العدد : ١٧١٧٦ - الأربعاء ٠٢ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٧٦ - الأربعاء ٠٢ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ شوّال ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

بطل أولمبي أم لولومبي

قال‭ ‬شاعر‭ ‬بلغ‭ ‬سن‭ ‬اليأس‭:‬

إني‭ ‬امرؤ‭ ‬مولع‭ ‬بالحسن‭ ‬اتبعه‭/ ‬لا‭ ‬حظ‭ ‬لي‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬لذة‭ ‬النظر‭ ‬

استذكر‭ ‬بيت‭ ‬الشعر‭ ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬دورة‭ ‬للألعاب‭ ‬الأولمبية،‭ ‬التي‭ ‬نتعامل‭ ‬معها‭ ‬بالحكمة‭ ‬السودانية‭ ‬‮«‬شهر‭ ‬ما‭ ‬عندك‭ ‬فيه‭ ‬نفقة‭ ‬لا‭ ‬تَعِد‭ ‬أيامه‮»‬،‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬فلا‭ ‬معنى‭ ‬لأن‭ ‬تعد‭ ‬أيام‭ ‬الشهر‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تتوقع‭ ‬راتبا‭ ‬او‭ ‬علاوة‭ ‬أو‭ ‬عائدا‭ ‬ماليا‭ ‬في‭ ‬ختامه،‭ ‬أعني‭ ‬أن‭ ‬دورنا‭ ‬في‭ ‬الأولمبياد‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬‮«‬الفُرجة‮»‬‭ ‬رغم‭ ‬ان‭ ‬المعلقين‭ ‬الرياضيين‭ ‬العرب‭ ‬يفسدون‭ ‬علينا‭ ‬متعة‭ ‬الفرجة‭ ‬بكلامهم‭ ‬الركيك‭ ‬عن‭ ‬فعاليات‭ ‬لا‭ ‬يفهمون‭ ‬عنها‭ ‬شيئا،‭ ‬لأنهم‭ ‬ينتمون‭ ‬الى‭ ‬بلدان‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬لم‭ ‬يخلق‭ ‬رياضة‭ ‬سوى‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬فتنفق‭ ‬عليها‭ ‬المليارات،‭ ‬وتظل‭ ‬تنهزم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬منازلة‭ ‬وتهتف‭ ‬‮«‬انهزمنا‭ ‬بشرف‭ ‬وحكام‭ ‬المباريات‭ ‬كانوا‭ ‬خونة‭ ‬وعملاء‭ ‬لإسرائيل‮»‬،‭ ‬أتذكر‭ ‬هنا‭ ‬المعلق‭ ‬الرياضي‭ ‬العربي‭ ‬خلال‭ ‬مباراة‭ ‬للمكسيك‭ ‬ضد‭ ‬البرازيل‭ ‬حين‭ ‬نقلت‭ ‬الكاميرا‭ ‬ما‭ ‬بدا‭ ‬ملاسنة‭ ‬حادة‭ ‬بين‭ ‬الحكم‭ ‬البلجيكي‭ ‬ولاعب‭ ‬مكسيكي،‭ ‬فقال‭ ‬المعلق‭ ‬ما‭ ‬معناه‭: ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله،‭ ‬إما‭ ‬الحكم‭ ‬يتكلم‭ ‬اللغة‭ ‬المكسيكية‭ ‬وإما‭ ‬اللاعب‭ ‬يتكلم‭ ‬اللغة‭ ‬البلجيكية‭ (‬المكسيكيون‭ ‬يتكلمون‭ ‬الاسبانية‭ ‬والبلجيك‭ ‬يتكلمون‭ ‬الألمانية‭ ‬والهولندية‭ ‬والفرنسية‭).  ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬اقترحت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بتنظيم‭ ‬دورات‭ ‬‮«‬لولوية‮»‬‭. ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬المنتصر‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الحركات‭ ‬اللولوة،‭ ‬وبداهة‭ ‬فإن‭ ‬العرب‭ ‬سيكتسحون‭ ‬تلك‭ ‬الدورات‭. ‬حتى‭ ‬نجوى‭ ‬فؤاد‭ ‬ستحرز‭ ‬ميدالية‭ ‬ذهبية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬منشطات،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬بدينا‭ ‬وفيفي‭ ‬عبدو‭ ‬وأليسا‭ ‬وهيفا‭ ‬وبقية‭ ‬فتيات‭ ‬الفياغرا‭ ‬الفضائيات؟‭ ‬يعني‭ ‬تخيل‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬دورة‭ ‬ألعاب‭ ‬لولوية‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭: ‬نجوى‭ ‬فؤاد‭ ‬وحدها‭ ‬كانت‭ ‬ستستأجر‭ ‬مجمع‭ ‬تسوق‭ ‬بأكمله‭ ‬لحفظ‭ ‬ميدالياتها‭ ‬الذهبية،‭ ‬فقد‭ ‬ظلت‭ -‬عيني‭ ‬باردة‭- ‬ترقص‭ ‬أي‭ ‬‮«‬تتلولو‮»‬‭ ‬منذ‭ ‬حفل‭ ‬افتتاح‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬أمام‭ ‬الخديوي‭ ‬إسماعيل‭ ‬والخواجة‭ ‬فرديناند‭ ‬دي‭ ‬ليسبس‭. ‬وقد‭ ‬أصيب‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بصدمة‭ ‬عندما‭ ‬أدت‭ ‬نجوى‭ ‬فريضة‭ ‬الحج‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬30‭ ‬عاما‭ ‬وأعلنت‭ ‬اعتزالها‭ ‬الرقص؟

هل‭ ‬تصدقون‭ ‬أن‭ ‬مدرسة‭ ‬وادي‭ ‬سيدنا‭ ‬الثانوية‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬طالبا‭ ‬فيها‭ ‬كانت‭ ‬تنظم‭ ‬دورة‭ ‬العاب‭ ‬قوى‭ ‬سنوية‭ ‬طوال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬الى‭ ‬نهاية‭ ‬فبراير؟‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬كافة‭ ‬منافسات‭ ‬ألعاب‭ ‬القوى‭ ‬والسباحة‭ ‬والغطس‭ ‬ورمي‭ ‬الجلة‭ ‬والقرص‭ ‬والرمح‭ ‬والتنس‭ ‬وكرة‭ ‬اليد،‭ ‬والجري‭ ‬لمسافات‭ ‬متعددة‭ ‬الطول‭ ‬وسباق‭ ‬الضاحية‭ (‬الماراثون‭). ‬وكانت‭ ‬بالمدرسة‭ ‬خمس‭ ‬وحدات‭ ‬سكنية‭ (‬تسمى‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬داخليات‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬طالب‭ ‬يحمل‭ ‬بطاقة‭ ‬عليها‭ ‬أسماء‭ ‬كافة‭ ‬الألعاب‭ ‬ومطالبا‭ ‬بإحراز‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬النقاط‭ ‬لوحدته‭ ‬السكنية‭. ‬ولن‭ ‬أنسى‭ ‬أبدا‭ ‬أنني‭ ‬أحرزت‭ ‬عدة‭ ‬نقاط‭ ‬لمجموعتي‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬الضاحية‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتطلب‭ ‬الجري‭ ‬لعدة‭ ‬أميال،‭ ‬فلأنني‭ ‬كنت‭ ‬فاشلا‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬الرياضة‭ ‬لأنني‭ ‬‮«‬تعقدت‮»‬‭ ‬منها‭ ‬لأن‭ ‬بحسبان‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬صلة‭ ‬بعلم‭ ‬الرياضيات‭ ‬الذي‭ ‬توقف‭ ‬تعاملي‭ ‬معه‭ ‬عند‭ ‬‮«‬جدول‭ ‬عشرة‮»‬،‭ ‬كنت‭ ‬أدرك‭ ‬ان‭ ‬فوزي‭ ‬بالمركز‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬الضاحية‭ ‬ليس‭ ‬واردا‭ ‬لأنني‭ ‬لو‭ ‬أكملت‭ ‬السباق،‭ ‬فإن‭ ‬زملائي‭ ‬سيذكرون‭ ‬محاسني‭ ‬‮«‬إن‭ ‬وُجدت‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬سيتم‭ ‬نقلي‭ ‬الى‭ ‬مستشفى‭ ‬على‭ ‬أحسن‭ ‬الفروض،‭ ‬وسجلت‭ ‬اسمي‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬السباق،‭ ‬وكانت‭ ‬العادة‭ ‬ان‭ ‬يتم‭ ‬نقل‭ ‬المتنافسين‭ ‬الى‭ ‬نقطة‭ ‬البداية‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬بعيدة‭ ‬بسيارة‭ ‬شحن‭ ‬كبيرة،‭ ‬ولم‭ ‬أصعد‭ ‬الى‭ ‬العربة‭ ‬بل‭ ‬‮«‬زوغت‮»‬‭ ‬وتسللت‭ ‬الى‭ ‬شجيرات‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬كيلومتر‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬نقطة‭ ‬نهاية‭ ‬السباق،‭ ‬وكمنت‭ ‬هناك،‭ ‬وعندما‭ ‬رأيت‭ ‬اول‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المتنافسين‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬محل‭ ‬اختبائي‭ ‬انطلقت‭ ‬صوب‭ ‬نقطة‭ ‬النهاية‭.. ‬ويا‭ ‬للسعادة‭ ‬جاء‭ ‬ترتيبي‭.. ‬خلوها‭ ‬مستورة،‭ ‬فالمهم‭ ‬أنني‭ ‬‮«‬أكملت‮»‬‭ ‬السباق،‭ ‬وسجلت‭ ‬بضع‭ ‬نقاط‭ ‬لصالح‭ ‬داخليتي،‭ (‬جاء‭ ‬ترتيبي‭ ‬الـ27‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬اثنين‭ ‬وأربعين‭ ‬متسابقا،‭ ‬وكسبت‭ ‬لمجموعتي‭ ‬بضع‭ ‬نقاط‭. ‬وأملي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وقتها‭ ‬أن‭ ‬لي‭ ‬أجر‭ ‬من‭ ‬اجتهد‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬الصواب‭ ‬حليفه‭ ‬تماما‭).‬

وعلى‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬الأربع‭ ‬التي‭ ‬قضيتها‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية‭ ‬كان‭ ‬يفوز‭ ‬بسباق‭ ‬الضاحية‭ ‬طالب‭ ‬اسمه‭ ‬عثمان‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أفضل‭ ‬حارس‭ ‬مرمى‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المدرسة،‭ ‬ولا‭ ‬أذكر‭ ‬أنني‭ ‬رأيته‭ ‬خارج‭ ‬حجرات‭ ‬الدراسة‭ ‬إلا‭ ‬والسيجارة‭ ‬في‭ ‬فمه،‭ ‬مما‭ ‬أكد‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬التدخين‭ ‬يضر‭ ‬بالرئة‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬إشاعة‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا