في خلال فترة زمنية قصيرة، أمكن للمرأة الخليجية أن تحقق انتقالاً من حالة المجتمع التقليدي، الذي يحصر دورها داخل المنزل لتنشئة الأطفال ورعاية الأسرة، إلى الحداثة، كشريك للرجل في الحياة العامة وسوق العمل، إلى جانب واجباتها المنزلية والأسرية، وهو ما يعد بحق نقلة حضارية، غيرت الصورة الذهنية عن دول مجلس التعاون الخليجي، ما يعد نموذجًا فريدًا في التنمية الاجتماعية، يقف عنده بإجلال الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، الذي يقع في الثامن من مارس من كل عام.
ويرجع هذا الصعود الحضاري إلى وجود إرادة سياسية، ونزوع قوي للإصلاح من قبل قادة دول المجلس من ناحية، وقبول اجتماعي نتيجة الأداء المتميز للمرأة الخليجية في المجالات التي ولجت إليها من ناحية أخرى، وإن كان هذا القبول بداية قد حصر مجال مشاركتها في التدريس والتمريض، إلا أن القناعة الاجتماعية بإيجابية دورها، فتحت أمامها كل المجالات، وكان العنصر المشترك الذي مكن المرأة الخليجية، هو ولوجها إلى مجال التعليم الرسمي، حيث أكسبها إلى جانب المعارف قدرات الإدارة والقيادة.
إلى هذا تقف مملكة البحرين في مكان الريادة، لتصنع مُجمع خبرة بدأته في 1928 حين بدأ التعليم الرسمي للبنات، ليكون نقطة انطلاق لحركة نسائية، أنشأت جمعياتها الخاصة بها، إضافة إلى لجان المرأة في الجمعيات الأخرى، لتظل هذه الحركة النسائية حركة مطلبية، حتى تضمن المشروع الإصلاحي للملك حمد، إنشاء المجلس الأعلى للمرأة، في 2001، كمؤسسة رسمية معنية بتمكينها والنهوض بأوضاعها، وجاء ميثاق العمل الوطني والدستور يكفلان لها كل حقوقها المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، ويوجها المُشرع إلى إعادة النظر في القوانين القائمة، واستحداث قوانين أخرى تمكن المرأة البحرينية من هذه الحقوق، وجعلا مبدأ تكافؤ الفرص حاكمًا لقاعدة المساواة، واستحداث آليات تتابع مدى الالتزام به.
وبمقتضى الاستراتيجية والخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية، أمكن في فترة وجيزة سد الفجوة بين الجنسين في كل المجالات، وغدت المرأة تشارك بفعالية في صناعة القرار بنسبة عضوية في مجلس النواب تبلغ 20%، وفي مجلس الشورى 25%، وفي المجالس البلدية 17.5%، وترأست مجلس النواب، وشغلت العديد من مناصب السلطة التنفيذية: كوزيرة (5)، ووكيلة وزارة (6)، ووكيلة وزارة مساعدة (34)، فضلاً عن توليها العديد من الإدارات والأقسام الحكومية، وفي المجال الدبلوماسي 15% من إجمالي السفراء، و32% من الوظائف الدبلوماسية، و19% في المناصب القيادية في وزارة الخارجية، وترأست الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما شغلت في المناصب القيادية في التعليم العالي 46%، والوظائف الأكاديمية 49%، وفي المشاركة الاقتصادية بلغت نسبتها في القطاع الخاص 35%، وفي القطاع العام 55% من إجمالي العمالة البحرينية، و47% من إجمالي أصحاب الأعمال.
وكانت الإرادة السياسية التي مكنت المرأة البحرينية من هذا الصعود، هي التي جعلت الحكومة تتبنى في برامج عملها إدماج المرأة في التنمية، وتبني تقرير التوازن بين الجنسين، ومرصده، كأهم آليات المتابعة، فيما يعد الاستقرار الأسري عنصرًا حاكمًا ترعاه الدولة، محققًة للمرأة التوازن بين عملها وواجباتها الأسرية.
وفي الإمارات، يُنظر للمرأة كشريك أساسي مؤثر في مواجهة التحديات وتحقيق التنمية الشاملة، وكان إنشاء الاتحاد النسائي العام، في 1975 نقطة البداية المؤسسية لرحلة صعود المرأة الإماراتية، حيث أطلق الاستراتيجية الوطنية لتقدم المرأة في 2002، وبمقتضى قرار سيادي غدت المرأة تشكل نصف مقاعد المجلس الوطني الاتحادي، لتصبح الإمارات الأولى عربيًا وخليجيًا في نسبة عضوية المرأة في البرلمان، والثالثة عالميًا، وفي تشكيل الحكومة 9 نساء يشغلن حقائب وزارية، كما تشغل 42.5% من إجمالي الوظائف الدبلوماسية؛ منها 9 سفيرات وقنصل عام.
وفي سوق العمل تمثل المرأة 46.6% من إجمالي القوة العاملة الإماراتية، و66% من وظائف القطاع العام، منها 30% في مراكز صناعة القرار، و15% من الوظائف الفنية، ويستحوذ قطاعا التعليم والصحة على النسبة الأكبر (64% لكل منهما)، وتبلغ نسبة هذه المشاركة 31% في الخدمات المالية والبنوك والتأمين، وبلغ عدد الشركات المرخصة والمملوكة للنساء أكثر من 80 ألفا، كما بلغت نسبة مشاركتها في محطات براكة النووية أكثر من 10%، وفي مشروع مسار الأمل إلى المريخ 34% من فريق العمل و80% من الفريق العلمي للمسار، كما شغلت 55.6% في مجلس علماء الشباب، و37.5% في مجلس علماء الإمارات، وفي قطاع التعليم زاد إقبال الإناث على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حتى بلغت نسبة الخريجات أكثر من 49.5%، كما زاد إقبالهن على دراسة العلوم الهندسية والحديثة، وشكلن أكثر من 80% من طلاب مؤسسات التعليم العالي الحكومية، و70% من خريجي الجامعات.
وفي السعودية، تجاوزت مشاركة المرأة في سوق العمل مستهدف 2030، فبلغت 37% من إجمالي العمالة السعودية، وتفوق القطاع الخاص على القطاع الحكومي في توظيف النساء، فبلغت نسبتها في الوظائف الحكومية 40%، مقابل نحو 60% في القطاع الخاص والأهلي، وكان التعليم والتجارة والصحة هي القطاعات الأكثر جذبًا لهن، وشكلت سياسة سعودة الوظائف وإطلاق استراتيجية سوق العمل في 2020، وتدشين جامعات مشتركة بين الجنسين، قوة دفع لمشاركتها، وقد حصدت هذه الجهود إشادة دولية، حيث اعترف تقرير البنك الدولي، المرأة وأنشطة الأعمال والقانون في 2020؛ بالسعودية كأفضل دولة محققة للإصلاحات في شؤون تمكين المرأة على مستوى العالم، مما عزز من مشاركتها الاقتصادية، وأسهم في إطلاق العديد من المشروعات والمبادرات الداعمة لمساواتها بالرجل.
وفي هذا السياق، شجعت الحكومة المرأة السعودية على ولوج سوق العمل، من خلال ضيافة أطفال المرأة العاملة، ودعم انتقالها، وإعانات شهرية، كما شجعتها على ريادة الأعمال، حتى صارت النساء يمتلكن أكثر من 45% من الشركات الصغيرة والمتوسطة، فيما يتجاوز عدد السيدات الناشطات في سوق الأسهم أكثر من 1.5 مليون سيدة، كما ارتفع عدد النساء القياديات في سوق العمل إلى 1707، ووصلت نسبة النساء في الوظائف الإدارية المتوسط والعليا إلى 43.8%.
وكان دخول المرأة السعودية مجلس الشورى، لأول مرة في 2013 بناءً على مبادرة العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود، ليتبنى المجلس الإصلاحات الداعمة لمشاركة المرأة ويبلغ عدد النساء في مجلس الشورى 30 من إجمالي 150، أي أن خمس أعضاء المجلس من النساء، وتولت المرأة منصب مدير تنفيذي في عملاق النفط السعودي أرامكو، كما تولت منصب السفير لدى الولايات المتحدة، ورئاسة هيئة حقوق الإنسان بمرتبة وزير، والمندوب الدائم للسعودية لدى الأمم المتحدة، ونائب وزير، والمدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة السياحة العالمية، ومناصب أكاديمية رفيعة، كمركز التميز في طب النانو في جامعة كاليفورنيا، كما شغلت منصب الأمين العام لمجلس الوزراء السعودي.
أما في الكويت، فقد أكدت المرأة وجودها على كل المستويات، وشغلت العديد من المناصب في سلطات الدولة والقطاع الخاص، وبدأت تمارس حقوقها السياسية في الترشح والانتخاب لعضوية مجلس الأمة من 2005، وفي 2009 شغلت أربعة مقاعد من إجمالي 50 مقعدا، وأكدت على مر العقود جدارتها، وكفل الدستور الكويتي سد الفجوة بين الجنسين في كل المجالات وتحقيق المساواة، حتى غدت المرأة الكويتية تشكل 58% من إجمالي العمالة في القطاع العام، و48% في القطاع الخاص، فيما يبلغ عددهن في وزارة الخارجية 144 دبلوماسية بنسبة 22%، وفي القضاء 19 قاضية، و88 وكيلة نيابة، وأكثر من 70% من الطلاب والباحثين في مجالات العلوم والهندسة والرياضيات والتكنولوجيا، ووصلت نسبة تشكيل المرأة كوزيرة، ووكيلة وزارة، ووكيلة مساعدة 28% في جميع قطاعات الدولة، و41% في المناصب القيادية في بنك الكويت المركزي، واشتمل التشكيل الوزاري في 2024 تعيين وزيرة للأشغال ووزيرة للشؤون الاجتماعية ووزيرة دولة لشؤون الشباب.
وحرصت القيادة العُمانية على تحقيق المشاركة الفاعلة للمرأة في مسيرة التنمية، حتى بلغ معدل مشاركتها في قوة العمل 32.1%، منها 41% في القطاع الحكومي، و59% في القطاع الخاص والأهلي، فيما بلغ عدد سيدات الأعمال أكثر من 14 ألفا. وفي العمل البرلماني، بلغت نسبة وجودها في مجلس الدولة 17.6%، وميز قانون العمل الجديد المرأة بشكل إيجابي، من حيث الإجازات، وساعات الراحة المقدمة لها بمناسبة الوضع لتحقيق التوفيق بين عملها ورعاية الأسرة، وتشكل المرأة 31% من إجمالي موظفي وزارة الخارجية، و20% من إجمالي البعثات الدبلوماسية في الخارج، فيما بلغ عدد الوزيرات 3 في التشكيل الوزاري الجديد، وعدد وكيلات الوزارة 4.
وفي قطر، شغلت المرأة منصب الوزير، والمندوب الدائم للدولة لدى الأمم المتحدة، والسفيرة لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة، ونائب رئيس لمجلس الشورى، ورئيس جامعة قطر، وتتجاوز نسبتها في شغل الوظائف التخصصية 52%، وتتجاوز نسبة خريجات التعليم العالي 70%، وتشكل نسبة 37% في سوق العمل، وفي مواقع صنع القرار 30%، وفي مجلس الشورى 4 عضوات من إجمالي 30 عضوا، كما شغلت منصب الوزير من عام 2003، وشمل التعديل الوزاري الأخير في شهر نوفمبر الماضي تعيين وزيرة للتنمية الاجتماعية والأسرة، ووزيرة للتربية والتعليم والتعليم العالي، ووزيرة دولة للتعاون الدولي.
على العموم، صعود قياسي حققته المرأة الخليجية في فترة وجيزة، إيمانًا من قادة دول مجلس التعاون الخليجي، بأن الاستثمار في تمكين المرأة ونهوضها، فضلاً عن أنه يقلل من الحاجة إلى العمالة الوافدة، ويرفع من مستوى معيشة الأسرة؛ فإنه استثمار في البناء الوطني، سواء من حيث جودة التنشئة لأجيال تبني وتقود الوطن في المستقبل، أو إضافة قدرات لهذا البناء كانت معطلة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك