صراع الطاقة بين الدول والسيطرة على الموارد مثل النفط والغاز والطاقة المتجددة، دول مثل روسيا وأمريكا والصين وأوروبا تتنافس على النفوذ في هذا المجال، وهذا يسبب توترات سياسية واقتصادية ضخمة وهو أحد أكبر التحديات التي يواجهها العالم اليوم، لأن الطاقة ليست مجرد مورد اقتصادي، بل هي سلاح جيوسياسي تستخدمه الدول للضغط والتحكم وصراع الطاقة ليس مجرد أرقام واقتصاديات بين الدول، بل تأثيره يصل مباشرة إلى حياة كل فرد في العالم.
تعود أسباب الصراع إلى النزعة في التحكم بمصادر النفط والغاز والأزمة بين روسيا وأوروبا مثال واضح خاصة بعد أزمة أوكرانيا، حيث استخدمت روسيا الغاز كورقة ضغط على أوروبا، كذلك أمريكا تحاول كسر هيمنة روسيا عبر تعزيز إنتاجها من النفط والغاز وتصديره لأوروبا وفي الوقت نفسه تحاول استمالة الدول النفطية وعقد تحالفات معها لتعزيز هذا الدور، دول كثيرة انهارت اقتصادياً بسبب الأزمات المرتبطة بالطاقة، مثل لبنان وسريلانكا.
وضمن صراع الطاقة متعددة الأشكال يأتي الصراع على الطاقة المتجددة، فالصين تسيطر على إنتاج الألواح الشمسية والبطاريات وهذا يجعلها لاعباً رئيسياً في مستقبل الطاقة النظيفة، ومن دون شك أمريكا وأوروبا لن تترك هذا المجال حكراً للصين فتحاولان تطوير صناعات الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على الصين، وكمصدر آخر للطاقة اليوم الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى الوصول إلى الطاقة الحرارية المخزنة في باطن الأرض لتوليد الكهرباء مدى الحياة وبطاقة نظيفة قليلة التكاليف مقارنة مع النفط.
كل دولة تسعى جاهدة إلى تأمين مواردها من الطاقة بأي وسيلة سواء عبر تحالفات سياسية أو حتى تدخلات عسكرية! مثلاً، تدخلات أمريكا في الشرق الأوسط كانت مرتبطة بشكل أساسي بالنفط، وخلال العقود القليلة الماضية شهد العالم طفرة في إنتاج الطاقة من مصادر متعددة، والمستقبل يُنبئ بابتكارات قد تغير مفاهيم كثيرة في مجال الطاقة، الشاهد أن التحول إلى الطاقة النظيفة أصبح أمراً واقعا رغم الصراع وهناك اتجاه عالمي نحو الطاقة المتجددة، لكن المشكلة أن الانتقال بطيء والتنافس اليوم يحتدم حول إيجاد تقنيات جديدة لإنتاج الطاقة وتطوير البطاريات ووسائل تخزين الطاقة المتجددة بأقل كلفة وأقل حيز وأكثر استدامة، وكذلك الاندماج النووي والهيدروجين الأخضر في حال نجاح هذه التقنيات ستحدث ثورة في مجال الطاقة وتصبح بعض الدول أقل اعتماداً على النفط والغاز، كل ذلك يأتي لتأمين المستقبل وتقليل الاعتماد على الطاقة المستوردة ومن يحل هذه المشكلة سيكون لديه قوة اقتصادية ضخمة، ومع ذلك ومنذ ظهور النفط واستخدامه في توليد الطاقة بدأً من وقت اكتشافه عام 1850م في أمريكا ما زالت قطارات الفحم الحجري تعمل بكل كفاءة في عديد من دول العالم ومنها أمريكا.
الصراع على الطاقة له عدة أوجه، وكل واحد منها يؤثر في السياسة، الاقتصاد، وحتى مستقبل البشرية، فالصراع الجيوسياسي بين الدول العظمى التي تتنافس على السيطرة على مصادر الطاقة يسبب حروبا ونزاعات سياسية كبيرة، فالطاقة محرك رئيسي للاقتصاد العالمي والتحكم بها يعني السيطرة على الأسواق العالمية وسلاسل الإمداد، وعندما تشتعل حرب أسعار النفط كخفض بعض الدول لأسعار النفط كما فعلت مجموعة أوبك بلس سابقاً يمكن أن تدمر اقتصاديات الدول المنتجة الأخرى.
في عام 1973، خلال حرب 6 أكتوبر بين مصر وإسرائيل دعمت الولايات المتحدة ودول غربية إسرائيل بالأسلحة والمساعدات، وكرد فعل قررت منظمة الدول العربية المصدرة للبترول بقيادة السعودية استخدام النفط كسلاح اقتصادي، فأمر الملك فيصل بن عبدالعزيز طيب الله ثراه بخفض إنتاج السعودية من النفط ثم فرض حظراً كاملاً على تصديره للغرب خاصة أمريكا وأوروبا، ونتيجة لذلك ارتفعت الأسعار بشكل جنوني في تلك الدول وتضاعف سعر النفط 4 مرات خلال شهور قليلة، مما أدى إلى أزمة اقتصادية في الغرب، في أمريكا الناس كانوا يقفون في طوابير طويلة للحصول على البنزين وبعض المحطات أغلقت تماماً والشركات والمصانع تأثرت والتضخم ارتفع وحدثت أزمة اقتصادية ضخمة في أوروبا وأمريكا.
ولعل هذه الأزمة دفعت أمريكا الى التقليل من استهلاكها من الوقود وتصنيع سيارات أقل استهلاكاً للطاقة، في 1974، انتهى الحظر بعد وساطات دبلوماسية، لكن تأثيره كان عميقاً، وبدأت أمريكا تبحث عن استقلالها في الطاقة، وزاد إنتاجها من النفط الصخري لاحقاً، أما أوروبا فقللت اعتمادها على النفط العربي وبدأت الاستثمار في مصادر طاقة جديدة، من جانب آخر السعودية والعالم العربي أدركوا قوة النفط كورقة ضغط سياسية واقتصادية كبيرة فالطاقة ليست مجرد اقتصاد، بل سلاح جيوسياسي والحاجة إلى الطاقة المتجددة زادت بسبب هذه الأزمة التي شكلت منعطفًا في عالم الطاقة.
فيلم الخيال العلمي «نواة الطاقة»Core Energy الذي تدور أحداثه عن عالم عبقري يُدعى إلياس كارتر الذي ينجح باختراع كبسولة طاقة نانوية بحجم حبّة دواء، قادرة على تشغيل مدينة بأكملها مدة 50 عاماً دون أي انبعاثات أو نفايات، لكن عندما يُعلن اختراعه تصبح الكبسولة الهدف الأول لكبرى الشركات والحكومات، التي ترى فيها تهديداً لمليارات الدولارات التي تجنيها من النفط والغاز، ويكتشف الفيلم أن بعض الحكومات الكبرى تعمدت إخفاء تقنيات نظيفة منذ عقود للحفاظ على سيطرتها على سوق الطاقة.
الخلاصة: هل ستسمح الشركات الكبرى للعالم بالوصول إلى طاقة لا نهائية دون تحكمها؟ وهل يمكن للعلم إنقاذ البشرية أم أن المصالح الاقتصادية ستنتصر دائما؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك