تواجه التغطية الإعلامية في «الولايات المتحدة»، لحرب إسرائيل على غزة، واحتلالها للأراضي الفلسطينية؛ انتقادات متزايدة؛ بسبب انحيازها الواضح لإسرائيل، وتهميش معاناة الفلسطينيين، الذين يعانون تحت وطأة الاحتلال العسكري، واستخدام العنف. وفي هذا السياق، جاء إعلان فوز فيلم «لا أرض أخرى»، بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي خلال حفل توزيع الجوائز في «هوليوود»، ليسلط الضوء على القضية الفلسطينية. ووثّق «سام ماكنيل»، في صحيفة «الإندبندنت»، جهود مخرج الفيلم، الناشط الفلسطيني «باسل عدرا»، الذي خاطر بالاعتقال أثناء توثيقه لعملية تدمير منطقة «مسافر يطا»، بمحافظة الخليل على يد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.
وتصدرت انتقادات صانع الفيلم، للتواطؤ الأمريكي في جرائم الحرب الإسرائيلية بغزة، والأراضي الفلسطينية المحتلة، عناوين الأخبار في وسائل الإعلام الغربية. وأقر «جون هالتيوانجر»، من مجلة «فورين بوليسي»، بأن الاعتراف الدولي بالفيلم جاء في نفس الوقت الذي «تشرد فيه عشرات الآلاف من الفلسطينيين في الضفة الغربية»، جراء أكبر هجوم إسرائيلي منذ عِقدين، والذي رأى المراقبون أنه يمثل «تجسيدا لطموحات حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة لضم الضفة الغربية والقدس الشرقية بالكامل».
من جانبها، حذرت منظمات حقوقية من العواقب الوخيمة التي يتكبدها الفلسطينيون جراء حملة العنف الإسرائيلية، مشيرة إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة «لم ينهِ الانتهاكات، بل حوّل التركيز إلى الترهيب والاحتلال في الضفة الغربية». وذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أن خطر «الفظائع» بحق المدنيين الفلسطينيين بلغ «مستويات غير مسبوقة»، مع استمرار إسرائيل في «تكرار انتهاكاتها في غزة، بالضفة الغربية». وحذرت «منظمة العفو الدولية»، من «الخطر الوشيك»، للنزوح القسري للمدنيين – في انتهاك صارخ للقانون الدولي – بسبب التصاعد الملحوظ في الهجمات العنيفة من قبل المستوطنين غير الشرعيين.
وبحسب «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية»، كان عام 2024، هو الأسوأ من حيث عنف المستوطنين غير الشرعيين في الضفة الغربية، منذ أكثر من عشرين عامًا، حيث وقع 1860 حادث عنف أدى إلى نزوح 1762 شخصًا بين أكتوبر 2023 وديسمبر 2024. ومنذ الاتفاق على وقف إطلاق النار المؤقت بين إسرائيل وحماس؛ سجلت صحيفة «الجارديان»، كيف حول «نتنياهو»، وحلفاؤه المتطرفون في الائتلاف، انتباههم إلى تكرار «مأساة غزة»، في الضفة الغربية، بما في ذلك تفكيك مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وتشريد عشرات الآلاف من المدنيين، والنية المعلنة للاحتلال العسكري الكامل لمدة عام على الأقل.
ومنذ أطلق الجيش الإسرائيلي ما يُسمى «عملية الجدار الحديدي»، في 21 يناير 2025، سجلت «الأمم المتحدة»، نزوح أكثر من 40 ألف مدني فلسطيني من المدن، ومخيمات اللاجئين المجاورة في مدن جنين، وطولكرم، وطوباس. وأقر «بول آدامز»، من شبكة «بي بي سي»، بأن هذا هو «أكبر نزوح قسري للفلسطينيين من الضفة الغربية»، منذ احتلال إسرائيل لها في حرب عام 1967.
وسجلت «منظمة أكابس»، كيف أدت الهجمات الإسرائيلية على مخيم اللاجئين في جنين، وحي البساتين، ومنطقة الهدف، إلى استشهاد 25 شخصًا على الأقل مع نزوح أكثر من 90% من سكان المخيم البالغ عددهم 20 ألفًا إلى بقية جنين والقرى المحيطة. كما وصفت «مخيم الفارعة، في «طوباس»، بأنه «تحت الحصار»، في حين تم تسجيل نزوح أكثر من 12 ألف شخص من مخيم نور شمس قرب طولكرم، حيث قامت إسرائيل «بتعطيل الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك المياه، والكهرباء»؛ ما أدى إلى «تفاقم الأزمة الإنسانية». وروى «جيمس ماكنزي»، و«علي صوافطة»، من وكالة «رويترز»، كيف «فر السكان عن مخيم نور شمس، بكل ما أمكنهم حمله من متاع»، فيما كانت الجرافات الإسرائيلية «تهدم المباني وتدمر الطرق»؛ وبالتالي «تترك المخيم يشبه أنقاض غزة».
وتناولت «بيلين فرنانديز»، في مجلة «جاكوبين»، كيف أن إسرائيل – بينما كانت في «توقف عن الإبادة الجماعية» في غزة – أعادت تركيزها على «التطهير العرقي» في الضفة الغربية. ودعمًا لهذا التأكيد، لاحظ «مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان»، «العدد المتزايد»، من «عمليات القتل غير القانونية»، للمدنيين الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال، كما وثقت «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين»، «الأونروا»، كيف أدت «العمليات الإسرائيلية المتكررة والمدمرة»، إلى «جعل مخيمات اللاجئين الشمالية غير صالحة للسكن»، وبالتالي، «إبقاء السكان في نزوح مستمر». وأوضح «ماكنزي»، و«سوافطة»، أن الهجوم المستمر ضد أكبر مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، هو «محاولة تجريبية لتطهيرات أوسع نطاقا لاحقاً».
ومع هذا المستوى من الدمار، أدان «عمر شاكر»، من منظمة «هيومن رايتس ووتش»، تكرار إسرائيل لعملية تهجير الفلسطينيين الجماعي من غزة إلى الضفة الغربية، مشيرًا إلى أنه «لم يكن هناك أي مبرر قانوني معقول» لهذه الأفعال، وأنها «ترقى إلى جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية»، و«تطهير عرقي».
وبالتوازي مع تصاعد الحرب، وأعمال العنف، وتدمير الممتلكات الفلسطينية على يد الجيش الإسرائيلي، أكدت منظمة «أكابس»، على الزيادة الملحوظة في الهجمات العنيفة التي ينفذها المستوطنون غير الشرعيين في الضفة الغربية. واستشهدت «منظمة العفو الدولية»، بزيادة الهجمات ضد سكان منطقة «مسافر يطا»، مشيرة إلى أن هذه الهجمات المدعومة من الدولة، وتدابير القمع من قبل الحكومة الإسرائيلية، «تفاقمت بشكل كبير» منذ أكتوبر 2023، إلى درجة أن الفلسطينيين أصبحوا يواجهون «التهجير القسري». وأشارت «إيريكا روزاس»، من «منظمة العفو الدولية»، إلى جرائم تعدي المستوطنين غير الشرعيين في مختلف أنحاء الضفة الغربية على الأراضي الفلسطينية، وسرقتها، وشن الهجمات عليها «دون أي عقاب»، مضيفة أن سياسة إسرائيل التي تخلق «بيئة قسرية»، تهدف إلى طرد الفلسطينيين من أراضيهم، تعتبر «نقلًا غير قانوني» للسكان، وبالتالي، فهي «انتهاك خطير» لاتفاقية جنيف الرابعة، و«جريمة حرب».
وأشارت «فرنانديز»، إلى أن «التطهير العرقي»، الذي تمارسه إسرائيل في الضفة الغربية، «يمهد الطريق لضم» الأراضي الفلسطينية، وهو الهدف الرئيسي لأنصار اليمين في ائتلاف نتنياهو. وعند إضافة هذه الجريمة إلى عرقلة الحكومة اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس، واستيلائها على أراضٍ داخل سوريا، واحتفاظها بوجود عسكري كثيف في جنوب لبنان؛ ترى مجلة «الإيكونوميست»، أن التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية يشكل «جزءًا من تحول استراتيجي أوسع»، تسعى من خلاله إلى «الحفاظ على وجود جغرافي أكبر»، مدفوعًا بـ«ضغوط من الأحزاب اليمينية في الائتلاف الحاكم»، ومدعومًا بـ«ثقة نتنياهو في أنه يحظى بدعم إدارة ترامب»، التي لم تُظهر «أي بوادر لكبح جماح» جرائم حلفائها.
وكما كتبت «إيما جراهام هاريسون»، و«سفيان طه»، في صحيفة «الجارديان»، فإن هذا التطهير يعد «هدفًا جديدًا في الحرب متعددة الجبهات التي تخوضها إسرائيل»، لاسيما وأن النية المعلنة من وزير الدفاع الإسرائيلي، «إسرائيل كاتس»، بأن قواته ستحتل مواقع مخيمات اللاجئين، التي شُرد الآلاف منها، قد وصفتها «فرنانديز»، بأنها «إعلان تطهير عرقي بحكم الأمر الواقع».
بالإضافة إلى ذلك، سجلت «منظمة العفو الدولية»، أن غياب دور حكومات الدول الغربية – خاصة الولايات المتحدة – «سمح لسياسات الاستيطان الإسرائيلية، وعنف المستوطنين بالتفاقم» في الأراضي المحتلة، وأتاح لأولئك الذين ينفذون هذه الهجمات «إفلاتًا راسخًا من العقاب»، والمساءلة عن جرائم الحرب.
وفي سياق فشل هذه الحكومات في محاسبة إسرائيل على جرائم الحرب الواضحة التي ارتكبتها منذ بداية عملية «الجدار الحديدي» في 21 يناير في الضفة الغربية؛ لفتت «فرنانديز»، إلى أن «الاتحاد الأوروبي»، في اليوم التالي لإرسال إسرائيل دباباتها إلى الضفة، عقد «الاجتماع الثالث عشر لمجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل» في بروكسل، والذي شارك في رئاسته وزير الخارجية الإسرائيلي «جدعون ساعر»، دون أي إدانة تذكر لحكومته. ورأت «فرنانديز»، أن هذا الاجتماع كان «فرصة سانحة لانتقاد إسرائيل بسبب النزوح القسري الجماعي، والمذابح المستمرة في الضفة الغربية»؛ لكن الاتحاد الأوروبي، بدلاً من ذلك، شدد على «أهمية علاقاته الوثيقة» مع إسرائيل، مما يعكس حرصه على ترسيخ شراكته مع دولة تواصل ارتكاب جميع أشكال جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية».
أما في الولايات المتحدة، فقد أشار الرئيس «دونالد ترامب»، إلى أنه لم يتخذ بعد موقفًا رسميًا بشأن ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية، إلا أنه أكد في أوائل فبراير 2025، أنه سيعلن عن سياسته لاحقا. ومع ذلك، بدت توجهات حزبه الجمهوري واضحة من خلال دعم أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ لتشريع يمنع استخدام مصطلح «الضفة الغربية»، في الوثائق الحكومية عند الإشارة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويفرض اعتماد تسمية «يهودا والسامرة»، التي يتبناها المستوطنون المتطرفون في انتهاك للقانون الدولي.
وفي هذا السياق، جدد «شاكر»، دعوات المدافعين عن حقوق الإنسان، للدول الغربية الداعمة لإسرائيل سياسيًا، ودبلوماسيًا، وعسكريًا، وماليًا؛ بضرورة «اتخاذ إجراءات لمنع المزيد من الفظائع في الأراضي الفلسطينية المحتلة»، وذلك عبر «فرض عقوبات على المتورطين في الانتهاكات الجسيمة المستمرة، وتعليق نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وحظر التجارة مع المستوطنات غير القانونية، ودعم المحكمة الجنائية الدولية».
وفي الأخير، علقت «فرنانديز»، بالقول إن «الحملة المتصاعدة لإسرائيل، التي تشمل الإخلاء الجماعي، والتشريد، والتدمير، وترهيب الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية؛ تمثل «امتدادًا لنهج الإبادة الجماعية في غزة»، وهي تُنفذ أيضًا «بتواطؤ كامل من الولايات المتحدة وأوروبا»، اللتين تخلّتا بالكامل عن «الدعم الشفوي المتقطع لحقوق الفلسطينيين»، الذي كان يُعد سابقًا رد فعل تقليديًّا على الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لعقود.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك