العدد : ١٧١٥٩ - الأحد ١٦ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٥٩ - الأحد ١٦ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ رمضان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

المرأة القائدة.. فاطمة بنت الخطاب أنموذجا

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ١٦ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

لا‭ ‬تذكر‭ ‬كتب‭ ‬السير‭ ‬سيرة‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬إلا‭ ‬وتذكر‭ ‬السيدة‭ ‬شقيقته‭ ‬فاطمة‭ ‬بنت‭ ‬الخطاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها،‭ ‬ترى‭ ‬ما‭ ‬علاقة‭ ‬الصحابية‭ ‬فاطمة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬بالفاروق‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬غير‭ ‬النسب‭ ‬والعلاقة‭ ‬الأسرية؟‭ ‬

هي‭ ‬فاطمة‭ ‬بنت‭ ‬الخطاب‭ ‬بن‭ ‬نفيل،‭ ‬ولقبها‭ ‬أميمة،‭ ‬وكنيتها‭ ‬أم‭ ‬جميل،‭ ‬وهي‭ ‬أخت‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬وثاني‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهما،‭ ‬وزوجة‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬زيد‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬نفيل‭ ‬العدوي‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه،‭ ‬أحد‭ ‬السابقين‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام،‭ ‬وأحد‭ ‬العشرة‭ ‬المبشرين‭ ‬بالجنة،‭ ‬وقيل‭ ‬إنها‭ ‬ولدت‭ ‬لسعد‭ ‬بن‭ ‬زيد‭ ‬ابنه‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭.‬

وهي‭ ‬صحابية‭ ‬جليلة،‭ ‬اتسمت‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬المزايا؛‭ ‬منها‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬شديدة‭ ‬الإيمان‭ ‬بالله‭ ‬تعالى‭ ‬وشديدة‭ ‬الاعتزاز‭ ‬بالإسلام،‭ ‬طاهرة‭ ‬القلب،‭ ‬راجحة‭ ‬العقل،‭ ‬نقية‭ ‬الفطرة،‭ ‬من‭ ‬السابقات‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام،‭ ‬أسلمت‭ ‬قديمًا‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬قبل‭ ‬إسلام‭ ‬أخيهـا‭ ‬عمر‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬إسلامه،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬بايعت‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬فكانت‭ ‬من‭ ‬المبايعات‭ ‬الأوائل‭.‬

الصفات‭ ‬القيادية‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬فاطمة‭ ‬بنت‭ ‬الخطاب

هذه‭ ‬الصحابية‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬لم‭ ‬تحمل‭ ‬سيفًا‭ ‬ولم‭ ‬تسجل‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬أنها‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬أو‭ ‬غزوة،‭ ‬وإنما‭ ‬تذكر‭ ‬لها‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬أعظم‭ ‬موقف‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يتحمله‭ ‬أحد،‭ ‬ولكنها‭ ‬بقوة‭ ‬إيمانها‭ ‬وثقتها‭ ‬بالله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬وإيمانها‭ ‬بهذا‭ ‬الدين‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬مجرى‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‭ ‬وهي‭ ‬قابعة‭ ‬في‭ ‬بيتها‭ ‬ولم‭ ‬تغادره،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬قدرتها‭ ‬القيادية،‭ ‬فليست‭ ‬القيادة‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬المحافل‭ ‬أو‭ ‬الندوات‭ ‬أو‭ ‬أماكن‭ ‬العمل،‭ ‬وإنما‭ ‬تبرز‭ ‬القدرات‭ ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬موقف‭ ‬وأي‭ ‬موقع‭. ‬لنحاول‭ ‬أن‭ ‬نتعرف‭ ‬على‭ ‬قدراتها‭ ‬القيادية‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭:‬

أولاً‭: ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الشدائد‭ ‬وإدارة‭ ‬المواقف؛‭ ‬جميعنا‭ ‬يعرف‭ ‬قصة‭ ‬إسلام‭ ‬الفاروق‭ ‬عمر‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه،‭ ‬ولكن‭ ‬لنحاول‭ ‬أن‭ ‬نذكر‭ ‬تلك‭ ‬القصة‭ ‬باختصار‭ ‬وبالتالي‭ ‬لنتعرف‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬الذي‭ ‬تبرز‭ ‬فيه‭ ‬الصحابية‭ ‬فاطمة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها،‭ ‬تقول‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭:  ‬

عندما‭ ‬قرر‭ ‬عمر‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أن‭ ‬يقتل‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬بيته‭ ‬يحمل‭ ‬سيفه‭ ‬بغير‭ ‬جرابه،‭ ‬فلقيَه‭ ‬صديق‭ ‬له،‭ ‬أخذته‭ ‬الدهشة‭ ‬للحالة‭ ‬التي‭ ‬رآه‭ ‬عليها‭ ‬فسأله‭ ‬عما‭ ‬ينوي‭ ‬أن‭ ‬يفعله،‭ ‬فقال‭ ‬عمر‭: ‬‮«‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أقتل‭ ‬محمدًا‮»‬‭. ‬فقال‭ ‬له‭: ‬‮«‬ألا‭ ‬تدري‭ ‬أن‭ ‬أختك‭ ‬وزوجها‭ ‬قد‭ ‬أسلما»؟‭ ‬صاعقة‭ ‬نزلت‭ ‬على‭ ‬عمر،‭ ‬وانقبض‭ ‬صدره‭ ‬بشدة،‭ ‬فتحرك‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬غرور‭ ‬الجاهلية‭ ‬فقرر‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬بأخته‭ ‬وزوجها‭ ‬أولاً‭. ‬

عندما‭ ‬بلغ‭ ‬بيت‭ ‬أخته‭ ‬سمع‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬الباب‭ ‬صوت‭ ‬تلاوة‭ ‬في‭ ‬الداخل،‭ ‬فدلف‭ ‬عمر‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬مسرعًا‭ ‬وربما‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يطرق‭ ‬الباب،‭ ‬فأختبأ‭ ‬خبّاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭. ‬

قامت‭ ‬فاطمة‭ ‬أخت‭ ‬عمر‭ ‬بتنحية‭ ‬الأوراق‭ ‬القرآنية‭ ‬جانبًا،‭ ‬وواجهت‭ ‬أخاها،‭ ‬فقال‭ ‬عمر‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬سمعت‭ ‬أنكما‭ ‬صبأتما‮»‬‭. ‬ورفع‭ ‬يده‭ ‬ليصفع‭ ‬زوجها‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬عمومته،‭ ‬فألقت‭ ‬فاطمة‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬زوجها‭ ‬كي‭ ‬تحول‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬عمر،‭ ‬فهبطت‭ ‬الضربة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬فاطمة،‭ ‬وأصابت‭ ‬أنفها‭ ‬الذي‭ ‬أخذ‭ ‬ينْزف‭ ‬الدماء‭ ‬بغزارة‭. ‬إلا‭ ‬إن‭ ‬الضربة‭ ‬زادت‭ ‬من‭ ‬شجاعة‭ ‬فاطمة،‭ ‬فقالت‭: ‬‮«‬نعم،‭ ‬لقد‭ ‬أسلمنا،‭ ‬ولن‭ ‬ندع‭ ‬هذا‭ ‬الدين،‭ ‬فافعل‭ ‬ما‭ ‬بدا‭ ‬لك‮»‬‭. ‬

في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬تحرك‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬عمر،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعدما‭ ‬اصطبغ‭ ‬وجه‭ ‬أخته‭ ‬بالدم‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬يده،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬تحول‭ ‬عمر‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬مختلف‭ ‬تمامًا‭. ‬طلب‭ ‬منهما‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬أوراق‭ ‬القرآن‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يقرؤونها،‭ ‬فرفضت‭ ‬فاطمة‭ ‬خشية‭ ‬أن‭ ‬يمزقها‭ ‬ويلقي‭ ‬بها،‭ ‬فوعد‭ ‬عمر‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يفعل‭. ‬فطلبت‭ ‬منه‭ ‬فاطمة‭ ‬أن‭ ‬يتطهر‭ ‬أولاً‭ ‬فلا‭ ‬يلمس‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬إلا‭ ‬وهو‭ ‬طاهر‭. ‬وبعدما‭ ‬تطهّر‭ ‬وهدأت‭ ‬نفسه،‭ ‬تناول‭ ‬الصحائف‭ ‬القرآنية‭ ‬في‭ ‬يده‭ ‬وكانت‭ ‬تحوي‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬طه،‭ ‬حينها‭ ‬أسلم‭ ‬الفاروق‭.‬

لنحاول‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬موقف‭ ‬الصحابية‭ ‬بنت‭ ‬الخطاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها؛‭ ‬لنتصور‭ ‬الفاروق‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬وهو‭ ‬يدخل‭ ‬عليهم‭ ‬البيت‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬حالات‭ ‬الغضب،‭ ‬وبيده‭ ‬سيف‭ ‬جاهز‭ ‬للقتل‭. ‬ومن‭ ‬هو‭ ‬عمر‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الجسمانية،‭ ‬إذ‭ ‬تشير‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬ضخم‭ ‬الجثة‭. ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الضخم‭ ‬الشديد‭ ‬الغضب‭ ‬وبيده‭ ‬سيف‭ ‬جاهز‭ ‬للقتل‭ ‬يدخل‭ ‬عليهم‭ ‬البيت‭ ‬والشر‭ ‬يتطاير‭ ‬من‭ ‬عينيه،‭ ‬إنه‭ ‬بالفعل‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬إلا‭ ‬للقتل‭.‬

يرفع‭ ‬الفاروق‭ ‬يده‭ ‬القوية‭ ‬الشديدة‭ ‬البأس‭ ‬ليضرب‭ ‬صهره‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬زيد‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬لأنه‭ ‬خالف‭ ‬وخرج‭ ‬عن‭ ‬تقاليد‭ ‬قريش‭ ‬التي‭ ‬هو‭ ‬يؤمن‭ ‬بها،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تقف‭ ‬بين‭ ‬شقيقها‭ ‬وزوجها‭ ‬لتتلقى‭ ‬هي‭ ‬غضب‭ ‬الفاروق‭ ‬وبكل‭ ‬شجاعة،‭ ‬تنزل‭ ‬الصفعة‭ ‬على‭ ‬وجهها‭ ‬فيتناثر‭ ‬الدم‭ ‬على‭ ‬وجهها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يخيفها‭ ‬ولم‭ ‬يجعلها‭ ‬تتردد‭ ‬لحظة‭ ‬أو‭ ‬تخاف‭ ‬أو‭ ‬يغمى‭ ‬عليها،‭ ‬وإنما‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تقف‭ ‬بكل‭ ‬شجاعة‭ ‬أمام‭ ‬الفاروق‭ ‬ووجها‭ ‬ينزف،‭ ‬وترفض‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬تسلمه‭ ‬أوراق‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬حتى‭ ‬يغتسل،‭ ‬لأنه‭ ‬مشرك‭.‬

لنعيد‭ ‬تخيل‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬في‭ ‬أدمغتنا‭ ‬مرات‭ ‬كثيرة،‭ ‬سنقف‭ ‬إجلالاً‭ ‬أمام‭ ‬شجاعتها‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مستعدة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬شخصياتها‭ ‬القيادة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬مكنتها‭ ‬من‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الموقف‭.   ‬

 

ثانيًا‭: ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الكتمان؛‭ ‬تذكر‭ ‬هذه‭ ‬الحكاية‭ ‬في‭ ‬السيرة‭ ‬الحلبية‭ ‬في‭ ‬سيرة‭ ‬الأمين‭ ‬والمأمون،‭ ‬تقول‭ ‬الحكاية‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الأرقم‭ ‬ألحّ‭ ‬أبوبكر رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه على‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬الظهور‭ ‬وإعلان‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬المسجد‭ ‬الحرام،‭ ‬فقال‭: ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬بكر‭ ‬إنا‭ ‬قليل‭. ‬فلم‭ ‬يزل‭ ‬به‭ ‬حتى‭ ‬خرج‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ومن‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬أصحابه‭ ‬إلى‭ ‬المسجد‭ ‬الحرام،‭ ‬وقام‭ ‬أبو‭ ‬بكر رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه في‭ ‬الناس‭ ‬خطيبًا‭ ‬ورسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬جالس،‭ ‬ودعا‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬ورسوله،‭ ‬فهو‭ ‬أول‭ ‬خطيب‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭. ‬وثار‭ ‬المشركون‭ ‬على‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬وعلى‭ ‬المسلمين‭ ‬فضربوهم‭ ‬ضربا‭ ‬شديدًا،‭ ‬ووطئ‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬بالأرجل‭ ‬وضرب‭ ‬ضربًا‭ ‬شديدًا،‭ ‬وصار‭ ‬عتبة‭ ‬بن‭ ‬ربيعة‭ ‬يضرب‭ ‬أبا‭ ‬بكر‭ ‬بنعلين‭ ‬مخصوفتين،‭ ‬ويحرفهما‭ ‬إلى‭ ‬وجهه‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أنفه‭ ‬من‭ ‬وجهه‭.‬

حمل‭ ‬الصديق‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬إلى‭ ‬منزله،‭ ‬وصار‭ ‬والده‭ ‬أبو‭ ‬قحافة‭ ‬وبنو‭ ‬تيم‭ ‬يكلمونه‭ ‬فلا‭ ‬يجيب،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬آخر‭ ‬النهار‭ ‬تكلم‭ ‬وقال‭: ‬ما‭ ‬فعل‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فعذلوه،‭ ‬فصار‭ ‬يكرر‭ ‬ذلك،‭ ‬فقالت‭ ‬أمه‭: ‬والله‭ ‬ما‭ ‬لي‭ ‬علم‭ ‬بصاحبك‭. ‬فقال‭ ‬اذهبي‭ ‬إلى‭ ‬أم‭ ‬جميل‭ ‬بنت‭ ‬الخطاب‭ ‬أخت‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬فاسأليها‭ ‬عنه‭.‬

فخرجت‭ ‬إليها‭ ‬وقالت‭ ‬لها‭: ‬إن‭ ‬أبا‭ ‬بكر‭ ‬يسأل‭ ‬عن‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الله،‭ ‬فقالت‭: ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬محمدًا‭ ‬ولا‭ ‬أبا‭ ‬بكر‭. ‬ثم‭ ‬قالت‭ ‬لها‭: ‬تريدين‭ ‬أن‭ ‬أخرج‭ ‬معك؟‭ ‬قالت‭: ‬نعم،‭ ‬فخرجت‭ ‬معها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاءت‭ ‬أبا‭ ‬بكر رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه،‮ ‬فوجدته‭ ‬صريعًا،‭ ‬فصاحت،‭ ‬وقالت‭: ‬إن‭ ‬قومًا‭ ‬نالوا‭ ‬هذا‭ ‬منك‭ ‬لأهل‭ ‬فِسق،‭ ‬وإني‭ ‬لأرجو‭ ‬أن‭ ‬ينتقم‭ ‬الله‭ ‬منهم‭. ‬فقال‭ ‬لها‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭: ‬ما‭ ‬فعل‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم؟‭ ‬فقالت‭ ‬له‭: ‬هذه‭ ‬أمك‭ ‬تسمع،‭ ‬قال‭: ‬فلا‭ ‬عين‭ ‬عليك‭ ‬منها‭ (‬أي‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تفشي‭ ‬سرك‭) ‬قالت‭: ‬سالم،‭ ‬فقال‭: ‬أين‭ ‬هو؟‭ ‬فقالت‭: ‬في‭ ‬دار‭ ‬الأرقم،‭ ‬فقال‭: ‬والله‭ ‬لا‭ ‬أذوق‭ ‬طعامًا‭ ‬ولا‭ ‬أشرب‭ ‬شرابًا‭ ‬أو‭ ‬آتي‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬قالت‭ ‬أمه‭: ‬فأمهلناه‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬هدأت‭ ‬الرجل‭ ‬وسكن‭ ‬الناس‭. ‬فخرجنا‭ ‬به‭ ‬يتكئ‭ ‬عليّ‭ ‬حتى‭ ‬دخل‭ ‬على‭ ‬رسول‭ ‬الله صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فرق‭ ‬له‭ ‬رقة‭ ‬شديدة،‭ ‬وأكب‭ ‬عليه‭ ‬يقبله،‭ ‬وأكب‭ ‬عليه‭ ‬المسلمون‭ ‬كذلك،‭ ‬فقال‭: ‬بأبي‭ ‬وأمي‭ ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله،‭ ‬ما‭ ‬بي‭ ‬من‭ ‬بأس‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬نال‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬وجهي،‭ ‬وهذه‭ ‬أمي‭ ‬بارة‭ ‬بولدها،‭ ‬فعسى‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬ينقذها‭ ‬بك‭ ‬من‭ ‬النار،‭ ‬فدعا‭ ‬لها‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬ودعاها‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭ ‬فأسلمت‭. ‬هكذا‭ ‬صارت‭ ‬أم‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬أسلموا‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الإسلام‭.‬

مرة‭ ‬أخرى‭ ‬لنعيد‭ ‬قراءة‭ ‬المشهد،‭ ‬الصديق‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬مسجي‭ ‬على‭ ‬فراشه‭ ‬والدماء‭ ‬تنسكب‭ ‬من‭ ‬وجهه،‭ ‬وهو‭ ‬يسأل‭ ‬عن‭ ‬صديق‭ ‬عمره‭ ‬وحبيبه‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يجيب‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬ربما‭ ‬لسبيين،‭ ‬أولهما‭: ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬الخبر،‭ ‬والسبب‭ ‬الآخر‭: ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حظرا‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬رجالات‭ ‬قريش‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يتواصل‭ ‬مع‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فلا‭ ‬يجد‭ ‬الصديق‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬إلا‭ ‬فاطمة‭ ‬بنت‭ ‬الخطاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬لتجيب‭ ‬عن‭ ‬تساؤلاته،‭ ‬لماذا‭ ‬فاطمة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه؟

لقدراتها‭ ‬القيادية‭ ‬ولشجاعتها،‭ ‬فلو‭ ‬لم‭ ‬تمتلك‭ ‬تلك‭ ‬القدرات،‭ ‬فهل‭ ‬يستدعيها‭ ‬الصديق‭ ‬حتى‭ ‬تخبره‭ ‬الخبر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬أن‭ ‬يأتيه‭ ‬به؟‭ ‬كتمانها‭ ‬هذا‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬انعكاسًا‭ ‬للحديث‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف‭ ‬‮«‬استعينوا‭ ‬على‭ ‬قضاء‭ ‬الحوائج‭ ‬بالكتمان‭ ‬لها‮»‬،‭ ‬بنت‭ ‬الخطاب‭ ‬فهمت‭ ‬الدرس‭ ‬بصورة‭ ‬جيدة‭ ‬ولم‭ ‬تتهور‭ ‬حتى‭ ‬أمام‭ ‬والدة‭ ‬الصديق‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم‭ ‬جميعًا،‭ ‬فالمعركة‭ ‬الفكرية‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬تأخذ‭ ‬مجرى‭ ‬جديدا‭ ‬من‭ ‬العنف،‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬الكتمان‭ ‬والحذر‭ ‬واجبان،‭ ‬فاستطاعت‭ ‬بذكاء‭ ‬أن‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬وتديره‭. ‬

ونقول،‭ ‬ألسنا‭ ‬بالفعل‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬امرأة‭ ‬قائدة‭ ‬هنا،‭ ‬وهذه‭ ‬بعض‭ ‬الصفات‭ ‬القيادية‭ ‬للمرأة‭ ‬المسلمة‭.‬

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا