منذ توليه الرئاسة، عمل «دونالد ترامب»، على نزع الطابع الإنساني عن الشعب الفلسطيني، حيث طرح مرارًا مقترحات لترحيل الفلسطينيين قسرًا من غزة، وهو ما وصفته «الأمم المتحدة»، و«منظمات حقوق الإنسان»، والخبراء، بأنه «تطهير عرقي»، لذلك، لم يكن مفاجئًا أن يعتبر كلمة «فلسطيني»، بمثابة إهانة يوجهها لخصومه السياسيين.
وفي 12 مارس 2025، خلال مؤتمر صحفي في المكتب البيضاوي، ادعى الرئيس الأمريكي أن «تشاك شومر»، زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، «أصبح فلسطينيا»، بعدما «كان يهوديًا»، وهذه التصريحات تندرج ضمن خطاب تمييزي يستخدمه ضد معارضيه، سواء كان ذلك ضد «شومر»، أو آخرين محاولا تشويه سمعتهم عن طريق ربطهم بالفلسطينيين بشكل غير لائق.
وبشكل واضح، ظهرت هذه اللغة التحريضية في سياساته خاصة فيما وصفه «إيثان ماير-ريتش»، من «المركز العربي واشنطن دي سي»، بـ«حملة القمع»، ضد النشاط المؤيد للفلسطينيين في الأوساط الأكاديمية الأمريكية، والتي تزايدت بشكل ملحوظ منذ عودته إلى البيت الأبيض، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، تعرض عدد من الطلاب المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في «جامعة كولومبيا»، للطرد والتعليق من قبل مسؤولي الجامعة تحت ضغط من الإدارة الأمريكية.
وفي ظل سعي «البيت الأبيض»، لترويج اتهامات لا أساس لها من الصحة بمعاداة السامية، كذريعة لقمع الاحتجاجات الداعمة لحقوق الفلسطينيين، والمُعارِضة لحرب إسرائيل على غزة، بالإضافة إلى عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع؛ ندد «برايان هاوس»، المحامي في «الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية»، بما وصفه بـ «محاولة مباشرة لوأد حرية التعبير»، معتبرًا ذلك انتهاكًا للقيم التي تزعم الحكومة الأمريكية الالتزام بها، كما أثار هذا النهج تساؤلات حول تصاعد استخدام القوة والعنف ضد الأصوات المعارضة لسياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وقد قوبلت محاولات «ترامب»، لاستخدام كلمة «فلسطيني»، كإهانة للأمريكيين المعارضين لسياساته في الشرق الأوسط بإدانة واسعة، خاصة بعد أن وصف «شومر»، بـ«الفلسطيني»، خلال استقباله رئيس الوزراء الإيرلندي، «مايكل مارتن»، في البيت الأبيض، ولم تكن هذه الواقعة استثناءً، بل جاءت ضمن سلسلة من التصريحات المسيئة التي استهدفت معارضيه.
وأشار «أندرو فاينبرغ»، في صحيفة «الإندبندنت»، إلى أن ترامب، أثناء رده على سؤال حول التخفيضات الضريبية، انتقل بشكل مفاجئ إلى انتقاد أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونجرس لعدم وقوفهم والتصفيق له خلال خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه في وقت سابق. وبعد ذلك، ومن دون مبرر واضح، وصف «شومر»، بأنه «فلسطيني»، مضيفًا أنه «لم يعد يهوديًا، بل أصبح فلسطينيًا».
ومن الجدير بالذكر، أن «شومر»، الذي وُلد وعاش معظم حياته في نيويورك، كان دائمًا مدافعًا قويًا عن إسرائيل. وعلق «فاينبرغ» على تصريحات ترامب، معتبرًا أنها محاولة «لإعادة تعريف» العِرق الفلسطيني كإهانة، وهو نهج سبق أن استخدمه في مناسبات سابقة. ففي يوليو 2024، بعد أن رفض «شومر»، مصافحة رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» –الذي كان حينها متهمًا بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة– لم يكتفِ الرئيس الأمريكي بوصفه بـ«الفلسطيني»، بل زعم أيضًا أنه «عضو فخور في حماس»، خلال تجمع انتخابي رئاسي.
وفي فبراير 2025، وبعد عودته إلى البيت الأبيض، كتب على منصته الاجتماعية «تروث سوشيال»، أن الفلسطينيين، مثل شومر، «سيحظون بفرصة للسعادة والأمان والحرية»، في إطار خطته للمنطقة، وهي التصريحات التي لاقت انتقادات واسعة. ووصف «ستيف بينين»، من شبكة «إم إس إن بي سي»، هذه التصريحات، بأنها «خطاب قبيح ومسيء حتى بمعايير ترامب»، مشيرًا إلى أن هجومه على «شومر»، يزداد حدة، وإساءة مع مرور الوقت. وأدان «نهاد عوض»، من «مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية»، «كير»، هذه التصريحات باعتبارها «ازدراءً وإهانة للفلسطينيين»، وطالبه بالاعتذار للشعبين الفلسطيني والأمريكي عن تحريضه على العنف.
ومن اللافت للنظر أن شخصيات يهودية بارزة في الساحة السياسية الأمريكية أعربت عن رفضها الشديد لتصريحات ترامب. ووصفت «هالي سويفر»، من «المجلس الديمقراطي اليهودي الأمريكي»، كلماته بأنها «بغيضة»، متهمة الإدارة الجمهورية بـ«تعزيز نظريات المؤامرة المعادية للسامية»، و«تعريض اليهود الأمريكيين للخطر»، من خلال تحالفها مع المتطرفين اليمينيين، كما أشارت «آمي سبيتالنيك»، من «المجلس اليهودي للشؤون العامة»، إلى أن تعليقاته بشأن «شومر»، تعكس «رواية أوسع»، سعى الرئيس إلى ترسيخها، حيث يصنّف اليهود بين «صالحين» يدعمون حرب إسرائيل على غزة ويصوتون لها، و«سيئين» يعارضون الدمار الذي لحق بالفلسطينيين.
وقد تجلى هذا التحول بوضوح في الخطاب التصعيدي لإدارة ترامب، الذي أعاق التقدم في ملف حماية حقوق الإنسان الفلسطيني من خلال سياساتها. وأشار «ماير-ريتش»، إلى أن البيت الأبيض جعل «قمع النشاط المؤيد للفلسطينيين أولوية»، عبر حملة مكثفة شملت الترهيب والاعتقالات ومحاولات الترحيل.
ومع تصاعد احتجاجات الطلاب في عديد من الجامعات والكليات الأمريكية خلال صيف 2024، والتي عبّرت عن تعاطفها مع الضحايا المدنيين الفلسطينيين نتيجة حرب إسرائيل واحتلالها البري لغزة، تعهّد «ترامب»، باتباع سياسة «عدم التسامح مطلقًا» تجاهها، واصفًا المظاهرات المناهضة للحرب بأنها جزء من «ثورة راديكالية». وخلال لقاء مع مجموعة من المانحين الجمهوريين -ومعظمهم من اليهود - في 27 مايو 2024، أعلن عزمه قمع الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية إذا عاد إلى البيت الأبيض، كما وعد بإعادة الحركة الاحتجاجية الداعمة للفلسطينيين إلى ما كانت عليه قبل 25 أو 30 عامًا»، إذا ما قدّموا الدعم اللازم له للتغلب على «جو بايدن»، في انتخابات نوفمبر الرئاسية.
ومنذ عودته إلى السلطة بدأ الرئيس الأمريكي في تنفيذ تهديداته. وفي 29 يناير 2025، أصدر «أمرًا تنفيذيًا»، يهدف إلى اتخاذ «خطوات قوية وغير مسبوقة»، لمواجهة انتشار معاداة السامية في «جامعاتنا وشوارعنا»، ويشمل تعريفًا شاملاً لها يتضمن انتقاد إسرائيل، كما يتيح ترحيل الأجانب، بمن فيهم الطلاب، الذين يشاركون في احتجاجات مؤيدة لفلسطين أو حركة حماس. وفي 3 فبراير، أعلنت «وزارة العدل»، تشكيل فرقة عمل متعددة الوكالات لمكافحة المضايقات المعادية للسامية في «المدارس والحرم الجامعي». وفي 7 أكتوبر، أعلنت المدعية العامة الأمريكية، «بام بوندي»، تأسيس فريق عمل مشترك يهدف إلى «مكافحة تمويل الإرهاب، والجرائم المعادية للسامية، وانتهاكات الحقوق المدنية في الولايات المتحدة».
من جانبه، أشار «ماير-ريتش»، إلى أن الطلاب المتظاهرين الذين تم استهدافهم حتى الآن كانوا من أبرز منتقدي السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي تدعم سياسات إسرائيل المتطرفة. ومن بين هؤلاء، كان «محمود خليل»، طالب الدراسات العليا في جامعة كولومبيا، الذي اعتُقل في 8 مارس 2025، بأمر من «وزارة الخارجية»، التي ألغت إقامته رغم أنها قانونية، وبدلاً من احتجازه في نيويورك، تم نقله إلى ولاية لويزيانا، التي تبعد نحو1400 ميل. وأوضحت شبكة «سكاي نيوز»، أنه «لم تُوجّه إليه أي تهمة»، بينما صرّح وزير الخارجية «ماركو روبيو»، بأن وجود الطلاب المتظاهرين في الولايات المتحدة قد يحمل «عواقب وخيمة»، على السياسة الخارجية، دون أن يحدد ماهية هذه العواقب بشكل دقيق.
من جانب آخر، تفاخر «ترامب»، بأن احتجاز «خليل»، ومحاولة ترحيله كان «الأول»، من «العديد من الحالات القادمة»، موجّهًا اتهامات -دون أي دليل - للمتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية، بأنهم «مؤيدون للإرهاب، ومعادون للسامية، ومعادون لأمريكا»، و«محرضون مدفوعون من قبل حكومات أجنبية».
بالإضافة إلى ذلك، فقد وسّع نطاق قمع الأصوات الطلابية والأكاديمية المعارضة، متجاوزًا حدود السياسة الحكومية، حيث طالب «كل كلية وجامعة»، بالامتثال لإجراءات قد تشمل «طرد، أو احتجاز الطلاب المؤيدين للفلسطينيين». وفي إطار هذا التوجه، أوقفت «جامعة كولومبيا»، في مارس 2025 أو طردت عددًا من الطلاب الذين عبّروا عن دعمهم للفلسطينيين، في خطوة يُرجَّح أنها جاءت تحت ضغط إدارته، التي حجبت 400 مليون دولار من التمويل الفيدرالي عن الجامعة.
وأشار «جيمس ماثيوز»، من شبكة «سكاي نيوز»، إلى أن قضية «خليل»، أصبحت الآن «اختبارًا للتسامح الأمريكي»، حيث إن الناشط الطلابي المؤيد للفلسطينيين، يمثل «المقياس»، الذي ستضع من خلاله دساتير الولايات المتحدة «نهاية» للحق في حرية التعبير، مضيفًا أن «مصير» العديد من الطلاب الآخرين الذين انضموا إلى الاحتجاجات للتعبير عن إدانتهم للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، سيعتمد الآن بشكل كبير على نتيجة قضية خليل.
وبالتوازي مع سياسة البيت الأبيض لقمع النشاط المؤيد للفلسطينيين تتزايد جهود «الكونجرس» في هذا الشأن. وعلى سبيل المثال، طالبت «لجنة التعليم والقوى العاملة»، في «مجلس النواب»، إدارة «جامعة كولومبيا»، بتقديم السجلات التأديبية للطلاب المشاركين في المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، مهددةً بفرض مزيد من الخسائر في التمويل إذا لم يتم الامتثال، وهو الإجراء الذي استنكرته المحامية «إيمي جرير»، من شركة «دراتيل ولويس»، التي تمثل «خليل»، معتبرةً أنه ليس مجرد استغلال «لتهديدات مزعومة بمعاداة السامية لمهاجمة الأفكار التي يعارضها الجمهوريون «أيديولوجيًا»، بل يشكل أيضًا «سابقة خطيرة»، قد تقوّض «الحرية الأكاديمية وخصوصية الطلاب في الولايات المتحدة.
وعليه، خلص «ماير-ريتش»، إلى أن «الهجوم»، الذي تشنه إدارة ترامب على النشاط المؤيد للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية، «يخلق سابقة خطيرة تهدد الحريات المدنية المحمية في الولايات المتحدة». وعندما يُقترن ذلك بالخطاب التحريضي الذي يتبناه ترامب، مثل محاولة استخدام صفة «مؤيد للفلسطينيين»، كإهانة موجهة ضد خصومه السياسيين، فإنه يكشف بوضوح «الدوافع الأيديولوجية»، وراء محاولات نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين، وتهميش حقوقهم ضمن قرارات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك