العدد : ١٧١٦٨ - الثلاثاء ٢٥ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٦٨ - الثلاثاء ٢٥ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ رمضان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

القرآن.. والجائزة الكبرى!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٢٣ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

المسابقة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬يقيمها‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬لأهله‭ ‬وخاصته‭ ‬ليست‭ ‬سنوية،‭ ‬ولا‭ ‬شهرية،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬ليست‭ ‬يومية‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬لحظية،‭ ‬وجميع‭ ‬المسلمين‭ ‬مدعوون‭ ‬للمشاركة‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬وعيه‭ ‬وإدراكه،‭ ‬وأبواب‭ ‬ونوافذ‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسابقة‭ ‬العظمى‭ ‬مفتوحة‭ ‬للجميع‭ ‬دون‭ ‬استثناء،‭ ‬فمن‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬وفي‭ ‬وعيه‭ ‬وإدراكه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فليبادر‭ ‬ويسارع‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تفوته‭ ‬الفرصة‭ ‬الذهبية‭ ‬للإعداد‭ ‬ليوم‭ ‬الرحيل،‭ ‬وليعلم‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وفضله‭ ‬أنه‭ ‬سبحانه‭ ‬يسَّر‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسابقة‭ ‬بتيسير‭ ‬السبيل‭ ‬إليها،‭ ‬وحتى‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬حظًا‭ ‬قليلًا‭ ‬أو‭ ‬ضئيلًا‭ ‬فتشمله‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة،‭ ‬وله‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭.‬

هذه‭ ‬المسابقة‭ ‬الجليل‭ ‬قدرها،‭ ‬العظيم‭ ‬أمرها‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬مرتبتين،‭ ‬الأولى‭: ‬مع‭ ‬ذات‭ ‬تهيئة‭ ‬وإعداد‭ ‬للمسابقة‭ ‬في‭ ‬مرتبتها‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬فالأولى‭ ‬مع‭ ‬الذات،‭ ‬ويعبر‭ ‬عنها‭ ‬بـ«وسارعوا‮»‬،‭ ‬والثانية‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬ويعبر‭ ‬عنها‭ ‬بـ«وسابقوا‮»‬‭.‬

والجوائز‭ ‬التي‭ ‬رصدها‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬للمشاركين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسابقة‭ ‬ليست‭ ‬واحدة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬عدة‭ ‬جوائز،‭ ‬وحتى‭ ‬ينالها‭ ‬الفائز‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المسابقة‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يصبر‭ ‬ويصابر‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تكره،‭ ‬وكنماذج‭ ‬للأسئلة‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬يمتحن‭ ‬فيها‭ ‬المتسابقون‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬ونتدبر‭ ‬بعمق‭ ‬سورة‭ ‬الإنسان،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬هل‭ ‬أتى‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬شيئًا‭ ‬مذكورا‭ (‬1‭) ‬إنّا‭ ‬خلقنا‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬نطفة‭ ‬أمشاج‭ ‬نبتليه‭ ‬فجعلناه‭ ‬سميعًا‭ ‬بصيرا‭ (‬2‭) ‬إنّا‭ ‬هديناه‭ ‬السبيل‭ ‬إما‭ ‬شاكرًا‭ ‬وإما‭ ‬كفورا‭ (‬3‭) ‬إنّا‭ ‬أعتدنا‭ ‬للكافرين‭ ‬سلاسل‭ ‬وأغلالًا‭ ‬وسعيرا‭ (‬4‭) ‬إنّ‭ ‬الأبرار‭ ‬يشربون‭ ‬من‭ ‬كأس‭ ‬كان‭ ‬مزاجها‭ ‬كافورا‭ (‬5‭) ‬عينًا‭ ‬يشرب‭ ‬بها‭ ‬عباد‭ ‬الله‭ ‬يفجرونها‭ ‬تفًجيرا‭ (‬6‭)) ‬سورة‭ ‬الإنسان‭.‬

هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يراه‭ ‬الناس‭ ‬أو‭ ‬يلتفتون‭ ‬إليه‭ ‬قد‭ ‬يفوز‭ ‬بالجائزة‭ ‬الكبرى،‭ ‬ويتسلم‭ ‬الجائزة‭ ‬وخطاب‭ ‬الشكر‭ ‬من‭ ‬مولاه‭ ‬سبحانه،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬يوفون‭ ‬بالنذر‭ ‬ويخافون‭ ‬يومًا‭ ‬كان‭ ‬شره‭ ‬مستطيرا‭ (‬7‭) ‬ويطعمون‭ ‬الطعام‭ ‬على‭ ‬حبه‭ ‬مسكينًا‭ ‬ويتيمًا‭ ‬وأسيرا‭ (‬8‭) ‬إنما‭ ‬نطعمكم‭ ‬لوجه‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬منكم‭ ‬جزاءً‭ ‬ولا‭ ‬شكورا‭ (‬9‭) ‬إنّا‭ ‬نخاف‭ ‬من‭ ‬ربنا‭ ‬يومًا‭ ‬عبوسًا‭ ‬قمطريرا‭ (‬10‭) ‬فوقاهم‭ ‬الله‭ ‬شر‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬ولقَّاهم‭ ‬نضرة‭ ‬وسرورا‭ (‬11‭) ‬وجزاهم‭ ‬بما‭ ‬صبروا‭ ‬جنة‭ ‬وحريرا‭ (‬12‭) ‬متكئين‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬الأرائك‭ ‬لا‭ ‬يرون‭ ‬فيها‭ ‬شمسًا‭ ‬ولا‭ ‬زمهريرا‭ (‬13‭) ‬ودانية‭ ‬عليهم‭ ‬ظلالها‭ ‬وذللت‭ ‬قطوفها‭ ‬تذليلا‭ (‬14‭) ‬ويطاف‭ ‬عليهم‭ ‬بآنية‭ ‬من‭ ‬فضة‭ ‬وأكواب‭ ‬كانت‭ ‬قواريرا‭ (‬15‭) ‬قوارير‭ ‬من‭ ‬فضة‭ ‬قدّروها‭ ‬تقديرا‭ (‬16‭) ‬ويسقون‭ ‬فيها‭ ‬كأسًا‭ ‬كان‭ ‬مزاجها‭ ‬زنجبيلا‭ (‬17‭) ‬عينًا‭ ‬فيها‭ ‬تسمى‭ ‬سلسبيلا‭ (‬18‭)) ‬سورة‭ ‬الإنسان‭.‬

هذه‭ ‬الرياضة‭ ‬الإيمانيّة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إحياء‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الكمون‭ ‬واللا‭ ‬شيء‭ ‬إلى‭ ‬إنسان‭ ‬قرآني‭ ‬يعلو‭ ‬ويسمو‭ ‬على‭ ‬الصغائر‭ ‬التي‭ ‬يتردى‭ ‬فيها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬وينتقل‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬مراتب‭ ‬الكمال‭ ‬الممكن‭ ‬آخذًا‭ ‬نفسه‭ ‬بالشدة‭ ‬والمجاهدة،‭ ‬وتصدر‭ ‬أقواله‭ ‬وأفعاله‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬راضية‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬مرضية‭ ‬تبلغ‭ ‬بسموها‭ ‬درجة‭ ‬النفس‭ ‬المطمئنة‭ ‬التي‭ ‬سألها‭ ‬أنبياء‭ ‬الله‭ ‬ورسله‭ ‬الكرام،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬وخليله‭ ‬إبراهيم‭ ‬على‭ ‬رسولنا‭ ‬وعليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬يسأل‭ ‬ربه‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المرتبة،‭ ‬مرتبة‭ ‬النفس‭ ‬المطمئنة‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬وإذ‭ ‬قال‭ ‬إبراهيم‭ ‬رب‭ ‬أرني‭ ‬كيف‭ ‬تحيي‭ ‬الموتى‭ ‬قال‭ ‬أولم‭ ‬تؤمن‭ ‬قال‭ ‬بلى‭ ‬ولكن‭ ‬ليطمئن‭ ‬قلبي‭ ‬‮…‬‭) ‬البقرة‭ / ‬260‭.‬

ولقد‭ ‬ضرب‭ ‬الله‭ ‬مثلًا‭ ‬للقرية‭ ‬المطمئنة‭ ‬قال‭ ‬سبحانه‭: (‬وضرب‭ ‬الله‭ ‬مثلًا‭ ‬قرية‭ ‬كانت‭ ‬آمنة‭ ‬مطمئنة‭ ‬يأتيها‭ ‬رزقها‭ ‬رغدًا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬فكفرت‭ ‬بأنعم‭ ‬الله‭ ‬فأذاقها‭ ‬الله‭ ‬لباس‭ ‬الجوع‭ ‬والخوف‭ ‬بما‭ ‬كانوا‭ ‬يصنعون‭) ‬النحل‭ / ‬112‭.‬

والاطمئنان‭ ‬درجة‭ ‬قد‭ ‬تفوق‭ ‬درجة‭ ‬الإيمان،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬وتطمئن‭ ‬قلوبهم‭ ‬بذكر‭ ‬الله‭ ‬ألا‭ ‬بذكر‭ ‬الله‭ ‬تطمئن‭ ‬القلوب‭) ‬الرعد‭ / ‬28‭.‬

وها‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬العظيم،‭ ‬يوم‭ ‬توزيع‭ ‬الجوائز‭ ‬على‭ ‬الفائزين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسابقة‭ ‬العظمى‭ ‬لينال‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬حظه‭ ‬من‭ ‬جهاده‭ ‬واجتهاده،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬الملائكة‭ ‬تستقبلهم‭ ‬بالبشارات،‭ ‬وتهلل‭ ‬وتكبر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الفوز‭ ‬العظيم،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬إن‭ ‬الذين‭ ‬قالوا‭ ‬ربنا‭ ‬الله‭ ‬ثم‭ ‬استقاموا‭ ‬تتنزل‭ ‬عليهم‭ ‬الملائكة‭ ‬ألا‭ ‬تخافوا‭ ‬ولا‭ ‬تحزنوا‭ ‬وأبشروا‭ ‬بالجنة‭ ‬التي‭ ‬كنتم‭ ‬توعدون‭ (‬30‭) ‬نحن‭ ‬أولياؤكم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬وفي‭ ‬الآخرة‭ ‬ولكم‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬تشتهي‭ ‬أنفسكم‭ ‬ولكم‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬تدعون‭ (‬31‭) ‬نزلًا‭ ‬من‭ ‬غفور‭ ‬رحيم‭ (‬32‭)) ‬سورة‭ ‬فصلت‭.‬

وها‭ ‬هي‭ ‬الأصوات‭ ‬تعلو‭ ‬مهللة‭ ‬مكبرة‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة‭ ‬العظيمة‭ ‬وبتسلم‭ ‬الفائزين‭ ‬بهذه‭ ‬الجائزة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تضاهيها‭ ‬أية‭ ‬جائزة‭ ‬لا‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬ولا‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الجوائز‭... ‬إنها‭ ‬جائزة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬الكبرى،‭ ‬وها‭ ‬هم‭ ‬المسلمون‭ ‬يتسلمون‭ ‬مفاتيح‭ ‬القصور‭ ‬في‭ ‬الجنة،‭ ‬ومعها‭ ‬خطاب‭ ‬الشكر‭ ‬والتقدير‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: (‬إن‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬لكم‭ ‬جزاءً‭ ‬وكان‭ ‬سعيكم‭ ‬مشكورا‭) ‬الإنسان‭ / ‬24‭.‬

وكان‭ ‬هذا‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬يرجوه‭ ‬المسلم‭ ‬مفاتيح‭ ‬الجنان،‭ ‬وخطاب‭ ‬الشكر‭ ‬والتقدير‭ ‬من‭ ‬المنان‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬فالحمد‭ ‬لله‭ ‬في‭ ‬الأولين،‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬في‭ ‬الآخرين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا