العدد : ١٧١٦٨ - الثلاثاء ٢٥ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٦٨ - الثلاثاء ٢٥ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ رمضان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ابدأ وعيناك على النهاية

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢٣ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

وضع‭ ‬ستيفن‭ ‬كوفي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬العادات‭ ‬السبعة‭ ‬لأكثر‭ ‬الناس‭ ‬فعالية‭) ‬هذه‭ ‬العادة‭ (‬ابدأ‭ ‬وعيناك‭ ‬على‭ ‬النهاية‭) ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنها‭ ‬العادة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬خضعها‭ ‬للدراسة،‭ ‬وهذه‭ ‬العادة‭ ‬تعني‭ ‬ببساطة‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬يرغب‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬حياته‭ ‬أو‭ ‬مشروعه‭ ‬أو‭ ‬دراسته‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬فإنه‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يبدأ‭ ‬إلا‭ ‬ولديه‭ ‬فهم‭ ‬واضح‭ ‬وجيد‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬مقدم‭ ‬عليه‭ ‬وماض‭ ‬فيه‭ ‬وإليه،‭ ‬فهو‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬أين‭ ‬هو‭ ‬الآن؟‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يصل؟‭ ‬وكيف‭ ‬سيصل‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬يرغب؟‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدى‭ ‬المرء‭ ‬هدف‭ ‬واضح‭ ‬وخطة‭ ‬للسير‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬لتحقيق‭ ‬الهدف‭.‬

وقد‭ ‬يجد‭ ‬بعضنا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬مباشرة‭ ‬بالإدارة‭ ‬وخاصة‭ ‬إدارة‭ ‬المؤسسات،‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬صحيحة‭ ‬نوعًا‭ ‬ما،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬مجمله‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بإدارة‭ ‬المؤسسات‭ ‬وإنما‭ ‬بإدارة‭ ‬الحياة،‭ ‬وإدارة‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬فحياتنا‭ ‬كلها‭ ‬تخضع‭ ‬للإدارة‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى،‭ ‬فحتى‭ ‬نسير‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬ونعيش‭ ‬ونجني‭ ‬ثمار‭ ‬حياتنا‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لدينا‭ ‬أهداف‭ ‬نرغب‭ ‬في‭ ‬تحقيقها‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬بسيطة،‭ ‬وإن‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نعمل‭ ‬في‭ ‬وظيفة‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الهدف‭ ‬ونسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقه،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬نجد‭ ‬وظيفة‭ ‬فإنه‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نحدد‭ ‬هدفا‭ ‬آخر‭ ‬وخطة‭ ‬حياة‭ ‬أخرى،‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬كلما‭ ‬حققنا‭ ‬هدفًا‭ ‬فإنه‭ ‬ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬نتوقف‭ ‬وإنما‭ ‬نضع‭ ‬هدفا‭ ‬آخر،‭ ‬وآخر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬الطريق،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬نجلس‭ ‬في‭ ‬بيوتنا‭ ‬ونغلق‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭ ‬الباب،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬رياح‭ ‬التغيير‭.‬

يقول‭ ‬ستيفن‭ ‬كوفي‭ ‬إن‭ ‬مفهوم‭ (‬ابدأ‭ ‬وعيناك‭ ‬على‭ ‬النهاية‭) ‬قائم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الأمور‭ ‬تبتكر‭ ‬مرتين،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬تبدأ‭ (‬بالابتكار‭ ‬أو‭ ‬التكوين‭ ‬الذهني‭) ‬ومن‭ ‬ثم‭ (‬الابتكار‭ ‬أو‭ ‬التكوين‭ ‬المادي‭). ‬ثم‭ ‬يضرب‭ ‬مثالا‭ ‬لتفسير‭ ‬هذا‭ ‬المفهومين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بناء‭ ‬المنزل،‭ ‬فيقول‭:‬

عندما‭ ‬يشرع‭ ‬المرء‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المنزل‭ ‬فإنه‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬المهندس‭ ‬ليقوم‭ ‬برسم‭ ‬المنزل،‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يدق‭ ‬أي‭ ‬مسمار‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬جدار‭ ‬أو‭ ‬قطعة‭ ‬خشب،‭ ‬ربما‭ ‬تتغير‭ ‬تلك‭ ‬الخارطة‭ ‬مرات‭ ‬ومرات،‭ ‬وكلها‭ ‬على‭ ‬ورق،‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬الفكرة‭ ‬واضحة‭ ‬عن‭ ‬نوعية‭ ‬المنزل‭ ‬الذي‭ ‬يرغب‭ ‬المرء‭ ‬في‭ ‬امتلاكه،‭ ‬فالفكرة‭ ‬أو‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬بناء‭ ‬منزل‭ ‬العمر،‭ ‬كما‭ ‬نقول‭. ‬نفكر‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬صغيرة‭ ‬وكبيرة،‭ ‬الغرف‭ ‬الرئيسية،‭ ‬المطبخ،‭ ‬غرف‭ ‬الأولاد،‭ ‬الصالة،‭ ‬حتى‭ ‬أين‭ ‬توضع‭ ‬مكيفات‭ ‬الهواء‭ ‬ودخول‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬والهواء،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬ورق،‭ ‬تصور‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬نقم‭ ‬بذلك،‭ ‬فهل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقام‭ ‬المنزل‭ ‬من‭ ‬الخيال؟‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬بمقاييس‭ ‬محدد‭ ‬وواضحة،‭ ‬لماذا‭ ‬نفعل‭ ‬ذلك؟

ثم‭ ‬نأتي‭ ‬إلى‭ ‬مصطلح‭ (‬التكوين‭ ‬المادي‭)‬،‭ ‬بمعنى‭ ‬تجسيد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬مادي‭ ‬ملموس،‭ ‬وحتى‭ ‬أثناء‭ ‬تجسيد‭ ‬ذلك‭ ‬الواقع‭ ‬فإن‭ ‬الأمور‭ ‬تحتاج‭ ‬باستمرار‭ ‬إلى‭ ‬مراقبة‭ ‬وتقييم‭ ‬وتقويم،‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬التنفيذ‭.‬

وهكذا‭ ‬الأهداف‭ ‬أو‭ ‬النهاية‭ ‬التي‭ ‬يرغب‭ ‬الشخص‭ ‬في‭ ‬بلوغها،‭ ‬وليس‭ ‬مهمًا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأهداف‭ ‬أمورا‭ ‬مادية‭ ‬ملموسة،‭ ‬إنما‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬السعادة‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬هدفا،‭ ‬الجلوس‭ ‬وإسعاد‭ ‬الأسرة‭ ‬هدف،‭ ‬الصحة‭ ‬والبقاء‭ ‬في‭ ‬صحة‭ ‬جيدة‭ ‬هدف،‭ ‬ويمكن‭ ‬تحقيقها‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭.‬

يحكى‭ ‬أنه‭ ‬ذهب‭ ‬صديقان‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬لصيد‭ ‬السمك،‭ ‬فاصطاد‭ ‬أحدهما‭ ‬سمكة‭ ‬كبيرة،‭ ‬فوضعها‭ ‬في‭ ‬حقيبته‭ ‬ونهض‭ ‬لينصرف‭. ‬فسأله‭ ‬الآخر‭: ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬تذهب؟‭ ‬فأجابه‭: ‬إلى‭ ‬البيت،‭ ‬فقد‭ ‬اصطدت‭ ‬سمكة‭ ‬كبيرة‭ ‬جدًا‭ ‬تكفيني‭ ‬أنا‭ ‬وعائلتي‭ ‬عدة‭ ‬أيام‭. ‬

فرد‭ ‬الصديق‭: ‬انتظر‭ ‬لتصطاد‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأسماك‭ ‬الكبيرة‭ ‬مثلي‭.‬

فقال‭ ‬الصياد‭: ‬ولماذا‭ ‬أفعل‭ ‬ذلك؟

فأجاب‭ ‬الصديق‭: ‬عندما‭ ‬تصطاد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سمكة‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تبيعها؟

فسأله‭ ‬الصياد‭: ‬ولماذا‭ ‬أفعل‭ ‬ذلك؟

رد‭ ‬الصديق‭: ‬كي‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المال‭.‬

فقال‭ ‬الصياد‭: ‬ولماذا‭ ‬أفعل‭ ‬ذلك؟

فقال‭ ‬الصديق‭: ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تدخر‭ ‬المال‭ ‬ليزيد‭ ‬رصيدك‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬ومدخراتك‭.‬

فأجاب‭ ‬الصياد‭: ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ماذا؟

فقال‭ ‬الصديق‭: ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬ثريًا‭.‬

فقال‭ ‬الصياد‭: ‬وماذا‭ ‬أفعل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬ثريًا؟

قال‭ ‬الصديق‭: ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تستمتع‭ ‬بوقتك‭ ‬عندما‭ ‬تكبر‭ ‬مع‭ ‬أولادك‭ ‬وزوجتك،‭ ‬وتعيش‭ ‬في‭ ‬رفاهية‭.‬

فرد‭ ‬الصياد‭: ‬هذا‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬أفعله‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬ولا‭ ‬أريد‭ ‬تأجيل‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السعادة‭ ‬حتى‭ ‬أكبر‭ ‬ويضيع‭ ‬عمري‭.‬

هذا‭ ‬الصياد‭ ‬كان‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬هدفه،‭ ‬فوضع‭ ‬هدفه‭ ‬أمام‭ ‬نصب‭ ‬عينيه،‭ ‬السعادة‭ ‬مع‭ ‬أهله‭ ‬وأولاده،‭ ‬فالقضية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬ليست‭ ‬أهدافا‭ ‬مادية‭ ‬ملموسة،‭ ‬وإنما‭ ‬تكفيه‭ ‬السعادة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬اليوم‭.‬

وقد‭ ‬يجد‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬هدف‭ ‬أو‭ ‬صياغته،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحقيقة‭ ‬تقول‭ ‬عكس‭ ‬ذلك،‭ ‬فتحديد‭ ‬الهدف‭ ‬أمر‭ ‬بسيط‭ ‬ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬شهادات‭ ‬أو‭ ‬خبرات‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬الأهداف،‭ ‬وإنما‭ ‬الأمر‭ ‬أبسط‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير،‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لكل‭ ‬منا‭ ‬مجموعة‭ ‬أهداف،‭ ‬يحققها‭ ‬واحدا‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭.‬

فالهدف‭ ‬هو‭ ‬النهاية‭ ‬المرجوة،‭ ‬التي‭ ‬نسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها‭ ‬والتي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬العين‭ ‬عليها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬مشوارنا،‭ ‬فإدارة‭ ‬الوقت‭ ‬هدف،‭ ‬وإدارة‭ ‬الوقت‭ ‬بطريقة‭ ‬إبداعية‭ ‬هدف‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نخصص‭ ‬له‭ ‬عملية‭ ‬التفكير‭ ‬والتحليل‭ ‬والتخطيط‭ ‬المستقبلي،‭ ‬وقس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمور‭.‬

وكذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬معلومًا‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الإنجاز‭ ‬فوريًا،‭ ‬فبعض‭ ‬الأهداف‭ ‬لا‭ ‬تتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬بضع‭ ‬سنوات،‭ ‬فكلما‭ ‬كبرت‭ ‬الأهداف‭ ‬أصبح‭ ‬السير‭ ‬لتحقيقها‭ ‬متعبا،‭ ‬ولكنه‭ ‬يستحق‭. ‬

وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬تاريخنا‭ ‬الإسلامي،‭ ‬يروى‭ ‬عن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬خباب‭ ‬بن‭ ‬الأرت‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬قال‭: ‬شكونا‭ ‬إلى‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وهو‭ ‬مُتَوَسِّدٌ‭ ‬بُرْدَةً‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬ظِلِّ‭ ‬الكعبة،‭ ‬فقلنا‭ ‬أَلاَ‭ ‬تَسْتَنْصِرُ‭ ‬لنا،‭ ‬ألا‭ ‬تدعو‭ ‬الله‭ ‬لنا؟ فقال‭: ‬‮«‬قد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬قبلكم‭ ‬يُؤخذ‭ ‬الرجل‭ ‬فيُحفر‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬فيُجعل‭ ‬فيها،‭ ‬ثمَّ‭ ‬يُؤتى‭ ‬بالمِنْشَارِ‭ ‬فيوضع‭ ‬على‭ ‬رأسه‭ ‬فيُجعل‭ ‬نصفين،‭ ‬ويُمشط‭ ‬بأمشاطِ‭ ‬الحديد‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬لحمه‭ ‬وعظمه،‭ ‬ما‭ ‬يَصُدُّهُ‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬دينه،‭ ‬والله‭ ‬لَيُتِمَّنَّ‭ ‬الله‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬حتى‭ ‬يسير‭ ‬الراكب‭ ‬من‭ ‬صنعاء‭ ‬إلى‭ ‬حضرموت‭ ‬لا‭ ‬يخاف‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬والذئب‭ ‬على‭ ‬غَنَمِه،‭ ‬ولكنكم‭ ‬تستعجلون‮»‬،‭ ‬رواه‭ ‬البخاري‭. ‬فرسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬كان‭ ‬واضح‭ ‬الهدف،‭ ‬وكان‭ ‬يريد‭ ‬من‭ ‬الصحابة‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يرتقوا‭ ‬بأنفسهم‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬سيادة‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬والعالم‭ ‬أجمع،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬بإمكانه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أن‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬فينتهي‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬لحظة،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬الأنبياء‭. ‬ولكن‭ ‬هنا‭ ‬يدعو‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬إلى‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الهدف‭ ‬المرسوم‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وعدم‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬التفاصيل‭ ‬الصغيرة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قاسية‭ ‬أو‭ ‬مؤلمة‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬التفاصيل‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬الأمور‭ ‬وعدم‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬حين‭ ‬يقول‭ ‬لهم‭: ‬‮«‬لا‭ ‬يصرفه‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬دينه‮»‬،‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬هو‭ ‬الدين،‭ ‬ليس‭ ‬دين‭ ‬العبادات‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬دين‭ ‬العبادات‭ ‬والمعاملات‭ ‬ومنهج‭ ‬الحياة‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬الإسلام‭ ‬وبقي‭ ‬رسولُ‭ ‬الله‭ ‬يدعو‭ ‬إليه‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬الدعاة‭ ‬يدعون‭ ‬إليه‭ ‬وستستمر‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يرث‭ ‬الله‭ ‬الأرض‭ ‬ومن‭ ‬عليها‭ ‬لأنه‭ ‬طريق‭ ‬الجنة‭.‬

هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬أو‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفكر‭ ‬فيها‭ ‬المربي‭ ‬أو‭ ‬الأب‭ ‬أو‭ ‬الأم‭ ‬مع‭ ‬الأبناء‭ ‬أو‭ ‬التلاميذ،‭ ‬إذ‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يزرع‭ ‬فيهم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬الأهداف‭ ‬القصيرة‭ ‬أو‭ ‬الطويلة‭ ‬المدى،‭ ‬فلا‭ ‬يترك‭ ‬الطفل‭ ‬أو‭ ‬الصديق‭ ‬أو‭ ‬الزوج‭ ‬أو‭ ‬الزوجة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بتحديد‭ ‬الأهداف،‭ ‬وتمر‭ ‬الحياة‭ ‬تباعًا‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬فيجد‭ ‬نفسه‭ ‬قد‭ ‬كبر‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬شيئا،‭ ‬وحتى‭ ‬هذا‭ ‬نجده‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭ ‬الإسلامي‭ ‬فقد‭ ‬روي‭ ‬عن‭ ‬سالمِ‭ ‬بنِ‭ ‬عبدِاللَّهِ‭ ‬بنِ‭ ‬عُمَرَ‭ ‬بنِ‭ ‬الخَطَّابِ‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬عَن‭ ‬أَبِيِه‭: ‬أَنَّ‭ ‬رسولَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬قَالَ‭: ‬نِعْمَ‭ ‬الرَّجلُ‭ ‬عبدُ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬لَو‭ ‬كانَ‭ ‬يُصَلِّي‭ ‬مِنَ‭ ‬اللَّيْلِ،‮ ‬قالَ‭ ‬سالِمٌ‭: ‬فَكَانَ‭ ‬عَبْدُ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬بعْدَ‭ ‬ذلكَ‭ ‬لاَ‭ ‬يَنَامُ‭ ‬مِنَ‭ ‬اللَّيْلِ‭ ‬إِلاَّ‭ ‬قَلِيلًا،‭ ‬متفقٌ‭ ‬عَلَيْهِ‭. ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬حدد‭ ‬هدفا‭ ‬للصحابي‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬عمر‭ ‬رضي‭ ‬الله،‭ ‬وهو‭ ‬قيام‭ ‬الليل‭.‬

إن‭ ‬الناجحين‭ ‬يعلمون‭ ‬أن‭ ‬الأشياء‭ ‬دائمًا‭ ‬تبدأ‭ ‬أفكارا‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتحقق‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬لذلك‭ ‬فهم‭ ‬يكتبون‭ ‬أهدافهم‭ ‬ويجعلونها‭ ‬أساسًا‭ ‬عند‭ ‬اتخاذ‭ ‬قراراتهم‭ ‬المستقبلية،‭ ‬ثم‭ ‬إنهم‭ ‬يحددون‭ ‬بدقة‭ ‬وعناية‭ ‬أولوياتهم‭ ‬قبل‭ ‬الانطلاق‭ ‬لتحديد‭ ‬أهدافهم‭ ‬ويضعون‭ ‬الخطط‭ ‬اللازمة‭ ‬لذلك،‭ ‬أما‭ ‬المخفقون‭ ‬فيسمحون‭ ‬لعاداتهم‭ ‬القديمة،‭ ‬ولأناس‭ ‬آخرين،‭ ‬وللظروف‭ ‬المحيطة‭ ‬بهم‭ ‬أن‭ ‬تملي‭ ‬عليهم‭ ‬أهدافهم،‭ ‬أو‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬أولوياتهم‭ ‬أو‭ ‬تخطيطهم‭ ‬أو‭ ‬قراراتهم،‭ ‬إنهم‭ ‬يتبنون‭ ‬القيم‭ ‬والأهداف‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬مجتمعهم،‭ ‬وتقاليدهم،‭ ‬وثقافتهم،‭ ‬دون‭ ‬فحصها‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬صحتها‭ ‬وسلامتها،‭ ‬أو‭ ‬مناسبتها‭ ‬لهم‭.‬

لذلك‭ ‬علينا‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬أعمارنا،‭ ‬سواء‭ ‬كنا‭ ‬شيوخًا‭ ‬أو‭ ‬شبابًا‭ ‬أن‭ ‬نأخذ‭ ‬ورقة‭ ‬وقلما،‭ ‬ثم‭ ‬نكتب‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬نطمح‭ ‬في‭ ‬تحقيقه،‭ ‬وهو‭ ‬هدفنا‭ ‬والذي‭ ‬تكون‭ ‬عليه‭ ‬العين‭ ‬مفتوحة،‭ ‬ثم‭ ‬نبدأ‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬خطوات‭ ‬الرحلة،‭ ‬كيف‭ ‬نسير،‭ ‬وما‭ ‬الأساليب‭ ‬والوسائل‭ ‬المتخذة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الرحلة؟‭ ‬ومتى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نصل،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬نبدأ‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬خطواتنا‭ ‬في‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬المليون‭ ‬ميل،‭ ‬عندها‭ ‬حتمًا‭ ‬سنصل،‭ ‬وحتى‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نتمكن‭ ‬فيكفينا‭ ‬شرف‭ ‬المحاولة‭. ‬

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا