من الواضح من مجريات الحرب والسياسة معا أن روسيا الاتحادية في طريقها لتحقيق انتصار كاسح عسكري في الميدان وسياسي عبر فتح باب المفاوضات وقبول أوكرانيا وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات قد تنهي هذه الحرب الدموية بين البلدين الجارين. ومن المؤكد أن معركة كورسك الملحمية تذكرنا بالمعركة الشرسة في مدينة باخموت الأوكرانية والتي شكلت تحولا استراتيجيا في مسار الحرب تمهيدا لتفوق روسيا وانتصارها في الميدان في النهاية.
ومثلما سمح الاستيلاء على باخموت بإطلاق عمليات هجومية جديدة في العمق الأوكراني، فإن تحرير كورسك بهذه القوة الكاسحة والشجاعة غير المسبوقة جعل الجيش الأوكراني المدعوم من الغرب نفسه في موقف لا يحسد عليه بعد المكاسب التي حققتها القوات الروسية منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير 2022. ومثلما كانت معركة باخموت المعركة الأطول والأكثر دموية في ضوء الخسائر الفادحة التي تكبدها الجانبان في هذه المدينة التي دمرت أجزاء كبيرة منها، فإن معركة تحرير كورسك ستبقى عنوانا حقيقيا لانتصار روسيا عسكريا وانتصار إرادتها السياسية على حلف شمال الأطلسي كله والذي راهن بكل ما يمتلك من قوة على الاحتفاظ بهذه المحافظة الروسية للمساومة عليها في أية مفاوضات بعد انتهاء الحرب.
ومما يعزز هذا الانتصار في جانبه العسكري إلى الآن هو ظهور الرئيس الروسي على التلفزيون الرسمي الروسي مرتديًا الزي العسكري، مؤكدا أن المهمة الرئيسية الآن تتمثل في: (هزيمة العدو الذي لا يزال يخوض عمليات قتالية، والذي تحصن في جزء من منطقة كورسك، في أقرب وقت ممكن، وتحرير أراضي المنطقة بالكامل، مشيرا إلى أن الجنود الأوكرانيين الذين أُسروا في كورسك سيُعاملون كـ«إرهابيين بالنظر إلى ما قاموا به من أعمال إرهابية ضد السكان».
وهذا يؤكد بطبيعة الحال جانبا من نشوة النصر التي انتظرها الشعب الروسي لأكثر من ستة أشهر. خاصة بعدما توغلت أوكرانيا في كورسك في أغسطس الماضي، وسيطرت بسرعة على أراضٍ تزيد على ألف كيلومتر مربع، في غزو بري لروسيا لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية. ولذلك وبعد هذا الانتصار الكاسح والمدوي انهارت خطة أوكرانيا لاستخدام كورسك كأداة للتفاوض، بالرغم مما خصصته من موارد رهيبة وقوات وأسلحة غربية ومرتزقة وخبراء غربيين.
إن هذا الانتصار الذي يضاف إلى انتصارات روسيا المؤكدة على الأرض في الجنوب والشرق تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الغرب بأجمعه لم يتمكن من الانتصار على روسيا التي تقاتل وحدها بجيشها وشعبها ومواردها الخاصة بالرغم من الحصار والعقوبات الرهيبة. وهذا بالطبع أثار جنون الغرب الجماعي مؤخرا فدخل في مرحلة هذيان سياسي وإعلامي.
هذا مع أن روسيا كان بإمكانها منذ البداية تحقيق انتصار ساحق وسريع من خلال استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، وكان بإمكانها أن تفعل مثلما فعلت الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية عندما ضربت مدينتي هيروشيما ونجازاكي بالسلاح النووي مما وضع حدا للحرب باستسلام اليابان. ولكن روسيا كانت وما زات مهتمة بتاريخها وسمعتها أمام دول العالم بالرغم من أن دول حلف شمال الأطلسي استمرت بالاستفزاز بكل الطرق، ولكن روسيا لم تنحني أمام هذه الاستفزازات بل استمرت في استنزاف دول الحلف حتى رفعت الراية البيضاء.
إن هذا الإنجاز العسكري الروسي يجري ترجمته حاليا على أرض الواقع من خلال مشروع وقف إطلاق النار الذي وافق عليه الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فلاديمير زيلينسكي مجبورا أو الهدنة التي يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تحقيقها خلال الأيام المقبلة لينقذ ما يمكن إنقاذه بالرغم من المكابرة الأوروبية والضجيج الذي ينم عن ضعف وهزيمة مؤكدة.
وعليه فإن المستقبل القريب مفتوح أمام احتمالات عديدة قد تقود في الغالب إلى إنهاء هذه الحرب والعودة إلى اتفاق سلام تترجم روسيا الاتحادية من خلاله هذا الانتصار على الأرض.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك