العدد : ١٧١٧٤ - الاثنين ٣١ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٧٤ - الاثنين ٣١ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لماذا قالوا: أعطني مسرحا أعطك شعبا عظيما؟!

بقلم: نبيلة رجب

السبت ٢٩ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

‎في‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬27‭ ‬مارس،‭ ‬يحتفي‭ ‬العالم‭ ‬بيوم‭ ‬المسرح‭ ‬العالمي،‭ ‬تلك‭ ‬المناسبة‭ ‬التي‭ ‬تذكرنا‭ ‬بقيمة‭ ‬المسرح‭ ‬كفن‭ ‬إنساني‭ ‬عظيم‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬حدود‭ ‬الترفيه‭ ‬ليصبح‭ ‬أداة‭ ‬للتغيير‭ ‬والتأثير‭. ‬المسرح‭ ‬ليس‭ ‬مكانا‭ ‬للعرض‭ ‬فقط؛‭ ‬إنه‭ ‬لقاء‭ ‬حي‭ ‬بين‭ ‬الأفكار‭ ‬والمشاعر،‭ ‬بين‭ ‬الفنان‭ ‬والجمهور،‭ ‬حيث‭ ‬تتولد‭ ‬طاقة‭ ‬فريدة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتكرر‭. ‬إنه‭ ‬مساحة‭ ‬للحوار‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة،‭ ‬حيث‭ ‬تُروى‭ ‬الحكايات‭ ‬وتطرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬لها‭ ‬إجابة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭.‬

عندما‭ ‬يجلس‭ ‬الجمهور‭ ‬أمام‭ ‬الخشبة،‭ ‬يصبحون‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬يعيشونها،‭ ‬يتفاعلون‭ ‬معها‭ ‬ويعيدون‭ ‬تشكيلها‭ ‬في‭ ‬ذواتهم‭. ‬كل‭ ‬عرض‭ ‬مسرحي‭ ‬يحمل‭ ‬طابعا‭ ‬خاصا،‭ ‬لأن‭ ‬التفاعل‭ ‬بين‭ ‬الممثلين‭ ‬والجمهور‭ ‬يخلق‭ ‬إحساسا‭ ‬فريدا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭. ‬هذه‭ ‬الحيوية‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬المسرح‭ ‬مختلفا‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬فن‭ ‬آخر؛‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬الواقع‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يحاول‭ ‬تفكيكه‭ ‬وإعادة‭ ‬تشكيله‭ ‬برؤية‭ ‬فنية‭ ‬تستفز‭ ‬العقل‭ ‬والمشاعر‭ ‬معا‭.‬

على‭ ‬مر‭ ‬العصور،‭ ‬كان‭ ‬المسرح‭ ‬أداة‭ ‬للتعبير‭ ‬والنقد‭ ‬وحتى‭ ‬المقاومة‭. ‬في‭ ‬اليونان‭ ‬القديمة،‭ ‬كان‭ ‬المسرح‭ ‬ساحة‭ ‬للنقاش‭ ‬الفكري‭ ‬والسياسي‭. ‬استخدم‭ ‬أرستوفان‭ ‬الكوميديا‭ ‬للسخرية‭ ‬من‭ ‬الأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬بأسلوب‭ ‬لاذع‭ ‬جعل‭ ‬منه‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬رواد‭ ‬الكوميديا‭ ‬الساخرة‭. ‬وفي‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬الأوروبية،‭ ‬حين‭ ‬فرضت‭ ‬الكنيسة‭ ‬رقابة‭ ‬مشددة‭ ‬على‭ ‬الفكر،‭ ‬لجأ‭ ‬المسرحيون‭ ‬إلى‭ ‬الترميز‭ ‬والإيحاء‭ ‬لنقل‭ ‬رسائلهم‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أعين‭ ‬الرقيب‭.‬

وقد‭ ‬برزت‭ ‬مقولة‭ ‬شهيرة‭ ‬للكاتب‭ ‬والمفكر‭ ‬الفرنسي‭ ‬فيكتور‭ ‬هوغو‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬المسرح‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬المجتمعات‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬أعطني‭ ‬مسرحا‭ ‬أعطك‭ ‬شعبا‭ ‬عظيما‮»‬‭ ‬وقد‭ ‬اخترت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عنوانا‭ ‬لهذا‭ ‬المقال‭.‬

‎أما‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬فقد‭ ‬نشأ‭ ‬المسرح‭ ‬بأساليب‭ ‬مختلفة‭ ‬تعكس‭ ‬ثقافة‭ ‬المنطقة‭. ‬بدأت‭ ‬بعروض‭ ‬الحكواتي‭ ‬وخيال‭ ‬الظل‭ ‬كوسيلة‭ ‬لنقل‭ ‬الحكايات‭ ‬الشعبية‭ ‬ومناقشة‭ ‬القضايا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بأسلوب‭ ‬فكاهي‭ ‬وناقد‭. ‬ومع‭ ‬دخول‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬سعى‭ ‬رواد‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬مثل‭ ‬مارون‭ ‬النقاش‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬تجربة‭ ‬حديثة‭ ‬تستلهم‭ ‬الأساليب‭ ‬الغربية‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تفقد‭ ‬ارتباطها‭ ‬بالهوية‭ ‬المحلية‭.‬

في‭ ‬البحرين،‭ ‬بدأت‭ ‬الحركة‭ ‬المسرحية‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬المدارس‭. ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬1925،‭ ‬قدمت‭ ‬مدرسة‭ ‬الهداية‭ ‬الخليفية‭ ‬بالمحرق‭ ‬أول‭ ‬مسرحية‭ ‬مدرسية‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬القاضي‭ ‬بأمر‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬لتكون‭ ‬نقطة‭ ‬انطلاق‭ ‬للمسرح‭ ‬البحريني‭. ‬لاحقا،‭ ‬توسع‭ ‬النشاط‭ ‬ليشمل‭ ‬الأندية‭ ‬الثقافية‭ ‬والأدبية‭ ‬في‭ ‬الأربعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬ظهرت‭ ‬فرق‭ ‬تمثيلية‭ ‬قدمت‭ ‬عروضا‭ ‬متنوعة‭.‬

شهدت‭ ‬فترة‭ ‬السبعينيات‭ ‬ازدهارًا‭ ‬كبيرا‭ ‬مع‭ ‬تأسيس‭ ‬المسارح‭ ‬مثل‭ ‬مسرح‭ ‬أوال‭ ‬ومسرح‭ ‬الجزيرة‭ ‬اللذين‭ ‬قدما‭ ‬أعمالا‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬التراث‭ ‬والتجريب‭. ‬هذه‭ ‬المسارح‭ ‬لعبت‭ ‬دورًا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬القضايا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬بأسلوب‭ ‬درامي‭ ‬مؤثر‭. ‬وفي‭ ‬التسعينيات،‭ ‬جاء‭ ‬تأسيس‭ ‬مسرح‭ ‬الصواري‭ ‬ليضيف‭ ‬بعدا‭ ‬جديدا‭ ‬للحركة‭ ‬المسرحية‭ ‬البحرينية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬التجريب‭ ‬واستلهام‭ ‬تقنيات‭ ‬المسرح‭ ‬الآسيوي‭.‬

اليوم،‭ ‬يمثل‭ ‬مسرح‭ ‬البحرين‭ ‬الوطني‭ ‬الذي‭ ‬افتتح‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المسرح‭ ‬البحريني‭. ‬بسعة‭ ‬1000‭ ‬مقعد‭ ‬وتصميم‭ ‬معماري‭ ‬مميز‭ ‬يعكس‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬للبحرين،‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬الصرح‭ ‬نافذة‭ ‬للعروض‭ ‬العالمية‭ ‬ومنصة‭ ‬لدعم‭ ‬المواهب‭ ‬المحلية‭. ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬أثبت‭ ‬الشباب‭ ‬البحرينيون‭ ‬قدراتهم‭ ‬اللافتة‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬المسرحي،‭ ‬مقدمين‭ ‬عروضا‭ ‬تعكس‭ ‬نضجهم‭ ‬الفني‭ ‬وإبداعهم‭ ‬المتجدد،‭ ‬مما‭ ‬يجعلهم‭ ‬جديرين‭ ‬بكل‭ ‬أشكال‭ ‬الدعم‭ ‬والتشجيع‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬تقدم‭ ‬مبادرات‭ ‬مثل‭ ‬مسرح‭ ‬الصواري‭ ‬وبرنامج‭ ‬‮«‬مسرحي‭ ‬سأكون‮»‬‭ ‬فرصا‭ ‬قيمة‭ ‬للشباب‭ ‬لتطوير‭ ‬مهاراتهم‭ ‬المسرحية‭ ‬وتعزيز‭ ‬ثقافتهم‭ ‬الفنية‭.‬

للمضي‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الحركة‭ ‬المسرحية‭ ‬البحرينية،‭ ‬يمكننا‭ ‬البناء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬الناجحة‭ ‬وتوسيع‭ ‬نطاقها‭ ‬لتشمل‭ ‬عددًا‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الطموحين‭. ‬كما‭ ‬يمكننا‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬لجعل‭ ‬العروض‭ ‬أكثر‭ ‬جاذبية‭ ‬للجمهور‭ ‬الحديث،‭ ‬مثل‭ ‬دمج‭ ‬تقنيات‭ ‬الواقع‭ ‬الافتراضي‭ ‬والإضاءة‭ ‬الذكية‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يمكن‭ ‬تعزيز‭ ‬الدعم‭ ‬الإعلامي‭ ‬للعروض‭ ‬الشبابية‭ ‬وتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬المواهب‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والمنصات‭ ‬الرقمية‭.‬

‎في‭ ‬عصر‭ ‬السرعة‭ ‬والمحتوى‭ ‬الرقمي‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬متاحا‭ ‬بضغطة‭ ‬زر،‭ ‬يواجه‭ ‬المسرح‭ ‬تحديا‭ ‬كبيرا‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬مكانته‭ ‬كفن‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬الحي‭ ‬بين‭ ‬الفنان‭ ‬والجمهور‭. ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المنافسة‭ ‬ليست‭ ‬بالضرورة‭ ‬تهديدا؛‭ ‬بل‭ ‬فرصة‭ ‬لتجديد‭ ‬نفسه‭ ‬وابتكار‭ ‬أساليب‭ ‬جديدة‭ ‬لجذب‭ ‬الجمهور‭ ‬الحديث‭.‬

يمكن‭ ‬للمسرح‭ ‬أن‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬بطرق‭ ‬مبتكرة‭ ‬مثل‭ ‬تسجيل‭ ‬العروض‭ ‬وبثها‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬جمهور‭ ‬أوسع‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬جوهره‭ ‬كفن‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬المباشر‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الأهم‭: ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للمسرح‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬قيمته‭ ‬الإنسانية؟‭ ‬الجواب‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬جوهره‭ ‬الأساسي؛‭ ‬وهو‭ ‬التفاعل‭ ‬الإنساني‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬المشاهد‭ ‬يشعر‭ ‬بأنه‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬القصة‭.‬

‎يوم‭ ‬المسرح‭ ‬العالمي‭ ‬ليس‭ ‬احتفالا‭ ‬سنويا‭ ‬فقط؛‭ ‬بل‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬تقدير‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬ودعمه‭ ‬ليظل‭ ‬حاضرا‭ ‬ومؤثرا‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية‭. ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬جوهره‭ ‬ونضمن‭ ‬استمراريته‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬فعلينا‭ ‬أن‭ ‬نوفر‭ ‬بيئة‭ ‬داعمة‭ ‬للفنانين‭ ‬الشباب‭ ‬ونشجع‭ ‬الابتكار‭ ‬والإبداع‭ ‬دون‭ ‬قيود‭.‬

‎المسرح‭ ‬يبقى‭ ‬ذلك‭ ‬الفضاء‭ ‬الحر‭ ‬الذي‭ ‬يتسع‭ ‬لكل‭ ‬الأصوات‭ ‬والحكايات‭ ‬والأسئلة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬لها‭ ‬مكانا‭ ‬آخر‭. ‬إنه‭ ‬مرآة‭ ‬لما‭ ‬نحن‭ ‬عليه‭ ‬وما‭ ‬نطمح‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬عليه‭. ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يرفع‭ ‬فيها‭ ‬الستار،‭ ‬يولد‭ ‬الأمل‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

 

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا