تخيل أنك ترى صورة للأرض من الفضاء.. كرة زرقاء صغيرة تحيط بها ظلمة شاسعة. كل ما نعرفه – المدن التي بنيناها، البحار التي نعتمد عليها، والموارد التي نستهلكها – يختزل في هذه النقطة الصغيرة. هذا المشهد يضع كل شيء في حجمه الحقيقي: كوكب محدود الموارد وسط فراغ شاسع. إدراك هذه الحقيقة يجعلنا أكثر وعيًا بأهمية الحفاظ عليه وضمان استدامته للأجيال القادمة.
لكن هل يمكن أن يسهم استكشاف الفضاء في حماية الأرض؟ وهل يمكن للتقنيات التي طُورت لفهم الكون أن تصبح جزءًا من حلولنا المعاصرة؟
استكشاف الفضاء لم يعد بعيدا عن واقعنا، بل أصبح أداة فعالة في مجالات متعددة. فصور الأقمار الصناعية تساعد المزارعين على تحسين إنتاجهم من خلال مراقبة صحة المحاصيل والتنبؤ بالتغيرات المناخية، كما تتيح للعلماء رصد ارتفاع مستوى سطح البحر والتنبؤ بالكوارث الطبيعية، ما يمنح الجهات المختصة فرصة لاتخاذ التدابير الوقائية في الوقت المناسب.
أما في المجال الطبي، فقد أسهمت التقنيات المطورة لرواد الفضاء في تحسين التصوير الطبي، مثل أجهزة الرنين المغناطيسي (MRI)، وتطوير تقنيات الجراحة عن بُعد باستخدام الروبوتات، التي باتت تُستخدم على نطاق واسع في المستشفيات. حتى الأقمشة المقاومة للبكتيريا، التي صممت خصيصا لحماية رواد الفضاء، يتم الاستفادة منها في المستشفيات للحد من انتشار العدوى.
على مدار العقود الماضية، كانت علوم الفضاء عاملا رئيسيا في ابتكارات غيرت حياتنا. فمن مهام «أبولو» إلى أنظمة تحديد المواقع (GPS) وتقنيات الاتصالات الحديثة، تحولت المشاريع الفضائية إلى ركيزة أساسية في بنيتنا التحتية الرقمية، مما أحدث نقلة نوعية في طرق التواصل والتنقل وإدارة المعلومات.
على الصعيد الإقليمي، اتخذت البحرين خطوات طموحة لتعزيز وجودها في هذا المجال. فتأسيس الهيئة الوطنية لعلوم الفضاء عام 2014 شكّل نقطة تحول وضعت المملكة على خارطة الابتكار العلمي. ومن أبرز إنجازاتها إطلاق القمر الصناعي «ضوء 1» بالتعاون مع الشقيقة الإمارات لدراسة الإشعاعات الفضائية، والعمل على مشروع «المنذر»، وهو أول قمر صناعي بحريني بالكامل يهدف إلى دعم البحث العلمي في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، إضافة إلى التقاط صور فضائية لمراقبة التغيرات البيئية البحرية. والذي تم إطلاقه يوم أمس بحمد الله، مما يعزز حضور البحرين في المشهد التقني العالمي.
وكما هو الحال في البحرين، أظهرت دول الخليج الأخرى التزامها بتطوير علوم الفضاء، من خلال مشاريع مثل «مسبار الأمل» الإماراتي وبرامج السعودية الفضائية، التي تثبت أن الاستثمار في هذا المجال يفتح آفاقا جديدة، ويضع المنطقة في موقع ريادي كان محصورًا سنوات طويلة على الدول الكبرى.
اليوم، تلعب التقنيات الفضائية دورًا رئيسيا في دعم التنمية، من التخطيط العمراني إلى إدارة الموارد الطبيعية، ومن تحسين جودة الحياة إلى إيجاد حلول للتحديات البيئية. وبينما تتوسع المشاريع الفضائية عالميا، يزداد الطلب على المتخصصين في هذا القطاع، مما يخلق فرصا وظيفية جديدة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة.
يقول روبرت زوبرين، أحد أبرز دعاة استكشاف الفضاء: «استكشاف الفضاء لا يعني الهروب من الأرض، بل فهمها بشكل أفضل». وهذا الفهم هو ما يجعل علوم الفضاء ضرورة وليست ترفا، فهي تسهم في تحسين المعيشة، تقديم حلول بيئية، وإلهام الأجيال القادمة، مما يجعلها محركا للتقدم في عالمنا.
لم يعد استكشاف الفضاء حلما علميا، بل أصبح ركيزة أساسية في التنمية المستدامة ووسيلة لفهم كوكبنا بوضوح أكبر. وبينما تسابق الدول المتقدمة الزمن لتعزيز حضورها في هذا المجال، تواصل البحرين ودول الخليج اتخاذ خطوات واثقة، مستثمرة في الكفاءات الوطنية والتكنولوجيا الحديثة. فالمستقبل لا ينتظر، ومن يملك المعرفة اليوم، يصنع الغد.
rajabnabeela@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك