ضربة قاضية وجهها وزير الطاقة الأمريكي «كريس رايت» (ChrisWright) إلى الجهود الأممية التي استمرت 33 عاما لمواجهة قضية العصر، وهي ظاهرة التغير المناخي وتداعياتها العقيمة كارتفاع درجة حرارة الأرض، وارتفاع مستوى سطح البحر، وازدياد حموضة مياه البحار، وما ينجم عنها من أعاصير وفيضانات وتدمير للبنية التحتية الساحلية، إضافة إلى الموجات الحرارية وحرائق الغابات.
فهذه الجهود الدولية التي بدأت منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وبالتحديد في قمة الأرض في ريو دي جانيرو البرازيلية عام 1992 التي وضعت حجر الأساس لمواجهة التغير المناخي على المستوى الدولي، ذهبت كلها مع الريح، وذهب معها مئات الملايين من الدولارات التي أُنفقت على إعداد وتنظيم اجتماعات التغير المناخي في مدن العالم المختلفة والتي وصلت حتى اليوم إلى 29 اجتماعاً دولياً، كما صرَفتْ دول العالم من ميزانياتها عشرات الملايين على سفر الوفود الرسمية وغير الرسمية للمشاركة في هذه الاجتماعات العبثية، إضافة إلى أن تحركات وانتقال هذه الوفود من دولة إلى أخرى، ومن مدينة إلى أخرى خلال هذه العقود، مما فاقمت من أزمة التغير المناخي بإطلاقها من وسائل المواصلات والنقل جميع أنواع الملوثات المتهمة بنزول التغير المناخي على كوكبنا، وبالتحديد غاز ثاني أكسيد الكربون الناجم عن احتراق أي نوع من أنواع الوقود الأحفوري، الفحم، أو النفط، أو الغاز الطبيعي.
فكل هذا العمل الماراثوني الدؤوب والشاق والمُكلف لصناديق الدول المالية، وكل هذه المفاوضات الدولية التي عُقدت أثناء اجتماعات التغير المناخي، أصبحت بسبب الولايات المتحدة الأمريكية لا جدوى منها، ولا فائدة لها، والتي تمثلت اليوم في تصريحات وزير الطاقة الأمريكي الذي أرجع عقارب الساعة إلى الوراء 33 عاماً، وصرح بتحور عكسي 180 درجة في السياسات المناخية الحالية.
فبعد 33 عاماً من المفاوضات بين دول العالم في اجتماعات التغير المناخي الأممية، وافقت الدول في اجتماع التغير المناخي رقم (28) في دبي على صياغة توافقية وخارطة طريق «للتحول بعيداً عن الوقود الأحفوري»، أي التخلص التدريجي للفحم، والنفط، والغاز، بسبب أن الوقود الأحفوري هو المصدر الرئيس المتهم بالتغير المناخي للأرض، علماً بأن هذه الصياغة يتم الإجماع عليها لأول مرة.
ولكن وزير الطاقة الأمريكي في العاشر من مارس 2025 في مؤتمر «النفط والغاز» السنوي الذي عُقد في مدينة البترول «هيوستن» بولاية تكساس، وفي الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، نسف كلياً كل هذه الجهود الدولية المشتركة، ورمى بتوافقات دول العالم عرض الحائط، وهدم ما بنته الدول على مدى 33 عاماً عندما صرح قائلاً: «نحن نتبع بلا خجل سياسة المزيد من إنتاج الطاقة والبنية التحتية الأمريكية، وليس أقل»، أو بشكل أوضح فإن وزير الطاقة قال إن ما يحتاج إليه العالم الآن هو المزيد من الوقود الأحفوري، أي إطلاق سراح هذا النوع من الوقود ليستخدم على نطاقٍ واسع وبما يتناقض كلياً مع قرار الاجتماع رقم (28) للتغير المناخي الذي دعا إلى الحد من استعمال الوقود الأحفوري، والسعي نحو التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة بعيداً عن الوقود الأحفوري.
فهذه الضربة القاضية من وزير الطاقة الأمريكي جاءت بعد ضربات سابقة ومتكررة في جولات كثيرة وجهتها وزارات ووكالات أمريكية أخرى في عهد ترامب الثاني في الجانبين المالي والتشريعي المتعلقين بالتغير المناخي. فقد انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية، حسب قرار وزارة الخزانة في 10 مارس من صندوق المناخ الذي يُطلق عليه «صندوق الخسائر والأضرار» (Loss and Damage Fund)، والذي يعد عصب الحياة لمواجهة تداعيات التغير المناخي. فهذا الصندوق يقدم الدعم المالي للدول النامية الفقيرة والمتضررة من تداعيات التغير المناخي الكثيرة التي نزلت عليهم بسبب انبعاثات الدول الصناعية المتقدمة منذ أكثر من 200 عام، كتعويض عن الخسائر الناجمة عنها، إضافة إلى مساعدتها للتكيف مع التغير المناخي وخفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة. فهذا الشح المالي الذي سيعاني منه الصندوق سيفاقم من معاناة الشعوب والدول الساحلية الفقيرة من ارتفاع حرارة الأرض وارتفاع مستوى سطح البحر، وما ينجم عنه من أعاصير وفيضانات وتدمير شامل للمرافق الساحلية. كذلك في الجانب المالي أعلنت وكالة حماية البيئة الأمريكية في 11 مارس أن الوكالة ستنهي المنح المقدمة من »صندوق خفض غازات الدفيئة« بقيمة 20 بليون دولار، والتي كانت تصرف على مشاريع لها مردودات مناخية تخفض من نسبة انبعاث الملوثات إلى الهواء الجوي، كالسيارات الكهربائية وفرن الكهرباء وغيرهما، إضافة إلى مشاريع الطاقة المتجددة غير الملوثة للبيئة.
وفي الجانب التشريعي فقد قامت وكالة حماية البيئة بفك الحزام، ورفع القيود النظامية والتشريعية عن المصادر الملوثة للهواء الجوي والمسببة للتغير المناخي من محطات توليد الطاقة والسيارات والمصانع، بحيث إنها غير ملزمة الآن بخفض انبعاثاتها.
فكل هذه التغييرات التي نشهدها اليوم تنهل من المنبع الأصلي المُلَوثْ، وهو سياسات ترامب التي ينتهجها منذ أكثر من عشر سنوات، من إنكارِ وقوع التغير المناخي، إلى انكار وجود أي دور للإنسان في سخونة الأرض، ثم إلى عدم الاعتراف بالجهود الأممية المشتركة التي تصب في مكافحة تداعيات التغير المناخي كالانسحاب مرتين من تفاهمات باريس الدولية لعام 2015 حول التغير المناخي، الأول في نوفمبر 2020، والثاني في يناير 2025.
فمع كل هذه المستجدات السلبية المؤثرة في مجال مكافحة التغير المناخي، ومع خروج أمريكا المسؤول الأول عن وقوع التغير المناخي من جهود المجتمع الدولي، هل سيكون هناك أي جدوى لاجتماع آخر للأمم المتحدة حول هذه القضية يضيف إلى الاجتماعات الأخرى التي لم تصب في مصلحة كوكبنا، وهو الذي سيكون الاجتماع رقم (30) في البرازيل؟
ismail.almadany@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك