العدد : ١٧١٦٨ - الثلاثاء ٢٥ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٦٨ - الثلاثاء ٢٥ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ رمضان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ساعة الأرض.. هل نطفئ الأضواء أم نشعل الوعي؟

بقلم: نبيلة رجب

الأحد ٢٣ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

عند‭ ‬حلول‭ ‬الساعة‭ ‬الـ8‭:‬30‭ ‬من‭ ‬مساء‭ ‬أمس‭ ‬السبت،‭ ‬غرقت‭ ‬معالم‭ ‬شهيرة‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬الظلام،‭ ‬ليس‭ ‬بسبب‭ ‬عطل‭ ‬كهربائي‭ ‬أو‭ ‬انقطاع‭ ‬مفاجئ،‭ ‬بل‭ ‬استجابة‭ ‬لدعوة‭ ‬سنوية‭ ‬تطلب‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬إطفاء‭ ‬الأضواء‭ ‬غير‭ ‬الضرورية‭ ‬مدة‭ ‬ساعة‭. ‬هذه‭ ‬الفعالية،‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬سيدني‭ ‬عام‭ ‬2007،‭ ‬نمت‭ ‬لتصبح‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬المبادرات‭ ‬البيئية،‭ ‬حيث‭ ‬تشارك‭ ‬فيها‭ ‬مئات‭ ‬المدن‭ ‬حول‭ ‬العالم‭. ‬لكن‭ ‬السؤال‭ ‬الأهم‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬انتشارها،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬تأثيرها‭ ‬الحقيقي‭: ‬هل‭ ‬تكفي‭ ‬ستين‭ ‬دقيقة‭ ‬من‭ ‬الظلام‭ ‬لتغيير‭ ‬سلوكنا‭ ‬تجاه‭ ‬البيئة؟

ربما‭ ‬تبدو‭ ‬ساعة‭ ‬واحدة‭ ‬بلا‭ ‬كهرباء‭ ‬رمزية‭ ‬أكثر‭ ‬منها‭ ‬عملية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الإنارة‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬منتصف‭ ‬الليل،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تنام‭ ‬المدن‭ ‬ولا‭ ‬تتوقف‭ ‬الآلات‭. ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬يتجاوز‭ ‬مسألة‭ ‬إطفاء‭ ‬المصابيح،‭ ‬فهذه‭ ‬المبادرة‭ ‬تسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الطاقة‭ ‬التي‭ ‬نستهلكها‭ ‬يوميا‭ ‬ليست‭ ‬بلا‭ ‬ثمن،‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬واط‭ ‬إضافي‭ ‬يعني‭ ‬استهلاك‭ ‬موارد‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬متجددة‭.‬

في‭ ‬البحرين،‭ ‬حيث‭ ‬يشكل‭ ‬استهلاك‭ ‬الكهرباء‭ ‬جزءًا‭ ‬أساسيا‭ ‬من‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬اليومي،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬فرصة‭ ‬لطرح‭ ‬نقاشات‭ ‬أوسع‭: ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬استخدامنا‭ ‬للطاقة؟‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬لهذه‭ ‬المبادرة‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬سلوك‭ ‬طويل‭ ‬الأمد؟

أتذكر‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬صغيرة،‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬ترعرعت‭ ‬فيها،‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬فرجان‭ ‬المنامة‭ ‬المتنوعة‭ ‬الساكنين،‭ ‬انطفأت‭ ‬الكهرباء‭ ‬ذات‭ ‬ليلة،‭ ‬فخرجنا‭ ‬جميعا‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭. ‬كنا‭ ‬نجلس‭ ‬عند‭ ‬عتبة‭ ‬البيت،‭ ‬بينما‭ ‬اجتمع‭ ‬الجيران‭ ‬في‭ ‬الأزقة‭ ‬الضيقة،‭ ‬يتبادلون‭ ‬الأحاديث‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬الظلام‭ ‬منحهم‭ ‬فرصة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متاحة‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬العادية‭. ‬الأطفال‭ ‬ركضوا‭ ‬بحرية،‭ ‬والهواء‭ ‬المسائي‭ ‬بدا‭ ‬أكثر‭ ‬انتعاشا‭ ‬من‭ ‬المعتاد‭. ‬كان‭ ‬المشهد‭ ‬مختلفا،‭ ‬وكأن‭ ‬انطفاء‭ ‬الضوء‭ ‬كشف‭ ‬جانبا‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬ننتبه‭ ‬إليه‭ ‬وسط‭ ‬الإنارة‭ ‬الدائمة‭.‬

لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬ظلام‭ ‬دائم،‭ ‬لكننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬ضبط‭ ‬علاقتنا‭ ‬بالكهرباء،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬يعيد‭ ‬المرء‭ ‬ضبط‭ ‬ساعته‭ ‬البيولوجية‭ ‬بعد‭ ‬السفر‭ ‬مسافات‭ ‬طويلة‭. ‬فالاستهلاك‭ ‬المستمر‭ ‬للكهرباء‭ ‬لا‭ ‬يؤثر‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬فواتير‭ ‬المنازل،‭ ‬بل‭ ‬يترك‭ ‬أثرا‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬على‭ ‬البيئة‭.‬

معظم‭ ‬الكهرباء‭ ‬التي‭ ‬نستهلكها‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬محطات‭ ‬توليد‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬موارد‭ ‬طبيعية‭ ‬قابلة‭ ‬للنفاد،‭ ‬ومع‭ ‬ارتفاع‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الطاقة،‭ ‬يزداد‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الموارد،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الانبعاثات‭ ‬التي‭ ‬تلقي‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭ ‬والمناخ‭. ‬الاستهلاك‭ ‬الزائد‭ ‬للطاقة‭ ‬لا‭ ‬يمر‭ ‬دون‭ ‬أثر،‭ ‬إذ‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬بطرق‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬ملحوظة‭ ‬فورًا،‭ ‬لكنها‭ ‬تترك‭ ‬بصمتها‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭.‬

ربما‭ ‬يبدو‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية،‭ ‬لكنه‭ ‬ليس‭ ‬كذلك‭. ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬التي‭ ‬ترتفع‭ ‬عاما‭ ‬بعد‭ ‬عام،‭ ‬الأيام‭ ‬الصيفية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬أشد‭ ‬حرارة،‭ ‬والعواصف‭ ‬التي‭ ‬تتغير‭ ‬أنماطها،‭ ‬كلها‭ ‬مرتبطة‭ ‬بما‭ ‬يحدث‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬استهلاك‭ ‬غير‭ ‬محسوب‭ ‬للموارد‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬لا‭ ‬يتطلب‭ ‬تغييرات‭ ‬جذرية،‭ ‬بل‭ ‬يبدأ‭ ‬بخطوات‭ ‬بسيطة‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬فرد‭ ‬تطبيقها‭. ‬إطفاء‭ ‬الأجهزة‭ ‬غير‭ ‬المستخدمة‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬تركها‭ ‬تعمل‭ ‬بلا‭ ‬داعٍ،‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬ضوء‭ ‬الشمس‭ ‬خلال‭ ‬النهار‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬تشغيل‭ ‬الأضواء‭ ‬في‭ ‬الداخل،‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬التكييف‭ ‬في‭ ‬الأوقات‭ ‬المعتدلة،‭ ‬كلها‭ ‬ممارسات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬استهلاك‭ ‬الكهرباء‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬المصابيح‭ ‬الموفرة‭ ‬للطاقة‭ ‬عوضا‭ ‬عن‭ ‬التقليدية‭ ‬ليس‭ ‬خيارا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬خطوة‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تقليل‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الشبكة‭ ‬الكهربائية‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬الأثر‭ ‬البيئي‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭.‬

قد‭ ‬تبدو‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات‭ ‬صغيرة،‭ ‬لكنها‭ ‬حين‭ ‬تصبح‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬أسلوب‭ ‬حياتنا،‭ ‬سيكون‭ ‬تأثيرها‭ ‬أكبر‭ ‬مما‭ ‬نتخيل‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬دعت‭ ‬هيئة‭ ‬الكهرباء‭ ‬والماء‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬المؤسسات‭ ‬والأفراد‭ ‬إلى‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬خطوة‭ ‬أولى‭ ‬نحو‭ ‬تعزيز‭ ‬ثقافة‭ ‬بيئية‭ ‬أكثر‭ ‬وعيا‭ ‬في‭ ‬البحرين‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬طبعا‭ ‬الفعالية‭ ‬الحقيقية‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬فقط‭ ‬بمسألة‭ ‬إطفاء‭ ‬الأضواء،‭ ‬بل‭ ‬بما‭ ‬سيحدث‭ ‬بعدها‭. ‬هل‭ ‬ستصبح‭ ‬فكرة‭ ‬تقليل‭ ‬الاستهلاك‭ ‬عادة‭ ‬يومية؟‭ ‬هل‭ ‬سنبدأ‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الأجهزة‭ ‬التي‭ ‬تظل‭ ‬تعمل‭ ‬بلا‭ ‬داعٍ‭ ‬طوال‭ ‬الليل؟

المبادرات‭ ‬البيئية‭ ‬ليست‭ ‬أحداثا‭ ‬عابرة،‭ ‬بل‭ ‬فرصا‭ ‬لإحداث‭ ‬تغيير‭ ‬حقيقي‭. ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬إطفاء‭ ‬الأضواء‭ ‬ساعة‭ ‬خطوة‭ ‬صغيرة،‭ ‬لكنها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفتح‭ ‬بابا‭ ‬لأفكار‭ ‬أكبر‭. ‬فماذا‭ ‬لو‭ ‬فكرنا‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬لاستهلاك‭ ‬الطاقة‭ ‬بكفاءة‭ ‬أكبر،‭ ‬أو‭ ‬بدأنا‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬مشاريع‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تعلمنا‭ ‬كيف‭ ‬نعيد‭ ‬استخدام‭ ‬الموارد‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬إهدارها؟

في‭ ‬النهاية،‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بساعة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬بمدى‭ ‬استعدادنا‭ ‬لإعادة‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬حياتنا‭. ‬فبينما‭ ‬تم‭ ‬إطفاء‭ ‬الأضواء‭ ‬مساء‭  ‬أمس‭ ‬السبت،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬لإضاءة‭ ‬وعينا،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬تجاه‭ ‬البيئة،‭ ‬بل‭ ‬تجاه‭ ‬تأثيرنا‭ ‬نحن‭ ‬عليها‭.‬

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا