حال أصرت عليه الدول الأوروبية خاصة فرنسا وبريطانيا العظمى سوف يؤدي إلى مشكلات اقتصادية واجتماعية ضخمة تزيد من الاضطرابات الشعبية والاجتماعية في هذه البلدان خاصة وأن الحرب الروسية الأوكرانية قد أدت إلى استنزاف مجمل الموارد في معظم الدول الأوروبية وإلى ارتفاع غير مسبوق في نسب التضخم وإلى اضطرابات اجتماعية في أكثر من بلد.
ولذلك فإن هذه العسكرة لن تكون لها أي فائدة لاستعادة أوروبا لقوتها العسكرية في غياب الحماية الأمريكية كما لن تكون لها أي أهمية في حال المواجهة مع روسيا الاتحادية لأن روسيا ليست دولة تخطط لشن حروب مثلما يدعي هؤلاء ذلك وأنها دخلت الحرب مع أوكرانيا من خلال عملية عسكرية محدودة مضطرة وقد شرحنا في أكثر من مقال تلك الأسباب وها هو قد مر على هذه الحرب أكثر من ثلاث سنوات ولا تزال روسيا الاتحادية تتحرك لحماية أمنها من هذه العدوانية التي تشكلها دول حلف الناتو مجتمعة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك