المسابقة الكبرى التي يقيمها القرآن الكريم لأهله وخاصته ليست سنوية، ولا شهرية، بل وحتى ليست يومية بل هي لحظية، وجميع المسلمين مدعوون للمشاركة فيها كل على قدر وعيه وإدراكه، وأبواب ونوافذ المشاركة في هذه المسابقة العظمى مفتوحة للجميع دون استثناء، فمن يجد في نفسه وفي وعيه وإدراكه القدرة على ذلك، فليبادر ويسارع حتى لا تفوته الفرصة الذهبية للإعداد ليوم الرحيل، وليعلم أنه من رحمة الله تعالى وفضله أنه سبحانه يسَّر المشاركة في هذه المسابقة بتيسير السبيل إليها، وحتى من يملك حظًا قليلًا أو ضئيلًا فتشمله هذه الدعوة، وله أن يسهم فيها على قدر ما يستطيع.
هذه المسابقة الجليل قدرها، العظيم أمرها تكون على مرتبتين، الأولى: مع ذات تهيئة وإعداد للمسابقة في مرتبتها مع الآخر، فالأولى مع الذات، ويعبر عنها بـ«وسارعوا»، والثانية مع الآخر، ويعبر عنها بـ«وسابقوا».
والجوائز التي رصدها القرآن الكريم للمشاركين في هذه المسابقة ليست واحدة، بل هي عدة جوائز، وحتى ينالها الفائز في مثل هذه المسابقة عليه أن يصبر ويصابر على حمل نفسه على ما تكره، وكنماذج للأسئلة التي سوف يمتحن فيها المتسابقون علينا أن نقرأ ونتدبر بعمق سورة الإنسان، يقول تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورا (1) إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرا (2) إنّا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورا (3) إنّا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالًا وسعيرا (4) إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا (5) عينًا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفًجيرا (6)) سورة الإنسان.
هذا الإنسان الذي ربما لا يكاد يراه الناس أو يلتفتون إليه قد يفوز بالجائزة الكبرى، ويتسلم الجائزة وخطاب الشكر من مولاه سبحانه، يقول تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون يومًا كان شره مستطيرا (7) ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرا (8) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا (9) إنّا نخاف من ربنا يومًا عبوسًا قمطريرا (10) فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقَّاهم نضرة وسرورا (11) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا (12) متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرا (13) ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا (14) ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا (15) قوارير من فضة قدّروها تقديرا (16) ويسقون فيها كأسًا كان مزاجها زنجبيلا (17) عينًا فيها تسمى سلسبيلا (18)) سورة الإنسان.
هذه الرياضة الإيمانيّة قادرة على إحياء الإنسان من حالة الكمون واللا شيء إلى إنسان قرآني يعلو ويسمو على الصغائر التي يتردى فيها كثير من الناس، وينتقل فيها الإنسان في مراتب الكمال الممكن آخذًا نفسه بالشدة والمجاهدة، وتصدر أقواله وأفعاله من نفس راضية إلى نفس مرضية تبلغ بسموها درجة النفس المطمئنة التي سألها أنبياء الله ورسله الكرام، وها هو نبي الله وخليله إبراهيم على رسولنا وعليه الصلاة والسلام يسأل ربه عن هذه المرتبة، مرتبة النفس المطمئنة يقول تعالى: (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي …) البقرة / 260.
ولقد ضرب الله مثلًا للقرية المطمئنة قال سبحانه: (وضرب الله مثلًا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) النحل / 112.
والاطمئنان درجة قد تفوق درجة الإيمان، يقول تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) الرعد / 28.
وها هو اليوم العظيم، يوم توزيع الجوائز على الفائزين في هذه المسابقة العظمى لينال كل إنسان حظه من جهاده واجتهاده، وها هي الملائكة تستقبلهم بالبشارات، وتهلل وتكبر على هذا الفوز العظيم، قال تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون (30) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون (31) نزلًا من غفور رحيم (32)) سورة فصلت.
وها هي الأصوات تعلو مهللة مكبرة بهذه المناسبة العظيمة وبتسلم الفائزين بهذه الجائزة الكبرى التي لا تضاهيها أية جائزة لا جائزة نوبل ولا غيرها من الجوائز... إنها جائزة القرآن الكريم الكبرى، وها هم المسلمون يتسلمون مفاتيح القصور في الجنة، ومعها خطاب الشكر والتقدير يقول سبحانه وتعالى: (إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكورا) الإنسان / 24.
وكان هذا أقصى ما يرجوه المسلم مفاتيح الجنان، وخطاب الشكر والتقدير من المنان سبحانه وتعالى، فالحمد لله في الأولين، والحمد لله في الآخرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك