العدد : ١٧١٥٩ - الأحد ١٦ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٥٩ - الأحد ١٦ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ رمضان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

من ضوء 1 إلى المنذر..
البحرين تكتب قصتها في علوم الفضاء

بقلم: نبيلة رجب

الأحد ١٦ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

تخيل‭ ‬أنك‭ ‬ترى‭ ‬صورة‭ ‬للأرض‭ ‬من‭ ‬الفضاء‭.. ‬كرة‭ ‬زرقاء‭ ‬صغيرة‭ ‬تحيط‭ ‬بها‭ ‬ظلمة‭ ‬شاسعة‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نعرفه‭ ‬‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬بنيناها،‭ ‬البحار‭ ‬التي‭ ‬نعتمد‭ ‬عليها،‭ ‬والموارد‭ ‬التي‭ ‬نستهلكها‭ ‬‭ ‬يختزل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬الصغيرة‭. ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬يضع‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬حجمه‭ ‬الحقيقي‭: ‬كوكب‭ ‬محدود‭ ‬الموارد‭ ‬وسط‭ ‬فراغ‭ ‬شاسع‭. ‬إدراك‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬يجعلنا‭ ‬أكثر‭ ‬وعيًا‭ ‬بأهمية‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليه‭ ‬وضمان‭ ‬استدامته‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭.‬

لكن‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬استكشاف‭ ‬الفضاء‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬الأرض؟‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬للتقنيات‭ ‬التي‭ ‬طُورت‭ ‬لفهم‭ ‬الكون‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬حلولنا‭ ‬المعاصرة؟

استكشاف‭ ‬الفضاء‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬واقعنا،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬أداة‭ ‬فعالة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬متعددة‭. ‬فصور‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬تساعد‭ ‬المزارعين‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬إنتاجهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مراقبة‭ ‬صحة‭ ‬المحاصيل‭ ‬والتنبؤ‭ ‬بالتغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬كما‭ ‬تتيح‭ ‬للعلماء‭ ‬رصد‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬والتنبؤ‭ ‬بالكوارث‭ ‬الطبيعية،‭ ‬ما‭ ‬يمنح‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬فرصة‭ ‬لاتخاذ‭ ‬التدابير‭ ‬الوقائية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الطبي،‭ ‬فقد‭ ‬أسهمت‭ ‬التقنيات‭ ‬المطورة‭ ‬لرواد‭ ‬الفضاء‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬التصوير‭ ‬الطبي،‭ ‬مثل‭ ‬أجهزة‭ ‬الرنين‭ ‬المغناطيسي‭ (‬MRI‭)‬،‭ ‬وتطوير‭ ‬تقنيات‭ ‬الجراحة‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭ ‬باستخدام‭ ‬الروبوتات،‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تُستخدم‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭. ‬حتى‭ ‬الأقمشة‭ ‬المقاومة‭ ‬للبكتيريا،‭ ‬التي‭ ‬صممت‭ ‬خصيصا‭ ‬لحماية‭ ‬رواد‭ ‬الفضاء،‭ ‬يتم‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬العدوى‭.‬

على‭ ‬مدار‭ ‬العقود‭ ‬الماضية،‭ ‬كانت‭ ‬علوم‭ ‬الفضاء‭ ‬عاملا‭ ‬رئيسيا‭ ‬في‭ ‬ابتكارات‭ ‬غيرت‭ ‬حياتنا‭. ‬فمن‭ ‬مهام‭ ‬‮«‬أبولو‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬أنظمة‭ ‬تحديد‭ ‬المواقع‭ (‬GPS‭) ‬وتقنيات‭ ‬الاتصالات‭ ‬الحديثة،‭ ‬تحولت‭ ‬المشاريع‭ ‬الفضائية‭ ‬إلى‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬بنيتنا‭ ‬التحتية‭ ‬الرقمية،‭ ‬مما‭ ‬أحدث‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬التواصل‭ ‬والتنقل‭ ‬وإدارة‭ ‬المعلومات‭.‬

على‭ ‬الصعيد‭ ‬الإقليمي،‭ ‬اتخذت‭ ‬البحرين‭ ‬خطوات‭ ‬طموحة‭ ‬لتعزيز‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬فتأسيس‭ ‬الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬لعلوم‭ ‬الفضاء‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬شكّل‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬وضعت‭ ‬المملكة‭ ‬على‭ ‬خارطة‭ ‬الابتكار‭ ‬العلمي‭. ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬إنجازاتها‭ ‬إطلاق‭ ‬القمر‭ ‬الصناعي‭ ‬‮«‬ضوء‭ ‬1‮»‬‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الشقيقة‭ ‬الإمارات‭ ‬لدراسة‭ ‬الإشعاعات‭ ‬الفضائية،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬المنذر‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬قمر‭ ‬صناعي‭ ‬بحريني‭ ‬بالكامل‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والأمن‭ ‬السيبراني،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التقاط‭ ‬صور‭ ‬فضائية‭ ‬لمراقبة‭ ‬التغيرات‭ ‬البيئية‭ ‬البحرية‭. ‬والذي‭ ‬تم‭ ‬إطلاقه‭ ‬يوم‭ ‬أمس‭ ‬بحمد‭ ‬الله،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬حضور‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬التقني‭ ‬العالمي‭.‬

وكما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬أظهرت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬الأخرى‭ ‬التزامها‭ ‬بتطوير‭ ‬علوم‭ ‬الفضاء،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاريع‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬مسبار‭ ‬الأمل‮»‬‭ ‬الإماراتي‭ ‬وبرامج‭ ‬السعودية‭ ‬الفضائية،‭ ‬التي‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬يفتح‭ ‬آفاقا‭ ‬جديدة،‭ ‬ويضع‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬ريادي‭ ‬كان‭ ‬محصورًا‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭.‬

اليوم،‭ ‬تلعب‭ ‬التقنيات‭ ‬الفضائية‭ ‬دورًا‭ ‬رئيسيا‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬التنمية،‭ ‬من‭ ‬التخطيط‭ ‬العمراني‭ ‬إلى‭ ‬إدارة‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية،‭ ‬ومن‭ ‬تحسين‭ ‬جودة‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬للتحديات‭ ‬البيئية‭. ‬وبينما‭ ‬تتوسع‭ ‬المشاريع‭ ‬الفضائية‭ ‬عالميا،‭ ‬يزداد‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع،‭ ‬مما‭ ‬يخلق‭ ‬فرصا‭ ‬وظيفية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتقدمة‭.‬

يقول‭ ‬روبرت‭ ‬زوبرين،‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬دعاة‭ ‬استكشاف‭ ‬الفضاء‭: ‬‮«‬استكشاف‭ ‬الفضاء‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬بل‭ ‬فهمها‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬الفهم‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬علوم‭ ‬الفضاء‭ ‬ضرورة‭ ‬وليست‭ ‬ترفا،‭ ‬فهي‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬المعيشة،‭ ‬تقديم‭ ‬حلول‭ ‬بيئية،‭ ‬وإلهام‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬محركا‭ ‬للتقدم‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭.‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬استكشاف‭ ‬الفضاء‭ ‬حلما‭ ‬علميا،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬ووسيلة‭ ‬لفهم‭ ‬كوكبنا‭ ‬بوضوح‭ ‬أكبر‭. ‬وبينما‭ ‬تسابق‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬الزمن‭ ‬لتعزيز‭ ‬حضورها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬تواصل‭ ‬البحرين‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬اتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬واثقة،‭ ‬مستثمرة‭ ‬في‭ ‬الكفاءات‭ ‬الوطنية‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭. ‬فالمستقبل‭ ‬لا‭ ‬ينتظر،‭ ‬ومن‭ ‬يملك‭ ‬المعرفة‭ ‬اليوم،‭ ‬يصنع‭ ‬الغد‭.‬

 

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا