العدد : ١٧١٦٦ - الأحد ٢٣ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٦٦ - الأحد ٢٣ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ رمضان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العراق: الحشد الشعبي في مهب رياح التغيير

بقلم: فاروق يوسف {

الخميس ٢٠ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

إذا‭ ‬كانت‭ ‬مليشيات‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬قد‭ ‬لعبت‭ ‬دورا‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬الموصل‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬متفق‭ ‬عليه‭ ‬ويشكك‭ ‬به‭ ‬الكثيرون‭ ‬فإن‭ ‬استمرارها‭ ‬كونها‭ ‬مجموعة‭ ‬مليشيات‭ ‬تحمل‭ ‬سلاحا‭ ‬غير‭ ‬منضبط‭ ‬هو‭ ‬محاولة‭ ‬لإبقاء‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬سجينة‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬فشل،‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬وسيبقى‭ ‬ملهما‭ ‬لمنظومة‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬فسادها‭.‬

وليس‭ ‬صحيحا‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬دور‭ ‬الحشد‭ ‬ضروري‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حماية‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تدير‭ ‬شؤون‭ ‬الشعب‭. ‬العكس‭ ‬هو‭ ‬الصحيح‭. ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬هيكلها‭ ‬الفارغ‭ ‬ضروري‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬ثرواتها‭ ‬بين‭ ‬أيدي‭ ‬زعماء‭ ‬المليشيات‭ ‬الذين‭ ‬صاروا‭ ‬يلعبون‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬سياساتها‭.‬

قبل‭ ‬سنوات‭ ‬كان‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬دولة‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬مجرد‭ ‬تكهنات‭ ‬غير‭ ‬مؤكدة‭. ‬لكن‭ ‬دخول‭ ‬زعماء‭ ‬المليشيات‭ ‬إلى‭ ‬مبنى‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬باعتبارهم‭ ‬أعضاء‭ ‬منتخبين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الشعب‭ ‬وهب‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬شكلا‭ ‬مختلفا‭ ‬ليس‭ ‬صادما،‭ ‬ولكن‭ ‬المحتوى‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭. ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬الوجه‭ ‬السياسي‭ ‬للحشد‭ ‬صار‭ ‬مكرسا‭ ‬بقوة‭ ‬القانون‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬مطالبة‭ ‬بنزع‭ ‬سلاح‭ ‬المليشيات‭ ‬ستصدم‭ ‬بإرادة‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭.‬

لا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬شيئا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬اصطدم‭ ‬بإرادة‭ ‬دولية‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬تجريد‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬أذرعها‭ ‬تشبها‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متوقع‭ ‬حدوثه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭ ‬وبالأخص‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬سبق‭ ‬لها‭ ‬وأن‭ ‬أحاطت‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬بما‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬قصف،‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬مليشيات‭ ‬عراقية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬دائما‭ ‬مستعدة‭ ‬لتصفية‭ ‬حساباتها‭ ‬مع‭ ‬مصادر‭ ‬النيران‭.‬

أما‭ ‬وقد‭ ‬عاد‭ ‬عدو‭ ‬إيران‭ ‬كما‭ ‬يُفترض‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬فإن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ستتكفل‭ ‬بالمسألة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬حسمها‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬مفاوضات‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬جهة،‭ ‬عراقية‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬إيرانية‭. ‬فالعراق‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬إخفاؤه‭ ‬دائما‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬خاضعا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فهي‭ ‬الخزانة‭ ‬التي‭ ‬تودع‭ ‬فيها‭ ‬أمواله‭. ‬وما‭ ‬لم‭ ‬توافق‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬صرف‭ ‬تلك‭ ‬الأموال‭ ‬فإنها‭ ‬ستظل‭ ‬مـحجوزة‭ ‬هناك‭.‬

بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬العراقية‭ ‬فإن‭ ‬أشد‭ ‬ما‭ ‬يخيفها‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬برقابة‭ ‬الأسلوب‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬التصرف‭ ‬بالأموال‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بتحويلها‭. ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬جزءا‭ ‬منها‭ ‬يتم‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬بطرق‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ ‬مختلفة‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الطرق‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬إعلانها‭ ‬وهي‭ ‬الأخرى‭ ‬لا‭ ‬تعبر‭ ‬إلا‭ ‬عن‭ ‬مناورات‭ ‬صارت‭ ‬مكشوفة‭ ‬عبر‭ ‬العشرين‭ ‬سنة‭ ‬الماضية‭.‬

المال‭ ‬قبل‭ ‬الحشد‭ ‬الذي‭ ‬جرى‭ ‬إضفاء‭ ‬طابع‭ ‬القدسية‭ ‬عليه‭ ‬لأسباب‭ ‬تعبوية‭ ‬ودعائية‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بحقيقة‭ ‬الموقف‭ ‬منه‭. ‬فالطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬الحشد‭ ‬لو‭ ‬جرى‭ ‬تهديدها‭ ‬بإيقاف‭ ‬السيولة‭ ‬النقدية‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬تلك‭ ‬معادلة‭ ‬يدركها‭ ‬زعماء‭ ‬المليشيات‭ ‬وتخشى‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬تبعاتها‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُضر‭ ‬باقتصادها‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أطرافا‭ ‬سياسية‭ ‬داخل‭ ‬منظومة‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬صارت‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬ضبط‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬انسجاما‭ ‬مع‭ ‬قانونه‭ ‬الذي‭ ‬يعتبره‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬فئة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تتمسك‭ ‬بالحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬وتربط‭ ‬مصيرها‭ ‬به‭. ‬

وهي‭ ‬فئة‭ ‬تعتبر‭ ‬ارتباطها‭ ‬بإيران‭ ‬ملهم‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬بالعراق‭. ‬تلك‭ ‬فئة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبارها‭ ‬ممثلة‭ ‬لصقور‭ ‬الحكم‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬تجسيد‭ ‬للرثاثة‭ ‬الطائفية‭ ‬التي‭ ‬وصل‭ ‬إليها‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬تفهما‭ ‬لوجود‭ ‬تلك‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬نوري‭ ‬المالكي‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬اعتبرته‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬بوش‭ ‬رجلها‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬الثابت‭ ‬أن‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬عراقي‭ ‬بالحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬هو‭ ‬رهان‭ ‬خاسر‭. ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الاطمئنان‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬العراق‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استمر‭ ‬الحشد‭ ‬في‭ ‬الوجود‭. ‬فالحشد‭ ‬هو‭ ‬شؤم‭ ‬إيران‭ ‬الذي‭ ‬حل‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬وهو‭ ‬استمرار‭ ‬للحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العراق‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2006‭ ‬و2008‭. ‬وما‭ ‬حماسة‭ ‬نوري‭ ‬المالكي‭ ‬للحشد‭ ‬إلا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬أشرف‭ ‬على‭ ‬جزء‭ ‬عظيم‭ ‬منها‭ ‬المالكي‭ ‬بنفسه‭ ‬يوم‭ ‬كان‭ ‬رئيسا‭ ‬للحكومة‭. ‬فالحشد‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭.‬

ولكن‭ ‬رياح‭ ‬التغيير‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬المنطقة‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬لن‭ ‬تبقي‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬السياسية‭ ‬القديمة‭. ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬إخراج‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬الملعب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬يُمهد‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قوة‭ ‬فاعلة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬لقد‭ ‬جرى‭ ‬كنسها‭ ‬بطريقة‭ ‬لم‭ ‬تتوقعها‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيقود‭ ‬إلى‭ ‬كنس‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭. ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬استثناء‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا