العدد : ١٧١٥٧ - الجمعة ١٤ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٤ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٥٧ - الجمعة ١٤ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٤ رمضان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مخاطر تسييس حرية الرأي والتعبير في أمريكا

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الجمعة ١٤ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

كل‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬تدَّعي‭ ‬بأنها‭ ‬توفر‭ ‬هامشاً‭ ‬كبيراً‭ ‬وتُقدم‭ ‬ميداناً‭ ‬واسعاً‭ ‬للشعوب‭ ‬لتعبر‭ ‬عن‭ ‬رأيها‭ ‬وفكرها‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬اختلف‭ ‬عن‭ ‬رأي‭ ‬الدولة،‭ ‬كما‭ ‬تُصرح‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬بأن‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬والرأي‭ ‬مكفولة‭ ‬ومصونة‭ ‬ويدعمها‭ ‬دستور‭ ‬وتشريعات‭ ‬الدولة‭.‬

ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الادعاءات‭ ‬لكي‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬مصداقية‭ ‬وواقعية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُترجم‭ ‬في‭ ‬قُدرة‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬على‭ ‬النقد‭ ‬وطرح‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬بدون‭ ‬رقابة‭ ‬مشددة،‭ ‬أو‭ ‬ملاحقة‭ ‬قضائية‭ ‬وعقاب‭ ‬غليظ‭. ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنعكس‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬إعطاء‭ ‬الحرية‭ ‬للأفكار‭ ‬المختلفة‭ ‬والمتنوعة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تترجم‭ ‬هذه‭ ‬الادعاءات‭ ‬في‭ ‬منح‭ ‬الحريات‭ ‬في‭ ‬أبحاث‭ ‬ودراسات‭ ‬مراكز‭ ‬البحوث‭ ‬والجامعات‭ ‬ومراكز‭ ‬الفكر،‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬لديها‭ ‬الصلاحية‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬نوعية‭ ‬الدراسات،‭ ‬والقضايا‭ ‬التي‭ ‬تعالجها،‭ ‬والمواضيع‭ ‬التي‭ ‬تتناولها‭.‬

ولذلك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬تفشل‭ ‬عند‭ ‬التجربة‭ ‬الأولى،‭ ‬وترسب‭ ‬في‭ ‬الامتحان‭ ‬الأول،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬أكبر‭ ‬الدول‭ ‬تقدماً‭ ‬وتطوراً،‭ ‬وأكثرها‭ ‬ادعاءً‭ ‬بتطبيق‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬الشعب‭ ‬لإبداء‭ ‬رأيه،‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬فكره،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬وتشجيع‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬والفكري‭ ‬والديني‭.‬

فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬ممارسات‭ ‬غير‭ ‬ديمقراطية‭ ‬بعد‭ ‬تولي‭ ‬ترامب،‭ ‬بحسب‭ ‬ادعائه‭ ‬شخصياً‭ ‬بأنه‭ ‬ملك،‭ ‬زمام‭ ‬الحكم‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬فأظهر‭ ‬بشكلٍ‭ ‬علني‭ ‬ومشهود‭ ‬وقوي‭ ‬سياساته‭ ‬الضيقة‭ ‬الأحادية‭ ‬الجانب‭ ‬ضد‭ ‬الآراء‭ ‬والمواقف‭ ‬المخالفة‭ ‬له،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬توجهاته‭ ‬المسيحية‭ ‬الصهيونية‭ ‬المتطرفة‭. ‬فالرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬ذكرني‭ ‬بفرعون‭ ‬مصر‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬لشعبه،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭: ‬‮«‬ما‭ ‬أُريكم‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬أرى،‭ ‬وما‭ ‬أهديكم‭ ‬إلا‭ ‬سبيل‭ ‬الرشاد‮»‬‭. ‬فالرأي‭ ‬الصواب‭ ‬رأي‭ ‬ترامب،‭ ‬والفكر‭ ‬السليم‭ ‬هو‭ ‬فكر‭ ‬ترامب،‭ ‬والسياسة‭ ‬الصحيحة‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬سياسته،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يحارب‭ ‬بسلاح‭ ‬القانون‭ ‬والقضاء‭ ‬المسيس،‭ ‬وبسلاح‭ ‬التضييق‭ ‬المالي‭ ‬ومنع‭ ‬الدعم‭ ‬والمساعدات،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬سلاح‭ ‬الطرد‭ ‬من‭ ‬الوظيفة‭ ‬والترهيب‭. ‬ولذلك‭ ‬قد‭ ‬نفذ‭ ‬ترامب‭ ‬سياسة‭ ‬الرأي‭ ‬الواحد،‭ ‬والفكر‭ ‬الواحد،‭ ‬والتعبير‭ ‬الواحد‭ ‬على‭ ‬الجامعات‭ ‬ومراكز‭ ‬البحوث،‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬حدٍ‭ ‬سواء،‭ ‬واستخدم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أسلوب‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬والمتأخرة،‭ ‬أي‭ ‬أسلوب‭ ‬الحكم‭ ‬‮«‬البوليسي‮»‬‭ ‬لتنفيذ‭ ‬جدول‭ ‬أعماله،‭ ‬أي‭ ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬قام‭ ‬ترامب‭ ‬بتسييس‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬والفكر‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬دائرة‭ ‬رأيه‭ ‬وسياساته‭ ‬ومواقفه‭.‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬تنفيذ‭ ‬سياساته‭ ‬وتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬المرجوة‭ ‬منها،‭ ‬وبخاصة‭ ‬تلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية،‭ ‬ومعاداة‭ ‬الصهيونية‭ ‬والكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬قام‭ ‬بتشكيل‭ ‬فريق‭ ‬عمل‭ ‬متخصص‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬فريق‭ ‬عمل‭ ‬مكافحة‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‮»‬‭ (‬Task‭ ‬Force‭ ‬to‭ ‬Combat‭ ‬Anti‭-‬Semitism‭). ‬ويتكون‭ ‬أعضاء‭ ‬الفريق‭ ‬من‭ ‬‮«‬إدارة‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‮»‬،‭ ‬ووزارة‭ ‬التربية،‭ ‬ووزارة‭ ‬الصحة‭ ‬والخدمات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ووزارة‭ ‬العدل،‭ ‬ومكتب‭ ‬التحقيقات‭ ‬الفيدرالية‭. ‬والهدف‭ ‬الرئيس،‭ ‬والمهمة‭ ‬الأساسية‭ ‬لفريق‭ ‬العمل‭ ‬هو‭ ‬‮«‬استئصال‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬السامية‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعات‮»‬،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬التضامن‭ ‬الكبير‭ ‬والواسع‭ ‬النطاق‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬جامعات‭ ‬أمريكا‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ومواقفهم‭ ‬المعارضة‭ ‬للإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬فاستشهد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬47‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭.‬

وكانت‭ ‬الضحية‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تقتدي‭ ‬بها‭ ‬باقي‭ ‬الجامعات‭ ‬لهذه‭ ‬الفرقة‭ ‬البوليسية‭ ‬هي‭ ‬جامعة‭ ‬كولومبيا‭ ‬العريقة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬نيويورك،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬إلغاء‭ ‬400‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬بشكلٍ‭ ‬فوري‭ ‬من‭ ‬المنح‭ ‬والعقود‭ ‬التي‭ ‬تُعطى‭ ‬للجامعة،‭ ‬حيث‭ ‬برَّر‭ ‬الفريق‭ ‬هذا‭ ‬الترهيب‭ ‬والابتزاز‭ ‬المالي‭ ‬للجامعة‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬منشور‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭: ‬‮«‬الجامعة‭ ‬استمرت‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬اتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬جادة‭ ‬لمواجهة‭ ‬المضايقات‭ ‬ضد‭ ‬الطلبة‭ ‬اليهود‭ ‬ومعاداة‭ ‬السامية‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬نشرت‭ ‬‮«‬إدارة‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‮»‬‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬2025‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬التعسفي‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬رسمي‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬والخدمات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ووزارة‭ ‬التربية،‭ ‬وإدارة‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬تعلن‭ ‬إلغاء‭ ‬أولي‭ ‬للمنح‭ ‬والعقود‭ ‬إلى‭ ‬جامعة‭ ‬كولومبيا‭ ‬بقيمة‭ ‬400‭ ‬مليون‭ ‬دولار‮»‬‭. ‬فهذا‭ ‬التضييق‭ ‬المالي‭ ‬الأولي‭ ‬على‭ ‬الجامعة،‭ ‬وهذا‭ ‬الابتزاز‭ ‬والضغط‭ ‬عليها‭ ‬لتكون‭ ‬أقل‭ ‬تحملاً‭ ‬لحرية‭ ‬التعبير‭ ‬والرأي،‭ ‬يرهب‭ ‬إدارة‭ ‬الجامعة‭ ‬ويضطرها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬تشدداً‭ ‬لمن‭ ‬يبدي‭ ‬رأيه‭ ‬دعماً‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬يعارض‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للشعب‭ ‬المحاصر‭ ‬والأعزل‭. ‬فالمطلوب‭ ‬إذن‭ ‬لكي‭ ‬يرضى‭ ‬ترامب‭ ‬عن‭ ‬الجامعات‭ ‬ويمنحها‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬الاتحادي‭ ‬عدم‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كلياً،‭ ‬وعدم‭ ‬السماح‭ ‬للطلبة‭ ‬بإبداء‭ ‬الرأي‭ ‬حول‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬وكأنها‭ ‬لم‭ ‬تقع‭ ‬أمامنا،‭ ‬ولم‭ ‬نشاهدها‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬انتقاد‭ ‬قتل‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والشيوخ،‭ ‬والسكوت‭ ‬على‭ ‬هدم‭ ‬المستشفيات‭ ‬والكنائس‭ ‬والمساجد،‭ ‬والصمت‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬الشعب‭ ‬برمته‭. ‬فلا‭ ‬يبدي‭ ‬أي‭ ‬طالب‭ ‬أية‭ ‬عاطفة،‭ ‬أو‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬شعور‭ ‬إنساني،‭ ‬أو‭ ‬إحساس‭ ‬بشري‭ ‬مع‭ ‬الشهداء،‭ ‬والضحايا،‭ ‬والثكالى،‭ ‬والمرضى،‭ ‬واليتامى،‭ ‬والأرامل،‭ ‬والمعوقين‭ ‬بسبب‭ ‬حرب‭ ‬الصهاينة‭ ‬الهمجية‭ ‬والبربرية‭ ‬على‭ ‬شعب‭ ‬غزة‭ ‬ومخيمات‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وإذا‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬فهو‭ ‬سيكون‭ ‬متهماً‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية‭ ‬وسيعتقل‭ ‬ويطرد‭ ‬فوراً‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭! ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬الضحية‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الطلبة‭ ‬لتسييس‭ ‬وقمع‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬هو‭ ‬الأمريكي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأصل‭ ‬محمود‭ ‬خليل‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬البطاقة‭ ‬الخضراء‭ ‬واعتُقل‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬السكن‭ ‬الطلابي‭ ‬في‭ ‬الجامعة،‭ ‬وقد‭ ‬صرح‭ ‬ترامب‭ ‬مرهباً‭ ‬الطلبة‭ ‬الآخرين‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الاعتقال‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الاعتقالات‭ ‬القادمة‮»‬‭.  ‬

وأما‭ ‬القطاع‭ ‬الثاني‭ ‬غير‭ ‬قطاع‭ ‬الجامعات‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تسييس‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬فيه‭ ‬فهو‭ ‬السلطة‭ ‬الرابعة،‭ ‬أو‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭. ‬فقبل‭ ‬دخول‭ ‬ترامب‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬مواقف‭ ‬معادية‭ ‬لوسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬وكان‭ ‬دائماً‭ ‬يهددها‭ ‬ويسخر‭ ‬منها،‭ ‬وتم‭ ‬تفعيل‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬الآن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مسك‭ ‬عصا‭ ‬السلطة‭ ‬التي‭ ‬بدأ‭ ‬يضرب‭ ‬فيها‭ ‬بشدة‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬الإعلامية‭. ‬واستخدم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬عدة‭ ‬أدوات‭ ‬لكبح‭ ‬جماح‭ ‬الإعلام،‭ ‬وترويضها،‭ ‬وجعلها‭ ‬تردد‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬ويصرح‭ ‬به‭ ‬كصدى‭ ‬الصوت،‭ ‬مثل‭ ‬أداة‭ ‬الدعوات‭ ‬القضائية،‭ ‬وأداة‭ ‬إدارية‭ ‬تهميشية‭ ‬وإقصائية‭ ‬للوسائل‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬رأيه‭ ‬وسياساته‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الدعوات‭ ‬القضائية‭ ‬فقد‭ ‬رفع‭ ‬قضية‭ ‬ضد‭ ‬المحطة‭ ‬التلفزيونية‭ ‬الإخبارية‭ ‬الشهيرة‭ ‬‮«‬أي‭ ‬بي‭ ‬إس‮»‬،‭ ‬وتوصل‭ ‬معهم‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬بحيث‭ ‬دفعت‭ ‬المحطة‭ ‬مبلغ‭ ‬15‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬رفعها‭ ‬ضد‭ ‬المحطة‭ ‬التلفزيونية‭ ‬الشهيرة‭ ‬‮«‬سي‭ ‬بي‭ ‬إس‮»‬‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬القضائية‭ ‬المالية‭ ‬فقد‭ ‬استخدم‭ ‬أسلوب‭ ‬الإقصاء‭ ‬والتهميش،‭ ‬حيث‭ ‬منع‭ ‬وكالة‭ ‬‮«‬أسوشييتد‭ ‬برس‮»‬‭ ‬المعروفة‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬وحظر‭ ‬تغطيتهم‭ ‬لأخبار‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬تقديمهم‭ ‬وتبنيهم‭ ‬لآراء‭ ‬مخالفة‭ ‬لترامب‭. ‬كما‭ ‬أصبح‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬الآن‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يختار‭ ‬الشبكات‭ ‬الإعلامية‭ ‬التي‭ ‬تحضر‭ ‬المؤتمرات‭ ‬الصحفية‭ ‬الدورية‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬حيث‭ ‬يركز‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬اليمينية‭ ‬المسيحية‭ ‬والصهيونية‭ ‬المتشددة،‭ ‬حتى‭ ‬يسيس‭ ‬آراءهم‭ ‬ويضمن‭ ‬نشرهم‭ ‬لسياساته،‭ ‬ومواقفه‭ ‬دون‭ ‬انتقاد،‭ ‬أو‭ ‬معارضة،‭ ‬فتتحول‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬إلى‭ ‬أبواق‭ ‬عمياء‭ ‬تكرر‭ ‬وتنقل‭ ‬فقط‭ ‬آراء‭ ‬وسياسات‭ ‬حكومة‭ ‬ترامب‭.‬

والمشكلة‭ ‬العظمى‭ ‬الآن‭ ‬ستكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬الفكري‭ ‬العقيم‭ ‬لن‭ ‬يتفشى‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬أمريكا‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬سينتقل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬عبر‭ ‬البحار‭ ‬والمحيطات،‭ ‬فيُعدي‭ ‬ويلوث‭ ‬سياسات‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬ستتأثر‭ ‬به،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬لم‭ ‬ينتظر‭ ‬طويلاً‭ ‬للإفصاح‭ ‬عن‭ ‬نواياه‭ ‬التوسعية‭ ‬الجغرافية‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬وفرضْ‭ ‬سياساته‭ ‬وآرائه‭ ‬المتطرفة‭ ‬والمنحازة‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬خارج‭ ‬أمريكا،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يصبر‭ ‬قليلاً‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬موعد‭ ‬تنصيبه‭ ‬رئيساً‭ ‬رسمياً‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ليؤكد‭ ‬طموحاته‭ ‬الاستعمارية‭ ‬لدول‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بالسيادة‭ ‬والحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬سواء‭ ‬بالقوة‭ ‬العسكرية‭ ‬التقليدية‭ ‬المعروفة،‭ ‬أو‭ ‬بسلاح‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬أو‭ ‬بالترهيب‭ ‬والابتزاز‭. ‬ففي‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬2025‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬الصحفي‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬خططه‭ ‬للانقضاض‭ ‬على‭ ‬الدول،‭ ‬وضمها‭ ‬إلى‭ ‬إمبراطورتيه‭ ‬الواسعة‭ ‬بحجج‭ ‬بالية‭ ‬ووهمية‭ ‬منها‭ ‬ضروريات‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وتعميم‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬وحماية‭ ‬العالم‭ ‬الحر،‭ ‬مثل‭ ‬جزيرة‭ ‬جرينلاند،‭ ‬وقناة‭ ‬باناما،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ضم‭ ‬كندا‭ ‬لتُصبح‭ ‬الولاية‭ ‬رقم‭ (‬51‭) ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬كما‭ ‬قام‭ ‬بتغيير‭ ‬الاسم‭ ‬التاريخي‭ ‬لخليج‭ ‬المكسيك‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬خليج‭ ‬أمريكا‮»‬‭.‬

فكل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬يؤكد‭ ‬واقعية‭ ‬الحُكم‭ ‬الدكتاتوري‭ ‬التوسعي‭ ‬وسياسة‭ ‬رأي‭ ‬الفرد‭ ‬الواحد‭ ‬فقط،‭ ‬والعمل‭ ‬بشدة‭ ‬على‭ ‬تسييس‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المستويات‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭ ‬لتتوافق‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الحُكم،‭ ‬بحيث‭ ‬إن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬التلوث‭ ‬الفكري‭ ‬والتنمر‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث،‭ ‬أو‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬غير‭ ‬المتحضرة‭ ‬التي‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬حرية‭ ‬كاملة‭ ‬للرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬والفكر‭ ‬المتنوع‭ ‬والمختلف‭.‬

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا