عند حلول الساعة الـ8:30 من مساء أمس السبت، غرقت معالم شهيرة حول العالم في الظلام، ليس بسبب عطل كهربائي أو انقطاع مفاجئ، بل استجابة لدعوة سنوية تطلب من الناس إطفاء الأضواء غير الضرورية مدة ساعة. هذه الفعالية، التي بدأت في سيدني عام 2007، نمت لتصبح واحدة من أكبر المبادرات البيئية، حيث تشارك فيها مئات المدن حول العالم. لكن السؤال الأهم ليس في مدى انتشارها، بل في تأثيرها الحقيقي: هل تكفي ستين دقيقة من الظلام لتغيير سلوكنا تجاه البيئة؟
ربما تبدو ساعة واحدة بلا كهرباء رمزية أكثر منها عملية، خاصة في عصر يعتمد على الإنارة حتى بعد منتصف الليل، حيث لا تنام المدن ولا تتوقف الآلات. لكن الأمر يتجاوز مسألة إطفاء المصابيح، فهذه المبادرة تسلط الضوء على أن الطاقة التي نستهلكها يوميا ليست بلا ثمن، وأن كل واط إضافي يعني استهلاك موارد قد لا تكون متجددة.
في البحرين، حيث يشكل استهلاك الكهرباء جزءًا أساسيا من نمط الحياة اليومي، قد تكون هذه الدعوة فرصة لطرح نقاشات أوسع: كيف يمكن أن نعيد التفكير في طريقة استخدامنا للطاقة؟ وهل يمكن لهذه المبادرة أن تتحول إلى سلوك طويل الأمد؟
أتذكر عندما كنت صغيرة، في المنطقة التي ترعرعت فيها، في أحد فرجان المنامة المتنوعة الساكنين، انطفأت الكهرباء ذات ليلة، فخرجنا جميعا إلى الخارج. كنا نجلس عند عتبة البيت، بينما اجتمع الجيران في الأزقة الضيقة، يتبادلون الأحاديث كما لو أن الظلام منحهم فرصة لم تكن متاحة في الأيام العادية. الأطفال ركضوا بحرية، والهواء المسائي بدا أكثر انتعاشا من المعتاد. كان المشهد مختلفا، وكأن انطفاء الضوء كشف جانبا لم نكن ننتبه إليه وسط الإنارة الدائمة.
لسنا بحاجة إلى أن نعيش في ظلام دائم، لكننا بحاجة إلى إعادة ضبط علاقتنا بالكهرباء، تماما كما يعيد المرء ضبط ساعته البيولوجية بعد السفر مسافات طويلة. فالاستهلاك المستمر للكهرباء لا يؤثر فقط في فواتير المنازل، بل يترك أثرا أكبر بكثير على البيئة.
معظم الكهرباء التي نستهلكها تأتي من محطات توليد تعتمد على موارد طبيعية قابلة للنفاد، ومع ارتفاع الطلب على الطاقة، يزداد الضغط على هذه الموارد، مما يؤدي إلى زيادة الانبعاثات التي تلقي بظلالها على جودة الهواء والمناخ. الاستهلاك الزائد للطاقة لا يمر دون أثر، إذ يؤثر في البيئة بطرق قد لا تكون ملحوظة فورًا، لكنها تترك بصمتها على المدى الطويل.
ربما يبدو هذا الحديث بعيدا عن حياتنا اليومية، لكنه ليس كذلك. درجات الحرارة التي ترتفع عاما بعد عام، الأيام الصيفية التي أصبحت أشد حرارة، والعواصف التي تتغير أنماطها، كلها مرتبطة بما يحدث على مستوى العالم من استهلاك غير محسوب للموارد. ومع ذلك، فإن الحد من هذا التأثير لا يتطلب تغييرات جذرية، بل يبدأ بخطوات بسيطة يمكن لأي فرد تطبيقها. إطفاء الأجهزة غير المستخدمة بدلا من تركها تعمل بلا داعٍ، والاستفادة من ضوء الشمس خلال النهار بدلا من تشغيل الأضواء في الداخل، والتقليل من الاعتماد على التكييف في الأوقات المعتدلة، كلها ممارسات يمكن أن تقلل من استهلاك الكهرباء بشكل ملحوظ. كما أن استخدام المصابيح الموفرة للطاقة عوضا عن التقليدية ليس خيارا اقتصاديا فحسب، بل خطوة تسهم في تقليل الضغط على الشبكة الكهربائية والحد من الأثر البيئي على المدى الطويل.
قد تبدو هذه السلوكيات صغيرة، لكنها حين تصبح جزءًا من أسلوب حياتنا، سيكون تأثيرها أكبر مما نتخيل. في هذا السياق، دعت هيئة الكهرباء والماء في بلادنا المؤسسات والأفراد إلى المشاركة في هذه المبادرة، مما قد يكون خطوة أولى نحو تعزيز ثقافة بيئية أكثر وعيا في البحرين.
لكن طبعا الفعالية الحقيقية لا تتعلق فقط بمسألة إطفاء الأضواء، بل بما سيحدث بعدها. هل ستصبح فكرة تقليل الاستهلاك عادة يومية؟ هل سنبدأ في النظر إلى الأجهزة التي تظل تعمل بلا داعٍ طوال الليل؟
المبادرات البيئية ليست أحداثا عابرة، بل فرصا لإحداث تغيير حقيقي. قد يكون إطفاء الأضواء ساعة خطوة صغيرة، لكنها يمكن أن تفتح بابا لأفكار أكبر. فماذا لو فكرنا في طرق لاستهلاك الطاقة بكفاءة أكبر، أو بدأنا في دعم مشاريع الطاقة المتجددة، أو حتى تعلمنا كيف نعيد استخدام الموارد بدلا من إهدارها؟
في النهاية، لا يتعلق الأمر بساعة واحدة فقط، بل بمدى استعدادنا لإعادة التفكير في أسلوب حياتنا. فبينما تم إطفاء الأضواء مساء أمس السبت، قد يكون الوقت قد حان لإضاءة وعينا، ليس فقط تجاه البيئة، بل تجاه تأثيرنا نحن عليها.
rajabnabeela@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك