أول امرأة يتم تعيينها رئيسا تنفيذيا لإدارة المخاطر من قبل مصرف البحرين المركزي، وخليجية يتم تقلدها المنصب نفسه في دولة الكويت.. حاصلة على جائزة امرأة العام في القطاع المصرفي وعلى تكريم صاحبة السمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة.. عضو المنظمة العالمية لإدارة المخاطر د. نسرين حسن القصير لــ«أخبار الخليج»:
يقول العالم الأمريكي الشهير توماس إديسون: «الكثير ممن فشلوا لم يدركوا مدي قربهم من النجاح عندما استسلموا»!
لذلك، هي أبت إلا أن تكافح وتصمد وتواصل المسيرة رغم ما اعترض طريقها من مطبات وعثرات، انطلاقا من إيمانها بنفسها، ومن قناعتها بأن الفشل ليس قاتلا، بل حافزا على النجاح، وبأن من رحم المعاناة يولد الأمل، وبأن وجع الألم يولد الإرادة، وبأن من باطن الغيوم السوداء ينشق النور.
د. نسرين حسن القصير، أول بحرينية يتم تعيينها في منصب الرئيس التنفيذي لإدارة المخاطر من قبل البنك المركزي البحريني، وخليجية تتقلد المنصب نفسه في دولة الكويت، امرأة عصامية بامتياز، عاشت طفولة مريرة فلم تيأس أو تستسلم قط، بل قررت إحداث التغيير الإيجابي في حياتها، والتعامل مع الصعوبات بوعي وباستراتيجية، فراحت تبحث عن المخارج والحلول البديلة لتنسج تجربة إنسانية وعملية تؤكد أن التحديات التي نواجهها عبر مسيرتنا تسهم في تشكيل شخصيتنا، وتعلمنا الكثير من الدروس والعبر التي نحن بحاحة إليها لتحقيق النجاح في المستقبل، وذلك هو سر انتصارها في معركة الحياة.
بالفعل، إذا أردت معرفة مدى كفاءة أي امرأة، فإن أحد المعايير المهمة هنا هو كيفية مواجهتها للأزمات، ومدى كفاءتها في إدارتها، وفي وضع الخطط واتخاذ القرارات ومن ثم تحقيق الإنجازات، وهذا ما سنتعرض له تفصيلا في الحوار التالي:
كيف كانت طفولتك؟
يمكن القول بأنني عشت طفولة قاسية للغاية، ومع ذلك كان لها وجه إيجابي حيث صنعت مني شخصية قوية ومسؤولة وصاحبة رؤية، فقد تربينا على أيدي أم لم تكمل مشوارها التعليمي وفقدت زوجها مبكرا عند عمر 29 عاما، وكنت الابنة الوسطى التي لم تتعد الخمس سنوات حينئذ، وتأثرت بوالدتي كثيرا التي عكفت على تربية أبنائها بمفردها وعانت الكثير وكافحت وطورت من نفسها في سبيل تأدية رسالتها تجاهنا، فتعلمت فن الخياطة ووفرت قوت يومها هي وأبناؤها بجهودها الذاتية وبالطبع لم تكن مهمتها سهلة، ولكنها كانت تحمل عقلية مصرفية وقيادية بامتياز، وبفضل ذلك دبرت أمورها بشكل جيد وفعال وبالإرادة والتحدي نجحت في مهمتها الأسرية عبر وضع استراتيجية تتلاءم مع ظروفها.
أول محطة عملية؟
- كان لظروف نشأتي هذه أبلغ الأثر في صناعة شخصيتي وفي إصراري على تحقيق الاستقلالية في سن مبكر وبناء نفسي بنفسي وأن أتمتع بالقوة مثل والدتي، لذلك خرجت للعمل في الصف الثاني الثانوي بالعطلة الصيفية لكسب قوت يومي وكانت أول محطة عملية لي في كلية العلوم الصحية كموظفة، وقد قررت دراسة علم برمجة الكمبيوتر في المرحلة الجامعية إلى جانب دراسة اللغة الإنجليزية في المساء لإتقانها، وكنت دائما أذكر نفسي بأن الحياة لا تنتظرني ولن تقف عندي، لذلك يجب أن أسابق الزمن والوقت وأسعى بشدة نحو العلم والمعرفة والتطوير، وخلال أول عام من الدراسة الجامعية عملت لدى شركة بابكو في إجازة الصيف الأمر الذي أكسبني خبرة عملية واسعة في هذا المجال إلى أن حققت حلمي في ذلك الوقت.
وما هو ذلك الحلم؟
- كان العمل لدى بنك البحرين والكويت يمثل حلما بالنسبة لي وللكثيرين نظرا لما يتمتع به من سمعة طيبة جعلته من الأسماء الرنانة في سوق العمل، وقد التحقت به كمتدربة أثناء مرحلة الجامعة، ثم تم تعييني وهنا حققت حلمي الذي كان يراودني بصورة مستمرة، وكان علي أن اختار بين قبول هذه الفرصة أو إكمال البكالوريوس، ولكني اخترت العمل وواصلت دراستي المسائية في نفس الوقت بعد أن توقفت عنها حوالي عام، وحصلت على شهادة البكالوريوس، وبدأت عملي كمحلل لبرمجة الكمبيوتر وعقب ست سنوات قررت اكتساب خبرة جديدة وتقدمت بطلب لإدارة البنك للانتقال إلى قسم بطاقة الائتمان، وقضيت به نفس المدة وحققنا من خلاله كل التوقعات، ثم شعرت بأنه قد جاء وقت إكمال دراساتي العليا.
عن ماذا كانت رسلة الماجستير؟
- لقد حصلت على رسالة الماجستير من خلال الدراسة المسائية في معهد المصرفيين، وكان بالمراسلة من إحدى الجامعات البريطانية في مجال إدارة الأعمال هذا إلى جانب عملي في نفس الوقت، ثم حصلت على رسالة الدكتوراه حين شجعني مديري على ذلك، وبدأت من الصفر في قسم إدارة المخاطر وهو مجال واسع، وتقلدت منصب مدير، ولا شك أن عشرين عاما مع البنك صنعت مني شخصية مصرفية بامتياز مكنتني من الوصول إلى كل ما حققته اليوم، ولا شك أن انتقالي للعمل لدى بنك إسلامي كانت من المحطات المهمة في مسيرتي.
تجربتك مع البنك الإسلامي؟
- لا شك أن انتقالي من بنك ربوي إلى بنك إسلامي مثل خطوة مهمة بمشواري وذلك بعد أن تلقيت عرضا للعمل في إدارة الائتمان والمخاطر بأحد البنوك، وهنا بدأت من الصفر من جديد، وقد قررت الحصول على رسالة الدكتوراه في مجال إدارة مخاطر العمليات بالبنك على نفقتي الخاصة وذلك من جامعة ليفربول، وفي تلك الفترة جمعت بين عملي ودراستي، ثم التحقت للعمل لدى بنك استثماري في منصب رئيس تنفيذي لإدارة المخاطر والائتمان كأول بحرينية تحقق هذا الإنجاز، كما تم تعييني في المنصب نفسه كأول خليجية في دولة الكويت.
وبعد العودة من الكويت؟
- بعد قضاء ثلاث سنوات ونصف سنة في دولة الكويت عدت إلى وطني حاملة خبرة واسعة ومتنوعة ما بين العمل بالبنوك الإسلامية والربوية والاستثمارية، الأمر الذي مهد أمامي الطريق للعمل لدى مصرف البحرين المركزي كمستشارة مدة عام تقريبا، ثم شعرت بعدها أنه قد جاء وقت اتخاذ قرار التقاعد، تلا ذلك خطوة مهمة في مسيرتي وهي عملي كمستشارة في إدارة المخاطر في أحد بنوك الأوفشور وحتى الآن.
أصعب مرحلة؟
- من أصعب التحديات التي واجهتها كان لكوني امرأة تعمل في هذا المجال، الأمر الذي تطلب مني بذل جهد مضاعف لإثبات وجودي به ومنافسة العنصر الرجالي، ولا شك أن المرأة في ذلك الوقت لم تكن قد حصلت على حقوقها كما هو حادث اليوم، ولذلك كنت أحرص دائما على تطوير ذاتي ومهاراتي عبر تغيير مجالات العمل ومن ثم تنويع الخبرات المكتسبة منها.
مبدأ تسيرين عليه دائما
- لقد اعتدت على أن أبدأ يومي بالتوجه بالحمد والشكر لله سبحانه وتعالى، وبالشعور بأن كل ما يحدث معي هو قدر مكتوب لي يجب تقبله مهما كانت التحديات، ولعل قناعتي بأهمية أداء واجباتي قبل حصولي على حقوقي كانت دائما تمثل مصدر قوة بالنسبة لي وللإحساس بأن المسؤولية أمانة يجب أن تؤدى على أكمل وهذا ما أؤمن به كذلك تجاه عملي الاجتماعي الذي أجد فيه متعة كبيرة منذ أن بدأت مشواره خلال المرحلة الثانوية عبر عضويتي في مجلس إدارة جمعية البحرين للتدريب.
ماذا تعني كلمة فشل بالنسبة إليك؟
- أهم درس تعلمته في مدرسة الحياة هو أن الفشل يمثل بالنسبة إلي تحديا لتحقيق النجاح، ومن ثم عدم الاستسلام أو اليأس مطلقا حين تتعثر خطواتي، وكذلك وجوب المطالبة بحقوقي وعدم التفريط بها، وهذا ما حرصت عليه فعليا منذ بداية مشواري العملي، وبشكل عام يمكن تأكيد أن المرأة بفطرتها لا تفشل لتمتعها بإرادة حديدية وبالقوة وبالثقة في نفسها، حتى حين يحاول الآخرون إحباطها نجد أن ذلك قد يعطل نجاحاتها وإنجازاتها بعض الشيء ولكنه لا يوقفها مطلقا عن تحقيق أهدافها وطموحها.
أهم إنجاز؟
- من أهم الإنجازات التي أفخر بها حصولي مؤخرا على جائزة امرأة العام في القطاع المصرفي من قبل مجلة «وومان ذيس مانث»، هذا فضلا عن إنجازات أخرى أعتز بها كثيرا منها نيل جائزة المرأة المصرفية عام 2015 من المجلس الأعلى للمرأة وتحقيق حلم الحصول على رسالة الدكتوراه وخاصة في ظل الظروف المادية الصعبة التي واجهتها في تلك الفترة.
أكثر الداعمين لك
- والدتي وإخواني وأخواتي ومديري في العمل وراء نجاحي وكل ما حققته اليوم، ويمكن الجزم بأنه رغم أي عقبات مرت بي تمكنت من بلوغ أهدافي في ظل دعم العائلة التي أجد كل فرد فيها مكملا ومساعدا للآخر، وأتمنى أن يعي أبناء الجيل الجديد أهمية الترابط العائلي، وأن يقدروا قيمة الأشياء التي يملكونها، وأن يتذكروا دائما بأن غالبية جيلنا قد تخرج في مدارس حكومية ونحت في الصخر وصنع نفسه بنفسه.
أجمل الحصاد
- لعل أجمل الحصاد هو الحصول على ثقة واحترام كل من حولي سواء على صعيد الأسرة أو المجتمع أو العمل.
طموحك القادم
- فعليا أشعر ولله الحمد بأنني قد حققت كل أحلامي، وكل ما أتمناه هو استكمال المسيرة بنفس الحماس والنجاح وإنشاء جمعية بحرينية لإدارة المخاطر تسهم في تأسيس الأجيال القادمة في هذا المجال وذلك تحت مظلة مصرف البحرين المركزي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك